كيف يؤثر رحيل ديبي على الأوضاع في ليبيا؟

كيف يؤثر رحيل ديبي على الأوضاع في ليبيا؟


26/04/2021

الحبيب الأسود

بعد ساعات من الإعلان عن وفاة الرئيس التشادي إدريس ديبي، قالت السفارة الأميركية بطرابلس والتي تباشر عملها من تونس، إن السفير ريتشارد نورلاند اجتمع مع رئيس المؤتمر العام للتبو عيسى عبدالمجيد منصور. وكان يمكن أن ندرك ببساطة أن اللقاء يتصل بالأحداث في الدولة الأفريقية التي تمتد حدودها المشتركة مع ليبيا إلى أكثر من 1050 كلم، والتي تلقي بظلالها على الجنوب الليبي.

السفير الأميركي أراد أن يستمع إلى وجهة نظر تبو ليبيا، لاسيما أن الصراع في تشاد يتخذ من جملة أبعاده بعدا عرقيا، فالمتمردون الذين قادوا الهجوم على إقليم تيبستي وخاضوا اشتباكات مع قوات النظام في “كانم”، حيث أصيب ديبي الإصابة القاتلة، كانوا قد انطلقوا من الجنوب الليبي، وهم في أغلبهم ينتمون إلى قبيلة القرعان، أي إلى إثنية التبو التي لم تنس ثأرها القديم مع ديبي.

تلك القبيلة تتهم الرئيس التشادي الراحل بالوقوف وراء مقتل العديد من أبنائها، بالخصوص بعد توليه الحكم قبل 30 عاما، عندما نجح في الإطاحة بنظام الرئيس حسين حبري وهو من التبو في ديسمبر 1990، منطلقا من السودان حيث كان لاجئا، وبدعم ليبي مباشر تبرره الحروب التي قامت بين البلدين، عندما كان حبري مدعوما من فرنسا والولايات المتحدة، والتي تدخل في سياقات متعددة من بينها التداخل الاجتماعي والثقافي وانعكاسات الداخل التشادي على الأوضاع في جنوب ليبيا وصراع النفوذ على مواطن الثروة والتجاذبات الدولية حول المنطقة قبل ذلك.

ففي يونيو 1982، كان ديبي من داعمي حبري في الإطاحة بسلفه غوكوني عويدي وهو كذلك من القرعان، وقد فر إلى الكاميرون ثم لجأ إلى الجزائر حيث عاش طويلا قبل العودة إلى إنجامينا، وظهر قبل أيام في الصورة وهو يجتمع مع الجنرال محمد ديبي إيثنو رئيس المجلس العسكري الانتقالي.

واجه الرئيس ديبي حركات تمرد عنيفة، ومحاولات كثيرة للانقلاب على نظامه أو لاغتياله شخصيا، وكان للجانب القبلي دور كبير في ذلك، فهو ينحدر من قبيلة زغاوة الأفريقية التي لا يتجاوز حضورها نسبة واحد في المئة من الشعب التشادي، ولكنّ لها دورا عسكريا واضحا، وهي تنتشر في شرق تشاد وغرب السودان، وذات ثقل كبير في مثلث دارفور، وإليها ينتمي “الجنجويد”، وكان لها دور في الحرب الأهلية هناك انتهى باتفاقية السلام مع نظام عمر حسن البشير في العام 2009، ويقول أنصار الإسلام السياسي في غرب ليبيا وجزء من التبو إن لها قوات قاتلت في صفوف الجيش الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر.

بالمقابل، كان المتمردون التشاديون الذين دشنوا هجومهم على شمال بلادهم في 11 أبريل، يحتكمون على قواعد في جنوب ليبيا، وزعيمهم محمد مهدي علي درس في فرنسا ويحمل جنسيتها ونشط في الحزب الاشتراكي ولا تزال أسرته تعيش هناك، وعاد إلى إنجامينا بعد اتفاقية السلام التي أبرمها النظام عام 2005 مع الحركة من أجل الديمقراطية والعدالة وحظي بمنصب رفيع في وزارة البيئة والبنية التحتية.

ولكنه غادر البلاد بعد محاولة الانقلاب التي تعرض لها النظام في 2008، فانضم إلى المتمردين في دارفور، ثم التحق باتحاد القوى من أجل الديمقراطية والتنمية في العام 2015، عندما كلفه زعيمها محمد نوري بتدريب قواته في ليبيا، وبعد أشهر قليلة جدت خلافات بين الرجلين، فتم طرده من الحركة، ليتجه إلى تشكيل فصيل خاص به، واتخذ من منطقة وادي مسعودة في جبال الحساونة مقرا لتدريب قواته، وفي ديسمبر 2016 تعرض ذلك الموقع لقصف من قبل قوات الجيش، وقال المقربون من المشير حفتر إن قواتهم معنية بالتصدي للإرهابيين والمتمردين الذين يهددون أمن دول الجوار.

كان معلوما أن عددا كبيرا من المتمردين التشاديين قاتلوا في صفوف الميليشيات التابعة لحكومة فايز السراج، وأن صراعا حقيقيا عرفه الجنوب الليبي خلال السنوات الماضية بخلفيات عرقية، وأن هناك من العرب والطوارق، من اتهموا تبو ليبيا بالعمل على تشكيل كيان انفصالي لتأسيس دولة التبو في المنطقة لتجمع شتات الإثنية الموزعة بين أربع دول هي ليبيا وتشاد وجمهورية النيجر والسودان.

رغم أن نسبة حضورهم في المجتمع التشادي لا تتجاوز 7 في المئة، إلا أن التبو (القرعان) كان لهم دائما دور مهم في السياسة والحياة العسكرية، لاسيما بعد سيطرة الشماليين على الحكم منذ أواسط سبعينات القرن الماضي، عندما تم إقصاء الجنوبيين المسيحيين، وبعد الإطاحة بنظام القذافي في العام 2011، دخلوا في تحالفات مع قوى قبلية ضد أخرى، وخاضوا معارك في سبها وأوباري ومرزق والكفرة، وفي العام 2012 أعلن عيسى عبدالمجيد منصور زعيم قبيلة التبو في ليبيا، إعادة تنشيط “جبهة التبو لإنقاذ ليبيا”، وهي جماعة مقاومة كانت نشطة بالفعل خلال حكم معمر القذافي.

عندما أعلن عن وقف إطلاق النار في ليبيا نقل مقربون عن ديبي أنه قال للفرنسيين “نهاية الحرب في ليبيا تعني بدايتها في تشاد”. فخلال الأعوام الماضية كان يتابع نشاط معارضيه المسلحين في الجنوب الليبي وكان يدرك أن هناك من ينتظر لحظة الانقضاض على نظامه المهدد من كل الجبهات تقريبا: هناك متمردون يترصدون من الشمال وبوكو حرام من الجنوب والجنوب الغربي، والقاعدة وداعش من الشمال الغربي، ومخاطر التصعيد مستمرة على الحدود الشرقية مع السودان، وتناقضات سياسية وإثنية ومناطقية من الداخل.

كان ديبي يرقص على رؤوس الأفاعي فعلا، ولكنه استطاع الصمود طويلا بالنظر إلى الوضع في المنطقة، فإنه لا يمكن الفصل بين ما يدور في تشاد وليبيا، من حيث الجغرافيا السياسية، هناك صراع على دول الساحل يمتد إلى إقليم فزان الغني بالثروات والبوابة المركزية للصحراء الكبرى.

خلال السنوات الماضية، كان هناك اتهام للفرنسيين بمحاولة بسط نفوذهم على الإقليم الذي يحتل مكانة تاريخية لديهم، عندما سيطروا عليه خلال الحرب العالمية الثانية وإلى حين تأسيس الدولة الليبية في العام 1951، ولديهم علاقات بمختلف الإثنيات، ولكن علاقتهم بالتبو تبدو أقوى.

ومن الناحية الاجتماعية هناك تداخل كبير، فأغلب القبائل الليبية الكبرى لها امتدادات داخل تشاد، وهناك تشابك ثقافي واضح كرسته الدعوة السنوسية منذ القرن التاسع عشر، ومن الناحية الإستراتيجية يوضع الجنوب الليبي في خانة مناطق النفوذ في دول الساحل والصحراء، وضمن منظومة تبدو حاليا مركزا للصراعات بين الأميركان والفرنسيين والروس والصينيين، في حين أن دول الاعتدال العربي تهتم بالمنطقة باعتبارها جزءا مهما من أمنها القومي، حتى إسرائيل لديها اهتمام كبير بلغ إلى حد التطبيع بينها وبين تشاد والسودان مع إعلان التطبيع مؤخرا مع النيجر.

في حال فشل المتمردون في السيطرة على الحكم في تشاد ستكون عليهم العودة من جديد إلى ليبيا والاستعداد لمحاولة أخرى، وفي حال انتصارهم سيحاولون التأثير على الوضع السياسي والاجتماعي في الجنوب الليبي، وهناك مخاوف من الحالة من الفوضى تعم المنطقة وقد تعطي مجالا للإرهابيين ليتحركوا نحو تحقيق أهدافهم، لذلك كان البيان المشترك بين ليبيا والنيجر والسودان للتأكيد على وحدة مصير الدول الثلاث في وجه أيّ تحديات بعد رحيل ديبي.

وجود الرئيس الفرنسي في موكب الوداع الأخير للرئيس الراحل، أعطى رسالة مفادها دعم السلطات الانتقالية. والولايات المتحدة أكدت أنها لن تقبل بأي تهديد لوحدة التراب الليبي، كان ذلك خلال لقاء سفيرها نورلاند بالزعيم التباوي عيسى عبدالمجيد.

عن "العرب" اللندنية


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية