هل يُحرض أردوغان الجاليات المسلمة في أوروبا ضد دولها؟.. ما القصة؟

هل يُحرض أردوغان الجاليات المسلمة في أوروبا ضد دولها؟.. ما القصة؟


22/03/2022

يبدو أنّ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ألف تهييج الشعوب ضدّ حكامها، فقد دعا الجاليات المسلمة في أوروبا إلى الاتحاد تحت "أمّة واحدة وعلم واحد"، وهو جزء من قسَم حزب العدالة والتنمية الإسلامي التركي.

وفي تحدٍّ صارخ للتحذيرات المتكررة من أوروبا بشأن مخاطر تقويض سياسات الاندماج والهجرة، عزمت الحكومة التركية على تعبئة الأتراك والمسلمين لتحقيق أهدافها السياسية، وفقاً لموقع شبكة مراقبة البحوث الإسكندنافية "نورديك مونيتور".

عملاء أردوغان بالوكالة

وفقاً للشبكة الإسكندنافية، أدلى أردوغان بهذه التصريحات الاستفزازية والمشينة التي استهدفت مواطنين مسلمين أوروبيين، وتحديداً من ذوي الأصول التركية، خلال اجتماع مع عملائه في أوروبا والقارات الأخرى.

دعا أردوغان الجاليات المسلمة في أوروبا للاتحاد تحت "أمّة واحدة وعلم واحد"، وهو جزء من قسَم حزب العدالة والتنمية

وكشفت الشبكة أنّ هذا الاجتماع، الذي عُقد في 24 شباط (فبراير) الماضي، بالتزامن مع بدء الغزو الروسي لأوكرانيا، تمّ تنظيمه تحت اسم "اتحاد الديمقراطيين الدوليين"، وهو مجموعة تعمل بالوكالة عن حكومة أردوغان في الخارج.

وخلال الاجتماع قال أردغان: "أعرف هذا، سوف نصبح مجتمعاً عالمياً لن تقدر علينا قوة، تذكّروا شعارنا: أمّة واحدة وعلم واحد ووطن واحد ودولة واحدة"، وهو الجزء الأبرز في قسَم حزب العدالة والتنمية التركي، وقد أكد أعضاء الاتحاد أنّهم مدعومون بـ"الكامل" من قِبل تركيا.

إقرأ أيضاً: سياسات أردوغان تدفع تركيا إلى تذيل هذا المؤشر العالمي

على الرغم من أنّ "اتحاد الديمقراطيين الدوليين" تمّ إنشاؤه للحفاظ على وجود دولي مع الدعم السياسي والدبلوماسي والمالي من حكومة أردوغان، إلّا أنّ تركيزه الرئيسي هو أوروبا، حيث يعيش حوالي (5) ملايين تركي، وحصل الكثير منهم على الجنسية في البلدان التي يعيشون فيها، على حدّ قول الشبكة الإسكندنافية، التي أشارت إلى أنّ خطاب أردوغان تمحور أيضاً حول أوروبا، وأعطى توجيهات لأعضاء الاتحاد للعمل بجدّية أكبر لتحقيق الأهداف.

وقال أردوغان خلال الاجتماع: "يجب أن تكون الدعامة التالية للجسر الذي بنيناه من الماضي إلى المستقبل هي الأماكن التي نعيش فيها في أوروبا"، مشيراً إلى تراث الإمبراطورية العثمانية، التي كانت تحكم العديد من دول أوروبا الوسطى والشرقية.

 غزو تركي لأوروبا تحت مظلة الاتحاد

رسائل الرئيس التركي لوكلائه المتمثلين في اتحاد الديمقراطيين الدوليين تُظهر أنّه لم يتخلَّ عن أحلامه بإعادة إحياء الخلافة العثمانية، وتضمّنت غزواً تركياً مقنّعاً لأوروبا من خلال الاتحاد، فقد قال: "كلما وسّعت هذه المظلة بصفتك اتحاد الديمقراطيين الدوليين، زاد نطاق نشاطك وتأثيرك، ونجحت في تحقيق مهمّة توصيل هذه الرسائل لمواطنينا وتنظيمهم وإعدادهم للمستقبل."

 ومن الواضح أنّ أردوغان يرى الأتراك الذين يعيشون في أوروبا على أنّهم مواطنوه، وليسوا مواطنين و/ أو مقيمين في البلدان التي يعيشون ويعملون فيها ويتقاعدون، حيث قالت الشبكة إنّه "يريد من الاتحاد حشد الأتراك في جميع أنحاء القارة وراء رؤيته الإسلامية السياسية."

رسائل أردوغان لوكلائه المتمثلين في اتحاد الديمقراطيين الدوليين تُظهر أنّه لم يتخلَّ عن أحلامه بإعادة إحياء الخلافة العثمانية

من أجل تهدئة المخاوف بالنسبة إلى بعض الذين قد يشعرون بعدم الارتياح للعمل لدى الحكومة التركية أثناء حملهم لجنسية دولة أخرى، أو الاحتفاظ بإقامتهم في أوروبا، حاول الرئيس التركي طمأنتهم قائلاً: "لا تنسوا، لديكم (85) مليون مواطن، أمّة تركية قوية وراءكم، لديكم إرث عظيم من التاريخ والحضارة".

