إدلب في الصراع الدولي

إدلب في الصراع الدولي


15/02/2020

رياض نعسان أغا

يعتقد كثير من المتابعين أن ما يحدث في إدلب الآن ينذر باحتمال نشوب حرب عالمية، إذا فلت الزمام من يد أحد اللاعبين، ولكن الجميع يحرصون اليوم على ألا ينفجر الصاعق الدولي، ومن المؤكد أن قادة العالم اليوم يدركون أن نشوب حرب عالمية سيدمر الكرة الأرضية لأن البشرية لم تنجح في شيء يفوق ما حققته في صناعة الموت.
ولسوء حظ إدلب التي كانت تسمى (المدينة المنسية) فقد باتت الأشهر في كونها ساحة موت، حيث تضم اليوم أكثر من أربعة ملايين مواطن سوري هم اليوم رهائن مهددون. وتبدو المفارقة مدهشة حيث يهرب المواطنون السوريون ويتشردون في الحقول والبراري والجبال ويحتشد أكثر من نصف مليون سوري منهم أمام الحدود التركية، خوفاً من الإرهابيين ومن «هيئة تحرير الشام» وأمثالها، ومن حالة الفوضى التي عاشوا فيها منذ أن تمكنت «النصرة» من بسط سطوتها وقتلت واعتقلت الآلاف، وهرب من بطشها الناجون، حين كانت تجد دعماً خفياً وعلنياً، لتتاح الفرصة للتنظيمات المتطرفة بأن تمسك بزمام القيادة، وتعلن ما يشبه الإمارة الدينية.
واليوم تطرح حالة النزوح والهروب والخوف سؤالاً خطيراً، مؤداه: ما سر الخوف العام من استعادة محافظة اختطفتها تنظيمات متطرفة يكرهها الشعب، وقد عبر عن رفضه لها في سيل من المظاهرات الدامية أحياناً؟
لقد قلت ذات يوم قريب في إحدى الفضائيات وأمامي خريطة لسوريا التي حوّلتها الصراعات الإقليمية والدولية إلى كانتونات نفوذ دولية (إنني أتطلع إلى يوم تعود فيه سوريا كلها إلى سيطرة الدولة السورية، وإلى إنهاء الاحتلال وتقاسم النفوذ) وأنا لست مع أن تخرج أية منطقة من سوريا عن السيادة الوطنية، لكن هذا لا يمكن أن يحدث بإرادة شعبية مع بقاء القتل والتدمير.
وما يحدث اليوم في إدلب من تصاعد الهجوم بدل خفض التصعيد، ومن دخول قوات تركية، ينذر بخطر انفلات الصاعق الدولي، ومن احتمال تصاعد الصراع الذي كان مضبوطاً بين تركيا وروسيا وإيران والولايات المتحدة وحلف «الناتو» بعد إخفاق اتفاقيات آستانة وسوتشي التي كنا ندرك بأنها فاشلة، لأن لكل دولة فيها هدفاً مختلفاً عن الأخرى، وقد واكب هذا الانهيار خلل يجب إصلاحه فوراً في انفراط عقد مؤتمر الرياض الذي بات بحاجة إلى ترميم كي نستعيد دوراً عربياً فاعلاً، وقد بدأ الخلل منذ أن انفرط عقد مؤتمر الرياض الأول الذي كان يشكل كتلة صلبة، متشبثة بمسار جنيف وحده، وبحقوق الشعب السوري كاملة، ومؤمنة بأهمية الدور العربي وبتمتينه، ورافضة لأية تبعية.
ومرة إثر مرة أدعو أشقاءنا العرب إلى استعادة دورهم كما كان متيناً، في التعامل مع الأزمة السورية، وإلى تعزيز دفاعهم عن الشعب السوري، وعن حقه في الحياة الحرة الكريمة، وهم يدركون أن سوريا هي بوابة الأمن العربي.

عن "الاتحاد" الإماراتية



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية