"باب العامود" رمز للصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين في القدس

"باب العامود" رمز للصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين في القدس


04/05/2021

مع تنامي الاعتداءات الإسرائيلية المستمرّة بحقّ المقدسيين، بات باب العامود رمزاً ومركزاً مهمّاً لسكان مدينة القدس لرفع صوتهم عالياً والاحتشاد أمامه تنديداً بالإجراءات التعسفية، والعقوبات التي يفرضها الاحتلال الصهيوني بحقهم، رغم محاولات الجيش الإسرائيلي لإسكات صوتهم وتفريقهم من المكان بقوة السلاح.

وباب العامود، أو باب دمشق، أو باب نابلس، أسماء عديدة أطلقت على أكثر أبواب البلدة القديمة بالقدس شهرة، وأحد أبوابها الثمانية المفتوحة الواقع بالجدار الشمالي، وشيّد الباب على يد الحاكم الروماني هيرودس الأول، ومن ثمّ أعاد بناءه الملك هادريان، عام 135م، بعد أن دمّره الإمبراطور الروماني تيتوس، لكن تبقى تسمية "باب العامود" الأكثر رواجاً، على الأقل بالنسبة إلى مرتادي المدينة وسكانها.

ويعدّ الباب أحد أبرز نماذج العمارة بالقدس، وأجمل الأبواب وأكثرها ثراء من حيث الجمالية المعمارية والزخرفية، وتمتد واجهته الشمالية الضخمة على ما يقارب 42 متراً، وترتفع بمقدار 17 متراً، تتكون من برجين يجاوران مدخلاً يبلغ طوله 19.95 متراً، ويتراجع من جهتي الغرب والشرق.

يعدّ الباب أحد أبرز نماذج العمارة بالقدس

ويدخل المستوطنون من باب العامود في مسيرة تبدأ من باب الخليل ويمشون في أزقة المدينة حاملين الأعلام الإسرائيلية الضخمة، مردّدين أغان وهتافات استفزازية، وسط حماية أمنية مشددة من عناصر شرطة الاحتلال، التي تمنحهم قوة الاعتداء على المقدسيين أبناء المدينة، وتنتهي مسيرتهم هذه في حائط البراق، حيث الاحتفال المركزي.

ودأبت قوات الاحتلال على منع أيّة تجمعات للمقدسيين في منطقة باب العامود؛ حيث تشهد مدرجات باب العامود، من حين لآخر، وقفات فلسطينية، بعضها تضامناً مع المعتقلين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، أو إحياءً لذكرى مناسبات فلسطينية؛ كنكبة فلسطين (1948)، أو ذكرى احتلال القدس (1967).

المقدسيون وجدوا أنفسهم يدافعون عن قضاياهم وعن وجودهم داخل المدينة بتحالفهم وتكاثفهم مع بعضهم، وهو ما أدّى لظهور قيادة شعبية شبابية مقدسية غير معروفة

وبات باب العامود رمزاً للسياسات الإسرائيلية في المدينة؛ بدءاً من القمع والاغتيال، مروراً بمحاولات تهويد المدينة وطرد سكانها، ووصولاً إلى التضييق على المدينة اقتصادياً.

ومنذ عام 2015، قتلت قوات الاحتلال الإسرائيلية العديد من الفلسطينيين على أعتاب باب العامود، خلال الهبة الشعبية التي اشتعلت احتجاجاً على تصاعد الاقتحامات الإسرائيلية للمسجد الأقصى، وعندئذ، أطلق كثير من المقدسيين على منطقة باب العامود اسم "باب الشهداء".