وأشار أردوغان، الذي استقبل مطلع هذا الشهر نظيره الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ في حفاوة غير مسبوقة، إلى أنّ مئات الملايين من الأصدقاء والأخوة المسلمين يقفون وراء الأتراك، وأنّهم جميعاً ملتزمون بالنهوض بـ"قضية الله والحقيقة"، مضيفاً: "عندما نقوم بتعبئة هذه القوة بشكل صحيح، لا يمكن لأيّ منظمة أو هيكل شرير أو عوائق خفية أو مفتوحة أن تقف في طريقنا. ضع في اعتبارك أنّ تركيا لم تعد تركيا القديمة".

تهديد ضمني لأوروبا

في تهديد ضمني لقادة أوروبا، حذّر أردوغان من أنّ تركيا، بدعم من الأتراك والمسلمين في أوروبا، ستعرقل أيّ خطط تضعها الحكومات الأوروبية، حيث قال: "معاً سنفسد مؤامرات أولئك الذين يحاولون تقسيم شعبنا، وسنقوم معاً بإسقاط مؤامراتهم على رؤوسهم"، وتابع: "نتخذ أيضاً الخطوات اللازمة لمواجهة العداء المتصاعد ضد الإسلام والأتراك في الخارج".

حذّر أردوغان من أنّ تركيا، بدعم من الأتراك والمسلمين في أوروبا، ستعرقل أيّ خطط تضعها الحكومات الأوروبية

أثناء توحيد أنصاره في أوروبا وراء رؤيته، استهدف الرئيس التركي أيضاً الأتراك الذين لا يدعمونه ولا يشاركونه أهدافه، قائلاً: "عندما ننظر إلى الأشخاص الذين دخلوا البرلمانات المحلية والوطنية في الانتخابات في أوروبا، نرى أنّه على الرغم من أنّ أسماءهم تركية أو مسلمة، للأسف، فإنّ معظمهم من الأشخاص الذين قطعوا علاقاتهم الوثيقة مع أمّتنا"، في خطاب موجّه على وجه التحديد للسياسيين الأتراك والمسلمين في العديد من الدول الأوروبية الذين لا يؤيدون الإيديولوجية الإسلامية السياسية، ويبدو أنّهم يضعون مصالح البلدان التي يخدمونها فوق مصالح تركيا.

وفي هذا الخصوص، أشارت شبكة "نورديك مونيتور" إلى أنّ السفارات التركية والكيانات الموالية لحكومة أردوغان واصلت حملة مضايقة للأتراك الذين ينتقدون الحكومة التركية، والتجسّس عليهم، لافتة إلى أنّ خطاب أردوغان في اجتماع "اتحاد الديمقراطيين الدوليين" يُعدّ "الأكثر استفزازاً" حتى الآن. وأضافت: "من الواضح أنّه يرقى إلى تدخل تركيا السياسي العلني في الشؤون الأوروبية، باستخدام الأتراك والمسلمين كأوراق رابحة ضد تلك الدول."

وقد أثار هذا التدخل في الماضي غضب القادة الأوروبيين، الذين حذّروا تركيا من تقويض سياسات الاندماج والهجرة، ووصفوا جهود أنقرة بأنّها ذات تأثير مزعزع للاستقرار على الأتراك والمسلمين في أوروبا.

إقرأ أيضاً : عندما يعيد أردوغان النظر في طموحاته

وفي تموز (يوليو) 2017 دفعت أنشطة أردوغان السرّية في الدول الأوروبية البرلمان الأوروبي إلى اتخاذ قرار بتجميد محادثات انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي، وشدّد البرلمان الأوروبي حينها على أنّه "يجب على الحكومة التركية الامتناع عن الجهود المنهجية لتعبئة الشتات التركي في الدول الأعضاء لأغراضها الخاصة؛ وقد لوحظ بقلق التقارير المتعلقة بالضغط المزعوم على المغتربين الأتراك الذين يعيشون في الدول الأعضاء، وندين مراقبة السلطات التركية للمواطنين مزدوجي الجنسية الذين يعيشون في الخارج".

وغالباً ما يوصف اتحاد الديمقراطيين الدوليين على أنّه الذراع الطويلة للرئيس أردوغان في أوروبا لحشد الشتات التركي والمسلمين من أجل أهداف الإسلاميين السياسيين في تركيا. وفي تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، أوعز أردوغان لأعضاء الاتحاد بأن يكونوا أكثر عدوانية ونشاطاً، متعهداً بتقديم مؤسسات الدولة التركية المزيد من المساعدة لهم. وحثّ أنصاره على العمل الجاد لتأمين مناصب مهمّة في حكومات البلدان المضيفة لهم، وتعهّد بدعم الوكالات الحكومية التركية خلال ورشة عمل مع ممثلي الاتحاد في جنيف في كانون الأول (ديسمبر) 2019.

ومع الحملة المنهجية التي تستهدف تعبئة الشتات، يأمل أردوغان في تحقيق أهداف متعددة: جلب الأصوات لحزبه في الانتخابات الوطنية، واستخدام الشتات للضغط على العواصم الأوروبية والتنمّر عليهم، وترهيب خصومه في الداخل بمطاردة منتقديه في الخارج.

 ومن بين المؤسسات الحكومية الرئيسية التي تمّ تكليفها بدعم الاتحاد والمجموعات التابعة لها: وزارة الخارجية، ورئاسة الأتراك في الخارج، والمجتمعات ذات الصلة، ومنظمة الاستخبارات الوطنية التركية سيئة السمعة.

 

 


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية