ارتدادات الحرب الأوكرانية: هل تتمرد أفريقيا على الغرب؟

ارتدادات الحرب الأوكرانية: هل تتمرد أفريقيا على الغرب؟


16/03/2022

شأنها شأن العديد من دول العالم، ألقت الحرب الروسية الأوكرانية، التي تدخل أسبوعها الـ4 غداً الخميس، بظلال ضبابية على الدول الأفريقية، وأعادت رسم خريطة التحالفات الدولية، فمن يوالي روسيا، فهو يعادي الغرب والولايات المتحدة الأمريكية، ومن يعاديها، يصبح حليفهم.

 وقد تحوّل امتناع العديد من دول القارة السوداء عن التصويت على قرار أممي يدين الغزو الروسي لأوكرانيا إلى ظاهرة يعكف على دراستها الاتحاد الأوروبي.

نتائج تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة مؤخراً أظهرت أنّ نصف الدول الأفريقية لم تؤيد قرار إدانة روسيا

 وفي قراءة للوضع الحالي لمركز الإمارات للسياسات، قال المركز: إنّه "من الواضح أنّ الأزمة الأوكرانية الحالية، التي وصلت مرحلة التصعيد العسكري المتواصل منذ 24 شباط  (فبراير) 2022، سيكون لها تأثير حاسم في الأوضاع الدولية بصفة عامة، بما فيها الساحة الأفريقية التي تقف هذه الورقة عند أبرز انعكاسات الحرب الحالية عليها، استراتيجياً واقتصادياً.

الموقف الأفريقي وأسبابه

سلّط المركز الضوء على نتائج تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة في اجتماعها بتاريخ 2 آذار (مارس) الجاري، حيث لم يصوّت نصف الدول الأفريقية لصالح القرار الذي أدان روسيا، وطالبها بوقف عملياتها العسكرية في أوكرانيا، وصوتت دولة واحدة هي إريتريا ضدّ القرار، لأسباب معروفة تتعلق بروابطها المتردية بالولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي، وعلاقاتها القوية بروسيا.

وامتنعت عن التصويت (16) دولة أفريقية، من بينها الجزائر ومالي وجنوب أفريقيا وأنغولا وموزمبيق والسنغال، في حين لم تشارك في التصويت دول أخرى، مثل المغرب والكاميرون وتوغو وبوركينا فاسو، الأمر الذي اعتبره المعهد الإماراتي أنّه "تحفّظ واسع" على القرار الذي بلورته الولايات المتحدة والدول الأوروبية، حتى لدى دول معروفة بانحيازها إلى السياسات والمواقف الغربية مثل السنغال والمغرب.

امتنعت عن التصويت (16) دولة أفريقية، من بينها الجزائر ومالي وجنوب أفريقيا وأنغولا وموزمبيق والسنغال

التمدد الروسي في أفريقيا والحرب الباردة

ربما يفسّر انسحاب فرنسا وبروز روسيا كلاعب استراتيجي وعسكري في منطقة شمال أفريقيا والساحل الأفريقي موقف الدول الأفريقية التي امتنعت عن التصويت على قرار يدين روسيا. ورصد مركز الإمارات للسياسات أسباب امتناع بعض الدول الأفريقية عن التصويت ضد روسيا، وقد تعددت الأسباب بين التمدد الروسي في أفريقيا، والحفاظ على توازن العلاقات الخارجية كما هو في حالة المغرب، والتمرّد على سياسات الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الأوروبيين الممارسين وضغوطهم على تلك الدول لاتباع السياسة نفسها، والنهج نفسه العازل لروسيا.  

وفي هذا الشأن، أشار تقرير مركز الإمارات إلى أنّ "الدول الحليفة تقليدياً لروسيا إمّا أعلنت الانحياز لها مثل إريتريا، وإمّا اكتفت بالامتناع عن التصويت مثل الجزائر وأنغولا وإثيوبيا التي هي بلدان كانت داخلة خلال الحرب الباردة ضمن النفوذ السوفييتي."

وأوضح "الدول التي تتحفظ على مواقف وسياسات الدول الغربية على صعيد العلاقات الدولية، منتقدة سياسة ازدواجية المعايير في التعامل مع الأزمات السياسية، كما هو شأن جنوب أفريقيا"، مشيراً إلى "الدول التي أصبح لروسيا في الأعوام الأخيرة حضورٌ عسكري لافت فيها، كما هو شأن جمهورية أفريقيا الوسطى ومالي والموزمبيق."

اقرأ أيضاً: الحرب الأوكرانية تعيد ملف الأسلحة البيولوجية إلى الواجهة.. ماذا تعرف عنها؟

وأضاف: "الدول التي تتحسب من ردود الفعل الروسية في ملفاتها الدبلوماسية الحيوية، كما هو شأن المغرب الذي يُدير ملف الصحراء في الأجندة الدولية."

ووفقاً للمعهد، تُمارِس الحكومات الغربية ضغوطاً كبيرة على الدول الأفريقية من أجل تبنّي سياسات الحصار والمقاطعة التي أقرتها ضد موسكو، إلّا أنّ استجابة البلدان الأفريقية لهذه الضغوط ما تزال محدودة

السياسات الأفريقية-الروسية: الحضور والاتجاهات

رأى تقرير المركز الإماراتي أنّ روسيا عادت إلى الساحة الأفريقية في الأعوام الأخيرة، بعد غياب طويل، من خلال صور عدة، من بينها وحدات "فاغنر" التي دخلت ليبيا منذ عام 2018، ومناطق مختلفة من الساحل الأفريقي في مقدمتها مالي التي طردت مؤخراً السفير الفرنسي قبيل إعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون انسحاب بلاده بالكامل من مالي ومنطقة الساحل الأفريقي.

 وقال: إنّ "فاغنر، التي يديرها ديمتري أوتكين ويموّلها يفغيني بريغوجين رجل الأعمال المقرب من الرئيس بوتين، تتواجد في عدد من المناطق الليبية، وبصفة خاصة في الهلال النفطي وتتركز في مدينة سرت، وتسعى إلى فتح طريق نحو فزان، وقد لوحظت حركة جديدة للقوات الروسية قرب القاعدة الجوية في الجفرة، كما أنّ الشركات الروسية الخاصة المقربة من الدولة حاضرة في قطاعات عدة، وخصوصاً في عمليات إزالة الألغام، وطباعة الأوراق المالية."

وفي أفريقيا الوسطى، دخلت روسيا بقوة في أفريقيا الوسطى منذ العام 2017، ويتركز التعاون العسكري بين البلدين في تكوين الوحدات العسكرية وتدريبها، وحماية رئيس الجمهورية والمؤسسات الكبرى في الدولة. ويصل عدد الخبراء العسكريين الروس في أفريقيا الوسطى إلى (1135) فرداً، بحسب الأرقام المعلنة، و(2500) فرد، بحسب التقديرات الموضوعية. ويُعتقد أنّ روسيا تحصل على معادن أفريقيا الوسطى ثمناً لدعمها لحكومة بانغي، وفقاً للمعهد.

أمّا في السودان، فالتعاون مع روسيا بدأ في عهد الرئيس السابق عمر البشير، وتركَّز في مقايضة الدعم العسكري لنظام الخرطوم (الأسلحة والتدريب) بتسهيلات في استغلال مناجم الذهب (شركة إنفست المقربة من رجل الأعمال بريغوجين). وتعزز هذا التعاون في المجال البحري، بالاتفاق على إنشاء قاعدة عسكرية روسية في بورتسودان على ضفاف البحر الأحمر. وإذا كان هذا الاتفاق قد جُمِّد مؤقتاً في إثر سقوط نظام البشير، إلّا أنّ كلّ المؤشرات توحي بأنّه سيُستأنف بعد أن تخلص المجلس العسكري من حكومة عبد الله حمدوك المدنية. ويُعتقد أنّ رجل روسيا الأول في النظام العسكري السوداني هو محمد حمدان دوقلو (حميدتي) الذي يقود "قوات الدعم السريع" المرتبطة بشركة فاغنر الروسية، بحسب تقرير مركز الإمارات للسياسات.

وكان حميدتي قد زار موسكو في 23 شباط (فبراير)، عشية الغزو الروسي لأوكرانيا. وفور عودته للسودان رحب الرجل الثاني في السودان بإقامة قاعدة عسكرية روسية في بلاده، وفقاً لموقع "السودان اليوم".

مركز الإمارات للسياسات: الموقف الأفريقي عائد للتمدد الروسي في القارة ويعكس تمرداً على سياسات الغرب

وفي موزمبيق، بدأ الحضور العسكري الروسي في موزمبيق منذ عام 2019، وتركز في مجال الاقتصاد النفطي والقطاع المصرفي. ودخلت القوات الأمنية الروسية الخاصة بقوة في إقليم كابو ديلغادو الغني بالغاز الطبيعي في شمال البلاد، حيث تنشط التنظيمات الراديكالية الإسلامية، على حدّ قول تقرير مركز الإمارات.

 أمّا في مالي، فإنّ روسيا دخلت بقوة إلى الساحة المالية منذ نهاية العام 2021، ويُعتقد حالياً أنّ قرابة (1000) مقاتل من شركة فاغنر الروسية يقاتلون مع الحكومة المالية في منطقة وسط مالي. وكشفت مجلة "جون أفريك" الفرنسية عن قيام وزير الدفاع المالي العقيد ساديو كامارا وقائد هيئة الأركان الجوية الجنرال آلو بوا ديارا بزيارة سرية لموسكو في 6 آذار (مارس) الجاري، من أجل تعميق التعاون العسكري بين البلدين بعد قرار فرنسا وشركائها الأوروبيين سحب قُوتي "بارخان" و"تاكوبا" من مالي.

وفي تقرير نُشر في 17 شباط (فبراير) الماضي، قالت وكالة نوفا الإيطالية للأنباء: إنّ نفوذ موسكو قد ترسخ بالفعل على نطاق واسع في جمهورية أفريقيا الوسطى، حيث أرسلت حكومة بانغي في الأشهر الأخيرة إخطاراً إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تحدد فيه نيتها توفير (600) مدرّب روسي إضافي لقوات الدفاع والأمن لجمهورية إفريقيا الوسطى: (200) بين القوات المسلحة لأفريقيا الوسطى، و(200) من الدرك الوطني و(200) آخرين من الشرطة، بالإضافة إلى (535) مدرّباً روسيّاً موجودين بالفعل رسميّاً في أفريقيا الوسطى، على الرغم من أنّ العديد من المصادر الأمنية يدّعي أنّ عدد المدربين الروس الموجودين في بانغي هو في الواقع أعلى من ذلك بكثير (بين 800 و2000).    

غير أنّ تقرير المركز الإماراتي توقع أن تحدّ الإمكانات الاستراتيجية المحدودة لروسيا في مواجهة العقوبات الدولية، وتزايد التوتر في محيطها المباشر من قدرتها على الحضور في أفريقيا.

 انعكاسات أزمة أوكرانيا

رصد مركز الإمارات للسياسات تأثيرات الأزمة الجارية في أوكرانيا على دور روسيا في أفريقيا، وقال: "من الواضح أنّ الحكومات الغربية تمارس حالياً ضغوطاً كبرى على الدول الأفريقية من أجل تبنّي سياسات الحصار والمقاطعة التي أقرتها ضد موسكو. إلّا أنّ استجابة البلدان الأفريقية لهذه الضغوط ما تزال محدودة، وإن كانت يمكن أن تصل إلى حدّ التهديد بالعقوبات الاقتصادية، ووقف الدعم والمساعدات، بما سيفرض على جُلّ هذه الدول الانسياق في إجراءات مقاطعة روسيا."

وتابع: "من الجلي أنّ هذه الضغوط تتركز اليوم على الدول الأفريقية المحورية، مثل جنوب أفريقيا ومصر والجزائر وإثيوبيا، إلّا أنّها لم تُفضِ حتى الآن إلى نتائج ملموسة."

اقرأ ايضاً: الإمارات تُحذر من تبعات الأزمة الأوكرانية

ورجّح المركز أن تتركز الانعكاسات السلبية المحتملة لحرب أوكرانيا على أفريقيا في مستويين أساسيين، من بينها المستوى العسكري الاستراتيجي، موضحاً: "وفق احتمال إعادة روسيا توزيع أوراقها الاستراتيجية في العالم بما قد يَنتج عنه تخفيف حضورها في الساحة الأفريقية، والتركيز على مجالها الحيوي في أوروبا الشرقية وآسيا الوسطى، وسينعكس هذا الانسحاب سلباً على الاستقرار والتوازن في عدد من البلدان مثل ليبيا التي يُشكّل فيها الدعم الروسي لقوات الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر محورَ توازن مع قوى الغرب المدعومة تركيّاً".

 وأشار تقرير المركز إلى أنّه "في وسط أفريقيا ومالي، وهما دولتان مهددتان بشبح الحرب الأهلية، وعلاقاتهما متردية بالغرب، خصوصاً مع فرنسا التي سحبت قاعدتها العسكرية في وسط أفريقيا، وألغت نهائياً تعاونها العسكري مع حكومة مالي، إلّا أنّ المعادلة الجديدة قد تؤدي في الوقت نفسه إلى عودة التنافس القطبي السابق في الساحة الأفريقية، بحيث تسعى روسيا إلى توطيد مراكز نفوذها في القارة واستعادة بعض مراكز النفوذ السابقة."

وأضاف "يبدو هذا الاحتمال وارداً مع تصاعد النزعات المعادية للغرب في العديد من المناطق الأفريقية، لكن من الأرجح أنّ الإمكانات الاستراتيجية المحدودة لروسيا في مواجهة العقوبات الدولية وتزايد التوتر في محيطها المباشر سيُحدّان من قدرتها على الحضور في أفريقيا، خصوصاً مع غياب محور أو حلف دولي داعم على غرار معادلة الحرب الباردة السابقة."

الحكومات الغربية تمارس حالياً ضغوطاً كبرى على الدول الأفريقية لتبنّي سياسات الحصار ضدّ روسيا

أمّا المستوى الثاني، فهو اقتصادي، حيث توقع التقرير أن تنعكس الحرب في أوكرانيا سلباً على أسعار السلع الأساسية والمواد الغذائية في الدول الأفريقية.

 وقال: "سينعكس ارتفاع أسعار الطاقة والمواد الغذائية الحيوية، ومن بينها القمح المستورد من روسيا وأوكرانيا على الأخص، بالسلب على اقتصاديات جُلّ الدول الأفريقية التي ما تزال تعاني من الآثار المدمرة لجائحة كورونا، وهي في أغلبها دول فقيرة تعتمد على العون الخارجي، وتستورد أساسَ مخزونها الغذائي من الدول الكبرى."

ومن البلدان التي تعتمد على استيراد القمح الروسي والأوكراني دول شمال أفريقيا، مثل مصر والمغرب وتونس، بالإضافة إلى جنوب أفريقيا والسودان والسنغال ونيجيريا وأنغولا وكينيا، وفقاً للمعهد الذي أشار إلى أنّ "17% من استهلاك دول المغرب العربي من الذرة يأتي من أوكرانيا."

اقرأ أيضاً: الأزمة الروسية ـ الأوكرانية... كيف تُعيد رسم خريطة أسواق الطاقة؟

ووفقاً للمركز الإماراتي، ظهرت مبادرات لتطوير زراعة القمح في الأراضي الخصبة في أفريقيا، في وادي النيل ومنطقة البحيرات الكبرى وحوض نهر السنغال، لتعويض النقص الهائل المتوقع في المواد الحيوية، لكنّ هذا المجهود يحتاج إلى وقت طويل. وفي الوقت نفسه قد يؤدي ارتفاع أسعار المواد النفطية والغاز الطبيعي، والتحول عن موارد الطاقة الروسية، إلى تركيز أوروبا على البدائل الأفريقية في نيجيريا وموزمبيق وأنغولا والجزائر، لتزويد السوق الأوروبية، لكنّ هذه البدائل ما تزال في طور التصور والاختبار، ولا يمكن الاعتماد عليها في المدى القريب.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية