منذ نهاية تسعينيات القرن الماضي، والعلاقة بين قناة الجزيرة القطرية والإخوان المسلمين تُعدّ مثيرةً للجدل وتتسم بالغموض أحياناً، خاصة بإفراد القناة المساحة الأكبر من شاشتها لرموز الإخوان كالقرضاوي وسواه، وتقديمها وثائقيات عن الإخوان الذين انبثقت عنهم وتأثرت بهم تنظيمات إرهابية عديدة ليس آخرها تنظيم القاعدة، فصورتهم في وثائقياتها على أنّهم منقذون أو أصحاب حق دون سواهم. مقالاتٌ ومؤلَّفات مختلفة، حاولت كشف سرّ هذه العلاقة بين الجزيرة والتنظيم العالمي للإخوان، ويأتي كتاب "الجزيرة والإخوان، من سلطة الخطاب إلى خطاب السلطة" ليركز على هذه العلاقة، مشيراً إلى سياسة الجزيرة بانتهاج رؤية إعلامية تتدخل في إنتاج الحدث؛ إذ تصرف النظر عن موضوعه، وتركز على فاعله بحيث تُسقط عليه صفة الحق أو الباطل وفق ما يخدم سياسات القناة وبالتالي دولةَ قطر. الكتاب، المنشور العام 2013 عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت لمؤلفه الدكتور وليد الشرفا، يركز على خطاب الجزيرة الداعم للإخوان، ومن ثم حركة حماس تحديداً؛ إذ تشكل فلسطين خطاً لا تتجاوزه الشعوب العربية بشكل عام، وتتبنى هذه الشعوب أي خطابٍ تقريباً، ينادي ولو من خلال الشعارات باسم فلسطين. استخدمت الجزيرة وثائق "ويكيليكس" لإدانة دول أو أنظمة عربية أخرى وإخفاء أي إشارة في الوثائق تتحدث عن قطر ويبدأ الكتاب بالإشارة إلى استخدام الإخوان للنصوص الدينية كأيديولوجيات تعمل على تقديس حاملها سواء كان على حق أم على باطل، كما أنهم يعتمدون على الإيحاء بوجود جاهلية معاصرة مقابل وجود أبطال جدد في الإسلام السياسي يدافعون عن الدينِ ويمثلون السلف الصالح، ومهما أنتجت هذه الثنائية من عنفٍ وصراعات، إلا أنّ هؤلاء يرون أنّهم وحدهم الشرعيون. ويَعتبرُ مؤلف الكتاب، أنّ هذه الثنائية تتمظهر من جديد في العلاقة بين الإخوان والجزيرة، من خلال إبرازِ القناة لمنظّري الإخوان: سيد قطب ويوسف القرضاوي، وتأمينِ الحضور القوي لهما على الشاشة، فالقرضاوي، برز من خلال برنامجه "الشريعة والحياة"، أما سيد قطب الذي انتهى إلى "تجهيل" المجتمعات الإسلامية المعاصرة، وأن لا سلطة يمكن أن تحكمه غير سلطة الإسلام السياسي، فظل يحضر بين حين وآخر في وثائقياتها بصورة البطل المطلق. ويرى الشرفا في كتابه أنّ الإخوان "المدعومين من دولة قطر"، أطلّوا على المجتمعات من خلال شاشة الجزيرة، ضمن ما سمّاه: "عودة الجماعة الآلية"، لتغير الجماعة أولوياتها، وتركز على محاولة قطف ثمار ما يُسمى "الربيع العربي" بصفتها صاحبة الشرعية، خصوصاً أنّ الجزيرة قدمتها بسيلٍ من الفتاوى منذ ظهور القرضاوي على شاشتها قبل "الربيع" وبعده. ويركزُ الكتاب على دور القرضاوي في برنامجه "الشريعة والحياة"، بنشره فتاوى تعبوية الواحدة تلو الأخرى في المواضيع السياسية والاجتماعية والثقافية ضمن ثنائية وحيدة هي "الحلال والحرام"، وذلك لترسيخ فكرة أنّ "السلطة، مجرد آلية لتحقيق إرادة الله"، مما يعني أن الإسلام السياسي الممثل بالإخوان، هو صاحب الشرعية الوحيدة للحكم كممثل لإرادة الله مهما كلف من عنف، مثلما حصل مع حماس، أو في مصر خلال أحداث ما يسمى "الربيع العربي". العلاقة بين المؤسسة الأم "قطر" والمؤسسة الرمزية "الجزيرة"، تتضح بين صفحات الكتاب بالإشارة إلى أنّ القناة لا تكتفي بالخطاب الداعم للإخوان فقط، إنّما أيضاً، تمارسُ "خطاباً درامياً" في سرد الأحداثِ والأخبار دون أن تقوم بالتحقق من الحدث أو الخبر؛ بل تركز على الفاعل "شخص، حركة، جهة" في الحدث، وتحاول تركيب المشهد مُطلِقةً حكماً أخلاقياً غير إعلامي. وهذا الأسلوب، الذي يخدم سياسات معينة هي "سياسات المؤسسة الأم" كما يقول المؤلف، ظهر بشكل كبير أثناء تغطية الخلافات بين حركتي فتح وحماس في غزة العام 2007؛ إذ عكفت القناة على إظهار اسم الحركة في عملياتها ضد إسرائيل ودعمها معنوياً، فيما قلّلت من شأن أيّ عمليات مقاومة من حركاتٍ أخرى ضد إسرائيل، ثم لجأت أثناء الانقسام الفلسطيني إلى عدم توضيح أو إبراز اسم حماس في عمليات العنف والقتل ضد أفرادِ حركة فتح. يوحي القرضاوي أنّ الإسلام السياسي الممثل بالإخوان هو صاحب الشرعية الوحيدة للحكم كممثل لإرادة الله ويُوردُ الشرفا بالتواريخ، أمثلةً على أخبار وتغطيات الجزيرة في تلك الفترة، ليرى القارئ من خلالها كيف قدمت القناة عمليات حماس التي طالت أعضاء في حركة فتح، وأفراداً من عائلاتهم فتسببت بمقتل العديد منهم على أنّها عمليات "أمنية"، بينما تم وصف عمليات ضد أفرادٍ من حماس بـ "الإجرامية والفوضوية، أو أنّها لمتعاونين سابقين مع إسرائيل". مثالٌ آخر، يقدمه المؤلف بين دفتي الكتاب، فيتحدث عن استخدام قناة الجزيرة لوثائق "ويكيليكس" لـ"إدانة دول أو أنظمة عربية أخرى بغض النظر عن مدى دقة هذه الوثائق"، فيما قامت القناة بـ"إخفاء أي حديثٍ يمكن أن يتطرق إلى وثائقَ تتحدث عن دولةِ قطر أو عن الوثيقة التي تداولتها وسائل إعلام عربية أخرى حول تعاونِ مدير القناة السابق والمنتمي لجماعة الإخوان وضاح خنفر مع الاستخبارات الأمريكية". وباعتمادها على أحكام قيمية وأسئلة أخلاقية بدلاً عن أسئلة التحقق، استطاعت الجزيرة خلق مجموعة "آراء متصلبة وقداسية"، كما يوضح المؤلف، ليتم توظيف هذه الآراء التي تظهرُ التناقض بين المؤسسة الأم "التي تتمتع بعلاقات طبيعية مع إسرائيل وأمريكا"، والمؤسسة الرمزية "التي تظهر معادية لهما" كتغطية على السياسات القطرية الخارجية، ورغبة قطر في القول لأمريكا وغيرها أنّها يمكن أن تتحكم بـ"سيل الهستيريا القيمية والدينية وتوجيهها وفق المصالح المشتركة". //0x87h
16/10/2017