ما هو الإطار القانونيّ لصراعات الفضاء في المستقبل؟

ما هو الإطار القانونيّ لصراعات الفضاء في المستقبل؟

ما هو الإطار القانونيّ لصراعات الفضاء في المستقبل؟


كاتب ومترجم جزائري
25/02/2024

ترجمة: مدني قصري

لماذا نتساءل عن أهمية تطبيق قانون الحرب في الفضاء؟ لماذا التفكير في تطبيق قانون تمت كتابته لحماية المدنيين على الأرض في النزاعات المسلحة، على مساحة غير مأهولة حالياً وسلمية في الظاهر؟

أسئلة غالباً ما نواجهها، كعلماء قانونيين. ومع ذلك، هل ينبغي لنا أن نهمل الموضوع وننتظر حتى فوات الأوان، فنتنهد ونتحسر ونقول "آهِ لو علمنا، لكننا قد أشرنا إلى هذه العمليات الفضائية من أجل حماية السكان المدنيين"؟

من الذي سيتحمّل العواقب الوخيمة إذا تحققت مخاطر الصراع: ماذا عن هجوم فضائي يؤثر على الأقمار الصناعية الضرورية للاتصال والتحكم في الإنترنت؟

قبل بضع سنوات، نظراً لصعوبات الوصول إلى الفضاء، كان ما يزال بالإمكان عدم التساؤل حول هذه الأسئلة. لكن الوضع اليوم تغيّر؛ إنه لمن النفاق المطلق ارتداء الغمامات وعدم الرغبة في الاعتراف بأننا نشهد تطورات تكنولوجية لا تصدَّق، ناهيك عن الاختراقات التكنولوجية التي تدعو إلى التفكير في نشاط فضائي كثيف بشكل متزايد، بالتالي، التفكير في تحويل هذا الفضاء المسالم إلى مسرح جديد لصراعات محتملة.

أمام مثل هذا السياق المتغير ماذا علينا أن نفعل؟ هل يجب أن نظل مرتبطين بهذه المعاهدات الدولية الصالحة (والمدروسة جيداً في الوقت الذي كانت فيه)، التي تدعو إلى السلام بدلاً من الحرب، دون أن نجرؤ على ملاحظة أنّها في حاجة اليوم إلى تحديثٍ حتى تظل فعالة؟ 

إنّ التفكير في تحديثها، أو دعمها بأدوات قانونية أخرى، لا يعني إنكارها، ولا تشويهها. على العكس من ذلك، يبدو لنا، كما هو الحال مع كل شيء عزيز علينا، أنّه من واجبنا رعايتها حتى نتمكن من الاستمرار في رؤيتها متألقة، مرّة أخرى، لفترة أطول، إلى أن تحين التكيفات التالية. يبدو أنّه في سياق "الفضاء الجديد" هذا لا يمكننا أن نأمل في أن تتكيف الحقائق الجديدة مع القانون فحسب، بل يجب أن نعترف بأنّ القانون يجب أن يتكيف معها أيضاً.

في كثير من الأحيان، تكون المقارنات مع موضوع نعرفه، أكثر دلالة؛ خذ، مثلاً، ظهور صناعة السيارات، التي تعود بوادرها الأولى إلى حوالي 150 سنة.

 عام 1873؛ أحدث ظهور السيارة الأولى ثورة في علاقة الناس بالزمان والمكان. إنّها سيارة Obéissante (هذه الكلمة تعني "المطيعة" بالعربية)، سيارة بخارية صمّمها الأمريكي أماديه بوليه Amédée Bollée 1847 – 1917. 

في عام 1886، قام الألماني كارل بنز بتزويد دراجة ثلاثية العجلات بمحرك احتراق داخلي يعمل بالبترول، هذه الدراجة ثلاثية العجلات، التي تحتوي على علبة تروس، وصلت سرعتها إلى 15 كم / ساعة.

في تلك الفترة، في ذلك السياق بالذات، هل كان من غير المناسب التفكير في قدرة الوصول إلى سرعات تصل إلى 300 كم / ساعة بالسيارة؟ بالتأكيد . ولو وُضِع قانون آنذاك يحظر عبور مراكز المدن بسرعة تزيد عن 50 كم/ ساعة هل كان سيثير الضحك؟ بدون شك، في المقابل؛ إذا كان علينا أن نجيب عن هذه الأسئلة نفسها بعد سنوات، على سبيل المثال في سنوات الـ 2000، بعد إعلان رهيب عن حادث مروري مميت تَسبّب فيه سائق متهور أثناء اصطدامه بزوجين متقاعدين، فهل ستكون الإجابتان عن هذين السؤالين هما نفسيهما؟ بالتأكيد لا، كنا سنجيب بأنّه من حيث المبدأ كان ينبغي منع وقوع مثل هذه المأساة.

اقرأ أيضاً: أنظار العالم تتجه إلى الإمارات... مسبار الأمل بصمة عربية في الفضاء الخارجي

وينطبق الشيء نفسه فيما يتعلق بالفضاء وملاءمة التساؤل حول قابلية تطبيق قانون الحرب. 

الخيال

في ملحمة Star Wars، تعطينا الحلقة الرابعة فكرة عن أهمية تأطير العمليات العسكرية في النزاعات المسلحة بموجب القانون الدولي الإنساني.

يهدّد أحد أمراء الحرب، اللورد تاركين (Tarkin) الأميرة لِيا (Leia) بتدمير كوكبها الأصلي إذا لم تكشف له الموقع الجغرافي لقاعدة متمردة.

"تاركين: [...] حين يرون قوتنا سيستسلمون دون تردّد... أنتِ نفسك من قررت الكوكب القابل لأن يكون مثالاً، وبما أنك ترفضين بنبلٍ جمٍّ أن تخبرينا أين توجد قاعدة المتمردين، فقد اخترتُ أن أختبِر  قدرات تدمير أسلحتي على كوكبك الجديد "ألْديران" Alderaan.

ليا: لا! ألْديران طوكب سلمي، ليس عندنا أسلحة ، مستحيل...

تاركين: هل تفضلين هدفاً عسكرياً آخر؟ إذاً قولي أين هي القاعدة؟ أجيبي. لقد سئمت من طرح هذا السؤال. إذاً، للمرة الأخيرة... اعترفي، قولي: أين قاعدة المتمردين؟".

ولأنّ ردّ فعل الأميرة لم يُرضِ القائد العسكري، فقد نفّذ تهديده، وهكذا دُمِّر كوكب ألْديرانْ (Alderaan)، الذي يشبه أرضنا، تماماً.

لحسن الحظّ أنّ هذا مجرد خيال، وقانونُنا والمدافعون عنه يضمنون بقاءه كذلك، يدافع القانون الدولي الإنساني عن مبدأ أنّ وسائل وأساليب الحرب ليست بلا حدود، يجب أن يحترم أيّ هجوم ما لا يقل عن خمسة مبادئ أساسية، هي: الإنسانية، والتمييز، والحذر، والتناسب، وأخيراً، حظر الأضرار الزائدة والمعاناة غير الضرورية.

الواقع

لقرون طويلة، جعلت فكرةُ السفر في الفضاء، الناسَ يحلمون، من الأصغر إلى الأكبر. كما تحلم الدول، من جانبها، بالسيطرة الفضائية، أي امتلاك القدرة على التحكم السيادي في الوصول إلى الفضاء، والتنقل في هذه البيئة، واستغلالها لأغراض السيطرة.

الفضاء أصبح مسرحَ عمليات، لذلك يراه البعض "ساحة معركة جديدة". أي أنّ القوى الفضائية تدرس الهجمات التي قد تنشأ في الفضاء

يثير منظور "غزو الفضاء المهيمن" هذا قضايا وأسئلة جيوسياسية، لا سيما في مجالات الدفاع والقانون.

القضية الأولى هي ما إذا كان هناك "قانون فضاء" يضع شروطاً لاستغلاله، أو "الحق في الفضاء" يسمح للناس بالعمل هناك بالشكل الذي يرونه مناسباً.

الجواب (يبدو؟) واضحاً تماماً: قانون الفضاء موجود على الأقل منذ الستينيات، مبادؤه هي: حرية استغلال الفضاء واستكشافه، لكن استخدام الفضاء، والأجرام السماوية الأخرى يجب أن تكون سِلميّة، وأن تكون في مصلحة كل الإنسانية؛ لذلك، فإنّ هذا الحق مكتوب بعبارات جدّ غامضة، مما يسمح لنا بإعطائه أحياناً دلالة صارمة، وأحياناً دلالات مرنة.

وبعد معرفة هذا؛ كيف نفسّر العمليات الفضائية العسكرية التي تشهد عليها الأخبار بشكل متزايد:

هل يجب القول إنّه من العبث طرح موضوع حرب الفضاء وعواقبها على أبناء الأرض؟ تقودنا هذه الأسئلة إلى المسألة الثانية التي سنناقشها هنا: ما هو القانون الذي يمكن تطبيقه في نزاع فضائي حقيقي؟

يثير هذا السؤال مجموعة متنوعة من الردود، والتي يمكن تصنيفها بإيجاز في اتجاهين رئيسين؛ هناك من يعتقد أنّ الصراع الدولي المسلح في الفضاء (IACS) هو خيال علميّ بحت، وبالتالي فإنّ قانون الحرب (القانون الدولي الإنساني) غير قابل لأن يُدرَس هنا؛ وهذا هو الحال مع واضعي اتفاقيات جنيف، الذين غطوا في ذلك الوقت المجالات البرية والبحرية والجوية، لكنّهم لم يشملوا الفضاء، ثم هناك من يعتقدون العكس تماماً.

يمكننا التوقف عند هذه المعاينة القدَريّة الحتمية إلى حدّ ما، لكن هذه المرة، الأنباء تفرض علينا توقُّعَ الإجابة؛ لذلك يجب أن نجيب على السؤال الآتي: هل نحن اليوم في حالة سلام، أم في حالة صراع (نزاعات) في الفضاء، والتي، إذا لزم الأمر، يجب مراقبتها وتأطيرها؟

للإجابة عنها، لا بدّ من بعض التبصر المستقبلي، بالتأكيد، لكن حول احتمالات يمكن أن نتخيل بشكل مشروع إمكانية حدوثها قريباً.

اقرأ أيضاً: بانوراما 2020: تعرّف إلى 9 من أبرز الأحداث المُتعلّقة باستكشاف الفضاء

بعض القضايا القانونية الفورية

يبدو أنّ الفضاء يمثل قضية إستراتيجية قوية لقوى اليوم والغد، تخصّص الولايات استثمارات ضخمة في هذا المجال، لكن، وهذه حقيقة لافتة، العديد من الشركات الخاصة، ولا شكّ في أنّ هذا التطور ستكون له عواقب مهمة على مستقبل البشرية، ولن تكون هذه العواقب بالضرورة مرادفة لدراما كوكبية، لكن كلّ ما سيجري في الفضاء سيكون له تأثير مباشر على النزاعات على الأرض، وبالفعل على "أساليب الحرب".

أحد الجوانب الرئيسة مرتبط بصعوبة التمييز بين العمليات العسكرية والعمليات المدنية في الفضاء، وضمناً، تحديد الهدف الذي يجب الوصول إليه في نزاع مسلح في الفضاء، مع احترام مبادئ القانون الإنساني الدولي. فالسؤال: كيف يمكن الحصول على ميزة عسكرية كبيرة مع الحفاظ، في الوقت نفسه، على الأصول الفضائية المدنية؟

تثير الازدواجية المتأصلة في العمليات الفضائية العديد من المشاكل فيما يتعلق بتطبيق المبادئ المتأصلة في "سلوك الأعمال العدائية" بالمعنى المقصود في القانون الدولي الإنساني، نبدأ بهذا السؤال الأساسي: منذ متى بالتحديد يجب اعتبار أيّة عملية فضائية عمليةً معادية؟ لأنّه فقط من تلك اللحظة بالذات يمكن النظر في تطبيق القانون الدولي الإنساني، للتحكم فيما يمكن أن نعدّه عندئذٍ صراعات مسلحة عالمية "CAI"، قبل هذا الوصف لا يملك القانون الدولي الإنساني صفة التطبيق؛ لذلك فإنّ القاعدة التي تحظر استخدام القوة (ميثاق الأمم المتحدة ، المادة 2§4) هي التي يجب أن تسود.

على أيّة حال، تُظهر الحقائق أنّ المصلحة السياسية والعسكرية تملي علينا أن نراقب الفضاء أكثر من أن نفكر في غزوه، الغزو الذي يمرّ اليوم عبر سياحة الفضاء، أو مغامرات الاستكشاف الأخرى (بصرف النظر عن الاستكشافات العلمية الحكومية) يخضع أكثر لاختصاص الشركات الخاصة التي تتكهن بالمزايا الاقتصادية المحتملة (سبيس إكس ، ستارلينك ، بلو أوريجين).

أما  مراقبة الفضاء فهي من ناحيتها ضرورية لتحقيق التفوق العسكري وبالتالي الأمني.

أولاً؛ الفضاء هو المكان الذي تمرّ فيه جميع البيانات الجيوستراتيجية والتقنية التي قد تكون مرتبطة بهجوم أثناء قتال بري وجوي وبحري. هذه الهيمنة المكانية تجعل من الممكن مراقبة كلّ ما يتحرك ويتقرّر على الأرض، وهو ما يوفر تفوقاً تكتيكياً حاسماً على الطرف الذي يكون في حالة صراع والذي يمثل قوة فضائية، وبهذا المعنى، أصبح الفضاء وظيفياً منذ أوائل الخمسينيات، وبشكل أكثر تحديداً، منذ فترة الحرب الباردة.

اقرأ أيضاً: الفضاء 2071 قوة إماراتية عظمى

ثم الجديد في الأمر هو أن الفضاء من دوره الوظيفي أصبح مسرحَ عمليات، لذلك يراه البعض "ساحة معركة جديدة". أي أنّ القوى الفضائية تدرس الهجمات التي قد تنشأ في الفضاء، و / أو التي من شأنها أن تؤدي إلى تحييد الأهداف العسكرية في الفضاء (قمر صناعي على سبيل المثال)، وفي الآونة الأخيرة، في 29 كانون الأول (ديسمبر) 2020، عندما تمّ وضع قمر المراقبة العسكرية الفرنسي "CSO-2" في المدار، أوضح وزير القوات المسلحة أنّ هذه العملية شاركت في "تحديث قدراتنا الدفاعية الفضائية، وهو أمر حاسم بالنسبة للسيادة الوطنية والاستقلال الإستراتيجي لأوروبا".

الرهان كلّه هنا هو ربط الحقائق والنوايا (الهجمات الفضائية) التي كانت بالأمس خيالية، بقواعد القانون المصممة لأعمال ملموسة (الأعمال العدائية المرتكبة في المسارح التقليدية، والتي تعرض حياة السكان المدنيين للخطر)، وكلّ هذا من أجل تصوّرِ مستقبل سلمي للإنسانية التي، على الرغم من عدم وجودها في الوقت الحالي، بالقرب من ساحة المعركة الجديدة (الفضاء)، فهي خاضعة بشكل كبير للتفاعلات بين هذا الفضاء والأرض، ومن ثم من الذي سيتحمّل العواقب الوخيمة إذا تحققت مخاطر الصراع: ماذا عن هجوم فضائي يؤثر على الأقمار الصناعية الضرورية للاتصال والتحكم في الإنترنت بالنسبة للعديد من الأفراد؟

قابلية القانون الدولي الإنساني على التكيف

لذلك، فالفضاء في متناولنا؛ "الحدود" الوحيدة التي يجب الوصول إليها لا يتم حسابُها بالمسافة التي يتم قطعها بقدر ما يتم حساب التقدم التقني الذي يتعين إحرازه، بالتالي، فإنّ الحدّ الوحيد هو الحدّ الذي تفرضه براعة الإنسان في تطوير تقنيات أكثر ابتكارًا من أي وقت مضى.

لا يتطلب الأمر الكثير حتى يصبح طموح الإنسان وأحلامه أمراً مشؤوماً على كلّ ما يحيط به؛ لأنّ "جوهر الطموح ليس إلا ظِلّ حُلم" (كما قال شكسبير، وهاملت). كل ما نراه اليوم عن الفضاء يتناسب تماماً مع هذه الفكرة؛ لدى الرجال طموح لتحقيق مشاريع غامضة، وخبرات تنطلق من خيال الأسلاف الجماعي، نحن نشهد إنجازات ممكنة بفضل الاختراقات التكنولوجية في عصرنا، ونحن على أعتاب بدايات عظيمة، وربما يمكننا أن نفرح بها، ومع ذلك، يجب توخي الحذر لضمان أن تظلّ هذه الطموحات القديمة، إذا تحققت، ظِلاً لأحلام الإنسان، دون أن تُظلِم مستقبله.

مصدر الترجمة عن الفرنسية :

theconversation.com


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية