أبو هواش ينتصر رغم تغيير قواعد التعامل مع إضرابات الأسرى الفلسطينيين

أبو هواش ينتصر رغم تغيير قواعد التعامل مع إضرابات الأسرى الفلسطينيين


10/01/2022

في محاولة إسرائيلية لثنيهم عن انتزاع حقوقهم بأنفسهم، وفي ظلّ عدم مبالاتها بمعاناتهم، لجأت مصلحة السجون لتغيير قواعد تعاملها مع الأسرى المضربين عن الطعام، والتي يضطر الأسرى الفلسطينيون لخوضها للاستجابة لمطالبهم، وإنهاء اعتقالهم الإداري، لإيصال رسائل قاسية لهم، لعدم التفكير مستقبلاً باللجوء لمعركة الأمعاء الخاوية، بعد أن شكّلت للاحتلال إرباكاً كبيراً، وضغطاً لإنهاء معاناة الأسرى المضربين عن الطعام منذ أمد بعيد.

ولجأت السلطات الإسرائيلية في وقت سابق للمماطلة بالإفراج عن الأسرى المضربين عن الطعام رفضاً لاعتقالهم الإداري، ومن بينهم الأسير السابق كايد الفسفوس، الذي استمر في إضرابه لمدة 131 يوماّ عن الطعام، قبل أن يتمّ الإفراج عنه في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، إضافة إلى الأسير هشام أبو هواش، الذي توقّف عن إضرابه الذي استمر لمدة 141 يوماً، بعد قرار المحكمة بالإفراج عنه في 26 شباط (فبراير) القادم.

الأسرى الفلسطينيون باتوا يلحظون تراجعاً في تبني قضيتهم وفق إستراتيجية وطنية شاملة، ويجدون أنفسهم أمام موجات من القمع بحقهم، حتى أصبحوا مضطرين إلى اللجوء للخطوات الاحتجاجية المختلفة

وقال نادي الأسير إنّ أبو هواش حقق انتصاراً بعد معركة بطولية خاضها رفضاً لاعتقاله الإداري، وأعاد استبساله قضية الحركة الأسيرة، "وتحديداً قضية الاعتقالات الإدارية إلى الواجهة، رغم كل التحديات التي واجهها ورفاقه الذين سبقوه بالإضراب مؤخراً".

إقرأ أيضاً: مهرجان الجونة السينمائي.. قضية الأسرى الفلسطينيين إلى الواجهة عبر فيلم "أميرة"

والاعتقال الإداري حبس بأمر عسكري إسرائيلي، دون توجيه لائحة اتهام، ويمتدّ لـ 6 أشهر، قابلة للتمديد، ولا توجه خلاله أيّة تهمة للمعتقل، بزعم أنّها "تهم سرّية"، ولا يطّلع محامي الأسير الإداري على التهم المزعومة، وفي أغلب الأحيان، يقوم الاحتلال بتمديد فترة الاعتقال الإداري، في اليوم المخصص لإطلاق سراح الأسير الفلسطيني.

 أبو هواش حقق انتصاراً بعد معركة بطولية خاضها رفضاً لاعتقاله الإداري

وصادق الكنيست الاسرائيلي على قانون الإطعام القسري للأسرى، بالقراءتين الثانية والثالثة، عام 2015، وذلك بغالبية 46 صوتاً مقابل 40 صوتاً، وبحسب القانون، الذي أطلق عليه "منع أضرار الإضراب عن الطعام"، فإنّه يمكن للسلطات إطعام أسرى مضربين عن الطعام بشكل قسريّ إذا "تعرضت حياتهم للخطر".

إضراب مفتوح عن الطعام

وكان نحو 250 أسيراً شرعوا في 13 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، في إضراب مفتوح عن الطعام، احتجاجاً على "الإجراءات التنكيلية" التي تُتخذ بحقّهم، وطالب الأسرى المضربون إدارة سجون الاحتلال "بوقف إجراءاتها التي كانت قد فرضتها بحقّهم بعد السادس من أيلول (سبتمبر) الماضي، في أعقاب هروب ستة من الأسرى من سجن جلبوع، قبل أن تتمّ إعادة اعتقالهم مجدداً.

وخلال عام 2012، شرع ألفا أسير فلسطيني داخل المعتقلات الصهيونية في خوض إضراب مفتوح عن الطعام، لوضع حدٍّ للاعتقال الإداري والحبس الانفرادي والتدابير العقابية الأخرى، من قبيل الحرمان من الزيارات العائلية للأسرى الغزيين، وانتهى الإضراب بعد أن وافقت إسرائيل على الحدّ من استخدام الاعتقال الإداري.

إقرأ أيضاً: محللون يكشفون لـ "حفريات" سياسة الابتزاز الإسرائيلية ضد الأسرى

واعتقلت إسرائيلُ، منذ بدء احتلالها عام 1967، ما يزيد على 800 ألف فلسطيني، أي ما يعادل تقريباً 20% من إجمالي عدد السكان، و40% من مجموع السكان الذكور، وهذه الحقيقة وحدها تبيِّن بوضوح إلى أيّ مدى تستخدمُ إسرائيلُ الاعتقالات والسجنَ كأداة للسيطرة على السكان، بينما تصادر ممتلكاتهم وتُسكِن اليهودَ الإسرائيليين مكانهم.

ووفق هيئة شؤون الأسرى والمحررين الفلسطينية، بلغ عدد الأسرى الفلسطينيين القابعين داخل السجون الإسرائيلية 4 آلاف و600 أسير، من بينهم 34 أسيرة فلسطينية، و500 أسير يواجهون الاعتقال الإداري، فيما يعاني 600 أسير أمراضاً مختلفة، كما يقضي 547 أسيراً أحكاماً بالسجن المؤبد.

قمع وتنكيل بالأسرى

من جهته، قال رئيس وحدة الدراسات والتوثيق في هيئة شؤون الأسرى والمحررين، وعضو اللجنة المكلفة بإدارة شؤون الهيئة في قطاع غزة، عبد الناصر فروانة، لـ "حفريات" إنّ سلطات الاحتلال الإسرائيلي غيّرت من قواعد تعاملها مع إضرابات الأسرى المضربين عن الطعام، "وهو أمر بتنا نلمسه بشكل واضح خلال الفترة الأخيرة، لممارسة المزيد من عمليات القمع والتنكيل والمماطلة والتجاهل بحقهم".

عبدالناصر فروانة: سلطات الاحتلال الإسرائيلي غيّرت من قواعد تعاملها مع إضرابات الأسرى المضربين عن الطعام

وبيّن فروانة إلى أنّ مصلحة السجون لا تكترث بالنتائج المترتبة على صحة الأسرى المضربين عن الطعام، من أذى جسدي وصحي ونفسي عليهم، "في محاولة للتأثير على معنوياتهم، وزعزعة إرادتهم ومواقفهم، وبثّ اليأس والإحباط في نفوسهم، لإفراغ معارك الأمعاء الخاوية من مضمونها، كي يرفع الأسرى الراية البيضاء، وينهوا إضرابهم دون تحقيق أيّة نتائج ملموسة للإفراج عنهم".

رئيس الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني صلاح عبد العاطي لـ "حفريات": سلطات الاحتلال غيّرت من قواعد تعاملها مع الإضرابات الفردية للأسرى، عبر الاستمرار في تعنتها بالإفراج عنهم

وتابع: "الإضراب عن الطعام هو معركة كباقي المعارك الأخرى التي يخوضها الشعب الفلسطيني، وهي بين طرفي الصراع، وكلّ طرف يريد أن يحقق الانتصار على الآخر، ودائماً كان النصر حليف قضايا الأسرى العادلة وحليف المضربين عن الطعام، الذين يمتلكون الإرادة الصلبة والعزيمة القوية والمعنويات العالية، وفي كلّ معركة تخشى دولة الاحتلال عواقب انتصار الآخر؛ لذلك، ومن بداية إعلان الأسرى الإضراب عن الطعام، بشكل فردي أو جماعي، فإنّها تلجأ إلى اتخاذ إجراءات قمعية للضغط على المضرب بغية التأثير على معنوياته وإرادته الصلبة".

إنهاك جسد الأسرى

فروانة أكّد أنّ سلطات الاحتلال تبدي تعنتاً في الاستجابة لمطالب الأسرى المضربين عن الطعام، "في محاولة منها للرهان على عامل الوقت، وإطالة أمد الإضراب، لإنهاك جسد الأسير وانهياره، إلا أنّه، وفي كلّ مرّة، تخسر دولة الكيان الرهان، وينتصر الأسير الفلسطيني بصموده وثباته، في معركته وقضيته العادلة، حتى وإن طالت مدة الاضراب، كما حصل مؤخراً مع الأسير هشام أبو هواش، وغيره من الأسرى الذين خاضوا إضرابات مفتوحة عن الطعام لشهور طويلة"، موضحاً أنّ "الحقّ ينتزع ولا يوهَب، والأسرى يدركون جيداً أنّ انتزاع الحقوق يحتاج إلى معارك وقودها المزيد من التضحيات".

إقرأ أيضاً: إسرائيل تحصّن سجونها.. ومحللون لـ "حفريات": الأسرى سينالون الحرية

وأكّد أنّ "الأسرى يلجأون إلى معارك الأمعاء الخاوية كخيار أخير باعتباره الأصعب والأقسى، لكنّهم يضطرون إلى ذلك رغماً عنهم، في حال فشلت الخيارات الأخرى، الأقل ألماً، وهم يتسلحون بعدالة قضيتهم، وبمعنوياتهم وعزيمتهم العالية التي لا تلين، في ظلّ مراهنتهم على دعم شعبهم، الذي لم يسبق له أن خذلهم يوماً ما، وذلك هو سبب القوة التي يمتلكونها ويستندون إليها في ثباتهم على مواقفهم".

انفجار وشيك

وأشار إلى أنّ "الاعتقالات الصهيونية بحقّ الفلسطينيين تمارس كوسيلة للانتقام والعقاب الجماعي منهم، حيث أضحت تلك الاعتقالات ظاهرة يومية، وهي سيطرة على الفلسطينيين، وفي كثير من الأحيان يلجأ الاحتلال للاعتقال كورقة ضغط ومساومة وابتزاز، وقد رأينا ذلك بشكل علني من خلال لجوء دولة الكيان لاعتقال أفراد الأسرة من آباء وأمهات وزوجات، وكذلك أيضاً الاعتقالات الجماعية للنواب والقيادات المجتمعية والسياسية، والأسرى المحررين في صفقة وفاء الأحرار، بالإضافة إلى احتجاز جثامين الشهداء كورقة مساومة وابتزاز ضدّ الفلسطينيين".

وبسؤاله إذا ما كان التنكيل بالأسرى والتصعيد الحاصل في السجون الإسرائيلية، واستمرار الاعتقالات الإدارية، سيؤدي إلى التصعيد داخل السجون؛ لفت فروانة إلى أنّ "التصعيد داخل السجون كان متوقعاً عقب عملية نفق الحرية، وفرار ستة أسرى من سجن جلبوع، والتجربة توضح أنّه مع كل محاولة هروب سابقة هناك تصعيد في الإجراءات القمعية ضد الأسرى، إلا أنّ هذه العملية لم تكن كسابقاتها، وشكّلت ضربة قويّة وهزيمة ثقيلة للمنظومة الأمنية الصهيونية، كما أنّ الاعتداءات استهدفت الأسيرات مؤخراً، وهو لن يقبل الأسرى باستمراره، وسيدفع بالأمور إلى الانفجار في وجه الاحتلال".

سلطات الاحتلال في السجون الإسرائيلية

الإضرابات الفردية

وحول تغيير قواعد التعامل مع الأسرى، أكّد صلاح عبد العاطي، رئيس الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني لـ "حفريات" أنّ "سلطات الاحتلال الإسرائيلي غيّرت من قواعد تعاملها مع الإضرابات الفردية للأسرى الفلسطينيين، عبر الاستمرار في تعنتها بالإفراج عنهم، لجعل تلك الممارسات التعسفية درس للعديد من الأسرى، حتى لا يصبح هناك نماذج أمثال الأسير هشام أبو هواش والأسير خضر عدنان، والأسير كايد الفسفوس وغيرهم، والذين قدموا أفعال أسطورية تفوق قدرة الاحتلال على تحملها، وهو ما أجبره على الاستجابة لمطالبهم بإنهاء اعتقالهم الإداري، والامتناع عن اعتقالهم مرة أخرى".

إقرأ أيضاً: 100 أسير فلسطيني ينالون البكالوريوس والماجستير رغم أحكام المؤبد

وتابع عبد العاطي أنّ "معارك الأمعاء الخاوية الفردية لم تأت من فراغ، وظهرت بشكل واضح خلال السنوات الأخيرة، في ظل الانقسام السياسي، وغياب وحدة الإرادة والتي طالت الحركة الأسيرة، رغم الإجماع والتعاون الكبيرين بين الأسرى، وهذا يعني أنّ دولة الاحتلال لجات لتغيير قواعد تعاملها مع الأسرى المضربين، كديناميكية وسيطرة استعمارية لتطال كلّ الفاعلين الفلسطينيين من شباب وأكاديميين وسياسيين وغيرهم"، مبيناً أنً "اصدار الاحتلال لأكثر من 1600 أمر اعتقال خلال العام الماضي 2021، يدلل بشكل واضح على أنّ السلطات الصهيونية تصرّ على استخدام الاعتقال الإداري، رغم انتهاكه لسائر قواعد حقوق الإنسان".

خطوات تصعيدية

عبد العاطي بيّن أنّ "هناك تصعيد حاصل في داخل السجون الصهيونية بدءاً من حادثة هروب ستة أسرى من سجن جلبوع الصهيوني، والتي جابهتها إسرائيل بالتنكيل وعمليات القمع للأسرى، واقتحام غرفهم، وعزل قيادات الحركة الأسيرة، والمسّ بمكتسبات الحركة، ومن ثمّ اللجوء بانتهاك كافة المحرمات، والاعتداء على الأسيرات الفلسطينيات بالتالي، فالاحتلال بات يتحلّل من قواعد الحدّ الأدنى التي فرضت عليه عبر معارك الأمعاء الخاوية، ونضالات الأسرى، والذي جوبه بالتصعيد داخل المعتقلات، لإسناد الإضرابات الفردية، واتّخاذ إجراءات جدّية من قبل الحركة الأسيرة، لضمان تراجع الاحتلال عن عمليات القمع والتنكيل، وكذلك التعذيب والإهمال الطبي".

عبد العاطي: هناك تصعيد حاصل في داخل السجون الصهيونية بدءاً من حادثة هروب ستة أسرى من سجن جلبوع الصهيوني

ولفت إلى أنّ "الحركة الأسيرة مرشّحة أن تبدأ بخطوات تصعيدية جدّية، ردّاً على عمليات التنكيل الممنهجة التي تتخذها مصلحة السجون الصهيونية بحقّهم، ومن بينها القرار الذي تمّ اتخاذه مؤخراً بعدم اللجوء لمحاكم الاحتلال بأيّ شكل من الأشكال، بخصوص الاعتقال الإداري، لأنّ تلك المحاكم لا تتوافر داخل أروقتها أيّة معايير للمحاكم العادلة، وهدفها التغطية على انتهاكاته المتواصلة بحق الأسرى".

أولوية وطنية

وأشار إلى أنّ "الأسرى الفلسطينيين باتوا يلحظون تراجعاً في تبني قضيتهم وفق إستراتيجية وطنية شاملة، ويجدون أنفسهم أمام موجات من القمع الصهيوني بحقهم، حتى أصبحوا مضطرين إلى اللجوء للخطوات الاحتجاجية المختلفة، للضغط على مصلحة السجون، للاستجابة لمطالبهم، وهو أمر في حاجة إلى مساندة الأسرى، والانتصار لقضاياهم العادلة، بحيث يتم جعلهم من أهم الأولويات الوطنية، لتقديم مختلف أشكال الدعم والإسناد، من خلال التحركات الشعبية والدبلوماسية والقانونية، والتي تضمن نقل ملفّ الأسرى والمعتقلين إلى محكمة الجنايات الدولية، لفضح جرائم الاحتلال، وضمان التحرك الدولي لوقف الانتهاكات الجسمية بحقهم ودعم مطالبهم".

إقرأ أيضاً: من يحمي نساء فلسطين من عنف العقلية الذكورية؟

وأوضح عبد العاطي؛ أنّ "الاحتلال الإسرائيلي يحاول في كلّ مرة يقوم بها الأسرى بالإضراب عن الطعام بالضغط عليهم، لعدم الاستجابة لمطالبهم، حتى اللحظة التي يرى فيها الاحتلال أنّ الإضراب شارف على أن يؤدي إلى وفاة الأسير، ليبدأ بمراجعة تهديدات المقاومة والضغوط الدولية والشعبية الواسعة، وهذا يبيّن أنّه من دون المساندة الشعبية والحقوقية والجماهيرية، وكذلك تحشيد كلّ الخيارات والأدوات الإعلامية، فلن تفلح الإضرابات الفردية في تحقيق أهدافها".


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية