المشاريع الإخوانية والمنعطف الرقمي

المشاريع الإخوانية والمنعطف الرقمي

المشاريع الإخوانية والمنعطف الرقمي


06/08/2023

تندرج هذه المقالة ضمن سلسلة مخصصة لاستعراض المعالم الكبرى لتفاعل أهل المجال الديني مع المنعطف الرقمي، وافتتحناها بمقالة أولى عامة كان غرضها إثارة انتباه الباحثين والمتتبعين للموضوع، من خلال استعراض أربعة نماذج من هذه الفئة: المؤسسات الدينية، الحركات الإسلامية، السياسية والجهادية، ثم الطرق الصوفية، وتلتها مقالة ثانية مخصصة لأولى محطات التدقيق الأولي في هذا التفاعل مع استعراض تفاعل المؤسسات الدينية بالتحديد.

نتوقف إذن في هذه المقالة الثالثة عند تفاعل المشروع الإخواني، والحديث مقصود هنا عن مشروع؛ لأن الأمر كذلك، بل قائم في المنطقة منذ محطة تأسيس أولى الحركات الإسلامية؛ أي جماعة الإخوان المسلمين، في مصر ابتداءً من 1928 على يد حسن البنا، وهي الجماعة التي سوف تتفرع عنها أغلب الحركات الإسلامية السائدة داخل وخارج المنطقة العربية، سواء تعلق الأمر بحركات دعوية أو حركات سياسية أو حركات جهادية. (من بين الكتب التي ننصح بها في هذا السياق، بل قد يكون جامعاً مانعاً بخصوص تفاعل مجمل هذه الجماعات مع الخيار الجهادي، كتاب ألفه الباحث التونسي شعيب خليفي تحت عنوان "الجهاد لدى الحركات الإسلامية: من جماعة الإخوان المسلمين إلى تنظيم الدولة الإسلامية" (صدر عن دار مسكيليناني التونسية، في سنة 2018).

المحطة الثانية والأهم بخصوص تفاعل المشروع الإخواني مع المنعطف الرقمي مرتبطة بأحداث مفصلية مرّت منها المنطقة ولا زالت تداعياتها مستمرة ومفتوحة على عدة احتمالات، والمقصود هنا أحداث  يناير 2011

 

كما جرى مع باقي الفاعلين في المجال الديني، تفاعل المشروع الإخواني مع المنعطف الرقمي بوتيرة متباينة، وكان سباقاً إلى توظيف هذا المنعطف بما يخدم مشروعه، على غرار ما عايناه مع التوظيف الموازي الذي قامت به الإسلاموية الجهادية مع المنعطف نفسه.

نزعم أنه يمكن حصر أهم مراحل التفاعل الإخواني مع المنعطف الرقمي في محطتين بارزتين:

ــ جاءت الأولى ابتداءً من سنة 1998، أي قبل أحداث 11 أيلول/ سبتمبر 2001، وبالتالي قبل شروع العديد من الفاعلين في المجال الديني بالانضمام والتفاعل مع المنعطف الرقمي سالف الذكر، وهذا سبق زمني ساهم في ترويج وخدمة الأفق الإخواني، وساهم بالتالي في انتشار هذا الأفق لدى مخيال شعوب المنطقة العربية على الأقل، وبدرجة أقل لدى نسبة من الجاليات المسلمة خارج المنطقة العربية، وخاصة في القارتين الأوروبية والأمريكية.

يتعلق الأمر بإطلاق منصة أو موقع "إسلام أون لاين"، والذي إن كان موقعاً إخبارياً وتفاعلياً يهم الشأن الإسلامي، وموجهة لجميع شعوب المنطقة وحتى إلى الجاليات المسلمة خارج المنطقة العربية، إلا أن حضور بعض الرموز الإسلامية الحركية في إدارة الموقع لا يمكن أن تكون تداعياته ممارسة الحياد أو الابتعاد عن نصرة الأفق الإيديولوجي لهذه الأسماء، خاصة أنّ اسم الموقع يُحيل على "الإسلام"، بخلاف الأمر لو أنّ اسمه كان "إخوان أون لاين" على سبيل المثال.

هذا التعريف المقتضب حول الموضوع كما يُقرأ في منصة "ويكبيديا" يُلخص أشياء كثيرة ودالة، حيث نقرأ حرفياً ما مفاده أن الموقع هو "أول موقع ويب عربي على الإنترنت يهتم بنشر الثقافة الإسلامية والتعريف بمبادئ الدين الإسلامي عبر معالجة عالم الأفكار والاهتمام بالعلوم وإصدارات الكتب. ويقدم موضوعات مختلفة حول الدين والعلوم الثقافة والفنون، وأحد أكثر المواقع زيارة عربياً. مقره الدوحة في قطر. يتبع موقع إسلام أونلاين جمعية البلاغ الثقافية ومقرها الدوحة، والتي أنشئت عام 1998 بقرار وزارة الأوقاف القطرية، ويرأس مجلس إدارتها الدكتور إبراهيم الأنصاري بعد أن كان يرأس مجلس إدارتها الدكتور يوسف القرضاوي".

جرى تحول في سياسات الموقع قبيل اندلاع أحداث 2011 في المنطقة العربية، على إثر انخراط أغلب العاملين في الموقع بالقاهرة، وتحديداً في آذار (مارس) 2010، بإضراب واحتجاج بسبب قرار إدارة المؤسسة نقل العمل من القاهرة إلى قطر، مع تباين في أسباب هذا التحول، ومن ذلك ما نشرته حينها صحف "الشرق الأوسط" (عدد 21 آذار/ مارس 2010) من أن مرد ذلك مرتبط باتفاق بين رجال أعمال وأطراف في جماعة الإخوان المسلمين يتم بمقتضاها نقل إدارة الموقع من القاهرة إلى قطر "بعد ضيق الجماعة من نشر الموقع لموضوعات تضر بمصلحتها"، وإن رفضت الجماعة على لسان القيادي الراحل محمد مرسي، الذي كان عضو مكتب الإرشاد والمتحدث الإعلامي للجماعة، إقحام هذه الأخيرة الجماعة في أزمة الموقع ووصفها "بأنها محاولة من البعض لإقحام جماعة الإخوان المسلمين في أمر لا علاقة لنا به على الإطلاق، ونرفضه شكلاً وموضوعاً". (صحيفة "العرب" القطرية، عدد 28 آذار/ مارس 2010).

ــ نأتي للمحطة الثانية والأهم بخصوص تفاعل المشروع الإخواني مع المنعطف الرقمي لأنها مرتبطة بأحداث مفصلية مرّت منها المنطقة ولا زالت تداعياتها مستمرة ومفتوحة على عدة احتمالات، والمقصود هنا أحداث كانون الثاني/ يناير 2011، التي توصف بأحداث "الربيع العربي" عند البعض، ومنهم الأقلام الإسلاموية، أو أحداث "الفوضى الخلاقة" عند البعض الآخر.

كانت تلك الأحداث مناسبة انخرطت فيها المشاريع الإخوانية في المنطقة، في إطار "نصرة المشروع"، أياً كان قائماً، عبر شتى السبل، ومن السبل التي أبدعت فيها الجماعة الفضاء الرقمي، أو ما يُصطلح عليه "القارة الزرقاء"، نسبة على الخصوص إلى موقعي "فيسبوك" و"تويتر".

بل إن الأمر وصل في الحالة المغربية مثلاً، إلى درجة أن الحزب السياسي الذي كان يحتل الريادة في الحضور الرقمي، هو حزب "العدالة والتنمية" الجناح السياسي لحركة "التوحيد والإصلاح" الإسلامية الحركية/ والمحسوبة على المرجعية الإخوانية (بصرف النظر عن تباين مرجعية الحزب المعني، لأنه يضم قيادات إخوانية وأخرى لا علاقة لها بالمشروع الإسلامي لأنها كانت متعاطفة معه أو متأثرة له، لكن القيادة إجمالاً بقيت بين أيدي إخوان الحركة).

لم يقتصر الأمر على هذه الريادة الإسلاموية وحسب بخصوص الحضور الرقمي مقارنة مع باقي الأحزاب السياسية، وإنما وصل الأمر إلى أنه في المقارنة مع باقي أحزاب السياسة، كانت الخلاصة تدور في فلك قاعدة "لا قياس مع وجود الفارق"، لأن غالبية الأحزاب كانت "خارج التغطية" حسب الاصطلاح الرقمي، وبالكاد كانت بعض الأحزاب حاضرة نسبياً، وفي مقدمتها حزب الأصالة والمعاصرة الذي كان حينها صريحاً في التصدي الحزبي ــ السياسي للمشروع الإسلاموي، وهذا أحد أهم الأسباب التي تفسر حملات العداء التي تعرض لها من طرف الإسلاميين في العالم الرقمي على الخصوص، بحكم حضورهم الكمي والنوعي.

لقد انتظرت بعض الأحزاب السياسية قدوم أحداث 2011، وكان على الباحثين أو المتتبعين انتظار سنوات على تلك الأحداث حتى نعاين انخراط هذه الأحزاب في المنافسة الرقمية للإسلاموية الحزبية، لكن على أرض الواقع الانتخابي، بقي حزب العدالة والتنمية في الريادة، بعد فوزه في تشريعيات 2011 وتشريعيات 2016، وكان الحضور الرقمي للمشروع ضمن نقاط قوته التي خولت له الظفر بهذه المكانة.

بمقتضى الطفرة الإخوانية الرقمية في الساحة المغربية، اندلعت عدة أزمات ثقافية وسياسية وغيرها، إلى درجة أنه أصبحنا لأول مرة نتحدث عن وجود "كتائب إلكترونية" بسبب فورة حضور هؤلاء في الساحة

 

هذا نموذج بسيط يؤشر على تعامل المشروع الإسلاموي، في نسخته الإخوانية، مع المنعطف الرقمي، حيث كنا نعاين القيادات والقواعد حاضرة في هذا المعترك، وأثناء أي استحقاق انتخابي، كنا نعاين تراجع خطاب المداهنة أو الازدواجية الذي كان يتحدث عما يُسمى "الفصل بين العمل السياسي والعمل الدعوي"، بينما الواقع الرقمي الذي لا يرتفع كان يشهد على انخراط جميع أتباع المشروع في نصرته، سواء كانوا في العمل السياسي أو النقابي أو الإعلامي أو الطلابي أو النسائي أو العمل الأهلي أو غيره، وهذه إحدى مميزات الإسلاموية التي جعلتها تتفوق على باقي الأحزاب السياسية، بحكم غياب هذه اللحمة لدى باقي الأحزاب السياسية، إضافة إلى حضور المحدد العقدي ــ الإيديولوجي في أداء المشروع.

بمقتضى هذه الطفرة الإخوانية الرقمية في الساحة المغربية، اندلعت عدة أزمات ثقافية وسياسية وغيرها، إلى درجة أنه أصبحنا لأول مرة نتحدث عن وجود "كتائب إلكترونية" بسبب فورة حضور هؤلاء في الساحة، مما تطلب اتخاذ عدة قرارات أقلها الشروع في المواجهة الرقمية المفتوحة موازاة مع المواجهة الميدانية في ساحة الانتخابات، إضافة إلى انخراط بعض المنابر الإعلامية في توعية الرأي العام بأدوار ووظائف هذه الكتائب، والنموذج هنا ما صدر عن صحيفة "الأحداث المغربية" المقربة من دائرة صناعة القرار، والتي انفردت بنشر سلسلة تقارير مطولة ومفصلة في الظاهرة، وهذا تفاعل كان غائباً كلياً في سنوات سابقة.

وواضح أنّ المشهد في باقي دول المنطقة العربية بخصوص التفاعل الرقمي للمشروع الإخواني، لا يمكن فصله عما عاينّا في الساحة المغربية، مع فارق إضافي افتقدته باقي الأحزاب السياسية في المنطقة، وهي انخراط مجمل الحركات والأحزاب الإخوانية في نصرة بعضها البعض، عبر توظيف المنصات الرقمية ومواقع التواصل الاجتماعي، بخلاف الأمر مع الأحزاب السياسية المنافسة، التي بالكاد تشتغل على الصعيد الوطني، وغالباً ما تأخذ مسافة من أحداث المنطقة.

مواضيع ذات صلة:

المؤسسات الدينية والمنعطف الرقمي

الخطاب الديني والمنعطف الرقمي




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية