اعتقال إمام أوغلو: لماذا لا تستفز الاحتجاجات في تركيا تلك المنصات هذه المرّة؟

اعتقال إمام أوغلو: لماذا لا تستفز الاحتجاجات في تركيا تلك المنصات هذه المرّة؟

اعتقال إمام أوغلو: لماذا لا تستفز الاحتجاجات في تركيا تلك المنصات هذه المرّة؟


27/03/2025

بينما تتصاعد الاحتجاجات في تركيا منذ اعتقال رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو، فإنّ حالة التعتيم الواضحة من منصات إعلامية محسوبة على محاورة إقليمية قريبة الصلة من قوى الإسلام السياسي، تكشف عن الإدارة الإعلامية السلبية والبراغماتية للأحداث. فواقع الأمر يشير إلى أنّ معارض الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الأبرز ومنافسه الأقوى، يواجه تحديات جمة تتجاوز التعقيدات الداخلية، بداية من تسييس القضاء، والإجراءات التعسفية، والقمع الذي يرقى إلى حد إسكات الخصوم قسراً، ونشر الخوف، إلى منع انتقال عدوى الانتفاضة من خلال حظر نشر المعلومات، وتقليل أهمية الاحتجاجات، وفرض حصار على الصورة والخبر. 

عمدة إسطنبول: أكرم إمام أوغلو

منصات موجهة تفقد مصداقيتها

ليس هذا بحال هو ما يجري بالعادة مع حوادث مماثلة في دول المنطقة، منذ اندلاع "الربيع العربي"، وحتى قبل ذلك، حيث إنّ القوى الإسلاموية، ومنها جماعة الإخوان، باشرت من خلال وسائل إعلامها المحلية والإقليمية، فضلاً عن القوى الخارجية التابعة لها، مثل قطر وتركيا، بأداء دور إعلامي مسيس، يكون بمقدوره تحريك الجماهير، وخلق مزاج عام انقلابي متمرد، فقط عندما تتقاطع المشاهد مع مصالحها. ذلك ما يفضح تناقضات عديدة، منها الموقف من مصر الذي تباين بين ثورتي 25 كانون الثاني (يناير) 2011 و30 حزيران (يونيو) 2013. فالأخيرة كانت انتفاضة ضد حكم الإخوان المشؤوم، لكنّ محطات فضائية لها مزاج إسلاموي مثل (الجزيرة)، والتي اصطفت مع الجماعة الأم لـ "الإسلام السياسي"، لم تصفها بأنّها "ثورة"، وقامت بالتشويش على الحراك المليوني والشعبي. تكرر ذلك مع سوريا، إذ يتم تجاهل الانتهاكات التي يتعرض لها السوريون في تركيا، من اعتداءات عليهم وسرقة ممتلكاتهم وتبديدها، وأحياناً كثيرة القتل، بالإضافة إلى الترحيل القسري وترويج خطاب كراهية تحريضي في الخطاب السياسي الرسمي. 

وقبل أعوام، لم يتردد المجلس الإسلامي السوري، في إسطنبول، بوصف القوات التركية والميليشيات التابعة لها بـ "المجاهدين"، وذلك بالتزامن مع إحدى هجماتها العسكرية في عفرين، شمال غربي سوريا، وأصدر فتوى دينية تقول: "لا مانع شرعيًا من التعاون مع الحكومة التركية في مقاتلة المجرمين، لما في ذلك من المصلحة العامة للثورة السورية".

تحيز إيديولوجي

يشير المركز العربي لدراسات التطرف إلى أنّ جماعة الإخوان أصدرت بياناً رسمياً، وذلك أثناء عودة سوريا إلى الجامعة العربية قبل سقوط "الأسد"، نهاية العام الماضي، وقد "استنكرت قرار عودة النظام السوري إلى الجامعة العربية لأنّه تماهى مع أفعال النظام على مدار الأعوام الماضية، وقدّم له صك غفران بإعادته للبيت العربي المشترك"، وفق تعبير البيان.

ويقول المركز: إنّه "بنظرة تحليلية للمواقف الصادرة عن جماعة الإخوان، يتبين أنّها تركز على محاولة حشد أيّ دعم ممكن ضد قرار عودة سوريا إلى الجامعة العربية، لكنّها تبحث في الوقت نفسه عن إطار لحل سياسي يمكن أن يُنهي حالة الجمود السياسي. على أنّ تلميح جماعة الإخوان بالحل السياسي يرتبط بسياقات أخرى تعود إلى ما قبل قرار الجامعة العربية، فجماعة الإخوان السورية تُدرك أنّ القيادة السياسية التركية تسير بخطوات حثيثة نحو التقارب مع نظام الرئيس السوري بشار الأسد، ولا سيّما أنّها أُبلغت في اجتماعات تمّت مع الجانب التركي بهذا الموقف قبيل الانتخابات الرئاسية التي فاز فيها الرئيس رجب طيب أردوغان".   

الرئيس التركي: رجب طيب أردوغان

إذاً؛ الموقف الانتهازي والتلفيقي الصادر من المنصات الإعلامية، إزاء اعتقال أوغلو المتعسف والقمعي لحساب أردوغان، لا يبدو جديداً، بل هو موقف متكرر وتقليدي. فالمواقف السياسية والإعلامية للإخوان وقوى الإسلام السياسي، يتحدد حضورها أو غيابها، وفعاليتها أو انحسارها، بناء على ما يحقق ذلك من فوائد ومصالح أو يراكم لها فوائض قوى ويشحذ لها أوراق الضغط والتفاوض، لبناء جسور متينة نحو التمكين في المجال العام وحتى الوصول إلى السلطة والحكم. فالغضب العارم في الشارع التركي والانتفاضة القصوى ضد أردوغان، لا تستدعي أيّ ضمير مهني وإعلامي، كما أنّها لا تحرك على ما يبدو عدسة الكاميرا، ولا تستفز مشاعر بعض المؤسسات الإعلامية التي تبادر إلى تقسيم الشاشة في البلدان التي تبحث عن سقوط أنظمتها، وتتحرى زعزعة استقرارها.

تضارب في مواقف الحزب الحاكم

يمكن القول إنّ ما يجري في تركيا يكشف في ظل هذا التعتيم عن سيولة في المعلومات وربما مغالطات عديدة، لدرجة أنّ حزب العدالة والتنمية نفى اتهامات المعارضة بـ "انقلاب مدني"، إثر اعتقال أوغلو المتهم بـ "الفساد" و"الإرهاب". ووصف الناطق بلسان الحزب عمر تشيليك المزاعم بأنّها "ذروة اللّاعقلانية السياسية"، في خطاب بأنقرة. ثم نفى كذلك أن يكون حزبه الحاكم لديه أيّ صلات بأوامر الاحتجاز الصادرة بحق إمام أوغلو و(105) آخرين. إلا أنّ قادة المعارضة، ومنهم رئيس حزب الشعب الجمهوري، حزب المعارضة الرئيسي، أوزجور أوزيل، اتهم الحكومة بالضلوع المباشر في اعتقال إمام أغلو بغرض إبعاده وتغييبه وإقصائه قبيل الانتخابات الرئاسية في عام 2028.

رئيس حزب الشعب الجمهوري، حزب المعارضة الرئيسي: أوزجور أوزيل

كما كشف وزير الداخلية التركي علي يرليكايا عن اعتقال (343) شخصاً، في (10) ولايات خلال الاحتجاجات ضد اعتقال عمدة بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو. وغرد على حسابه في موقع التواصل الاجتماعي (X): إنّ (343) شخصاً تم اعتقالهم في إسطنبول وأنقرة وإزمير وأضنة وأنطاليا وجناق قلعة وإسكي شهير وقونيا وأدرنة، فيما يتعلق بالتحقيق الذي أجرته بلدية إسطنبول الكبرى من قبل مكتب المدعي العام في إسطنبول". وقال: إنّ أولئك الذين يسعون إلى الإخلال بالنظام الاجتماعي وتهديد أمن وسلامة أمتنا، والسعي إلى الفوضى والاستفزاز، لن تتاح لهم الفرصة، ولن يتم التسامح معهم أبداً، وإنّ رجال الشرطة لدينا، الذين هم ضمانة سلامنا وأمننا، يعملون ليل نهار.

منذ الأربعاء الماضي تتواصل الاحتجاجات في ثلثي محافظات تركيا، وفق وكالة (فرانس برس)، ولا تستثنى من ذلك حواضن حزب العدالة والتنمية، منها قونية وطرابزون وريز على البحر الأسود، بما يعكس التحدي المباشر والمواجهة العنيفة مع الإجراءات التعسفية لمنع وحظر التظاهر والتجمعات. في المقابل أعلن حزب الشعب الجمهوري المعارض ترشيح إمام أوغلو رسمياً للانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها في عام 2028، في تحدٍّ آخر وتصعيد، مقابل تغييب الأخير لمنع وقوفه في منافسة قوية مع أردوغان بالسباق الرئاسي. وصرّح زعيم حزب الشعب الجمهوري أوزغور أوزيل قائلاً: إنّ "1,6 مليون من أصل 1,7 مليون عضو أدلوا بأصواتهم لمصلحة إمام أوغلو ليكون مرشحهم في الانتخابات الرئاسية المقبلة". لافتاً إلى أنّ ملايين الأشخاص أدلوا أيضًا بأصوات رمزية لمصلحة إمام أوغلو في صناديق اقتراع أقيمت تحت مسمّى صناديق "التضامن" في أنحاء البلاد، بجانب التصويت الرسمي لأعضاء الحزب. وقال: إنّ "التصويت الرمزي قياس على مدى شعبية إمام أوغلو بين جميع الأتراك، وليس فقط بين أتباع الحزب وأولئك الذين يقيمون في إسطنبول".




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية