الموسيقى في المناهج: السعودية تطوي آخر صفحات "الصحوة".. كيف جاءت ردود الفعل؟

الموسيقى في المناهج: السعودية تطوي آخر صفحات "الصحوة".. كيف جاءت ردود الفعل؟


29/05/2022

بإدراجها مادة الفنون في مناهج التعليم العام، تخطو المملكة العربية السعودية خطوة جديدة على طريق تحقيق رؤيتها الإصلاحية 2030، والتي وعدت بإحداث تحولات اقتصادية واجتماعية تُعيد البلاد إلى ما كانت عليه قبل هيمنة ما يسمى بـ "الصحوة".

واتخذت السعودية خلال الأشهر الماضية إجراءات متسارعة في هذا الاتجاه، كان آخرها بدء وزراة الثقافة السعودية، ممثلة بهيئة الموسيقى، تنفيذ خطوات الاتفاق المبدئي مع وزارة التعليم على إدراج الثقافة والفنون في مناهج التعليم العام والأهلي، وإطلاق برنامج الثقافة الموسيقية عبر منصة "مدرستي"، وهي منصة تعليمية يستقي منها الطلاب والطالبات دروسهم.

وكان رئيس هيئة الموسيقى سلطان البازعي قد تحدث، في مقابلة مع قناة "روتانا خليجية" عن توجه وزارتي الثقافة والتعليم في المملكة إدراج مادة الفنون إجمالاً في مناهج التعليم العام في السعودية بما فيها الموسيقى والدراما والمسرح والفنون البصرية وصناعة الأفلام.

وأضاف البازعي أنّ "الخطوة القادمة تتعلق بإدراج الموسيقى في مناهج الصفوف الأولية، حتى يتعلم الطلاب من البداية الموسيقى".

وأوضح أنّ العمل قائم على إعداد المناهج الخاصة بإعداد المنهج الموسيقى كمنهج ثابت، فضلاً عن إعداد المدرسين القادرين على إلقاء الحصص.

الموسيقى عبر منصة "مدرستي" 

ويستهدف برنامج هيئة الموسيقى على المنصة التعليمية، إكساب الطلبة المهتمين فكرة واضحة عن الموسيقى، ومهارات كتابة النوتة الموسيقية، والتعرف على أساليب فنانين عالميين، إضافة إلى القدرة على التفريق بين الأنماط الموسيقية الشعبية في المملكة، والتعرف على الآلات الموسيقية.

ويقدم البرنامج عبر منصة "مدرستي" موضوع "نبذة عن بعض الشخصيات الموسيقية"، وموضوع "التراث الموسيقي السعودي" الذي سيعرف الطلبة على مختلف الأنماط الموسيقية التراثية لمختلف مناطق المملكة.

وخلال الأيام الماضية، سلّطت وسائل إعلام ومدونون في السعودية، الضوء على التجربة الجديدة للمطرب السعودي الشاب، عايض يوسف، في تعليم الموسيقى لطلبة المدارس المتوسطة والثانوية من الجنسين في المملكة.

وظهر عايض، الذي يبلغ 27 عاماً، خلال الأيام القليلة الماضية على منصة "مدرستي"، حيث قدم دروساً في الموسيقى للطلبة كأول مطرب سعودي يخوض هكذا تجربة.

يقدم البرنامج عبر منصة "مدرستي" نبذة عن بعض الشخصيات الموسيقية والتراث الموسيقي السعودي الذي سيعرّف الطلبة على مختلف الأنماط الموسيقية التراثية لمختلف مناطق المملكة

وعكست تعليقات كثير من جمهوره الكبير في المملكة، إعجاباً بتجربته الجديدة، دفعت البعض للثناء على اختيار وزارة التعليم له، فيما تمنى آخرون غادروا مقاعد الدراسة، العودة لها لحضور دروس نجمهم المفضل، على حد تعبيرهم.

جدل على مواقع التواصل الاجتماعي

وشهدت وسائل التواصل الاجتماعي، خلال الأيام الماضية تفاعلاً واسعاً مع قرار إدخال الموسيقى إلى مناهج التعليم، وتباينت ردود الفعل ما بين مؤيد للخطوة ومعارض لها.

ودافعت إحدى المغردات باللغة الإنجليزية عن القرارات الجديدة بالقول، إنّ "الموسيقى تبني المجتمعات".

وذكر البعض أنّ الموسيقى كانت تدرّس سابقاً في المدارس، وأنّ إعادة إدراجها مجدداً سيزيد من حب الطلاب للمدرسة؛ إذ قال أحد المغردين: "منهج الموسيقى في المدارس كان عندنا من زمان، ومنهج راح يزيد في حب الطلاب زيادة في المدرسة لأن بكل صراحة منهج في متعة مثل الرياضة وكيف كلنا نحبها، أما اللي يقول ما نبيه أنا أستغرب منه مره، لأن ترى التنوع في المناهج فيه تنوع ومتعة".

شهدت وسائل التواصل خلال الأيام الماضية تفاعلاً واسعاً مع قرار إدخال الموسيقى إلى مناهج التعليم، وتباينت ردود الفعل ما بين مؤيد للخطوة ومعارض لها

ورأى أحد المغردين أنّ الذين يهاجمون هذه القرارات يفعلون ذلك بسبب الثقافة الموروثة من التطرف الديني، قائلاً، "لفترة قريبة يتعلمون أنها محرمة وسامعها يصب في أذنه الرصاص المذاب. طبيعي يرفضون. هم تعلموا رفض أي جمال في الحياة تقريبا، كانت أيام سوداء آثارها حتبقى معنا لأزمان، لذلك لا تهادن وتعتقد أن التطرف الديني أصبح ماضي".

وفي مقابل هؤلاء المغردين الذين أظهروا حماساً للإصلاحات الجديدة في المملكة، انتقد آخرون الإجراءات الأخيرة واعتبروها "هجوماً على الأخلاق"، فيما اتهم بعضهم وزراة التعليم بتقليص الحصص الدينية في مقابل فرض حصص الموسيقى.

وقال أحد المغردين إنّ تعليم الموسيقى "حرام شرعاً"، مستشهداً بفتوى لابن باز، وقال: "لا يجوز تدريس الموسيقى، ولا تعلمها.. كما لا يجوز اختلاط البنين والبنات في جميع مراحل التعليم؛ لما في ذلك من الخطر العظيم، والفساد الكبير، والمخالفة للنصوص".

فيما قالت مغردة: "الموسيقى من مزامير الشيطان، وانا ابي عيالي يتعلمون القرآن ..نريد أن تحفظنا الملائكه لا الشياطين".

وأضافت: "كيف نحصن عيالنا والموسيقى باب الشياطين والعفاريت".

فيما اتهم مغرد السلطات بتقليص حصص التربية الإسلامية في الوقت الذي تفرض فيه حصص الموسقى وعلق قائلاً: "ما بين تقليص الحصص الإسلامية والمناهج وبين فرض تدريس الموسيقى المحرّمة"..

وتابع: "أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير".

 "تحرر من أوهام الصحوة"

وفي مقالها المنشور في موقع "الوطن" ترى الكاتبة فاطمة المزيني، أنّ قرار وزارة التعليم بتدريس الموسيقى، يعد قراراً تاريخياً، وخطوة على طريق المعرفة والجمال والتحرر من الأوهام التي كبلتنا بها عقود الصحوة.

وتضيف "كما هو معتاد ومتوقع، هب المتشددون للإنكار والمواعظ على شتى منصات التواصل الاجتماعي. ومع أننا نعلم انحسار تأثيرهم في مجتمعنا الذي يمر بحالة استيقاظ جماعية، إلا أنّ مثل هذه الحملات، تمثل مادة خصبة للأعداء الروتينيين المنتشرين على هذه المنصات".

فاطمة المزيني: كما هو معتاد ومتوقع، هبّ المتشددون للإنكار والمواعظ على شتى منصات التواصل الاجتماعي

 ويرى الكاتب مشاري الذايدي، في مقال له بعنوان عودة "الصحوة" الموسيقية، منشور في صحيفة  "الشرق الأوسط"، أنّ تدريس الموسيقى "خطوة صغيرة في عمر الشعوب، لكنها مثل خطوة رائد الفضاء الأميركي أرمسترونغ على سطح القمر، بالنسبة لطلبة المدارس السعودية".

وأكد الكاتب أنّ المشوار ما زال في بدايته، لكنها خطوة كبرى في طريق جميل وصعب، لقائل القول، ما هو الجديد؟ لقد كان السعوديون من قبل يدرسون في مدارسهم الموسيقى والتمثيل والفنون، ومع ذلك هيمنت أفكار الغلاة وأرباب التيارات الإخوانية والسرورية وبقية المتزمتين، وتبخرت تلك الفنون وغابت عن المدارس؟

وأضاف: صحيح، لكن تلك أمة قد خلت، وقد انكشف الغطاء فبصرُنا اليوم حديدٌ، مع وجوب التنبيه إلى أنَّ نار الصحوة ما زالت تتَّقد تحت الرماد الباهت، وتحتاج فقط لمن يحرث الرماد. خسرت صورة أرباب الإسلام السياسي وأجنحتهم كثيراً بفاتورة الربيع العربي وجنايات "القاعدة" و"داعش" وغيرهما في كل البلدان العربية والإسلامية. لكنهم، عنيت أبناءَ وحراس الصحوة، يملكون المرونة للعودة من الشباك.

مشاري الذايدي: تدريس الموسيقى مثل خطوة رائد الفضاء الأميركي أرمسترونغ على سطح القمر، بالنسبة لطلبة المدارس السعودية

وفي مقال له في صحيفة "عكاظ"، علق الكاتب عقل العقل على الهجوم الذي تعرضت له الإجراءات الجديدة بالقول: "مجتمعنا مر بمرحلة اختطاف وتشدد فكر ديني لعقود طويلة جعلت الحديث عن الموسيقى والغناء والمسرح من المحرمات الدينية والاجتماعية حتى أننا كنا نتابع غزوات المتطرفين في الهجوم على الجلسات والحفلات الموسيقية ونشاهد بطولاتهم وهم يحطمون الآلات الموسيقية وخاصة آلة العود أمام اتباعهم مصحوبة تلك المسرحيات الظلامية بالتكبير وكأن الموسيقى والمسرح والفنون محرّمة دينياً والعالم الإسلامي كلها من حولنا يمارسها، تلك المرحلة السوداء أخرجت شعوراً عاماً بالجفاف العاطفي، فكيف نتوقع من طلاب مدارس ابتدائية أو متوسطة كان يذهب بهم للمقابر والنزول بالقبور ونظرتهم للحياة".

ويضيف: "لذا على الجهات المختصة في إدخال الفنون والموسيقى بشكل خاص أن لا تتردد في التسريع بهذا المشروع الثقافي الوطني، فأجيالنا اليوم تعيش ثقافة الانفتاح الاجتماعي الذي أساسه المكانة اللائقة للإنسان على هذه الأرض بغض النظر عن لونه ودينه وجنسه، هذه ثقافة كونية بدأنا نقترب منها والموسيقى إحدى آلياتها، ألحظ كم نفرح إذا شاهدنا مقطوعات موسيقية أو فنون شعبية سعودية عربية تعزفها بعض الفرق الموسيقية الغربية، مثل هذا التلاقح الفكري بكل أشكاله سوف يقدم بلادنا بصورة جميلة وحقيقة عن إنسانها أولاً وأخيراً". 

مشاري الذايدي: خسرت صورة أرباب الإسلام السياسي وأجنحتهم كثيراً بفاتورة الربيع العربي وجنايات "القاعدة" و"داعش" وغيرهما في كل البلدان العربية والإسلامية، لكنهم يملكون المرونة للعودة من الشباك

يذكر أنّ الفنون الموسيقية في السعودية، قد مرت بمراحل عديدة، فقد تأسس لها في الستينيات ما يشبه المؤسسات الرسمية عبر فرق الإذاعة والتلفزيون وجمعيات الثقافة والفنون في وقت لاحق، وشهدت حراكاً وتطوراً ملحوظين لما يقرب من 3 عقود، ثم غابت الرعاية وتفرّق الفنانون وتفككت الفرق الفنية، والواقع أنّ ما مرّت به الموسيقى ينسحب على مجمل ما مرت به قطاعات الثقافة بسبب غياب جهة راعية.

كانت الستينيات حقبة الموسيقى بفضل ما حظيت به من بيئة حاضنة لها، خصوصاً في مكة والرياض وجدة، عبر ما كانت تُعرف بأسواق الأسطوانة التي يتخذ منها البعض مهنة أساسية له في ذلك الوقت، وكانت تتداول ما بين أفراد المجتمع الذي كان آنذاك مجتمعاً مثقفاً موسيقياً، فالأغلبية تعرف النغم، وتعرف الإيقاع، وتبدع فيه إبداعاً كبيراً، ولم تكن هناك أيّ حالة إنكار أو محاربة للموسيقى، بل كانت أشبه بالظاهرة المعروفة في المجتمع، وفق ما أوردته صحيفة "النهار العربي".

عقل العقل: على الجهات المختصة في إدخال الفنون والموسيقى أن لا تتردد في التسريع بهذا المشروع الثقافي الوطني

وفي حقبة الثمانينيات أخذت ما سُميت بـ"الصحوة الإسلامية" زمام الأمور، ليبدأ رفض الموسيقى ينمو داخل المشهد الاجتماعي؛ بسبب أفكار تم تسريبها وأنشأت اعتقاداً لدى جيل بأكمله، بعدما كانت الأجيال السابقة متصالحة معها، بأنّ الموسيقى حرام تحريماً قطعياً لا يقبل الجدال، من دون معرفة أنّ هناك خلافاً إن لم يكن تجاهلاً.

ومع ذلك، فإنّ أولئك الذين روّجوا لرفض الموسيقى استخدموا مقاماتها وسيلة لترويج أفكارهم، عبر ما أسموها بالأناشيد الإسلامية، وأخيراً استبشر الموسيقيون والفنانون بـ"رؤية السعودية 2030" التي أعلنت ضمن برامجها الطموحة إنشاء مجمع ملكي للفنون، كما باشرت وزارة الثقافة والإعلام بإعادة تأسيس فرقة موسيقية وطنية، يكون مقرها القناة الثقافية السعودية، وكانت الأخبار تتوالى عن التفاتة جدية إلى الموسيقى التي جرى تناسيها مدة من الزمن، لتأتي وزارة الثقافة قاطعة الشك باليقين وتضع حداً لهذا الخفوت عبر إدراج الموسيقى ضمن مبادراتها الـ 27، لتكون فاتحة جديدة لجانب مهم له قبوله المجتمعي.

مواضيع ذات صلة:

"لا غناء ولا موسيقى".. ميليشيات الحوثي تحاصر فناني اليمن

الموسيقى.. فلسفة تتجاوز التاريخ

مشايخ في سماء الطرب والموسيقى



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية