ما طبيعة الميليشيات السورية التي أرسلتها تركيا إلى ناغورني-كاراباخ؟

ما طبيعة الميليشيات السورية التي أرسلتها تركيا إلى ناغورني-كاراباخ؟


15/10/2020

ترجمة: محمد الدخاخني

بعيداً عن أوطانهم، سجّل هؤلاء الرّجال أسماءهم للحصول على المال، لكن تحت وابل الضّربات، لا يفكّرون سوى في عائلاتهم في سوريا.

لقد أرسلت تركيا آلاف الرّجال السّوريّين للقتال في سبيل أذربيجان، بُعيد اندلاع الاشتباكات مع منطقة ناغورني-كاراباخ الانفصاليّة.

وبعد أسبوعين من القتال العنيف، اتُّفق على وقف لإطلاق النّار بوساطة روسيّة، في وقت متأخّر من يوم الجمعة.

"أتحدّث إليكم الآن من ملجأ تحت الأرض حيث اضطّررنا للهرب"، يقول إبراهيم (24 عاماً) في مكالمة هاتفيّة على عجالة مع صحيفة "النّاشونال"، في وقت سابق من هذا الأسبوع، وقد بدا مرعوباً.

يقول فارتان، وهو أرمنيّ لبنانيّ كان يستعدّ للسّفر إلى يريفان: نحن هناك لمنع إبادة جماعيّة جديدة مثل تلك الّتي فعلها الأتراك قبل 100 عام ضدّ أسلافنا

 

"الطّائرات العسكريّة تضربنا بقوّة، وفقدنا كثيرين من رجالنا؛ إذ لا يمكنني إحصاء عددهم، لا أعرف ما الذي نفعله هنا، حتّى المال ليس سبباً للتّواجد في فيلم الرّعب هذا، لقد وضعَنا الأتراك في موقف لم يعد بإمكاننا الهرب منه".

إقرأ أيضاً: تركيا تختنق بعزلتها: هل يتصاعد عنف أردوغان وعبثه؟

في 27 أيلول (سبتمبر)؛ اندلع القتال بين أذربيجان والانفصاليّين الأرمن الذين يسيطرون على ناغورني-كاراباخ.

وكان الجيب الأرمنيّ المدعوم من العاصمة الأرمنيّة، يريفان، قد انفصل عن أذربيجان، عام 1994، وصار نقطة اشتعال عدّة جولات من القتال.

طائرات تركيّة بدون طيّار

يقول إبراهيم، وهو أب لثلاثة أطفال؛ إنّ القوّات الأذربيجانيّة، التي كان من المفترض أن تُقاتل الميليشيا التابعة إليها إلى جانبها، "على بعد كيلومترات خلفنا"، وقد ترك ذلك جماعته مدعومة فقط من الطائرات التركيّة بدون طيّار.

ويضيف: "آمل أن نتمكّن من العودة سالمي الأرجل والأذرع".

وأظهر موقعه، الذي تمّت مشاركته عبر تطبيق "واتس آب"، أنّه كان على خطّ الجبهة مباشرة، شرق منطقة كاراباخ الانفصاليّة، بالقرب من قرية أحمد علي لار الأذربيجانية، وعلى مقربة من الحدود مع إيران.

يبعد إبراهيم 1,300 كيلو متراً عن مخيم اللاجئين الذي تعيش فيه عائلته، بالقرب من مدينة سرمدا على الحدود السّوريّة-التّركيّة.

وإبراهيم عضو في لواء السّلطان مراد، وهو عبارة عن جماعة مسلحة سوريّة مؤيّدة لتركيا، تتكوّن في الغالب من التّركمان.

إقرأ أيضاً: أردوغان يواصل إرسال مرتزقته إلى ليبيا وأذربيجان.. تعنت واستخفاف بالقرارات الدولية

ويقول إنّه "قبل ثلاثة أسابيع، طلب أحد ضبّاط الميليشيا المتطوّعين للعمليّات التّركيّة في أذربيجان".

ويضيف: "رفض كثيرون منّا (الذّهاب) بعد أن رأوا ما حدث أثناء (التدخّل التركيّ) في ليبيا".

ويتابع: "لكنّني اعتقدتّ أنّه يمكنني كسب المال من أجل إخراج عائلتي من هذا الوضع قبل الشتاء".

تركيا دفَعت أموالاً لآلاف المرتزقة

وكما هو الحال في أذربيجان، دفَعت تركيا أموالاً لآلاف المرتزقة السّوريين لدعم ميليشيات طرابلس في ليبيا ضدّ الجيش الوطني الليبيّ المتمركز في الشّرق.

وعُرض على إبراهيم عقداً مدّته ثلاثة أشهر، مقابل 8,000 ليرة تركيّة (1,300 دولار أمريكيّ) شهريّاً، في 24 أيلول (سبتمبر)، قبل ثلاثة أيّام من بدء الصّراع بشكل جدّي.

شاهد: من بين 200 مقاتل ذهبوا إلى ليبيا، عاد نصفهم فقط، لقد قتل الآخرون أو أصيبوا بجروح خطيرة، وما تزال العائلات تنتظر التّعويضات الّتي وعدت بها أنقرة

 

ويقول إنّه بعد التّسجيل، نُقل عبر معبر كيليس الحدوديّ العسكريّ إلى غازي عنتاب في تركيا، ثمّ ذهب في رحلة تجارية إلى باكو عبر أنقرة.

وقدّر إبراهيم أنّ هناك قرابة 3,000 مرتزق سوريّ يقاتلون لصالح أذربيجان وتركيا في كاراباخ.

"قدّموا لنا الطعام والزيّ العسكريّ ومعدّات"

يقول: "لقد قدّموا لنا الطعام والزيّ العسكريّ ومعدّات، مثل بنادق القنص والصواريخ المضادّة للدّبابات، لكنّنا نتعرّض لقصف مكثّف".

ويتابع: "يوم الجمعة وحده فقدنا ستّة رجال، وأصيب 30 منّا بجروح، واضطّررنا إلى نقلهم إلى باكو".

وقد وردت تقارير عن أوّل ضحيّتين سوريتين في الصّراع، في نهاية الأسبوع الماضي.

يقول حامد، وهو قيادي في الجماعة: إنّ "المقاتلَين، وكلاهما مسجّل في فرقة الحمزة التّابعة للجيش الوطنيّ السّوري، وأصلهما من منطقة حمص، قُتلا يوم الأحد الماضي على يد القوات الأرمينيّة".

ونظّم أقاربهما مراسم عزاء في مختلف مخيّمات اللاجئين، شمال سوريا، مع بدء عودة الجثث.

إقرأ أيضاً: غاز القوقاز يورّط أردوغان في الصراع بين أرمينيا وأذربيجان

من جانبه، يقدّر المرصد السّوريّ لحقوق الإنسان ما لا يقلّ عن مقتل 107 مرتزقة سوريين، وإصابة 30 على الأقل.

ويوم السّبت الماضي؛ أُعلن مقتل الشاب محمّد، من مدينة معرّة النعمان،

وشارك أصدقاء مقرّبون، مع "الناشونال"، صورةً له في بستان زيتون في أوقات ظهر فيها أكثر سعادةً.

ويزعم حامد؛ أنّه أرسل حوالي 15 من رجاله إلى ناغورني-كاراباخ، منذ 18 أيلول (سبتمبر).

ويقول: "يتجمّع المجنّدون في مركز عمليّات في قرية حوار كلّس على الحدود مع تركيا".

ويضيف: "ينتمي هؤلاء بشكل رئيس إلى فصيلَين من جماعات المعارضة السّوريّة المسلحة؛ لواء السّلطان مراد، وفرقة الحمزة، لكن ينضمّ إليهم المزيد، وكلّ يوم تغادر قافلة جديدة".

ويتابع: "لم يكن هناك نقص في المتطوّعين؛ فهناك عدّة آلاف من الرّجال المسجّلين لدى السّلطات التركية".

ويعقّب: "لقد قيل لهم إنّ منشآت عسكرية أو إستراتيجية، مثل حقول النّفط، ستُترَك لهم، وإنّهم سيعملون بوصفهم قوّة تدخّل".

ويقول قيادي كبير في الميليشيا لـ "النّاشونال": إنّ "200 رجل من جيش الإسلام تخلّوا، يوم الجمعة الماضي، عن الصّراع السّوري على الأرض لصالح القتال ضدّ "الأرمن"، دون الحصول على إذنٍ من قادتهم".

 لماذا رفضت بعض الفصائل القتال إلى جانب تركيا؟

ولم ترغب بعض الفصائل السّورية المتحالفة مع تركيا في دعم هذا الجهد الحربي الجديد، بعد التّجارب في ليبيا.

كانت تركيا قد أرسلت عدّة آلاف من الرجال إلى البلاد، في بداية العام، للقتال إلى جانب حكومة الوفاق الوطنيّ الليبيّة، في خطوة دانها المجتمع الدّولي على نطاق واسع.

لكنّهم لم يتلقّوا سوى جزء من المكافآت المغرية التي وُعدوا بها، ووجدوا أنفسهم مرتبكين في مهامّ أكثر خطورة ممّا وافقوا عليه.

يقول حامد: "من بين 200 مقاتل ذهب معهم إلى ليبيا، عاد نصفهم فقط"، لقد قتل الآخرون أو أصيبوا بجروح خطيرة، وما تزال العائلات تنتظر التّعويضات الّتي وعدت بها أنقرة.

ويضيف: "على الرّغم من المخاطر، لا يجد المجنِّدون صعوبةً في إقناع مقاتلين جدد، ويدفع الضّيق والفقر في مخيّمات اللاجئين السوريّين الكثيرين لتجربة حظّهم".

إقرأ أيضاً: إس-400 وناغورني كارباخ يضعان تركيا بمواجهة الغرب

ويتابع: "هناك وسطاء كثيرون يتسوّقون ويختارون الشّباب الذين يتمتّعون بلياقة جيّدة وبصحّة جيّدة، يذهب هؤلاء الوسطاء إلى مخيمات اللاجئين، ويُجنّدون المدنيين والشباب وأحياناً القُصّر".

لقد أصبح القتال من أجل المال بالنّسبة إلى العديد من الرّجال الّذين هم في مقتبل العمر، وسيلةً نادرةً للخروج من سوريا؛ حيث تتضاءل فرص الحياة وسط حرب استمرّت تسعة أعوام.

هبط محمّد (29 عاماً)، وهو أب لثلاثة أطفال، في باكو، في 2 تشرين الأوّل (أكتوبر)، مع عشرات المتطوّعين السوريّين الآخرين.

وكان قد وقع للذّهاب إلى ليبيا، لكن لم يتمّ استدعائه من قِبل قادته، ومن ثمّ لم يُرد تفويت هذه الفرصة الثّانية.

يقول: "عندما نزلنا من الطّائرة، أُحضرنا في قوافل عسكرية إلى خطّ الجبهة، وهناك وجدنا أنفسنا في قاعدة تركية؛ الجوّ كان بارداً، ونحن لا نفهم اللّغة، والضّباط يمنحوننا المقدرة على الوصول إلى الإنترنت فقط حتّى نتمكّن من إخطار عائلاتنا، لكنّني سعيد بالسّفر إلى الخارج".

ونفت أذربيجان استخدامها مرتزقة أجانب، متّهمة الأرمن بنشر الأخبار الكاذبة.

وألقت وسائل الإعلام التركيّة الرسميّة والمصادر الموالية للحكومة اتّهامات مماثلة بحقّ أرمينيا، ونشرت لقطات، لم يتمّ التّحقق منها، تزعم أنّها تُظهر مقاتلين يسافرون من سوريا للقتال إلى جانب القوّات الأرمنيّة.

وبدا أنّهم متطوّعون وطنيّون من أصول أرمنيّة، قادمون من سوريا ولبنان للدّفاع عن "وطنهم الأمّ" وأرضه.

يقول فارتان، وهو أرمنيّ لبنانيّ كان يستعدّ للسّفر إلى يريفان: "نحن هناك لمنع إبادة جماعيّة جديدة مثل تلك الّتي فعلها الأتراك قبل 100 عام ضدّ أسلافنا".

ويضيف: "لن ندعهم يكرّرون ذلك".

المصدر: غيوم بيرييه ودحام الأسعد، "ناشونال"، 10 تشرين الأول (أكتوبر) 2020

https://www.thenational.ae/world/europe/turkey-s-syrian-militias-in-nagorno-karabakh-ask-why-are-we-here-1.109132

 


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية