
لطالما شكلت المنظومة المالية لجماعة الإخوان المسلمين العمود الفقري لاستمراريتها وتأثيرها عبر العالم، فقد نجحت الجماعة في بناء شبكة استثمارات ضخمة تغطي قارات عدة، تديرها باحترافية عالية لضمان التمويل المستدام لأنشطتها السياسية والاجتماعية. وبعد وفاة يوسف ندا، أحد أبرز مهندسي هذه المنظومة الاقتصادية، يثار الجدل حول الشخصيات التي يمكن أن تخلفه في قيادة هذه الشبكة، وكيف سيؤثر غيابه على استقرار الإمبراطورية المالية للجماعة.
حجم استثمارات الإخوان: شبكة ممتدة عالمياً
تُقدّر ثروة جماعة الإخوان واستثماراتها بمليارات الدولارات موزعة بين مشاريع صناعية وتجارية، وأصول عقارية، وأسهم في شركات كبرى، وتمتلك الجماعة مؤسسات مالية منتشرة في دول عدة، تشمل بنوكاً وصناديق استثمار وشركات واجهة تُدار بطرق معقدة للتهرب من أيّ رقابة أو تجميد محتمل للأصول. وبحسب دراسة أعدها المركز الأوروبي لمكافحة الإرهاب والاستخبارات، تُعدّ تركيا وماليزيا وسويسرا وقطر من أبرز الدول التي تحتضن استثمارات كبيرة للجماعة.
الباحث في شؤون الحركات الإسلامية أحمد سلطان يشير إلى أنّ يوسف ندا كان يتمتع بمهارة استثنائية في إخفاء مصادر التمويل وحماية أموال الجماعة من الملاحقات القانونية، وهو ما مكّن الجماعة من مواجهة العقوبات الدولية في أكثر من مناسبة، ويضيف سلطان أنّ غياب ندا ترك فراغاً كبيراً، حيث إنّ الشبكة التي بناها تعتمد بشكل كبير على علاقاته الشخصية وشبكة معارفه الممتدة عبر العالم.
الأسماء المرشحة لإدارة الإمبراطورية المالية
بعد وفاة يوسف ندا يبرز تساؤل حول من يمكنه قيادة المنظومة المالية لجماعة الإخوان. ويُعدّ إبراهيم منير، الذي تولى مهام القائم بأعمال المرشد العام قبل وفاته في أواخر 2022، أحد الأسماء البارزة التي كانت لها خبرة واسعة في الشؤون المالية، إلا أنّ رحيله فتح الباب أمام شخصيات أخرى، مثل محمود حسين الذي يُعتقد أنّه يتمتع بنفوذ كبير في الدائرة المالية للجماعة، خاصة في تركيا وماليزيا.
تشكّل المنظومة الاقتصادية لجماعة الإخوان إحدى أهم أدواتها لضمان بقائها واستمرار تأثيرها عالمياً. وتعمل الجماعة على تمويل أنشطتها السياسية والدعوية من خلال شبكة الاستثمارات والأموال التي تجنيها من مصادر متعددة، بما في ذلك التبرعات والاشتراكات الشهرية لأعضائها، إلى جانب العوائد من الشركات والمؤسسات التابعة لها.
من جهة أخرى، تشير تقارير إلى دور محتمل للقيادي أسامة فريد عبد الخالق، وفي تصريحات خاصة لـ (العربية) أكد اللواء محسن الفحام، نائب رئيس جهاز مباحث أمن الدولة السابق، أنّ هناك من يقوم بالفعل حالياً بهذا الدور ولكن بشكل غير معلن، حتى في الوقت الذي كان فيه ندا يتصدر المشهد، وهو القيادي الإخواني أسامة فريد عبد الخالق، المقيم في لندن، الذي يُعتبر المسؤول عن إدارة أموال الجماعة وخزائنها في أوروبا وكافة أنشطتها الاقتصادية هناك.
تأثير غياب يوسف ندا على المنظومة الاقتصادية
رحيل يوسف ندا يمثل تحدياً كبيراً لجماعة الإخوان، لأنّه كان يتمتع بخبرة نادرة في إدارة الأزمات الاقتصادية والتنقل بين الأنظمة المالية العالمية بذكاء. وكان ندا أيضاً مسؤولاً عن بناء علاقات قوية مع شخصيات دولية نافذة، ساعدت الجماعة في تجاوز الكثير من العقوبات المالية والسياسية.
ويرى الدكتور كريم العمدة، أستاذ الاقتصاد السياسي، أنّ غياب ندا قد يؤدي إلى انكشاف بعض الأصول المالية للإخوان، لأنّ الهيكل المالي الذي بناه كان يعتمد بشكل كبير على تكتمه الشخصي وقدرته على إدارة شبكة معقدة من الشركات الوهمية والأسماء المستعارة. ومع ذلك يشير العمدة إلى أنّ الجماعة لديها خبرة طويلة في التكيف مع الأزمات، وقد تسعى إلى تجنيد شخصيات جديدة تتمتع بمهارات مشابهة لندا.
أهمية المنظومة الاقتصادية لجماعة الإخوان
تشكّل المنظومة الاقتصادية لجماعة الإخوان إحدى أهم أدواتها لضمان بقائها واستمرار تأثيرها عالمياً. وتعمل الجماعة على تمويل أنشطتها السياسية والدعوية من خلال شبكة الاستثمارات والأموال التي تجنيها من مصادر متعددة، بما في ذلك التبرعات والاشتراكات الشهرية لأعضائها، إلى جانب العوائد من الشركات والمؤسسات التابعة لها.
وتُعتبر السيطرة على الموارد المالية ضرورية للحفاظ على الولاء داخل الجماعة، حيث يتم استخدام الأموال لدعم أسر المعتقلين، وتمويل الحملات الإعلامية، وتنظيم الأنشطة الاجتماعية. ويرى الباحث في شؤون الحركات الإسلامية إسلام العيسوي أنّ التمويل القوي يمنح الجماعة قدرة على المناورة السياسية، حتى في ظل تضييق الخناق عليها في العديد من الدول.
الدول التي تحتضن استثمارات الإخوان
تُعدّ تركيا من أبرز الدول التي تحتضن استثمارات ضخمة لجماعة الإخوان، خاصة بعد انتقال قياداتها إلى هناك عقب الإطاحة بهم في مصر عام 2013. وتشمل استثمارات الجماعة في تركيا قطاعات العقارات، والتجارة، والصناعات الخفيفة، بالإضافة إلى قنوات إعلامية تخدم أجندتها السياسية.
في ماليزيا تمتلك الجماعة نفوذاً اقتصادياً ملحوظاً، ويُدار العديد من الاستثمارات عبر واجهات تجارية تعمل في مجالات التكنولوجيا والتعليم. أمّا سويسرا، فلطالما كانت بمثابة الملاذ الآمن لأموال الجماعة بفضل قوانين السرّية المصرفية التي ساعدت يوسف ندا في حماية استثمارات التنظيم لعقود.
يرى مراقبون أنّ رحيل يوسف ندا ترك فراغاً كبيراً في قيادة المنظومة المالية لجماعة الإخوان المسلمين، وهو ما يطرح تساؤلات حول مدى قدرة الجماعة على التكيف مع هذا التغيير الكبير.
من جهة أخرى، تُعتبر قطر داعماً رئيسياً لاستثمارات الإخوان، وتستفيد الجماعة من التسهيلات المالية والدعم الحكومي القطري لتعزيز وجودها. وبحسب أحمد سلطان، فإنّ قطر لعبت دوراً كبيراً في توفير منصة مالية آمنة للجماعة، خاصة خلال الأعوام الأخيرة التي شهدت تضييقاً دولياً على أنشطتها.
ويرى مراقبون أنّ رحيل يوسف ندا ترك فراغاً كبيراً في قيادة المنظومة المالية لجماعة الإخوان المسلمين، وهو ما يطرح تساؤلات حول مدى قدرة الجماعة على التكيف مع هذا التغيير الكبير.
ورغم وجود أسماء مرشحة لوراثة الدور القيادي، فإنّ غياب ندا يكشف عن هشاشة بعض أركان المنظومة المالية، خاصة تلك التي تعتمد على علاقاته الشخصية. ومع ذلك فإنّ الجماعة تمتلك خبرة طويلة في إدارة أزماتها، وقد تسعى إلى استغلال هذه اللحظة لإعادة ترتيب أوراقها الاقتصادية. وفي النهاية، تبقى المنظومة المالية للإخوان عنصراً أساسياً لاستمرار وجودها، ممّا يجعل أيّ تغيرات فيها ذات تأثير كبير على مستقبل التنظيم.