أسدل البرلمان المغربي، مساء الأربعاء، 26 أيّار (مايو) الماضي، الستار على واحدة من أبرز الأزمات التي ضربت حزب العدالة والبناء (المصباح)، الذراع السياسي للإخوان، والذي يقود الائتلاف الحاكم، حيث صوت البرلمان بالأغلبية على مشروع القانون رقم 13.21، والمتعلق بتقنين الاستخدامات المشروعة للقنب الهندي (الماريجوانا).
مجلس النواب المغربي، صدّق في جلسته العمومية على مشروع القانون، بحضور وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت، بأغلبية 119 عضواً، ومعارضة 48 عضواً، من حزب العدالة والتنمية.
الارتباك الحاد بين الخطاب والممارسة
موقف العدالة والتنمية من مشروع القانون، اتسم بالارتباك الحاد، والمراوحة بين الرفض والقبول، فما إن مررت حكومة سعد الدين العثماني، مشروع القانون إلى البرلمان، حتى ضربت عاصفة من الاحتجاجات صفوف المصباح، بلغت ذروتها بإعلان عبد الإله بنكيران، الأمين العام الأسبق للحزب، تجميد عضويته، وقطع علاقته مع خمسة قياديين هم: الأمين العام للحزب، سعد الدين العثماني، ووزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان والعلاقات مع البرلمان العضو في الأمانة العامة للحزب، المصطفى الرميد، ووزير الطاقة والمعادن والماء والبيئة العضو في الأمانة العامة للحزب، عزيز الرباح، ووزير الشغل والإدماج المهني العضو في الأمانة العامة للحزب، محمد أمكراز، والعضو في الأمانة العامة للحزب، لحسن الداودي، لمسؤوليتهم المباشرة عن تمرير مشروع القانون، والذي حدد الاستعمالات المشروعة للقنب الهندي، وقصر ذلك على الاستعمال الطبي.
ومع التصدع الذي ضرب صفوف الحزب، والأبعاد السياسية التي فجرها قرار بنكيران، حاول حزب العدالة والتنمية العودة إلى نقطة الصفر، إلا أنّ إصرار الأحزاب الأخرى على تمرير القانون، وكذلك الضغوط التي مارسها عبد الوافي لفتيت، وزير الداخلية، عرقلت جهود المصباح، الذي قرر أمينه العام، تمرير القانون من جديد، تجنباً للعزلة السياسية، وفي ظل الفوائد الطبية، وتعهد وزارة الداخلية بضبط الانتاج، والتحكم في الاستعمالات المشروعة للنبتة، حيث أكّد، لفتيت، أنّ المشروع يهدف إلى توفير "آلية قانونية، تمكن من تأطير وتقنين هذا المجال، مما يساهم بتحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية مندمجة ومستدامة، لمختلف مناطق المملكة".
عبد الوافي لفتيت: المشروع يهدف إلى توفير آلية قانونية، تمكن من تأطير وتقنين هذا المجال، مما يساهم بتحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية مندمجة ومستدامة، لمختلف مناطق المملكة
اصطدم سعد الدين العثماني، بالجناح الذي يحركه الأمين العام السابق، عبد الإله بنكيران، حيث وجد معارضة قوية في الداخل، وأفادت تسريبات أنّ العثماني هدد بالاستقالة من الحزب، في حال أصر الأعضاء على رفض مشروع القانون، قبل أن ينفي الحزب هذه الأنباء، وقد عكس تصويت اللجنة الداخلية في مجلس النواب، الجمعة 21 أيّار (مايو) الماضي، على مشروع القانون، انفلات الأمور من يد العثماني، حيث صوت نواب المصباح الثلاثة داخل اللجنة، برفض المشروع، الذي تم تمريره إلى جلسة تصويت عمومية، بأغلبية 20 صوتاً.
عبد العزيز أفتاتي: الحزب المعزول بالمعنى الحقيقي، هو الذي صوّت بالإيجاب على هذا القانون، وبالتالي يدافع عن المنكر
عند هذا الحد، يبدو أنّ العثماني استسلم تماماً، تحت وطأة الضغوط الانتخابية، الناتجة عن خلل الخطاب الإسلاموي الشعبوي للحزب، والذي يتناقض بالضرورة مع الضرورات السياسية، والأولويات التشريعية الملحّة، وعليه قرر المصباح التصعيد ضد القانون، وحسم موقفه برفض المشروع، لكنه فشل كعادته في إقناع الأحزاب الأخرى داخل مجلس النواب، والتي رأت أنّ المشروع بالإضافة إلى فوائده الطبية، فهو يحمل أملاً جديداً للمزارعين، من أجل تحسين أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية، ذلك أنّه وفقاً للدراسات، فإنّ صافي الدخل للهكتار، يصل إلى حوالي 110 ألف درهم سنوياً؛ أيّ بزيادة قدرها حوالي 40%، بالمقارنة مع أعلى مستوى للدخل حالياً.
هل أصبح العدالة والتنمية محاصراً بالعزلة السياسية؟
ربما لم تكن العزلة السياسية لحزب العدالة والتنمية، التي تجلّت في تصديق البرلمان على مشروع قانون تقنين القنب الهندي، أمراً جديداً؛ فالمصباح بات يواجه عدة صعوبات سياسية، وفشل في المواءمة بين خطابه السياسي، ومسؤولياته كحزب حاكم، ظهر ذلك عندما صدّق سعد الدين العثماني، على اتفاقية التطبيع مع إسرائيل، وانهيار شعارات الممانعة والمقاومة، مع أول اختبار سياسي حقيقي، وعندما وقف وحده يحاول تعطيل قانون القاسم الانتخابي، ما دفع نشطاء ومحللون إلى التأكيد على أنّ عزلة المصباح تؤكد تفكك الائتلاف الحاكم، حيث أكّدت مصادر حزبية أنّ "خروج العدالة والتنمية عن إجماع الأغلبية، بشأن تقنين زراعة القنب الهندي، وقبلها بأشهر خروجه أيضاً عن الإجماع؛ فيما يخص القاسم الانتخابي، يؤكد غياب الانسجام في الائتلاف الحكومي".
من جهته، حاول القيادي بحزب العدالة والتنمية، عبد العزيز أفتاتي، الدفاع عن موقف المصباح، زاعماً أنّ "الحزب المعزول بالمعنى الحقيقي، هو الذي صوّت بالإيجاب على هذا القانون، وبالتالي يدافع عن المنكر"، زاعماً أنّ المصباح أصبح يتمايز عن مافيا القنب الهندي.
من جهته، أكّد الدكتور، أحمد فؤاد أنور، عضو مجلس الشؤون الخارجية، في تصريحات خصّ بها "حفريات"، أنّ مشروع القانون كان يمكن أن يمر دون جلبة، وبسلاسة وتلقائية، لولا حالة الجدل التي فجرها عبد الإله بنكيران، منذ آذار (مارس) الماضي، والمستمرة حتى الآن، ما أحدث انقساماً سياسياً حاداً، على أكثر من خلفية.
أحمد فؤاد أنور: تاريخ الأحزاب الإسلامية بشكل عام، يؤكد أنّها لا تجد غضاضة في مسألة تقنين المخدرات، بل والاتجار فيها، كما هو الحال في أفغانستان، وكذلك نموذج حزب الله اللبناني
الخلفية الأولى؛ هي تغير مواقف حزب العدالة والتنمية، الإخواني، بسبب التلون الدائم في المواقف، الذي بلغ حد التناقض والتضارب الحاد بين الشعارات، والتوجهات الحقيقية على أرض الواقع، فهو من جهة يهنئ حركة حماس على الصمود أمام العدوان الإسرائيلي، على الرغم من أنّه هو نفس الحزب الذي صدّق على اتفاق التطبيع مع إسرائيل، فالحزب لديه توجه عام نحو تقنين القنب للاستخدامات الطبية، لكنه يريد الظهور أمام مناصريه في موقف الرافض، لاعتبارات دينية.
الخلفية الثانية؛ هي الصراع بين رئيس الوزراء السابق، عبد الإله بنكيران، والأمين العام الحالي، سعد الدين العثماني، حيث فجر بنكيران الأزمة لاعتبارات سياسية وانتخابية، وتاريخ الأحزاب الإسلامية بشكل عام، يؤكد أنّها لا تجد غضاضة في مسألة تقنين المخدرات، بل والاتجار فيها، كما هو الحال في أفغانستان، وكذلك نموذج حزب الله اللبناني، والذي ثبت تورطه في الاتجار مع مافيا المخدرات في أمريكا اللاتينية، وقيامه باستغلال لبنان كمحطة تصدير إلى دول الخليج والمنطقة العربية، وفق أنور.
وفي المغرب، هناك توجس حقيقي من حدوث تحايل على هذا القانون، وفتح المجال لتفشي الاتجار في المخدرات، خاصّة وأنّ الحزب الحاكم برفضه عملية التقنين، يكون ترك الأبواب مواربة أمام التجاوزات، ما يفتح ثغرات قانونية متعددة، ربما كان يمكن تفاديها، لو أبدى "العدالة والتنمية" تعاوناً في هذا السياق.