وشهد "باب العامود"، ومناطق أخرى من القدس الشرقية، منذ بداية شهر رمضان، في نيسان (أبريل) الماضي، مواجهات مستمرة بين قوات إسرائيلية وشبان فلسطينيين، بلغت ذروتها في العاشر من رمضان، مع الدعوات المكثفة لمنظمة "ليهافا" اليمينية اليهودية المتطرفة، لتنظيم مسيرة حاشدة من المستوطنين، تحت عنوان "الدفاع عن الشرف اليهودي"، وقد هتف بعض أعضائها "الموت للعرب"، مما عُدَّ خطوة استفزازية، أدت إلى مواجهات مع الفلسطينيين، الذين صادف خروجهم من صلاة العشاء والتراويح في المسجد الأقصى.

رمز للصراع وساحة للتعبير

بدوره، أكّد زياد الحموري، مدير مركز القدس للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، خلال حديثه لـ "حفريات"؛ أنّ "باب العامود، كغيره من المناطق في القدس المحتلة، بات يشكّل رمزاً للصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وساحة لتعبير سكان المدينة المقدسة عن رفضهم للإجراءات الصهيونية المتمثلة بالتهجير القسري، وهدم البيوت، والاستيلاء عليها، وسحب الهويات، وإلغاء الإقامات، بهدف استبدالهم بالمستوطنين، وإضفاء الطابع اليهودي على مدينة القدس بأكملها".

زياد الحموري

وتابع: "سلطات الاحتلال حاولت على مدار سنوات خلق حالة من الفوضى في كلّ ما يتعلق بالحياة الاقتصادية في محيط باب العامود، لتدمير الوضع الاقتصادي للمقدسيين، ليظلّ الصراع حالياً هو صراع وجود لطرد المقدسيين، وتهديد وجودهم، وهو ما دفع بالشبان بالقدس للدفاع عن وجودهم، من خلال الاحتجاجات الجماهيرية التي قاموا بها في منطقة باب العامود،  نتيجة عدم استقرار أوضاعهم، وغياب الأفق أمامهم، إضافة إلى الانتهاكات اليومية التي يتعرضون لها والإهانات المتكررة أثناء مرورهم في الطرقات وفي داخل المؤسسات الرسمية الاسرائيلية".

اقرأ أيضاً: الفلسطينيون يحرّرون عين الساكوت في الأغوار الفلسطينية

ولفت الحموري إلى أنّ "الاحتلال يحاول بكلّ ما أوتي من قوة تغيير معالم القدس، ابتداءً من أبواب القدس، كباب العامود والخليل وغيرها، لتغيير شكلها وأسمائها، إاضفاء أسماء يهودية وعبرية عليها، وضمّها للتاريخ اليهودي المزيف"، مبيناً أنّ "تلك الإجراءات كان لها ردّ واضح من قبل الشباب المقدسيين من خلال الهبة الجماهيرية الأخيرة، ردّاً على الإجراءات العنصرية والتعسفية التي تنتهجها قوات الاحتلال في محيط منطقة باب العامود والبلدة القديمة بالقدس".

الرد الواضح للمقدسيين

وأوضح أنّ "الهمّة العالية التي أبداها سكان القدس، في كلّ الهبّات والانتفاضات التي حصلت، أثبتت للعالم الردّ الواضح والصريح للسكان المقدسيين عن الحالة المأساوية التي يعيشها المواطن داخل المدينة التي تحوّلت لثكنة عسكرية، يتحكّم الاحتلال بمداخلها ومخارجها، للتضييق على السكان ودفعهم على المغادرة منها قسراً".

رئيس الهيئة المقدسية لمناهضة التهويد، ناصر الهدمي لـ"حفريات": سلطات الاحتلال تواصل اعتداءاتها على باب العامود، والتي كان آخرها بناء برج حديدي عليه

وعن التهديدات التي أبداها المستوطنين لاقتحام المسجد الأقصى المبارك، في 28 رمضان، بحجة عيد ما يسمى "توحيد القدس"، بيّن الحموري أنّ "اقتحام المستوطنين للمسجد هو أمر غير مستبعد في ظلّ الحماية التي توفرها لهم قوات الاحتلال الاسرائيلي عند كلّ اقتحام يجرى للأقصى؛ حيث لا تخلو تلك المناسبات الدينية اليهودية من اعتداءات المستوطنين على المارين في شوارع البلدة القديمة بالقدس".

ويرى ناصر الهدمي، رئيس الهيئة المقدسية لمناهضة التهويد؛ أنّ "باب العامود هو من أكبر أبواب البلدة القديمة بالقدس، والذي يحتضن بين جنباته المسجد الأقصى المبارك وكنيسة القيامة، كما يؤدي الباب إلى أسواق البلدة التي تعج دوماً بالمتسوقين، حيث حرص الاحتلال الاسرائيلي على محاربة تلك الأسواق لإضعاف الحركة التجارية، كما بات الباب مركزاً للاحتجاج على سياسات الاحتلال بحقّ المدينة المقدسة".

ناصر الهدمي

ويضيف الهدمي، خلال حديثه لـ "حفريات"؛ أنّ "باب العامود يشهد أيضاً مرور قطعان المستوطنين بحماية جنود الاحتلال لاقتحام حائط البراق، أو للتوجه إلى البلدة القديمة"، مشيراً بأنّ "الباب يعدّ ممراً رئيساً لكلّ من يريد الدخول للمقدسات الإسلامية والمسيحية بالبلدة القديمة، حيث يرى الاحتلال بالباب؛ أنّه حجر عثرة في طريق تمرير سياساته التهويدية، وثغرة أمنية تهدّد مستوطنيه".

تفكيك المدينة والتنكيل بأهلها

وتابع: "سلطات الاحتلال تواصل اعتداءاتها على باب العامود، والتي كان آخرها بناء برج حديدي عليه، وكذلك تشييد غرفتين للتحقيق والاعتقال والتنكيل بالسكان المقدسيين، من أجل تخفيف حركتهم وتدفقهم البشري باتجاهه، لحماية أمن المستوطنين والسيطرة عليه، وإضعاف الحركة التجارية في منطقته، حتى أصبح مقدسيون كثيرون يتجنبون المرور من باب العامود، خوفاً من تعرضهم للإجراءات الصهيونية التعسفية بحقّهم".

اقرأ أيضاً: إسرائيل تحوّل أقدم مطار فلسطيني إلى أضخم حيّ استيطاني

وأوضح الهدمي: "المقدسيون اعتادوا الوقوف وحدهم في مواجهة سلطات الاحتلال الإسرائيلي، بعد أن خذلوا من قبل السلطة الفلسطينية منذ توقيع اتفاق أوسلو المشؤوم، والذي ترك مدينة القدس والاستيطان بداخلها لاتفاق الحلّ النهائيّ، وهو ما ترك يد الاحتلال المطلقة لتفكيك المدينة، والتنكيل بأهلها، والسيطرة على ممتلكاتهم، وكذلك منع مؤسسات السلطة من العمل في المدينة, واستهداف المؤسسات الوطنية، للسيطرة على المدينة المقدسة بشكل كامل".

وأكّد أنّ "المقدسيين وجدوا أنفسهم يدافعون عن قضاياهم المصيرية والوطنية وعن وجودهم داخل المدينة من خلال تحالفهم وتكاثفهم مع بعضهم، وهو ما أدّى لظهور قيادة شعبية شبابية مقدسية غير معروفة، تعمل على تحريك الشارع المقدسي، حيث تصعب السيطرة عليها من قبل الاحتلال"، موضحاً أنّ "الاحتلال يتراجع في كثير من الأحيان عن إجراءاته العنصرية بحقّ المدينة المقدسة، لأنّه لا يريد أن تحدث مواجهة شعبية وانتفاضة قد تمتدّ إلى الضفة الغربية ومناطق فلسطينية أخرى، قد تؤدي إلى فشل سياساته التهويدية في القدس والضفة الغربية".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية