
تجمُعٌ عفوي في بيت لاهيا بجانب خيام اللاجئين تحوّل إلى مظاهرة حاشدة شارك فيها الآلاف ضد حركة حماس الفلسطينية، تعكس حالة القهر والسخط التي يعيشها المواطنون من عودة الحرب بعد أشهر طويلة من الجوع والتشرد والمعاناة.
وطالب المتظاهرون في أكبر احتجاج مناهض لحركة حماس التي تسيطر على القطاع، منذ بدء الحرب في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) 2023، طالبوا الحركة بالتنحي عن السلطة، والخروج من القطاع، ووصموها من خلال هتافاتهم بالإرهاب والجاسوسية، والعمالة لدول وجماعات أخرى، في حين هاجم بعضهم الحركة وقائدها يحيى السنوار الذي قتل على يد قوات إسرائيلية في اشتباكات برفح في شهر تشرين الأول (أكتوبر) 2024.
وتنامت الانتقادات العلنية تجاه حماس، سواء في الشوارع أو عبر الإنترنت، منذ بدء الحرب، لكن ما يزال هناك مؤيدون بشدة للحركة، وسط صعوبة قياس مدى تحول الدعم للحركة بدقة.
وقال مجدي ـ الذي رفض ذكر اسم عائلته ـ عبر وكالة (فرانس برس): إنّ "عشرات الشباب تجمعوا قرب خيام النازحين في بيت لاهيا وتحوّلت إلى تظاهرة عفوية، لأنّ الناس تعبت من الحرب، ولكن أثناء السير أمام مستشفى الأندونيسي ردّد البعض هتافات ضدّ حماس، وكفى حرباً".
وكتب محمد النجار من غزة عبر صفحته على (فيسبوك)، "عفواً، على ماذا تراهن حماس تحديداً؟ يراهنون على دمائنا، دم يراه العالم أجمع مجرد أرقام"، داعياً حماس إلى التنحي عن السلطة.
وقال رضوان أبو معمر عبر منصة (إكس): "بدك أكون مسالمًا مع اللّي قتل أبوي وأمي وإخواني! هذه مظاهرة لا تتبع إلا أجندات إسرائيلية، كلنا مع وقف الحرب ووقف الإبادة، لكن دون تخوين لدم القادة ودم المجاهدين"، بحسب قوله.
ومحمد دياب من المشاركين في المظاهرة وهو من سكان بيت لاهيا دُمّر منزله في الحرب، وفقد شقيقه في غارة جوية إسرائيلية قبل عام، قال لـ (بي بي سي): "نرفض الموت من أجل أحد أو من أجل أجندة أيّ جهة أو مصالح دول أجنبية".
وأضاف أنّ على حماس "التنحي والاستماع إلى صوت الحزن، الصوت الذي يرتفع من تحت الأنقاض، إنّه الصوت الأكثر صدقاً".
هذا، وأكد مراقبون أنّ المظاهرات ضد حماس تؤكد أنّ الحركة لم تعد مسيطرة أمنيًا واستخباريًا على القطاع، وأصبحت غير قادرة على تحصينه من الدعوات المناهضة لها كما كانت تعمل في السابق.
وأضاف مراقبون نقلت عنهم (حفريات) أنّ الحل الوحيد هو مسارعة حركة حماس إلى تقديم تنازلات سياسية، وتسليم زمام الأمور للسلطة الفلسطينية أو للقوى الدولية، لكي تحقن دماء الفلسطينيين الذين يواجهون مخططات التهجير بشكل جدّي بدعم ورعاية من الإدارة الأمريكية.
مراقبون: الحل الوحيد هو مسارعة حركة حماس إلى تقديم تنازلات، وتسليم زمام الأمور للسلطة أو للقوى الدولية، لحقن دماء الفلسطينيين الذين يواجهون مخططات التهجير.
ووفق ما نقلت وكالة (فرانس برس) فإنّ حركة حماس لم تدرك الحال المأساوية التي يمر بها أهالي القطاع، بل عمدت أجهزتها الأمنية إلى تفريق المظاهرة، وقامت فرق الملثمين من حماس، بعضهم مسلح وبعضهم يحملون هراوات، بالاشتباكات مع المتظاهرين بالقوة، واعتدوا على عدد منهم.
ولم تعلّق حماس على المظاهرات على الفور، لكنّ مؤيدي الحركة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة (تيليغرام)، قللوا من أهميتها، ووفق ما رصد (حفريات) فإنّ هناك محاولات في الوقت الراهن لحشد الشعب الفلسطيني لتنظيم مظاهرات مؤيدة للحركة بتوجيهات من قادتها، حتى لا ينفلت زمام الأمور من يدهم، وتتوسع الفعاليات التي من المتوقع أن تتوسع ضدهم في القطاع، بعد دعوات التظاهر اليوم الأربعاء.
وفي السياق نقلت قناة (الأقصى) التابعة لحركة حماس عبر منصة (تيليغرام) بيانين قالت إنّهما صدرا عن وجهاء المحافظات الجنوبية، ووجهاء بيت لاهيا شمالاً.
وأورد البيان المنسوب إلى وجهاء ومخاتير بيت لاهيا أنّه "في إطار المطالبات الشعبية بوقف حرب الإبادة التي يشنها الكيان الصهيوني بدعم مباشر وكامل من الإدارة الأمريكية، خرجت مسيرات عفوية في مدينة بيت لاهيا الصامدة تطالب العالم الحر بزيادة الضغط على العدو الصهيوني لوقف شلال الدم وفتح المعابر لإدخال المساعدات اللازمة".
واعتبر البيان أنّ "هذه المطالبات هي حقوق مشروعة لأبناء شعبنا، وليست كماليات أو منّة من أحد، ولا يحق لأيّ جهة إعلامية أو دولية تبرير تصرفات الكيان اللّاإنسانية واللّاأخلاقية".
وتابع: "هذه المسيرات خرجت عفوية تماماً، ولا يمكن أن نقبل باستغلالها في حالات مناكفة سياسية أو خروج على الصف الوطني في هذه المرحلة الحرجة والحساسة من الصراع مع العدو".
وختم البيان بالقول: إنّ "بيت لاهيا، كما كانت دوماً، هي خزانٌ ثوريٌ لا ينضب من الثوار والمقاومين والمجاهدين، وهي لا تقبل أبداً استغلال مطالب شعبنا المشروعة من أطراف تابعة للطابور الخامس وأشخاص مندسين لعرض صورة كاذبة عن الحالة الوطنية".
وأمّا البيان المنسوب إلى وجهاء ومخاتير المحافظات الجنوبية في القطاع، فقد جاء فيه: "من باب المسؤولية الوطنية نقف اليوم موقفًا لله في ظل حرب وجودية تستهدف شعبنا وأهلنا في قطاع غزة بجانب حصار لا إنساني تمارسه إسرائيل عدوة شعبنا، لنشدّ على أيادي إخواننا وجهاء ومخاتير بيت لاهيا الذين قرروا أن يكونوا أصحاب السبق في الاصطفاف والالتحام بجانب المقاومة والقرار الوطني المستقل".
ولم يُشر البيانان إلى موقف المواطنين الفلسطينين الذين يطالبون حماس بالخروج من القطاع والتنحي، وإلى الهتافات التي وصمت الحركة بالإرهاب والجاسوسية والعمالة.
وتأتي الاحتجاجات بعد أن تجاوز عدد القتلى في غزة (50) ألفّا، وفقًا لوزارة الصحة في القطاع، مع عدم وجود نهاية في الأفق، في ظل التعنت الإسرائيلي ومواصلته في إبادة الشعب الفلسطيني.
وكان المتحدث باسم حركة فتح في غزة منذر الحايك قد دعا السبت الماضي حماس إلى أن تغادر المشهد الحكومي، وأن تدرك تماماً أنّ المعركة القادمة هي إنهاء الوجود الفلسطيني.