الإخوان في ألمانيا: زواج مصلحة مع الأحزاب اليسارية.. والسلطات تضيق الخناق

الإخوان في ألمانيا: زواج مصلحة مع الأحزاب اليسارية.. والسلطات تضيق الخناق


07/03/2022

تسعى تيارات الإسلام السياسي لاستغلال الجاليات المسلمة في ألمانيا، بهدف التقرب إلى صانعي القرار الألماني والأحزاب السياسية واستغلال الحرية والديمقراطية، ليس فقط لتحقيق أهداف سياسية، ولكن لإعادة تشكيل المجتمع الألماني.

وحذّرت دراسة أوروبية من مخاطر تنظيم الإخوان المسلمين واختراقه للمجتمع الألماني، عبر محاولة "التعاون الخبيث" مع أحزاب اليسار والسياسيين في البلاد، وقالت: إنّ "إيديولوجية الإخوان لا تتوافق أبداً مع المبادئ التي يكفلها الدستور الألماني".

 ووفقاً للدراسة الصادرة عن المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات والمنشورة عبر موقعه الالكتروني، فإنّ أعداد الجاليات المسلمة في ألمانيا تُقدّر بين (3.8) و(4.5) مليون نسمة. ويُشكّل الأتراك غالبية المسلمين بينهم، وتُقدّر نسبتهم بأكثر من (50%). وتتصاعد المخاوف في ألمانيا بشأن جماعات وأحزاب الإسلام السياسي والتنظيمات المرتبطة بها كتنظيم الإخوان المسلمين.

تيارات الإسلام السياسي تسعى لاستغلال الجاليات المسلمة في ألمانيا بهدف التقرب إلى صانعي القرار الألماني والأحزاب السياسية

 

 وفي سياق التحذيرات من خطورة الإخوان، نقلت دراسة المركز الأوروبي تقريراً للاستخبارات الألمانية في 24 شباط (فبراير) الماضي يرصد تزايد أعداد القيادات الإخوانية في العاصمة برلين بشكل كبير، مشيرة إلى وجود (150) عنصراً إخوانياً قيادياً في عام 2022، مقارنة بـ (100) فقط في عام 2019.

اقرأ أيضاً: الإخوان” وحزب اليسار في ألمانيا ـ تخادم وتبادل مصالح

 وحذّرت هيئة حماية الدستور في تقرير صدر عنها في 10 كانون الثاني (يناير) الماضي من خطر انتشار تنظيم الإخوان المسلمين في البلاد، حيث ارتفع عدد العناصر الرئيسية لتنظيم الإخوان في ألمانيا من (1350) في عام 2019 إلى (1450) في 2020، لافتة إلى أنّ إيديولوجية الإخوان لا تتوافق أبداً مع المبادئ التي يكفلها الدستور الألماني، كما أنّها لا تهتم بإجراء انتخابات حرة، أو المساواة في المعاملة، وحرية التعبير والحرية الدينية.

 وأكدت تقارير الاستخبارات الألمانية أنّ تنظيم الإخوان المسلمين يوهم الحكومة الألمانية أنّه بعيد كلّ البعد عن الأجواء السياسية الألمانية، لكنّه يسعى لتعزيز الروابط والعلاقات مع الجهات السياسية وصانعي القرار، بهدف توسيع النفوذ. ولوحظ أنّ هناك أنشطة سرّية داخل المدن الألمانية وعلى المواقع الإلكترونية وتقديم المساعدات الاجتماعية للجاليات المسلمة لحشد أصواتهم الانتخابية، وتقديم المساعدات للّاجئين أمام دوائر اللجوء والهجرة والسكن.

 

دراسة أوروبية تُحذّر من مخاطر تنظيم الإخوان المسلمين واختراقه للمجتمع الألماني، عبر محاولة "التعاون الخبيث" مع أحزاب اليسار والسياسيين في البلاد

 

 ووفقاً لمركز الدراسات، فإنّ جماعة الإخوان المسلمين في ألمانيا تحرص على تقديم نفسها على أنّها جماعة تهتمّ بالأنشطة الاجتماعية، وليست لها علاقة بالسياسة، وتقوم باستغلال نساء الجماعة كغطاء للظهور بصورة المؤسسات الإسلامية السلمية ذات الأغراض الاجتماعية وليست السياسية.  فعلى سبيل المثال؛ في أيلول (سبتمبر) 2020 تمّ تعيين عدد من النساء في الفرع الألماني للمجلس الأوروبي للفتوى والبحوث، من أجل التأثير على صانعي القرار السياسي في ما يتعلق بتمكين المرأة.

 واستبعد المجلس المركزي للمسلمين في ألمانيا جمعية صنفتها الاستخبارات الألمانية على أنّها تابعة لشبكة الإخوان المسلمين.

 وقرر "المجلس الأعلى للمسلمين" في ألمانيا مؤخراً طرد منظمة "الجماعة الإسلامية الألمانية"، إحدى "الواجهات" التي يتستر خلفها تنظيم الإخوان في البلاد، بعد أن كان قد علّق عضوية المنظمة نفسها في كانون الأول (ديسمبر) من عام 2019

اقرأ أيضاً: ألمانيا تدخل حقبة جديدة في سياستها العسكرية.. ما علاقة الحرب الروسية الأوكرانية؟

 وعن علاقة الإخوان بأحزاب اليسار، أشارت الدراسة، إلى أنّه في 9 حزيران (يونيو) 2021 وُجّه لأحزاب اليسار الألماني العديد من الاتهامات بسبب طريقة التعامل مع أحزاب الإسلام السياسي، لا سيّما الأحزاب المرتبطة بتنظيم الإخوان المسلمين في البلاد، حيث لا تدرك هذه الأحزاب مدى خطورة التساهل مع هذه جماعات التي قد تؤثر بدورها على استراتيجية ألمانيا لمكافحة الإرهاب ومحاربة التطرف.

 وعادة ما تُتهم أحزاب اليسار الألماني بالتعاطف مع تنظيمات الإسلام السياسي، مثل الإخوان وغيرها، وتبني مواقف ضعيفة حيال أنشطتها لا تُقارن بمواقف اليمين المتطرف المتشددة.

 أمّا عن تمويل الإخوان في ألمانيا، فقد نشرت صحيفة "دي فيلت" الألمانية في كانون الأول (ديسمبر) 2021 تقريراً يشير إلى تزايد التمويل الذي تتلقاه جمعيات مرتبطة بـ"الإخوان المسلمين" من منظمات شبيهة مقرّها بريطانيا. وتعمل تلك الجمعيات "في هياكل أشبه بالمافيات". وهناك منظمة مقرّها بريطانيا تُدعى "أوروبا تراست" استحوذت على مبنى في منطقة "فيدينغ" في برلين بقيمة (4) ملايين يورو، وإنّ جمعيات ومنظمات عدة انتقلت إلى برلين، والآن باتت تخضع لمراقبة المخابرات الألمانية الداخلية.

 

الاستخبارات الألمانية ترصد تزايد أعداد القيادات الإخوانية في برلين، من (100) فقط في عام 2019 إلى (150) عام 2022

 

 وتوضح التقارير الصادرة عن البرلمان الأوروبي في تشرين الثاني (نوفمبر) 2021 بشكل مُفصل خريطة التغلغل الإخواني في (10) دول أوروبية، فهناك عدة أفكار تمثّل المرجعية الإرهابية لدى التنظيم، وهي مشروع التمكين الإخواني السياسي في أوروبا، والاختلافات العقائدية، ومفهوم الوطنية لدى التنظيم والتمويلات. وبشكل واضح تُشكّل جماعة الإخوان لوبيات عدائية ضد الدول، ونشر الفكر المتطرّف، واستغلال القوانين والتشريعات لصناعة اقتصاديات ضخمة بغرض توفير منابع تمويل للتنظيم.

 

اتهامات توجّه لأحزاب اليسار الألماني بسبب طريقة التعامل مع أحزاب الإسلام السياسي، لا سيّما الأحزاب المرتبطة بتنظيم الإخوان المسلمين

 

 وترى الخبيرة الألمانية في شؤون الإخوان "سيغريد هيرمان مارشال" أنّ منظمات الإخوان ستكثف مناوراتها في الفترة المقبلة، محاولة النأي بنفسها عن المنظمة الأم لتفادي الضغط وانتزاع بعض حرية الحركة. وتتمثل الحيلة ببساطة في عدم الإشارة إلى جماعة الإخوان المسلمين، وأنّ المنظمات التي تخفي روابطها بالإخوان خلف وجه الاندماج وغيره من الأهداف المدنية، ستجد طريقاً للتعاون مع المؤسسات الحكومية والحصول على تمويل عام.

 هذا، وكان حزب الديمقراطيين المسيحيين (CDU) وحزب الاتحاد الاجتماعي المسيحي  (CSU)  قد تقدّما في 13 نيسان (أبريل) 2021 باقتراحات للحكومة تشدد على قطع جميع الإعانات والدعم والتعاون مع جماعات الإسلام السياسي التي تراقبها وكالة المخابرات المحلية الألمانية هيئة حماية الدستور.

 ويؤكد ذلك عضو البرلمان الألماني كريستوف دي فريس: "الاتحاد الديمقراطي المسيحي والاتحاد المسيحي الاجتماعي سيتخذان موقفاً واضحاً في محاربة الإسلام السياسي". وهناك مطالب برلمانية منذ عام 2020 لأحزاب اليسار بإنهاء صمتها عن "إرهاب الجماعات"، ورفض أيّ تسامح مع تنظيمات الإخوان وحماس وحزب الله، بالإضافة إلى مطالبات حزب الخضر باتخاذ إجراءات قوية ضد جماعات الإسلام السياسي.

جمعيات مرتبطة بـ"الإخوان المسلمين" تتلقى التمويل من منظمات شبيهة مقرّها بريطانيا، وتعمل تلك الجمعيات "في هياكل أشبه بالمافيات"

 ورأى رئيس المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب جاسم محمد، في حديث خاص لموقع "سكاي نيوز عربية"، أنّ وصف العلاقة بين تنظيم الإخوان وأحزاب اليسار بالخبيثة، بسبب محاولات التنظيم التقرب من أحزاب اليسار والخضر، عبر تقديم أنفسهم بأنّهم يؤمنون بالديمقراطية، والتعايش مع قيم المجتمع الأوروبي.

 وبيّن محمد أنّ الإخوان يُقدّمون وعوداً بمنح أصواتهم لأحزاب اليسار في الاستحقاقات الانتخابية، في مقابل الحصول على دعم تلك الأحزاب، سواء عبر الإعانات أو التسهيلات المختلفة، أو كجسر يعبر التنظيم المصنف في الكثير من الدول كتنظيم إرهابي من خلاله إلى صنّاع القرار والحكومة.

 ورجّح الخبير الأمني أن تشهد الفترة المقبلة مزيداً من الإجراءات وتضييق الخناق على تنظيمات الإسلام السياسي، ومراقبة أنشطتها والتصدي لانتشارها.

مارشال: منظمات الإخوان ستكثف مناوراتها في الفترة المقبلة، محاولة النأي بنفسها عن المنظمة الأم، لتفادي الضغط وانتزاع بعض حرية الحركة

 

 وعلى الصعيد الرسمي، عززت عدة دول أوروبية إجراءات مكافحة الإرهاب والتطرف على أراضيها، في مقدمتها النمسا وألمانيا وفرنسا، التي حظرت نشاطات وشعارات عدة منظمات إرهابية خلال الفترات الماضية، من بينها جماعة الإخوان والذئاب الرمادية التركية وجماعة أنصار الدودية وغيرها.

 ويبدو أنّ تنظم الإخوان يواجه مصيراً مظلماً داخل القارة الأوروبية، التي لطالما وفّرت حواضن للتنظيم، وقدّمت كافة أوجه الدعم له، لكنّها تيقظت مؤخراً لمدى خطورة الدور الذي يلعبه التنظيم في نشر التطرف والإرهاب.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية