ما هي القطاعات الاقتصادية الأربعة الأشد تأثراً بكورونا؟

ما هي القطاعات الاقتصادية الأربعة الأشد تأثراً بكورونا؟


07/05/2020

في تشرين الأول (أكتوبر) من كلّ عام، يحتفل البنك الدولي باليوم العالمي للفقر، الدّاء الذي طال أمده، ولم تشفَ البشرية بعد منه، رغم الطفرة العالمية التي تحققت بعد الحرب العالمية الثانية، إلّا أنّه، بحسب تقارير البنك الدولي؛ فإنّ ما يقرب من 2 مليار إنسان يعانون من الفقر المدقع، أي ربع الكوكب، وثمة ترجيحات أن يزداد نطاق الفقر بسبب جائحة كورونا. 

خبير لـ"حفريات": كان الاعتماد الرئيس للمصريين القدماء على النيل، لذلك كان التمركز في منطقة الدلتا هو بداية الدولة المصرية

وتوقع تقرير جديد لمنظمة العمل الدولية، أن يشهد العالم تقليصاً في الوظائف لنحو 200 مليون من الموظفين بدوام كامل في الأشهر الثلاثة المقبلة فقط. هذا التحذير يأتي بعد حوالي مدة قصيرة من توقع المنظمة تعرّض 25 مليون وظيفة للتهديد بسبب كـوفيد-19، خاصة بعد فرض إجراءات الإغلاق الكامل أو الجزئي في العديد من الدول، وما حمله ذلك من تأثير على نحو 2.7 مليار عامل، أي 4 من بين كل 5 من القوى العاملة في العالم.
وأضاف أنه بالرغم من أنّ جميع المناطق في العالم تعاني من الأزمة التي تسبب بها الفيروس، شهدت الدول العربية وأوروبا أسوأ تأثير في مجال التوظيف من ناحية نسبية. وأكبر الخسارات من ناحية الأرقام تتركز في دول آسيا والمحيط الهادئ وهي أكثر المناطق المأهولة بالسكان في العالم.

الجوانب الفكرية في مختلف النظم الاجتماعية
وقال غاي رايدر، مدير عام منظمة العمل الدولية، في تصريحات من جنيف، إنه في بداية العام وقبل أن يتفشّى كـوفيد-19 في العالم، التحق 190 مليون شخص بصفوف البطالة.

اقرأ أيضاً: "تحدي الخير" في مصر: فيروس الفقر أخطر من كورونا
وأضاف أنه مع الصدمة التي أحدثها الفيروس، فمن "الواضح للعيان" أنّ عالم التوظيف يعاني "من تهاوٍ غير عادي على الإطلاق" بسبب تأثير الجائحة والتدابير المتخذة للتعامل معها.

 

 

عاملون في أربعة قطاعات هم الأكثر تأثراً بسبب المرض وتراجع الإنتاج: قطاع الغذاء والفنادق (144 مليون عامل)، قطاع البيع بالجملة والتجزئة (582 مليوناً)، قطاع خدمات الأعمال والإدارة (157 مليوناً)، وقطاع التصنيع (463 مليونا).

ويشير مدير منظمة العمل إلى أنّ جميع هذه القطاعات تشكل ما نسبته 37.5% من التوظيف العالمي، ويشعر العاملون في هذه القطاعات أكثر من غيرهم الآن بحدّة تأثير الجائحة عليهم، وبأنهم سينضمون إلى جموع الفقراء.

 توزيع الثروة يتمّ بشكل مماثل في كلّ الثقافات والحضارات على حدّ سواء
كيف بدأ الفقر؟
في تقرير للبنك الدولي، بعنوان "الفقر والرخاء المشترك"، عام 2018، افتتحه رئيس البنك الدولي، جيم يونغ كيم، بمقدمة عن الفقر، مفادها؛ أنّ الفقر لا يعني قلة الدخل المادي فحسب، بل إنّه وبمقومات عالمنا الحديث، يشمل فقر الخدمات التعليمية والصحية، والسكن الجيد، والفرص الحياتية العادلة لأفراد المجتمع، إذاً فإنّ قياس مستوى الدخل لتحديد موقع أحدهم من خريطة الفقر لم يعد مجدياً، لكن بالرجوع إلى تاريخ الإنسان على الأرض، يبدو أنّ الفقر مصطلح حديث نسبياً، فتاريخ العالم الذي نعرفه اليوم لا يتعدى عمره 10 آلاف عام، لكن أيضاً عمر الإنسان المنتصب "الهومو إريكتوس"، يمتدّ إلى ثلاثة ملايين عام على هذه الأرض، لم يعرف فيها هذا الإنسان الملكية الخاصة والفردية، بل ساد نوع من التضامن، والمشاعية نشأت من ضغط الطبيعة التي تكاتف البشر معاً لمواجهتها، والتي لم تسمح بوجود فائض إنتاجي يمنح فرصة استغلال عمل الآخرين كما حدث لاحقاً؛ حيث ينصبّ العمل بأكمله على تلبية الحاجات الضرورية؛ حيث دافعها صراع البقاء، وكان البطل فيها صراع الإنسان والطبيعة، الذي تحوّل لاحقاً لتماهي بدت تجلياته في السحر، كأداة للتواصل مع هذه القوى الخفية التي لم يفهمها الإنسان بعد.

أراحت الزراعة الإنسان من ديمومة الصراع مع الطبيعة، وأوقعت الكثير في شرك الرقّ الذي تتخلصت منه البشرية حديثاً

في كتاب بعنوان "الجوانب الفكرية في مختلف النظم الاجتماعية"، أرّخ الفيلسوف المصري، الدكتور فؤاد زكريا، لماهية المجتمعات البدائية، والتي عرفت المشاعية في الموارد المتاحة؛ حيث لم تتعقد وسائل الإنتاج بعد، لتنتج أنماطاً إلّا بعدما عرف الإنسان الزراعة، ومن الزراعة جاءت الملكية الخاصة، التي كانت أول طريق البشرية نحو العبودية، أراحت الزراعة الإنسان من ديمومة الصراع مع الطبيعة، وأوقعت الكثير في شرك الرقّ، الذي لم تتخلص منه البشرية إلّا حديثاً، وبعد أن عاش البشر ملايين السنين في مساواة الفقر، بدأت بذور الانقسام الطبقي، مع تصاعد وسائل الإنتاج، ووجود الفوائض التي امتلكها الأقوياء القادرون على إخضاع الضعفاء، وكان الرقّ هو أقصى درجات الطبقية التي وصلت إليها البشرية، لكن وبحسب زكريا، بالنظر إلى المجتمع المصري القديم؛ فإنّ الحضارة قد بنيت على كواهل سلطة استبدادية مطلقة مكونة من الكهنة والحكّام المنفصلين تماماً عن عامة الشعب، أمّا المجتمع اليوناني القديم فكان النموذج الأكثر تجلياً لفداحة الرقّ، إلّا أنّه يراه أكثر فائدة من سلطة الكهنوت التي احتكرت العلم والفنون، ولم يكن للشعب منها نصيب.

يحاول ووكر التأكيد في كتابه على أنّ الفقر هو أحد روافد السياسات التمييزية بين البشر

دولة الفقر
في مقال نشرته مجلة "نيتشر" للعلوم، عام 2002، حول الفقر في مصر القديمة، مقارنة مع الحضارات التي قامت في الوقت ذاته، يوضح أنّه لم تكن هناك طبقة وسطى في ذلك العصر، وتتمحور الدراسة في مدينة تل العمارنة التي أنشأها الملك أخناتون، والتي تُظهر كيف كانت البيوت فقيرة، ويمكن استشعار ذلك من المساحات الضيقة التي لم تتجاوز 60 متراً لكلّ منزل، تبنَى من الطوب الطيني، بينما على الجانب الآخر، وفي عزلة تامة، توجد قصور الملوك ومعابد الآلهة وبيوت الكهنة، الذين يمثلون أعلى سلطة سياسية للبلاد، وعام 1897؛ ظهر عالم الاجتماع الإيطالي، فيلفريدو باريتو، بفكرة أنّ توزيع الثروة يتمّ بشكل مماثل في كلّ الثقافات والحضارات على حدّ سواء، وبالفعل فإنّ الفجوة في توزيع الثروة تمّ تطبيقها على مدينة أخناتون، لكنّها لم تقدّم نتائج، إذ لم يكن هناك سوى أغنياء وفقراء فقط، ويورد أستاذ الرياضيات في جامعة الزقازيق، عادل أبو المجد، في كتابه "توزيع الثروة في المجتمع المصري القديم"؛ أنّ التفاوت الطبقي حدّ الانقسام في مصر  القديمة، يتجلى من حفريات المدن القديمة.

اقرأ أيضاً: الفقر في أفريقيا: كيف استعادت القارة السمراء مسيرتها التنموية؟

يشير أبو المجد إلى منازل القرن الرابع عشر قبل الميلاد، والمكتشفة في القرن التاسع عشر ميلادياً، في المنيا وطيبة وإخميم، لذلك أكدت دراسته على قلة ملاك الثروات في مصر القديمة، لم يقتصر الأمر على مصر وحدها، بل شاركتها المدن القديمة في الهند والصين واليونان وروما، بحسب كتاب "عار الفقر" للمؤرخ الأمريكي، روبرت ووكر، الذي يقدّم دراسة لفقر الحضارات القديمة، بداية من الهند والصين وبلاد فارس انتقالاً لحضارات البحر المتوسط التي تشاركت جميعها في سيطرة الكهنة ورموز الدين على السلطة السياسية والثروة، ربما كانت روما أول من تخلص من ذلك؛ بسبب ثورات العبيد، التي لم تكن متاحة في أماكن كمصر والهند، حيث الفصل التام بين الحكام والمحكومين، لكنّ ووكر يحاول التأكيد على أنّ الفقر هو أحد روافد السياسات التميزية بين البشر، وليس شيئاً لا يمكن تغييره، وما حاول ترسيخه وتعزيزه قديماً كان اندماج الكهنوت بالملكية، لكنّه يرى أنّ أحد أوجه العار في الفقر؛ أن يسقط الكهنوت بينما يتصاعد الفقر، الذي لم يقدم العلماء شيئاً جاداً حول آثاره النفسية والعقلية وكلفته البيئية على الجميع دون استثناء.

 

 

ما أشبه اليوم بالبارحة
يؤيد مدرس التاريخ والآثار الفرعونية، بجامعة الإسكندرية، الدكتور أحمد حمدي حسين، ما طرحه أبو المجد حول فقر المصريين القدماء، مضيفاً بعض التعليقات في حديثه مع "حفريات": "كان الاعتماد الرئيس للمصريين القدماء على النيل، لذلك كان التمركز في منطقة الدلتا هو بداية الدولة المصرية التي مرت بعدة مراحل اختلفت فيها التوزيعات الاقتصادية، فهناك فترات من الجفاف التي قلّ فيها منسوب النيل، دفعت القيادة السياسية إلى الوحدة، واتّحدت الممالك القديمة معاً، لتكون المرحلة الوسيطة وعصر الأسرات، الذي نتجت عنه التقسيمات الطبقية، الناتجة عن تقسيم العمل، وزيادة موارد الدولة، والبدء في إنشاء دواوين، وحتى تتمّ السيطرة على كلّ هذه الأمور معاً؛ كان الكاهن هو اللاعب الأساسي بلا منازع، وبالنظر إلى ثورات العمال في طيبة، والعديد من الحفريات التي تحدثت عن ثورات، نجد أنّ التباين الطبقي الفجّ شيء لا يمكن إنكاره في مصر القديمة، ولكنّه لم يكن شكلاً واحداً"، وبالمثل كانت روما القديمة، إلى جانب جارتها مصر، فضّلت استيلاء النخبة على الثروات، ورغم أنّ اقتصاد روما كان زراعياً متخلفاً محدود الإنتاج، إلّا أنّ الفقر قد تركّز في المدن تحديداً روما.

اقرأ أيضاً: نسبة الفقر المدقع تتضاعف في المنطقة العربية

يقدّم المؤرخ الأمريكي، ناثان روزنشتاين، من جامعة نورث كارولينا، في كتابه "روما والبحر المتوسط: الجمهورية والإمبراطورية"، نظرة عن قرب عن المجتمع الروماني قديماً، فالفقر السائد في روما تداخلت عدة عوامل لإيجاده، أهمها آثار الخدمة العسكرية على الهياكل الديموغرافية والإنتاجية، ما أسفر عن قلة في الأيدي العاملة منعتهم من التحسّن والتوسّع الاقتصادي، ما جعل فرصة الاهتمام بالزراعة أقل، وتقليص المساحات الزراعية أمر شائع، جعل الحلم هو الهجرة من القرى إلى المدينة، على أمل إيجاد فرص أفضل، لكن هذا ما أدّى لتوسّع دائرة الفقر، التي لم تسلم روما من الثروات المستمرة بسببها؛ ويبدو أنّه ليس من اختلاف كبير في الإدارة السياسية، بين حكام العصور الغابرة، وحكام اليوم، فالسلطة والنفوذ تتمركز في أيادي محدودة، على أمل أن تقطر بعض الغيث على من هم أسفل، لكنّ الجديد؛ أنّ الفقر أصبح علماً وديناً وحياة يصعب على كثيرين أن يتخيّلوا عالمنا بدونها.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية