الأسد ألقى نكتة وذكر "الأعداء" ونسي الآخرين: أهي عين الرضى؟

الأسد ألقى نكتة وذكر "الأعداء" ونسي الآخرين: أهي عين الرضى؟


19/07/2021

الحدث الأبرز الذي التقطه وسائل إعلام خلال احتفالية أداء الرئيس السوري بشار الأسد اليمين الدستورية لولاية رئاسية رابعة من سبع سنوات، أول من أمس السبت، أنّ الأسد قاطع تصفيق الحضور الذي لم ينقطع بـ"نكتة" عن الأمريكيين والأتراك والإرهابيين.

الحاضرون قاطعوا الأسد مراراً وألقوا كلمات وقصائد مقتضبة تشيد بـ"السيد الرئيس" وتؤيده، لكنّ الجزئية التي نالت التصفيق الحار الذي يطرب له الأسد، كانت حين قال إنّ "قضية تحرير ما تبقى من أرضنا تبقى نصب أعيننا.. تحريرها من الإرهابيين ورعاتهم الأتراك والأمريكيين". وأمام التصفيق الحار قاطع الأسد الجمهور بالسؤال ممازحاً: "أنا ذكرت الإرهابيين والأمريكيين والأتراك.. فلمن التصفيق؟".

ويتساءل المراقب للمنشهد السوري: ماذا عن "الاحتلالين الروسي والإيراني" والأطماع الصينية، ولماذا لم يسعَ السيد الرئيس إلى الطالبة بتحرير الأرضي السورية منها؟

يحذر الباحث د. ياسين جمول، في دراسته "حتى لا تكون الشام إيرانية" من مساعي إيران القوية لاستبدال وجهٍ شيعيٍّ فارسيٍّ للشام بوجهها الإسلاميّ السنّيّ الأصيل

تلك هي الأزمة الطاحنة التي يعانيها النظام، وسيظل يعاني من اهتزازاتها حتى يدرك أنّ ما تفعله روسيا وإيران، وبدرجة أقل الصين، لا يختلف عما سماهم بـ"الإرهابيين". فالكل يسعى إلى قضم حصته وأكثر من الكعكة السورية التي أضحت بلا استقلالية بسبب ارتهان النظام للأقطاب السياسية، ومطالبة تلك الأقطاب النظامَ السوري بأحقيتها في سوريا، لأنها في نظر أنفسها وأتباعها هي من حافظت على النظام، وأنقذت الأسد من مصير مشابه لما لاقاه حسني مبارك، وزين العابدين بن علي.

احتفالية أداء القسم أقيمت في في قصر الشعب في دمشق أمام أعضاء مجلس الشعب وبحضور أكثر من 600 ضيف، بينهم وزراء ورجال أعمال وفنانون ورجال دين وإعلاميون، وفق دوائر القصر الرئاسي.

بعدما أقسم على القرآن

وزعم الأسد في خطاب ألقاه إثر قسمه على نسخة من الدستور والقرآن الكريم أنّ نتائج الانتخابات "أثبتت قوة الشرعية الشعبية التي يمنحها الشعب للدولة وسفهت تصريحات المسؤولين الغربيين حول شرعية الدولة والدستور والوطن".

ونقلت وسائل الإعلام الرسمية ومنصات الرئاسة كلمة الأسد بينما اتخذت إجراءات أمنية مشددة في دمشق ومحيط القصر الرئاسي، بحسب "فرانس برس".

إقرأ أيضاً:هل يفرض الأسد قيوداً على حركة الإيرانيين داخل سوريا؟

وفاز الأسد في الانتخابات الرئاسية التي جرت في 26 أيار(مايو) بـ95 في المئة من الأصوات. وجرت الانتخابات في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة والمقدرة بأقل من ثلثي مساحة البلاد، في الوقت الذي غابت فيه عن مناطق سيطرة الإدارة الذاتية الكردية في شمال شرق سوريا، كما عن مناطق تسيطر عليها هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) وفصائل موالية لأنقرة في شمال وشمال غرب البلاد.

يبدأ الأسد ولاية جديدة فيما تشهد سوريا أقسى أزماتها الاقتصادية فاقمتها العقوبات الغربية، فضلاً عن الانهيار الاقتصادي المتسارع في لبنان المجاور، حيث يودع رجال أعمال سوريون كثر أموالهم.

وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أنّ أكثر من 80 في المئة من السوريين يعيشون تحت خط الفقر.

ورفعت الحكومة خلال الأسابيع الماضية أسعار البنزين غير المدعوم، والمازوت والخبز والسكر والرز، فيما تفاقمت مشكلة انقطاع الكهرباء جراء نقص الغاز المغذي لمحطات توليد الطاقة الكهربائية، بحسب مسؤولين سوريين، ووصلت ساعات التقنين في عدد من المناطق إلى نحو عشرين ساعة يومياً.

وفضلاً عن تحالفات النظام السوري مع إيران وروسيا، فإنّ هناك اتفاقاً مع الصين التي تطمح إلى نيل حصتها من الكعكة السورية.

وبعد أداء اليمين، التقى الأسد وزير الخارجية الصيني، الزائر وانغ يي، الذي وصل إلى دمشق في وقت سابق، السبت، وهو أكبر مسؤول صيني يزور دمشق منذ سنوات. ووجه الأسد الشكر للصين على دعمها لبلاده.

ثلاث دول تتقاسم الكعكة السورية

إذاً، ثمة ثلاث دول تود كل واحدة أن تأخذ حصتها من سوريا، بذريعة أنها منعت نظام الأسد من الانهيار، ودافعت عنه كما فعلت روسيا والصين في المحافل الدولية. والآن حان وقت دفع ثمن تلك المواقف.

النفوذ الإيراني في سوريا يرقى إلى مستوى الاحتلال، فنظام الولي الفقيه يسعى إلى إلحاق سوريا به على المستويات كافة.

ويحذر الباحث د. ياسين جمول، في دراسة له بعنوان "حتى لا تكون الشام إيرانية" من مساعي إيران القوية لاستبدال وجهٍ شيعيٍّ فارسيٍّ للشام بوجهها الإسلاميّ السنّيّ الأصيل، ولم تكن مساعيها وليدة الثورة؛ لكنها بعد 2011 ضاعفت جهودها على مختلف الأصعدة بقواها الناعمة والصلبة لتحقيق حلمها في الهلال الشيعي، واحتلال عاصمة الأمويين دمشق، ورفع رايتها المجوسية فيها.

مسؤول روسي يؤكد أنّ بلاده على عكس اللاعبين الآخرين "ليس لديها أجندة خفية"، لكنه اعترف بأنّ موسكو لها بالتأكيد "مصالحها الخاصة في المنطقة"

والواقعية تفرض علينا، كما يرى جمول، الاعتراف بأنّ إيران قطعت أشواطاً في تغييرها وجه سورية، وإن كان انكشاف مشروعها بداية لسقوطه؛ غير أنّ من الواقعية كذلك عدم المجازفة بالأحلام والأماني، فما دفعتْه إيران من فواتير بشرية ومادية يؤكد جدّيّتها في تغيير وجه الشام. ولا شك أنّ أول ما يعين على كسر يد إيران عن وجه الشام الأصيل استمرار الثورة وتجديدها في النفوس، وإن كانت إيران على باطلها واحتلالها تعمل على شتى الأصعدة لا تفتر؛ فلا نكون دون إصرارها ونحن على الحق، فإيران لم تترك وسيلة دينية أو إعلامية أو تعليمية إلا سلكتْها؛ فضلاً عن أدواتها العسكرية الصلبة.

إقرأ أيضاً: الفصائل المتطرفة تتناحر شمال غرب سوريا.. ما الأسباب؟

ويدعو الباحث إلى حفظ الثورة وتجديد دمائها لطرد إيران وكسر ميليشياتها وأدواتها الصلبة، مع فضح المشروع الإيراني ورصد أدواته الناعمة وكشفها. وللتعليم في ذلك الصدارة؛ فلا بد أن نحفظ للتعليم استقلاليته ووطنيته بما يحفظ هويتنا ويعزّز تماسكنا، مع تأكيد أركان الهوية في النفوس بكل الوسائل المقروءة والمسموعة والمرئية.

ويعتقد الباحث أنّ أهل السّنّة في سورية ليسوا وحدَهم المتضررين من مشروع إيران، فلا بدّ من تكاتف الجميع في مواجهته، وتنسيق الجهود للخروج بمقترحات عملية بروح جماعية؛ فمطامع إيران الفارسية لا تقف عند الحدود السورية، على حد تعبير الباحث.

أطماع روسيا في سوريا

ولا يحتاج المراقب إلى بذل جهد كبير لإدراك أطماع روسيا في سوريا، فقد حققت موسكو مصالح اقتصادية واستراتيجية، عبر استثمارات عدة واتفاقيات جرت مع النظام السوري خلال السنوات الأخيرة، فأنشأت مطار حميميم العسكري في الساحل السوري، كما استولت على ميناء مدينة طرطوس.

وتتذرع روسيا بمحاربة "داعش" والإرهاب، بينما لا تزال تقصف منازل المدنيين في مناطق عدة بشمال سوريا ومنها محافظة إدلب، وكانت المسبب الأساسي لعمليات النزوح الجماعي التي حصلت في كافة المدن السورية منذ عام 2017

.

وتتغاضى موسكو، كما تؤكد تقارير صحفية، عن كل ذلك، والكثير غيره، وترى أنّ مهامها الرئيسية في منطقة الشرق الأوسط هي تهدئة الوضع وتطبيعه، وكذلك منع ظهور أزمات عسكرية جديدة، وفق ما ذكر أليكسي سكوسيريف، وهو مسؤول في الخارجية الروسية.

وقال سكوسيريف في تصريحات في شباط (فبراير) الماضي، إنّ هدف روسيا قبل كل شيء “تهدئة شاملة ومستدامة للوضع وتطبيعه، وفي الوقت نفسه، تنطلق روسيا من الحاجة إلى تسهيل تسوية جميع النزاعات في الشرق الأوسط بأساليب سياسية ودبلوماسية حصرية من خلال نهج شامل وحوار بناء دون تمييز بين الأطراف الفردية".

سعت الصين إلى دمج النظام السوري بمبادرة "الحزام والطريق"، وحاولت الاستفادة من احتياجات إعادة الإعمار الملحة في البلاد، لتأسيس موطئ قدم في قلب بلاد الشام

وتابع سكوسيريف أنّ "المهمة الثانية هي منع ظهور أزمات عسكرية خطيرة جديدة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا". وثالثاً "نرى مهمة تحويل الشرق الأوسط إلى منطقة سلام وحسن جوار وتعاون مفيد لكل الأطراف".

ورغم أنّ المسؤول الروسي أشار إلى أنّ بلاده على عكس اللاعبين الآخرين "ليس لديها أجندة خفية"، لكنه اعترف بأنّ موسكو لها بالتأكيد "مصالحها الخاصة في المنطقة".

لماذا تدعم الصين النظام السوري؟

في تقرير نشره موقع "عنب بلدي" سألت الكاتبة جنا العيسى، الباحثَ الاقتصادي خالد تركاوي، عن "العلاقة الطيبة" التي تجمع الصين بالنظام السوري، فأجاب إنّ سياسة دولة الصين الداخلية المشابهة لسياسة النظام، إذ تُعتبر دولة "ديكتاتورية" يسيطر عليها حزب جماهيري واحد، ويسعى لإسكات أصوات المعارضين له، وهو من مبدأ "الطيور على أشكالها تقع".

وتسعى الصين للوصول إلى أسواق المنطقة وشواطئ البحر المتوسط بالعموم، بهدف ترسيخ مشروعها الاقتصادي بترويج المنتج الصيني وإيصاله إلى العالم.

إقرأ أيضاً:روسيا في سوريا: باقية وتتمدّد

ويعتبر الباحث السياسي وائل علوان، أنه على الرغم من معاناة النظام السوري من عجز حكومي وخلل إداري، وانهيارات اقتصادية مستمرة، فإنّ الجغرافيا السورية، على المستوى السياسي الدولي والإقليمي، تعد أحد ميادين التدافع الدولي بين الصين وروسيا وإيران، في مواجهة الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.

وبحسب تقرير لـ معهد  "نيو لاينز للإستراتيجية والسياسة" الأمريكي، سعت الصين إلى دمج النظام السوري بمبادرة "الحزام والطريق"، وحاولت الاستفادة من احتياجات إعادة الإعمار الملحة في البلاد، لتأسيس موطئ قدم في قلب بلاد الشام، ولتعزيز نفوذها في الشرق الأوسط.

ومنذ عام 2016، سعت الصين إلى خلق فرص لشركاتها من أجل المشاركة بإعادة الإعمار في سوريا، حسبما أكد مبعوثها الخاص إلى سوريا، شي شياو يان، حينها، موضحاً أنّ الصين "واثقة من أنها ستشكل جزءاً من عملية إعادة الإعمار بعد انتهاء الحرب في سوريا".

وبالعودة إلى "الخطاب التاريخي" الذي ألقاه الأسد، أول من أمس، وذكر فيه "الأعداء" الأتراك والأمريكيين والإرهابيين، فهل يعني ذلك أنّ هذه الأطراف الثلاثة هي أولوية لدى النظام للتخلص منهم، في حين أنّ روسيا وإيران والصين "أصدقاء"؟ أم أنّ الأسد يريد أن يقول من دون قول أو نكات، إنّ قائمة "الأصدقاء الثلاثة" هي من ستتولى إزاحة "الأعداء الثلاثة"، في حين يتفرّغ نظام الأسد للحديث الموصول عن معزوفة الاستقلال والحرية في دولة الممانعة المتحدة؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية