هل قرر تبّون تسليم بلاده إلى محور الإسلام السياسي؟

هل قرر تبّون تسليم بلاده إلى محور الإسلام السياسي؟


12/06/2021

الحبيب الأسود

فتح النظام الجزائري الأبواب والنوافذ جميعا لقوى الإسلام السياسي كي تفوز في الانتخابات البرلمانية سواء عن طريق القوائم الحزبية أو من خلال “الإخوان” المستقلين، فيما يكاد التنافس ينحصر بينها وبين القوائم المستقلة، بعد أن قاطعت الأحزاب العلمانية والعلمانية واليسارية العريقة الاستحقاق. واستعملت السلطة قوتها في استبعاد الكثير من الشخصيات الوطنية بزعم فتح المجال أمام الشباب والجامعيين، وجعلت من القانون الانتخابي الجديد سيفا مسلّطا على التوازنات المجتمعية والسياسية السابقة، بدعوى محاربة المال الفاسد، وهي عبارة فضفاضة تستهدف الكثير من أصحاب الوجاهة الاجتماعية والنفوذ الاقتصادي.

قد يكون من السابق لأوانه القول إن الرئيس عبدالمجيد تبون يسعى إلى إهداء الجزائر للإسلاميين، ولكن الكثير من المؤشرات تثبت أنه يسير في هذا الاتجاه.

منذ أيام، كان لقاء تبون مع قناة “الجزيرة” القطرية كافيا ليعلن من خلاله عن إعادة فتح مكتبها بالجزائر بعد 20 عاما من الغلق، والموضوع لا يتعلق بقرار مزاجي، وإنما هو جزء من التحول الحاصل في رؤية النظام المستقبلية المراهنة على المحور القطري التركي الإخواني وما يمكن أن يشكله من دعم له في التصدي للحراك الشعبي الداخلي الذي يتعرض للقمع الرسمي بمساندة واضحة من الإسلاميين. وإذا كان هناك من يعتقد أن الدوحة وأنقرة قد غيرتا مواقفهما من الإسلام السياسي، فإن الحقيقة غير ذلك، والتكتيكات المعتمدة من قبلهما لتهدئة الخصومة مع مصر ودول الخليج، لا تعني التخلي عن العلاقة التي تبقى بأبعادها الاستراتيجية جزءا أصيلا من هوية النظامين التركي والقطري وخططهما العملية للتمدد في المنطقة ضمن حرب النفوذ التي تريان أنهما لا تستطيعان خوضها من خارج المشروع الإخواني بتفرعاته المختلفة.

وبأسلوب طفولي يردّ تبون على التوتر الصامت مع فرنسا بالاندفاع الكلي نحو تركيا التي قال إنها استثمرت 5 مليارات دولار في بلاده في محاولة للغمز من قناة الدول العربية الثرية، رغم أن بلاده لا تقل عنها ثراء، ولكنه ثراء خاضع لسيطرة الفاسدين ممن حولوه إلى مصالحهم الخاصة بدل أن يستفيد منه عموم الشعب. والأسبوع الماضي صدقت الجزائر على اتفاقية النقل البحري مع أنقرة، والتي كانت معلقة منذ سنة 1998، كما وصل التعاون مع نظام أردوغان إلى أعلى مراتبه، وهو ما يخدم مصالح الأتراك في رؤيتهم الاستراتيجية لشمال أفريقيا، ولاسيما لدول الساحل والصحراء حيث يدور الصراع الحاد على النفوذ، وحيث تعتمد أنقرة على مشروعها الإسلاموي في تحريك الجماعات الدينية بالشعار الذي يجد هوى لديها وهو محاربة النفوذ الاستعماري الفرنسي والذي يقول الإسلاميون إنه الوحيد الذي يتصدى لمشروعهم من خلال بعده الثقافي العلماني، وهو ما يمكن أن نلاحظه في دول مثل مالي وتشاد وبوركينا فاسو، وحتى في تونس والجزائر ذاتها.

وعندما تحدث تبون عن ليبيا كان يتبنى وجهة النظر التركية، بل وأكد أنه كان مستعدا للتدخل في الصراع القائم هناك قبل أن يتدخل أردوغان بقواته ومرتزقته لمنع ما نعته بسقوط طرابلس في أيادي المرتزقة، في إشارة إلى الجيش الوطني. وهذا التصريح لا يعني فقط موقفا من قوات خليفة حفتر، وإنما من المحور الذي كان يدعمه في تلك الحرب، وعلى رأسه مصر التي لا تزال تمثل عقدة تاريخية للنظام الجزائري، بسبب صراع الأدوار في المنطقة، رغم العلاقات الودية من الشعبين، فقد كان الهمّ الأول للنظام الجزائري في ليبيا هو عدم وصول قوة حليفة للقاهرة إلى طرابلس، فيما يرى سيطرة تركيا على الغرب الليبي أمرا طبيعيا.

كانت كلمات تبون تحمل رسالة لمصر، عندما أوضح “لما قلنا خطا أحمر، حقيقة كان خطا أحمر، فوصلت الرسالة ولم يتم احتلال طرابلس”. بالنسبة إليه يعتبر تحرير طرابلس من الميليشيات المسلحة احتلالا لا تحريرا، واستعماله لمفردة الخط الأحمر، كان ردا على اعتبار الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي منطقتي سرت والجفرة خطا أحمر، وكأن الأمر يتعلق بحرب نفوذ في ليبيا بين الدولتين المجاورتين لها غربا وشرقا.

ربما كان الرئيس تبون قد رأى في تسليم أنقرة لبلاده قرميط بونويرة مسؤول مكتب قائد أركان الجيش الوطني الشعبي الراحل الفريق أحمد قايد صالح، بعد اتصال هاتفي بينه ونظيره التركي، هدية جيدة، ولكن الأهم من ذلك، أنه بات مقتنعا بأن تركيا وقطر يمكن أن تمثلا غطاء جيدا لعلاقاته مع قوى الإسلام السياسي في بلاده، والتي يريد أن يعتمد عليها في استقرار حكمه، وفي قمع الحراك الشعبي المتهم من قبل الإخوان بأنه أصبح خاضعا للتيار العلماني. وترى السلطات في هذا الاتهام خدمة مجانية لإقناع عموم الشعب بها في ظل حالة الهوس الديني المهيمنة على المنطقة ككل، فيما استفاد الإسلاميون من قرار الأحزاب العلمانية والليبرالية واليسارية كجبهة القوى الاشتراكية (يسار)، وهو أقدم حزب سياسي معارض في البلاد، وغريمها التاريخي المجلس الوطني للتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية (ليبرالي) وحزب العمال (يسار) والحركة الديمقراطية الاجتماعية، بمقاطعة الانتخابات، للنزول إليها بكل ثقلهم من أجل الفوز بأكبر عدد ممكن من مقاعد مجلس الشعب الوطني البالغ عددها 407 مقعد.

كما أن النظام الجزائري يجد في موقف الإسلاميين ومحورهم الإقليمي من ملف الصحراء المغربية سندا له في ظل استمرار مراهنته على جبهة البوليساريو الانفصالية، ولاسيما أن هذه القضية تحولت إلى مسألة وظيفية لا يقبل التنازل عنها، رغم ما تمثله من إنهاك لبلاده وللمنطقة، ومن عرقلة تامة لمشاريع التنمية في الفضاء المغاربي، ومن تأبيد للنزاع مع المغرب يلقي بظلاله على بقية دول الجوار.

ولعل التوتر الصامت في العلاقات مع باريس خلال الفترة الماضية، والذي أدى إلى تأجيل زيارتي الوزير الأول ووزير الخارجية الفرنسيين إلى الجزائر، كان بالأساس نتاجا لموقف باريس الداعم للموقف المغربي في تقديم حل الحكم الذاتي بالأقاليم الجنوبية، وهو ما ترفضه الجزائر، ومستعدة للإبقاء على قطيعتها مع جارتها الغربية إلى ما لا نهاية. فصناعة العدو الخارجي وخاصة عندما يكون جارا، يبقى أفضل الوسائل التي يستعملها النظام للالتفاف حول المؤسسة العسكرية وللبقاء في الحكم، ولو من خلال التناسل من داخله باسم تغييرات لا تحدث على أرض الواقع. وقد يكون التحذير المصطنع من قبل تبون في مقابلته مع صحيفة “لوبوان” الفرنسية من اعتداء مغربي على بلاده، أفضل ما يمكن الاستناد إليه في تحديد معنى الفزّاعة التي تطلق مع كل حالة اختناق داخلي وخاصة من الناحيتين الاقتصادية والاجتماعية.

يخوض الجزائريون الانتخابات التشريعية، فيما يراهن النظام على نسبة المشاركة الشعبية، لكن أغلب المؤشرات تؤكد أنها ستكون ضعيفة. وضعف الإقبال وإن كان سيصب في خدمة الإسلاميين، إلا أنه سيكشف عن ضعف حضورهم في الشارع، فيما يبقى النظام في حالة عزلة داخلية يحاول أن يستعيض عنها بالسند الإخواني داخليا وخارجيا. وهو سند لا يمكن الوثوق فيه كثيرا، لأنه يبحث عن الفرصة المناسبة للاستيلاء على الدولة، أو على الأقل تقاسم حكمها مع مؤسسة الجيش في شراكة هدفها التصدي للحراك الشعبي وتطلع الجزائريين إلى ديمقراطية حقيقية ليس من الجانب السياسي فحسب وإنما كذلك من الجانب الاجتماعي عبر منح الشعب فرصة الاستفادة من ثروات بلاده ومقدراتها.

عن "العرب" اللندنية

الصفحة الرئيسية