بنكيران الباحث عن دور جديد يصطدم باليسار المغربي

بنكيران الباحث عن دور جديد يصطدم باليسار المغربي


16/03/2022

ظهر عبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية (المصباح)، ورئيس الحكومة السابق، صباح السبت 12 آذار (مارس) الجاري، إلى جانب مجموعة من القادة السياسيين، في أشغال الدورة الـ12 للجامعة الشعبية، التي تنظمها أكاديمية الحسن اليوسي، والتي جاءت تحت شعار: مقاربات في ظل رهانات الدولة الاجتماعية الجديدة، والتداعيات الاقتصادية الراهنة.

في سياق ذلك، جاءت تصريحات بنكيران ذات الأوجه المتعددة في الآونة الأخيرة، سيّما بعد خسارة حزبه الانتخابات الأخيرة وخروجه من رئاسة الحكومة، لتثير الكثير من الجدل، حيث عاود الحديث عن الملكية في المغرب، ودورها في ضمان الاستقرار على امتداد قرون طويلة، مؤكداً في مداخلته أنّ "دور الملكية في المغرب، برز بقوة مع الملوك الثلاثة محمد الخامس، الحسن الثاني، والملك محمد السادس". وشدّد على أنّ الأحزاب المغربية كلها، عادت اليوم إلى جادة صوابها، ووصلت إلى مستوى النضج، مشيراً إلى أنّ الملكية لم يكن عليها إجماع في أوقات سابقة. 

عبد الرحيم شهيد: لا يمكن القبول بطمس الحقائق، والسعي إلى إغفال نضالات الأحزاب الوطنية، ومنها الاتحاد الاشتراكي، في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان، وحرية التعبير، والعيش الكريم

وتابع: "إنّ المغرب، وإن كان يعرف أزمات، إلا أنّه يعرف دائماً كيف يتغلب عليها". مؤكداً أنّ تشبت المغاربة بدينهم وملكهم؛ مكّنهم من تجاوز جائحة كورونا وتبعاتها، بأقل الأضرار، مقارنة مع بلدان تملك إمكانيات كبيرة.

رسائل مبطنة

تصريحات بنكيران، تأتي وهي تبطن رسائل كثيرة من ناحية المضمون، ومتباينة من ناحية المستقبل الذي ينبغي أن يستقبل محتواها، ويتعامل على أسسها ومرتكزاتها؛ خاصّة بعد الانتقادات الموجهة للحكومة القائمة، وتطلع رئيس الحكومة السابق، إلى القيام بأيّ دور مستقبلي، ولذلك جاءت تصريحاته لتعبر عن براغماتية سياسيّة؛ تهدف إلى مخاطبة الأحزاب من جهة، والتأكيد على ولائه التام لمفهوم الملكية، من جهة أخرى، بالرغم من عدم وضوح سياق لذلك الحديث، كون الملكية من الأمور المستقرة في المغرب، الأمر الذي يبدو واضحاً وجلياً حين قال: "الحاكم الحقيقي للمغرب هو جلالة الملك، وليس رئيس الحكومة، والملك رغم أنّه يحكم، فإنّه لا يفعل كل شيء، وإذا كان رئيس الحكومة يقوم بأمور جيدة، فإنّ الملك يدعمه ويؤيده".

من جهته، أبدى عضو المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، ورئيس الفريق الاشتراكي بمجلس النواب، عبد الرحيم شهيد، تعجبه من تصريحات عبدالإله بنكيران، مؤكداً في تصريحات خصّ بها "حفريات"، استغرابه من هذا الكلام الصادر عن زعيم حزب سياسي، دبر الشأن العام لسنوات، والمفترض أنّه رجل دولة، ينبغي له أن يقيم وزناً لمساهمة جميع المغاربة، في الملكية الحكيمة، أمّا وأن يخرج على الملأ، ليختزل تاريخاً وطنياً جماعياً، في أسماء بعينها، وفي هيئات دون أخرى، فإنّ ذلك يعد، بحسب شهيد، نوعاً من الافتراء الواضح على التاريخ المعلوم.

ويكشف عبدالرحيم شهيد، عن زلّة ثانية في تصريحات بنكيران، ذلك أنّ زعيم "العدالة والتنمية"، منح نفسه الحق في تكفير جزء من المغاربة، لم تكن له الشجاعة ليسميهم، واعتبرهم ملاحدة، وهو أعرف الناس بما يعني تلميحه عند الأتباع، الذين يسيطر عليهم التعصب والتطرف، وما يمكنهم القيام به. وحتى المغاربة اليهود، الذين لعبوا أدواراً مهمة في مختلف المجالات لمصلحة البلاد، لم يسلموا من كلامه المتهور وتجريحه؛ إذ اعتبرهم مجرد "قلة قليلة". 

ادعاءات مردود عليها

الأكثر من ذلك، في رأي زعيم الفريق الاشتراكي بمجلس النواب، هو عودة الزعيم المنكسر، يقصد بنكيران، إلى المن على الملكية، وادعاء أنّ حزبه كان وراء الاستقرار الذي ينعم به المغرب، مع تبخيس إسهامات أحزاب وطنية أخرى، لها بصمتها البارزة في المشهد الوطني، منذ مقاومة الاستعمار ونيل الاستقلال.

لذلك، كان لا بد من تصحيح المغالطات، التي وردت في الجلسة الافتتاحية للجامعة الشعبية، وهي مغالطات وقع فيها صاحبها تحت تأثير عزلته، وتآكل شرعيته السياسية والتنظيمية، وانطلاقاً من ذلك، والحديث لـعبد الرحيم شهيد، "كان من الضروري أن أتدخل؛ لأذكّر من لا ذاكرة له، أو من يتناسى تاريخ وطنه، أنّ المسار التاريخي الحافل للمغرب، صنعته الملكية، والأحزاب الوطنية المؤمنة بأولوية الوطن، وخدمة المصلحة العليا للبلاد"، مضيفاً: "ضمن هذا المسار، أشرت إلى الأدوار الطلائعية التي لعبها اليسار، وفي مقدمته حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، بمعيّة أحزاب وطنية أخرى، في تقوية البناء الديمقراطي، وتحقيق التقدم السياسي، وتكريس الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية". 

رشيد عفيف: عبّر بنكيران مراراً وتكراراً، عن أنّ الملكية البرلمانية، التي طرحتها بعض أحزاب اليسار في السنوات الماضية، لا تصلح لتدبير الشأن السياسي في المغرب

ويواصل البرلماني المغربي حديثه لـ"ـحفريات"، لافتاً إلى أنّه لا يمكن القبول بطمس الحقائق، والسعي إلى إغفال نضالات الأحزاب الوطنية، ومنها الاتحاد الاشتراكي، في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان، وحرية التعبير، والعيش الكريم، كما لا يمكن القفز على المنعطف التاريخي الهام، الذي تمثله حكومة التناوب التوافقي، التي تحمّل مسؤوليتها، المقاوم الوطني الكبير، ورجل الدولة البارز، عبد الرحمن اليوسفي، فقد كانت لحظة تاريخية؛ ساهمت في تحقيق التداول السياسي، وخلق الانفراج الحقوقي، وتقوية البناء المؤسّساتي، وإطلاق العديد من المبادرات في المجال الاجتماعي.

ويختتم عبدالرحيم شهيد حديثه مؤكداً على أنّ المساهمة الجماعية لكل المغاربة، هي التي أوصلت البلاد إلى ما هي عليه اليوم، من استقرار وأمن، تحت القيادة الرشيدة لجلالة الملك، وهو ما جعل المغرب نموذجاً متميزاً للتعددية السياسية، التي أطّرها دستور العام 2011، ليقوم النظام السياسي على الانفتاح، والتسامح، والتنوع الثقافي، والتضامن المجتمعي، وحرية المعتقد، وهذا النموذج هو الذي لابد من الحفاظ عليه، ولذلك دافعنا، كمعارضة سياسية وبرلمانية عن التعددية؛ بمناسبة تشكيل الحكومة الحالية، بعد أن لاحظنا توجها مقصوداً نحو التغول، وفرض الهيمنة السياسية لأحزاب الأغلبية الثلاثة. وقد تشبثنا بالدفاع عن التعددية السياسية، التي تميز التجربة الديمقراطية المغربية، وتشبثنا بضرورة صيانة التوازن السياسي والمؤسّساتي، واعتبرناه شرطاً ضرورياً؛ في التأسيس لمرحلة تفعيل النموذج التنموي الجديد.

البحث عن أدوار جديدة

من جانبه، يذهب الكاتب الصحفي المغربي، رشيد عفيف، إلى التأكيد على أنّ تصريحات عبد الإله بنكيران، حول الأحزاب اليسارية، التي زعم أنّها "عادت إلى صوابها"، هي بمثابة نقد مبطّن وتعريض خفيّ، على اعتبار أنّ مناسبة هذا التصريح، كانت أشغال الجامعة الشعبية لحزب الحركة الشعبية، الذي يمثل حزباً محسوباً تاريخياً على أحزاب الإدارة.

اقرأ أيضاً: بنكيران يلبس جبة "الواعظ الديني" لاستعادة شعبية حزبه

ويتابع رشيد عفيف حديثه لــ"حفريات"، لافتاً إلى أنّ مفهوم العودة إلى الصواب؛ يعني أنّ هذه الأحزاب كانت في الماضي على خطأ، عندما كان خطابها السياسي يرتكز على معارضة الملكية، والدفاع عن الخيارات الثورية أحياناً، أو الإصلاحية في أحيان أخرى. 

وبالتالي يقصد بنكيران بحديثه عن تخلّي الأحزاب اليسارية، وعلى رأسها الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وحزب التقدم والاشتراكية (الحزب الشيوعي سابقا) عن توجهاتهما، التي كانت معارضة للنظام الملكي، إبان ما يعرف تاريخياً بسنوات الرصاص، في عهد الملك الراحل الحسن الثاني، ودخولهما في الصف الوطني، الذي يعتبر الملكية من المقدسات والثوابت الوطنية، يقصد أنّ ذلك هو بمثابة هزيمة لهذه الأحزاب، وخضوع لمنطق الدولة. 

ويقول عفيف: إنّ الذي ينبغي التوقف عنده في تصريح بنكيران، هو عودته مرة أخرى للحديث عن موضوع الإجماع على الملكية، فمنذ خروجه من دائرة التدبير والمسؤولية عن رئاسة الحكومة، أصبح دفاع بنكيران عن الثوابت، وعلى رأسها الملكية؛ من ركائز تصريحاته الإعلاميّة، وخطابه السياسي، مع العلم أنّه لا أحد اليوم في المغرب، سواء من الأحزاب السياسية، أو من رموز الفكر، أو العمل النقابي أو النضالي، يشكك أو يطعن في مشروعية النظام الملكي، أو يطالب بخيارات بديلة. 

ويطرح الكاتب المغربي سؤالاً حول مغزى تلك التصريحات: لماذا يعود بنكيران باستمرار إلى الدفاع عن الملكية، على الرغم من أنّها ليست في حاجة إلى من يدافع عنها؟

ويجيب رشيد عن ذلك السؤال، مشيراً إلى أنّ بنكيران يريد في أن يبلّغ ثلاث رسائل أساسية: 

 الأولى: هي رسالة ذات خلفية شخصيّة، وموجهة للدولة والنظام؛ مفادها أنّه رجل وطني، على الرغم من الإعفاء الذي تعرّض له، بعد فشله عقب انتخابات العام 2016 التشريعية، في تشكيل الأغلبية التي تخول له رئاسة الحكومة. لقد كان إعفاؤه من هذه المهمة، ضربة قاصمة لمساره السياسي الشخصي، ولكن على الرغم من ذلك، فإنّ التجربة التي يتميز بها كرجل دولة، تجعله يحريص باستمرار على عرض خدماته، بشكل مباشر، أو غير مباشر.

 أمّا الرسالة الثانية: فهي موجهة لأتباع حزب العدالة والتنمية الذي يرأسه، الحزب الإسلامي الذي خسر الانتخابات الأخيرة خسارة مدوية، دفعت البعض من أنصاره إلى الترويج لنظرية وجود مؤامرة تعرض لها، مع تصعيد لهجة الخطاب السياسي المعارض، ومن ثم فتح النقاش حول مستقبل وشكل النظام السياسي، والإصلاحات الدستورية والمؤسّساتية التي ينبغي القيام بها. يريد بنكيران أن يؤكد على كون هوية حزب العدالة والتنمية ثابتة وراسخة، فيما يتعلق بموالاته لمقدسات البلاد، وعلى رأسها الملكية التنفيذية.

اقرأ أيضاً: بنكيران يعود إلى إخوانيته دون مواربة

ويختتم الكاتب المغربي، تصريحاته بقوله إنّ مضمون الرسالة الثالثة؛ يأتي عبر سعي بنكيران من خلال الإلحاح على هذا الموضوع، إلى التذكير بأنّه لا يدافع عن الملكية فقط، كحضور تاريخي أو رمزي، بل كمؤسسة تنفيذية وفاعلة في الحقل السياسي. 

لقد عبّر بنكيران مراراً وتكراراً، عن أنّ الملكية البرلمانية، التي طرحتها بعض أحزاب اليسار في السنوات الماضية، لا تصلح لتدبير الشأن السياسي في المغرب؛ لأنّه بحاجة إلى ملك لا يسود فقط، وإنّما يسود ويحكم أيضاً.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية