"11/11" موسم "أوهام الإخوان" والمصريون ملوا التكرار

"11/11" موسم "أوهام الإخوان" والمصريون ملوا التكرار

"11/11" موسم "أوهام الإخوان" والمصريون ملوا التكرار


31/10/2022

أمينة خيري

تحت شعار أو وسم "إنزل 11-11 حرر بلدك" تدق جماعات أيديولوجية وميليشيات عنكبوتية وجيوش افتراضية على وتر الثورة والتظاهر والإسقاط والتحرر دقاً بات مألوفاً لدى جموع المصريين.

كثرة تكرار الدق أفقدته جانباً مؤثراً من عنصر المفاجأة. كما أن استخدام الشعارات الرنانة ذاتها مع اختلاف المحتوى في كل عام جعل البسطاء ينتقلون من مرحلة التساؤل إلى التشكيك.

مع كل حملة عنكبوتية مفاجئة تتلون الدعوات والحملات بألوان الأحداث، فمرة تكون من أجل النزول لتحرير البلاد وعتق رقاب العباد من "الظلم والطغيان" بعد أن كانت من "الكفر والإلحاد"، وقبلها لـ"حماية الإسلام من بغي اليهود والكفار"، ثم تحولت إلى "تحرير الجنيه من قبضة الدولار" وفي مناسبات أخرى إلى "ثورة الغلابة" وفي غيرها تم ترك باب الثورة مفتوحاً حيث "نازل ولا متنازل؟"، وأخيراً هذا العام تأتي الدعوة العنكبوتية من منظريها القابعين في دول على مرمى حجر من مصر وأخرى عبر المتوسط وثالثة عابرة للمحيطات لتدعو المصريين إلى "النزول" للتحرر في المطلق.

نقطة انطلاق الدعوات العنكبوتية يصعب تحديدها لكن يسهل الكشف عن هويتها وعلى رغم تعدد الهويات الأيديولوجية الظاهر، إلا أن "المصالح تتصالح" كما يقول المصريون في أمثالهم الشعبية.

فبين محمد علي الممثل المغمور الذي تحول إلى عالم المقاولات ومنها إلى دنيا المفاجآت حيث المعارضة السياسية والثورة الأيديولوجية، إلى أفراد مبعثرين بين قطر وتركيا وبريطانيا وغيرها وأذرع متبقية لجماعة الإخوان وذباب إلكتروني ينفذ خطط نشر "الوسوم" وجعلها "ترنداً" عبر حسابات وهمية إضافة إلى نشاط محموم بالتعاون مع الميليشيات الإلكترونية، تتعدد الجهود وتتراوح الواجهات، إلا أن البضاعة واحدة.

لكن ترويج البضاعة يتم بطرق مختلفة بعضها بدائي وبعضها الآخر يتبع أحدث التقنيات وأكثرها تعقيداً بحيث تبدو دعوات النزول والإسقاط والتحرر والثورة وكأنها طبيعية ومن رحم الشارع.

حكاية النزول

"أم كريم"، عاملة النظافة المنزلية، تسأل كل من تقابلهم عن "حكاية النزول إلى الشارع في 11 – 11" أي يوم 11 نوفمبر (تشرين ثاني) 2022 لتتراوح الإجابات التي تتلقاها بين "وما الذي سيحدث في هذا اليوم؟" و"هذه دعوات الإخوان" و"في كل عام يدعون المصريين إلى النزول في هذا اليوم. هي ترهات وحيل المغلوبين" و"انزلي ربما يعود سعر اللحمة إلى ما كان عليه في 2010" ولا تتوقف الاجتهادات.

لكن الاجتهاد في معرفة أصل وصول دعوة النزول إلى "أم كريم" يؤكد نظرية الانشطار العنكبوتي، بحيث يتم العمل على تحويل "الوسم" أو التغريدة أو التدوينة أو الفيديو إلى كيان قابل للانشطار المليوني السريع، ولهذا الانشطار متخصصون وخبراء يتقنون عمله وإطلاقه والتأكد من انشطاره على الأثير العنكبوتي.

قواعد الانشطار العنكبوتي متاحة للجميع، لكن إتقانها وحرفية تنفيذها تحتاج إلى خبراء متوافرين في كل مكان، منهم من يعمل "بالقطعة" أي يتم التعاقد معه بالحملة أو الدعوة أو السلعة الواحدة بغرض تحويلها إلى "ترند" فيروسي ومنهم من يعمل كل الوقت ضمن كيانات أو جماعات أو حتى حكومات سواء بشكل علني أو سري ومنهم من يقوم بذلك بدافع العقيدة ظناً منه أو منها أنه بذلك يخدم الغاية ويحقق المراد.

تعددت المنصات والحيل واحدة

المراد من أي حملة عنكبوتية لا يخرج عن الأهداف الثلاثة التالية، بناء الوعي اللازم بالمنتج أو العلامة التجارية (وفي هذه الحالة التظاهرات اللازمة لإسقاط النظام السياسي) وزيادة الحركة عبر تعظيم حجم المشاهدات والمشاركات واللايكات والوصول إلى مرحلة الانتشار الفيروسي. وسواء كانت السلعة رقائق بطاطا بنكهة جديدة أو موديل غسالة بخاصية جديدة أو حملة لإسقاط نظام بشعار مختلف، تظل الأدوات والمنصات والحيل واحدة.

وحدة المنصات والأدوات لا تعني أبداً وحدة المحتوى في حالات دعوات النزول والتظاهر الموسمية الموجهة إلى المصريين وإلا فقدت إثارتها وانكشف أمرها بسهولة. فما يروق للمستخدم المتعاطف مع جماعات الإسلام السياسي لا ينطلي على المستخدم المهموم بلقمة العيش بغض النظر عما إذا كان موفرها بلحية أو يرتدي "شورت وفانلة وكاب". ومن لا يبتغي سوى حرية الرأي والتعبير والمعتقد يبحث عن لغة خطاب مختلفة ومحتوى حقوقي مغاير.

استجداء النزول

لذلك فإن دعوات النزول هذا العام التي تتجاهل عشرات الدعوات المجهضة السابقة لا تلتزم أيديولوجيا موحدة، بل وصل الأمر ببعض قادتها إلى استجداء الناس للنزول تحت شعار "إنزل وخلاص".

النزول في حد ذاته فكرة صادمة! وهذا ما يستثمره القائمون عليها لأهداف عدة تتراوح بين إحداث الشغب أو تشجيع القلق أو إفساد الأجواء على مصر والمصريين في أثناء انعقاد قمة المناخ "كوب 27" أو تحريك مياه الإخوان الراكدة. ويظل الهدف المعلن وهو إسقاط النظام السياسي هو الأقل حظاً في التحقق وهذا ما يعلمه القائمون على الدعوة تماماً.

الاقتصادي مدحت نافع يشير إلى عنصري الإفراط والإثارة في صناعة "الترند" في مقالة عنوانها "صناعة الترند في وسائل التواصل الاجتماعي" (2022) ويقول "تتأثر وسائل التواصل الاجتماعي يومياً بما يطلق عليه رواد منصات التواصل الاجتماعي الترند، أي موضوع يحظى باهتمام عدد كبير من المستخدمين لدرجة الإفراط في المساحات المعبرة عن آرائهم لتناوله بالنقد والتحليل والتعقيب. تلك المواضيع المثيرة التي تخطف اهتمام المستخدمين لا يجوز وصفها بالاتجاه، بل هي صدمات الغرض منها أن تؤثر في التوجهات. هي أحداث مثيرة، لكنها قصيرة الأجل ولا تصمد أمام ظهور أحداث جديدة تؤثر بدورها في الاتجاه العام أو الرأي العام".

النزول الموسمي

الرأي العام في البلاد حالياً يعي أنه في مثل هذا التوقيت من كل عام تمتلئ صفحات المصريين على منصات "التواصل الاجتماعي" بدعوات إلى النزول ومن لم تمتلئ صفحاته أو من لا يمتلك صفحات من الأصل يصله حديث الصفحات من باب "الحاضر يعلم الغائب".

"أم كريم" هي من الغائبين التي أبلغها بدعوات النزول في 11 نوفمبر سائق الميكروباص الذي تستقله في رحلة العمل اليومية. السائق يمثل نسبة كبيرة من المصريين. فـ"الوسم" والفيديوهات والتغريدات فرضت نفسها على صفحاته وهو من باب العلم بالشيء يتفقدها، وعلى رغم أنه متضرر من الأوضاع الاقتصادية ومضغوط من تضييق رجال المرور عليه في غزواته على الطريق حيث رخصة السيارة منتهية والسرعة غير قانونية وعدد الركاب يفوق المنصوص عليه في القانون، إلا أن خبرات الماضي القريب تخبره أن هذه الدعوة "فنكوش" كغيرها.

"فنكوش" لفظ مصري دارج يعني بيع الوهم وعلى رغم أن سائق الميكروباص و"أم كريم" ومعظم الركاب متضررون من الأوضاع الاقتصادية وحالمون بحياة أكثر رفاهية وربما بينهم من هو غير راض عن أداء الحكومة الحالية، إلا أن خطاً شعبياً فاصلاً يجري حفره بين الأوضاع المعيشية الصعبة من جهة ودعوات النزول الدورية والموسمية من جهة أخرى.

هذا الخط الفاصل مثير للاهتمام، فعلى رغم الحنكة الشديدة في إطلاق الدعوة والخبرة العنكبوتية العميقة في إدارة خيوطها حتى تبدو وكأنها دعوة مولودة من رحم المعاناة ومتفجرة بمحض الصدفة من قبل أشخاص وجماعات تمثل الأطياف شتى وكل التوجهات من أقصى اليمين لآخر اليسار، إلا أن الأخطاء الصغيرة من شأنها أن تكشف عن الأفكار الكبيرة.

شبشب فيصل

فيديوهات شاهدها خمسة أو 10 أو 15 شخصاً يحملها أشخاص تابعون لجماعة الإخوان المقيمون خارج مصر على اعتبار أنها "استجابة الملايين لدعوات النزول يوم 11 -11". فيديو لشخص يسير في شارع فيصل (منطقة الهرم في الجيزة) ولا يظهر سوى "الشبشب" الذي يرتديه ويسلط عليه كاميرا هاتفه المحمول الذي يحمله في يده، يقول "كلنا نازلين نحرر مصر وننهي الحكم العسكري. نحن أحرار فيصل".

ومن فيديو "أحرار فيصل" إلى فيديو "أبطال الريف" حيث الكاميرا مسلطة على حقل يخلو من البشر وشخص يتحدث ويقول "تحية لحضرتك أستاذ فلان وكل العاملين الوطنيين في قناتي الشرق ومكملين (من الأذرع التلفزيونية لجماعة الإخوان المسلمين) منورين الشاشات العربية والغربية كلها. ونحن سننزل يوم 11-11 مشروع شهادة (استشهاد). وسنتقابل بعد الثورة إن شاء الله".

أنثى ليبرالية متحررة

صفحة "فيسبوك" لإحدى المروجات لـ"إنزل 11-11 حرر بلدك" التي تعرف فيها نفسها على أنها "أنثى ليبرالية متحررة" تقول إن "الشعب كله سينزل في هذا اليوم للخلاص من الماسونيين عبدة المسيح الدجال" مؤكدة أن "الثورة القادمة هي ثورة المسلمين وإخواننا النصارى للتحرر من حكم اليهود".

الطريف أن كل المفردات المستخدمة لا ترد إلا في كتابات المتأثرين بجماعات بعينها في تيار الإسلام السياسي الذين يتشبعون بلغة الحوار التي يستخدمونها للتأثير في البسطاء. فلا الماسونية معروفة مصرياً إلى هذا الحد ولا يوجد في مصر من يعبد المسيح الدجال في الأقل علناً. كما أن الحديث عن المسيحيين باعتبارهم "نصارى" غير شائع إلا في أوساط الإسلاميين.

يشار إلى أن إسلاميين، تحديداً المنتمين أو المتعاطفين مع جماعة الإخوان، بل بعض المتظاهرين بالخروج على الجماعة وانتقادها يكثفون كتاباتهم المخاطبة للداخل المصري هذه الأيام.

يوم الخالصة

أحد قيادات جماعة الإخوان المسلمين المقيمين خارج مصر كتب مقالة طويلة تحت عنوان متسائل "11/11 هل يكون يوم الخالصة؟" ظاهرها تنديد بأن من يقيمون خارج مصر يدعون إلى ثورة يوم 11/11 معرضين بذلك المصريين في الداخل ممن سينزلون إلى الشارع للخطر، لكن باطنها تلويحات وإشارات بأن المصريين لو نزلوا إلى الشوارع بأعداد كبيرة فإنهم سيكونون في مأمن وأن الجيش لن يتعرض لهم. وبين تأرجح مرة ذات اليمين حيث لا يصح أن "يدعو الآمنون على أنفسهم في الخارج" غيرهم من المصريين من المعرضين للأخطار والأهوال في الداخل إلى أن يقوموا بثورة بالنيابة عنهم، وأخرى ذات اليسار حيث

يصف اختيار 11 نوفمبر بـ"الموفق" على رغم ارتباطه بتاريخ فشل ما يسمى "ثورة الغلابة" والسبب في ذلك أن العالم سيكون حاضراً في قمة المناخ، مما يجعل استخدام القوة المفرطة في مواجهة حشود بشرية أمراً مستبعداً، لكنه يعود ويقول إن "القصة كلها (أي ما يضمن نجاح الثورة) هي الحشود".

هوى إخواني وميل انتقامي

الدعوات المنظمة بعناية فائقة لتبدو وكأنها شعبية خالصة من دون هوى إسلام سياسي أو ميل انتقامي لا تخلو من ذراع إخوانية خالصة يتم الترويج لها حالياً باعتبارها ذراعاً منشقة عن جماعة الإخوان التي أعلنت "الانسحاب من الصراع على السلطة في مصر" قبل أيام.

التغيرات أو بالأحرى التكتيكات الإخوانية التي اختارت الجماعة أن تلعبها هذه الأيام لتبدو وكأنها صدفة خالصة تتزامن تزامناً غير مقصود مع كل من قمة المناخ "كوب 27" ودعوات النزول في 11/11، جمعت الحسنيين. الأولى هي إعلان جبهة القيادي الإخواني إبراهيم منير في لندن انسحاب جبهته الإخوانية من الصراع على السلطة في مصر والعمل على ثلاثة أهداف هي ملف المعتقلين والعمل من أجل المصالحة وبناء شراكة وطنية في الداخل. وكانت الجماعة انقسمت إلى جبهتين، الأولى يقودها إبراهيم منير من لندن والثانية يقودها محمود حسين من إسطنبول.

لكن قبل أيام خرج "تيار التغيير" معلناً نفسه جبهة ثالثة ستعمل على التصعيد ودعم الحركات الثورية والانضمام إلى صفوف المعارضة والعمل من أجل الوصول إلى السلطة.

ما زالوا على قيد الحياة

الطريف أن أحد المغردين طرح سؤالاً لخص فيه موقف ملايين المصريين من الجماعة. تساءل "ما كل هذه الجبهات الإخوانية؟ هما لسه عايشين؟" (هل ما زالوا على قيد الحياة؟)

الشعور العام السائد لدى رجل الشارع في مصر هو أن الإخوان أصبحوا جزءاً من الماضي. حتى أولئك الذين أظهروا تعاطفاً أو آمنوا بقدرة الجماعة على حكم مصر بنجاح، لم تعد الجماعة تشغل بالهم كثيراً ليطلعوا على جبهاتها وأهداف كل منها، لكن الرسالة التي وصلتهم من أخبار الجبهات والأهداف هي أن الجماعة تحاول لملمة أشلائها وإعادة تقديم نفسها إلى المصريين بوجوه مختلفة. فالراغبون في ابتعادها عن السياسة أمامهم جبهة مناسبة والمرجحون كفة استمرارها في الصراع من أجل السلطة لديهم جبهة توائم هواهم والمتأرجحون بين هذه وتلك لديهم جبهة أيضاً متأرجحة بين اعتناق الصراع والتزام الصمت في تركيا.

لكن الدعوة من أجل نزول المصريين إلى الشوارع في 11/11 تجمع الجبهات الثلاث ربما أملاً في استعادة شعبية الجماعة وحبذا كرسي السلطة.

يشار إلى أن هناك مقطع فيديو منتشراً على منصات التواصل الاجتماعي يناشد فيه الرئيس التونسي الأسبق منصف المرزوقي الشعب التونسي النزول هو الآخر إلى الشوارع التونسية تضامناً مع الشعب المصري، آملاً في أن يكون 11/11 هبة ثورية عربية أو ربيعاً عربياً واحداً.

أجواء "الربيع" التي يتمناها دعاة النزول في 11/11 تقف على طرفي نقيض من أجواء الخريف المهيمنة بفعل درجات الحرارة الآخذة في الانخفاض التدريجي وكذلك المزاج الشعبي البعيد تماماً من أجواء الثورة والتظاهر.

 بعض المنتمين إلى جماعة الإخوان المتزعمين دعوات النزول إلى الشارع في 11/11 يذيلون دعواتهم بوسم "ثورة المناخ"، وذلك لضرب عصفورين بحجر واحد. الحجر الأول هو إفساد أجواء قمة المناخ والثاني إحداث ثورة من عدم.

عن "اندبندنت عربية"



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية