عادت تركيا بقوة إلى العاصمة الليبية طرابلس مستفيدة من حالة الغموض بشأن مصير اتفاق وقف إطلاق النار، والتحضير لحل سياسي بين الفرقاء الليبيين، وذلك بسبب انشغال الولايات المتحدة التي رعت هذا الاتفاق، بانتقال السلطة في الداخل.
وتتعامل أنقرة مع الوضع في ليبيا وكأنه لا وجود لاتفاق أمني وسياسي وأنها غير مشمولة بالدعوات إلى سحب المرتزقة وانسحاب القوات الأجنبية، وهو ما يفسّر زيارة وزير الدفاع التركي خلوصي أكار وعدد من قيادات المؤسسة العسكرية التركية إلى ليبيا بشكل مفاجئ.
والتقى أكار عددا من المسؤولين في حكومة الوفاق، التي تتمركز في العاصمة طرابلس. وكان الهدف هو تثبيت اعتماد هذه الحكومة على الدعم التركي خاصة بعد أن نجحت أنقرة في استبقاء رئيس حكومة الوفاق فايز السراج في منصبه، وتجنبت صعود شخصيات معارضة لاتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين البلدين.
وكان صلاح الدين النمروش، وزير الدفاع في حكومة الوفاق، أول من التقى بأكار. والنمروش بات إحدى الأوراق التي تعتمدها أنقرة في ليبيا. كما التقى وزير الدفاع التركي، خالد المشري، رئيس المجلس الأعلى للدولة الليبي.
وضم الوفد التركي رئيس الأركان ياشار غولر، وقائد القوات البرية أوميت دوندار، وقائد القوات البحرية عدنان أوزبال، والسفير لدى طرابلس سرحت أكسن.
وذكرت مصادر ليبية أن وزير الدفاع التركي غيّر وجهته في آخر لحظة من قاعدة الوطية إلى مطار معيتيقة.
لكن أهم لقاءات أكار في طرابلس كان مع وزير الداخلية في حكومة الوفاق فتحي باشاغا، الرجل القوي غرب ليبيا، والذي بات مستهدفا في الأسابيع الأخيرة بحملات تشويه وتخوين على وسائل التواصل الاجتماعي من قبل صفحات ونشطاء معروفين بولائهم لتركيا.
وخلال لقائه باشاغا، أكد أكار أن زيارته إلى ليبيا من شأنها أن تساهم في توحيد العلاقات الثنائية بين البلدين، وخاصة الأمنية منها. كما أبدى رغبة تركيا في توفير كافة الاحتياجات الخاصة بمجالات التدريب وتنمية الموارد البشرية من ضباط وضباط صف وموظفين تابعين لوزارة الداخلية الليبية.
ومن الواضح أن من ضمن أهداف الزيارة تأكيد هيمنة أنقرة على عمليات تدريب القوات التابعة لحكومة الوفاق والميليشيات الحليفة وتسليحها، لكن الأهم وفق أوساط ليبية مطلعة هو إفهام باشاغا أن المشاريع الخارجية الأخرى قد فشلت، وأن أنقرة هي صاحبة القرار الوحيد في طرابلس.
ولم تبد تركيا أيّ تفاعل مع مختلف لقاءات الحوار الليبي التي جرت في مدن مختلفة وناقشت مجموعة من البدائل العسكرية والسياسية للخروج من الأزمة الحالية، وتشترك في عنصر رئيسي واحد هو تهيئة الظروف لمطالبة القوات الأجنبية والمرتزقة بمغادرة ليبيا.
وقالت الأوساط الليبية إن لقاء أكار بباشاغا كان الهدف منه دعوته إلى نسيان البدائل التي دفعته إلى التحرك خارج المدار التركي.
وتواترت الأنباء، في الأسابيع الأخيرة، بشأن انزعاج تركي شديد من الزيارات التي قام بها باشاغا إلى كلّ من مصر وفرنسا المعروفتين بدعمهما للجيش بقيادة المشير خليفة حفتر، في محاولة لاسترضائهما للقبول به رئيسا للحكومة الجديدة مقابل تولّي رئيس البرلمان عقيلة صالح رئاسة المجلس الرئاسي.
وتزامنت زيارة أكار مع ابتعاد ستيفاني ويليامز، رئيسة بعثة الأمم المتحدة في ليبيا بالإنابة، عن الملف الليبي بعد اختيار البلغاري نيقولاي ملادينوف مبعوثا أمميا إلى ليبيا، والذي اعتذر في نهاية المطاف عن هذا الدور.
وأقر البرلمان التركي هذا الأسبوع مقترحا يمدد بقاء الجنود الأتراك في ليبيا لمدة 18 شهرا.
ويستفيد الأتراك من انشغال الدول المتداخلة في الملف الليبي بقضايا أخرى بينها مخلفات فايروس كورونا ومسار السلام الجديد مع إسرائيل، وتطوّرات شرق المتوسط. ورغم الانخراط في أزمات متداخلة ومعقدة، فإن المسؤولين الأتراك يبدون أكثر حماسا لتكثيف وجودهم العسكري في ليبيا، خاصة بعد نجاح تدخلهم المباشر في حرب إقليم ناغورني قرة باغ.
كما تزامنت زيارة أكار، التي لم تكن معلنة، مع كلمة لقائد الجيش الليبي حث فيها على مقاومة الاستعمار التركي، لتبدو وكأنها زيارة تحد لحفتر وداعميه.
وشدد حفتر على أنه لن يكون هناك سلام “في ظل المستعمر ومع وجوده على أرضنا”، وذلك في خطاب بمناسبة الذكرى الـ69 لاستقلال ليبيا.
وقال “استعدوا أيها الضباط والجنود الأبطال (…) ما دامت تركيا ترفض منطق السلام واختارت لغة الحرب، فاستعدوا لطرد المحتل”.
وأعادت تحركات عسكرية تركية غير مسبوقة برّا وبحرا وجوّا أجواء الحرب والتوتر للمشهد الليبي، وعزّزت من مخاوف وجود خطة لإجهاض الاتفاق الأممي تمهيدا لتفجير الاقتتال ونسف الحوار السياسي بين طرابلس وبنغازي عبر أدوات أنقرة في ليبيا بما يخدم مصالحها وأجنداتها التخريبية.
عن "العرب" اللندنية