7 تجارب ومشاريع للوحدة العربية.. هل نجح أيّ منها؟

الوحدة العربية

7 تجارب ومشاريع للوحدة العربية.. هل نجح أيّ منها؟


16/04/2019

تطرق التقرير السابق للآراء والجهود النظرية التي قدّمها عددٌ من مفكري القومية العربية، وما قدموه بخصوص ضرورة تحقيق الوحدة بين الأقطار العربية. وفي هذا التقرير نستعرض أهم مشاريع وتجارب توحيد الأقطار والكيانات السياسية العربية في القرن الماضي، مع محاولة لوضعها ضمن إطار السياقات التي جاءت ضمنها.

الثورة العربية الكبرى.. مشروع الوحدة تجهضه اتفاقيّة سريّة

كانت الفترة المتأخرة من العصر العثماني قد شهدت تحركّات عدّة حاولت تحقيق التحرّر والوحدة العربية، من ثورة ظاهر العمرو في الجليل، إلى مساعي الإمارة الشهابية للاستقلال في متصرفيّة لبنان، وحتى استقلال محمد علي بمصر وإرساله حملة إبراهيم باشا العسكرية إلى بلاد الشام والأناضول.

جاءت معاهدة سايكس بيكو السريّة كمخطط متناقض مع مشروع قيام الدولة العربية الموحدة

ومع تزايد النزعة المركزية في الدولة العثمانية أواخر القرن التاسع عشر، وتصاعد الاتجاه الطوراني (القومي التركي) ومساعي التتريك في مطلع القرن العشرين، وبالتحديد بعد انقلاب جمعيّة الاتحاد والترقي عام 1908، تبلوَر التحرّك العربي في منطقة المشرق نحو الاستقلال والانفصال عن الحُكم العثماني، وفي عام 1915 صدر ميثاق دمشق يعبّر عن مطالبة النخب العربية بقيام دولة عربية موحّدة في منطقة المشرق العربي (الجزيرة العربية والهلال الخصيب).
وفي ذات العام كان الشريف الحسين بن علي يؤكد على ذات المطالب في مراسلاته مع السير هنري مكماهون، المندوب السامي البريطاني في القاهرة. وفي العام 1916 تأسس "الجيش العربي" وانطلقت الثورة العربية الكبرى من الحجاز لتحقيق هذه المطالب.
ترافقت الثورة مع أحداث الحرب العالمية الأولى، وصول قوات الجيش البريطاني إلى فلسطين والعراق، وفي عام 1918 تأسست المملكة الفيصليّة، وجرى تتويج فيصل بن الحسين في آذار (مارس) 1920 ليكون ملكاً على عموم بلاد الشام. إلّا أنّ معاهدة "سايكس-بيكو" السريّة، بين فرنسا وبريطانيا، جاءت كمخطط متناقض مع مشروع قيام الدولة العربية الموحدة، فوقعت معركة ميسلون في تموز (يوليو) من ذلك العام، ونتج عنها انتهاء المملكة الفيصليّة واحتلال سوريا من قبل الفرنسيين، ولتضع بذلك نهاية للثورة العربية الكبرى كمشروع تأسيس دولة عربية موحّدة.

جنود من "الجيش العربي" إبّان انطلاقة الثورة العربية الكبرى

المملكة العربية السعودية.. وحدة استغرق تحقيقها قرابة الثلاثين عاماً

وبالتزامن مع سنوات الحرب العالمية الأولى وما تلاها، كانت الدولة السعودية في نجد تخوض حروباً ومعارك توسعيّة في مختلف أرجاء شبه الجزيرة، كانت قد بدأت مع معركة الرياض في الخامس عشر من كانون الثاني (يناير) عام 1905، حين تواجهت القوات السعودية مع قوات إمارة آل رشيد.

اقرأ أيضاً: قصة المصائر المتشابكة للقومية العربية والصحوة الإسلامية
واستمرت جهود التوسّع والتوحيد إلى حين صدور المرسوم الملكي عن الملك عبدالعزيز بتاريخ 23 أيلول (سبتمبر) 1932 يُعلن فيه عن قيام المملكة العربية السعودية، ولتنتهِ بذلك سلسلة من المعارك والاتفاقيات التي أدّت إلى انحلال وزوال عدد من الممالك والإمارات والمشيَخات التي كانت قائمة في أرجاء مختلفة من الجزيرة قبل وصول حدود المملكة السعودية لها، كالمملكة الهاشمية في الحجاز، وإمارة آل رشيد في حائل وجبل شمّر، وإمارة آل عائض في عسير، والإمارة الإدريسية في جازان وتُهامة.

قوات سعودية في فترة حروب التوحيد التي دامت من عام 1905 وحتى عام 1932

الجمهورية العربية المتحدة.. لماذا ظهرت المعارضة لها في بعد قيامها؟

وبعد وصول قوات الحلفاء (بريطانيا وفرنسا) إلى منطقة المشرق العربي، وما تبع ذلك من فرض واقع التجزئة المرافقة لحكم الانتدابين الفرنسي والبريطاني في المنطقة، وبالتزامن مع المضيّ قُدماً بمشروع تأسيس الوطن القومي لليهود في فلسطين والإعلان عن قيام دولة "إسرائيل" واحتلال 78% من أرض فلسطين في حرب عامَيْ 1948-1949 (النكبة)، أدى كل ذلك إلى خلق اتجاهات سياسية جديدة في المنطقة، تمثّلت في تأسيس وصعود تنظيمات وحركات قومية تولّت قيادة الحراك نحو التحرّر من الاستعمار ورفض واقع التجزئة، وكان من أبرزها تنظيم "الضباط الأحرار" في مصر، والذي وصل إلى الحكم عام 1952.

بالتزامن مع الحرب العالمية الأولى كانت الدولة السعودية في نجد تخوض حروباً ومعارك توسعيّة في مختلف أرجاء شبه الجزيرة

وفي تشرين الثاني (نوفمبر) من نفس العام، وافق البرلمان السوري -في عهد الرئيس شكري القوّتلي- على المضيّ في جميع الخطوات اللازمة لتحقيق الوحدة مع الجمهورية المصرية. وفي الأول من شباط (فبراير) للعام 1953 اجتمع قادة القُطرَيْن؛ السوري والمصري في القاهرة، وأعلنوا عن قيام الوحدة بين سوريا ومصر وتأسيس "الجمهورية العربية المتحدة"، واختير جمال عبدالناصر رئيساً لها.

ساهم قيام الوحدة في إحداث سلسلة من التغيّرات الجذرية في سوريا (الإقليم الشمالي)، من حلّ الأحزاب السياسية، وفرض سياسات الاشتراكية والتأميم والإصلاح الزراعي، مما أدى إلى تزايد ميل النخب السياسية والاقتصادية نحو رفض المشروع الوحدوي. وفي الثامن من آذار (مارس) عام 1961 قاد عبدالكريم النحلاوي انقلاباً على الحكم في سوريا، لتنتهي بذلك تجربة الجمهورية العربية المتحدة.

شكري القوّتلي وعبدالناصر يوقعّان اتفاق الوحدة

الاتحاد العربي الهاشمي.. لماذا انتهى سريعاً؟

وعلى إثر تأسيس الجمهورية العربية المتحدة والوحدة بين سوريا ومصر، بادرت المملكتين الأردنية والعراقية للإعلان عن قيام الوحدة بينهما وتأسيس دولة "الاتحاد العربي الهاشمي"، وذلك بتاريخ 14 شباط (فبراير) من العام 1958.

اقرأ أيضاً: خسائر قضية فلسطين بين القومية والإسلاموية
تشكّلت على إثر الوحدة حكومة مشتركة تولى رئاستها رئيس الوزراء العراقي، نوري السعيد، واختير رئيس الوزراء الأردني، إبراهيم هاشم، نائباً له. ووُضع دستور جديد للاتحاد. ولكن وبعد 5 أشهر من قيام الوحدة جاء انقلاب عبدالكريم قاسم في الـ14 من تموز (يوليو) من العام ذاته لينهي الحكم الهاشمي في العراق ما أدى فوراً إلى انهيار الوحدة.

الملك الحسين مع الملك فيصل الثاني حيث قام الاتحاد الهاشمي عام 1958 في عهديهما

اتحاد الجمهوريات العربية.. ما هو الخلاف الذي أدّى إلى نهايته؟

وبعد قيام "ثورة الفاتح من سبتمبر" عام 1969 في ليبيا بقيادة معمّر القذافي، شَرَعَ مباشرةً باتخاذ خطوات ثوريّة، بداية من إنهاء تواجد القواعد الأجنبية على أرض ليبيا، ليبدأ بذلك تحقيق التقارب بين القاهرة والخرطوم وطرابلس.

ساهم قيام الوحدة في إحداث سلسلة من التغيّرات الجذرية في سوريا من حلّ الأحزاب السياسية وفرض سياسات الاشتراكية

وأسفَرَ التقارب عن عقد اجتماع ضمّ عبدالناصر والنميري والقذافي في طرابلس، صدر عنه "ميثاق طرابلس" في كانون الأول (ديسمبر) من عام 1969، والذي جاء الإعلان فيه عن المباشرة في التوجّه نحو تحقيق تكامل اقتصادي وتوحيد المناهج التعليمية بالإضافة إلى بناء شبكة مواصلات موحّدة بين الدول الثلاث. وكان التحرّك آنذاك ضمن جهود محاولات تجاوز آثار هزيمة حزيران (يونيو) 1967.
وفي تشرين الثاني (نوفمبر) عام 1970، انضمت سوريا إلى الميثاق، وتقرر إنشاء قيادة رباعيّة موحّدة تضم الأقطار الأربعة. وفي نيسان (أبريل) من العام التالي (1971) اتفق رؤساء الدول الأربعة على إقامة "اتحاد الجمهوريات العربية" ليكون نواة لوحدة عربية أشمل.
وفي آب (أغسطس) 1971 صَدَرَ مشروع دستور لدولة "اتحاد الجمهوريات العربية"، وفي آب (أغسطس) من العام التالي صدر إعلان بيان للوحدة.
ولكن وقوع حرب تشرين الأول (أكتوبر) عام 1973، وما نَجَمَ عنها من وقوع الخلاف بين سوريا ومصر على إثر مبادرة السادات للتواصل مع الولايات المتحدة وتوقيع اتفاق وقف إطلاق النار، أدى إلى عرقلة ونهايته.

العقيد القذافي متوسطاً الرئيسين حافظ الأسد وأنور السادات

الإمارات العربية المتحدة.. هل اقتصرت المبادرة على الإمارات السبعة؟

وفي عام 1968، أعلنت بريطانيا عن رغبتها في الانسحاب من جميع محميّاتها ومستعمراتها في منطقة الشرق الأوسط، وكان في منطقة الخليج العربي آنذاك دولتان مستقلتان فقط وهما المملكة العربية السعودية والكويت. في حين كانت سائر الكيانات عبارة عن محميّات بريطانية.

اقرأ أيضاً: ساطع الحصري: فيلسوف القومية العربية
وفي شباط (فبراير) من عام 1968 انعقد اجتماع "السميح" بين أميرَيْ أبوظبي ودبي، زايد بن سلطان آل نهيان، وراشد بن سعيد آل مكتوم للدفع بفكرة الاتحاد بين الإمارات في الخليج بما في ذلك إمارتَيْ قطر والبحرين (قبل أن تتحول إلى مملكة لاحقاً)، فقررت إمارات: دبي، وأبو ظبي، والشارقة، وعجمان، وأم القيوين، ورأس الخيمة، والفجيرة. في حين قررت إمارتا قطر والبحرين عدم الانخراط في الاتحاد، ولتتأسس بذلك دولة "الإمارات العربية المتحدة"، وذلك في الثاني من كانون الأول (ديسمبر) عام 1971.

الشيخ زايد مع الشيخ راشد.. عقدا اجتماع السميح التأسيسي للاتحاد عام 1968

الجمهورية العربية الإسلامية.. ماذا أراد القذافي من تحقيقها؟

لم يُثنِ تعرقل مشروع "اتحاد الجمهوريات العربية" معمّر القذافي عن الاستمرار في السعي وراء تحقيق مشروع وحدوي، وفي الثاني عشر من كانون الثاني (يناير) عام 1974 عقد اجتماعاً مع الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة في جزيرة جربة التونسية، ونتج عنه إصدار "بيان جربة"، والذي تضمن  الإعلان عن قيام الوحدة بين ليبيا وتونس باسم "الجمهورية العربية الإسلامية".
تقرر الإعلان عن الوحدة بعد إجراء استفتاء شعبي في البلدين، ولكن عدم دستوريّة هذا الاستفتاء في تونس أدى إلى تأجيله. كان القذافي يهدف من هذا الاتحاد تحقيق التوازن بين الثروات في البلدين؛ فليبيا مساحتها شاسعة وتمتلك ثروات نفطيّة هائلة، إلّا أن عدد سكانها يقل عن نصف عدد سكان جارتها تونس ذات المساحة الأصغر والثروات الأقل.

اقرأ أيضاً: 6 منظرين أسسوا للفكر القومي العربي.. كيف اختلفت أطروحاتهم؟

لكن بورقيبة قرر التراجع وذلك بعد دفع من مستشارين وساسة تونسيين وبالأخصّ بسبب معارضة "الهادي النويرة"، رئيس الوزراء التونسي آنذاك. ليعتذر بعدها بورقيبة عن الاتحاد ويُعلّل ذلك بوجود إشكاليات دستوريّة، وبتفضيله تحقيق اتحاد بين مختلف دول المغرب العربي، إلّا أن القذافي لم يتقبل هذا التراجع ونجم عنه توتر العلاقات بين البلدين.

القذافي إلى جانب بورقيبة.. أصدرا بيان جربة للإعلان عن تأسيس الاتحاد بين بلديهما عام 1974

ورغم تعرقل معظم هذه المشاريع، إلا أنّ الاتجاه العربي نحو الوحدة لم ينته تماماً، وإنما عَرَف تحولاً في الشكل والآليّات، وهو ما سنتعرف عليه في التقرير التالي.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية