ما السيناريوهات المستقبلية المحتملة للصراع بين اتحاد الشغل والرئيس التونسي؟

ما السيناريوهات المستقبلية المحتملة للصراع بين اتحاد الشغل والرئيس التونسي؟

ما السيناريوهات المستقبلية المحتملة للصراع بين اتحاد الشغل والرئيس التونسي؟


22/01/2023

في ظل شبه يقين بأنّ الرئيس التونسي قيس سعيّد لن يقبل مطلقاً بالجلوس على طاولة الحوار مع أطراف سياسية بعينها، يضغط الاتحاد العام التونسي للشغل، أكبر منظمة نقابية في تونس، لتمرير مبادرة حوار كان قد اقترحها مؤخراً، وقال إنّ الهدف منها هو الخروج من الأزمة الراهنة، من خلال التلويح بورقة الشارع حيناً والتهدئة حيناً آخر.

وبعد فترة من المهادنة، دخل الاتحاد العام التونسي للشغل، المنظمة التي تمتلك أكبر قاعدة اجتماعية في البلاد، في معركة ليّ أذرع مع السلطة ممثلة في الرئيس سعيّد، من بوابة رفض قبول الحكومة بشروط يطرحها صندوق النقد الدولي في مفاوضات متعثرة للموافقة على برنامج تمويل بنحو (1.9) مليار دولار تحتاجه تونس بشدة في مواجهة أزمة مالية طاحنة.

المبادرة في طريق مسدودة

باعتبار الطبيعة السياسية غير التقليدية لتفكير الرئيس التونسي، لا يمكن التنبؤ بما قد يحدث خلال الأيام القادمة، تحديداً بعد الرسائل التحذيرية التي بعث بها نور الدين الطبوبي الأمين العام لمنظمة الشغيلة الجمعة إلى السلطة، وإعلانه عزم المنظمة تعديل بوصلة المسار الحالي، لكنّ أغلب القراءات تذهب إلى أنّ سعيّد لن يقبل بالمبادرة.

دخل الاتحاد العام التونسي للشغل، المنظمة التي تمتلك أكبر قاعدة اجتماعية في البلاد، في معركة لي أذرع مع السلطة ممثلة في الرئيس سعيّد

يُذكر أنّ سعيّد رفض منح النقابة دوراً سياسياً كانت تلعبه في السابق يمكّنها من التحكم في سياسات الحكومة وبرامجها، وهو ما يفسّر، بحسب مراقبين، تشدد الطبوبي في مواقفه، خاصة بعد عودته من لقاءات أوسلو، التي يفترض أن تكون قد تمّت فيها مناقشة بناء الثقة التي تسبق الحوار الوطني الذي يسعى له الاتحاد.

في الأثناء، ما يزال قصر قرطاج صامتاً عن مبادرة اتحاد الشغل، حتى أنّ الرئيس لم يتفاعل مع المبادرة، أو مع غيرها منذ عام 2020.

دخل الاتحاد العام التونسي للشغل في معركة ليّ أذرع مع السلطة ممثلة في الرئيس سعيّد

وتعاني تونس أزمة اقتصادية ومالية، احتدّت جراء تداعيات جائحة كورونا والحرب في أوكرانيا، وتسعى للخروج من هذا الوضع من خلال اتفاق مع صندوق النقد، لكنّ اتحاد الشغل يعارض هذه الخطوة، ويهدد بالتصعيد.

الاتحاد بين المهادنة والتصعيد

هذا، وأكد الطبوبي أنّ مبادرته التي أطلقها مع هيئة المحامين والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان والمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية تسعى إلى "فتح طريق جديد يعيد البلاد إلى سكة البناء الديمقراطي والمؤسساتي، ويضعها من جديد على طريق التنمية والعمل والبناء، بعيداً عن كل مظاهر الاستبداد أو العودة إلى الحالة التي كانت عليها البلاد قبل 25 تموز (يوليو) 2021".

الطبوبي: الشعب حتى لو منح ثقته، فإنّ ردود أفعاله دائماً مدروسة

 وعبّر عن استعداده "لإسقاط كل البرامج والسياسات التي تهدف إلى تعميق الفوارق الاجتماعية، أو المسّ بقوت الفئات الشعبية، أو إنهاء المرفق العام بغرض تصفيته أو خصخصته".

تعاني تونس أزمة اقتصادية ومالية، احتدّت جراء تداعيات جائحة كورونا والحرب في أوكرانيا

وحذّر الطبوبي من "ردود الفعل الشعبية"، قائلاً: إنّ "الشعب حتى لو منح ثقته، فإنّ ردود أفعاله دائماً مدروسة"، مضيفاً: "من غير المقبول أن يتم العودة بتونس إلى القرون الوسطى"، متوجهاً إلى السياسيين برسالة مفادها أنّ "تونس تنادينا جميعاً، ويجب أن نتجاوز الأحقاد"، مشدداً على "أنّه لا يمكن البناء بقرار فردي، كما أنّه لا أحد يملك الحقيقة الكاملة".

وأكد في تصريح سابق أنّ حالة العزوف التي شهدتها الانتخابات التشريعية هي رسالة لكل الطبقة السياسية تظهر إحباط ويأس التونسيين، لافتاً إلى أنّ الاتحاد لن يكتفي برفع الشعارات، وقد برهن في العديد من المناسبات على قدرته على فرض كلمته، في إشارة إلى سلاح الإضرابات الذي أثبت فاعليته في شلّ الاقتصاد.

بدوره، قال الأمين العام المساعد للاتحاد حفيظ حفيظ في تصريح إعلامي خلال إشرافه بولاية (محافظة) صفاقس على اجتماع المجلس الجهوي للاتحاد: إنّ البلاد تعرف انقساماً بين (3) أطراف: الأول يعتبر أنّ مسار 25 تموز (يوليو) انقلاباً، والثاني يرحب به ويسانده دون نقاش، والثالث ومن ضمنهم اتحاد الشغل يدعمه، ولكن يتحفظ على عدد من توجهاته. 

الأمين العام المساعد للاتحاد حفيظ حفيظ

وأعلن أنّه لن يتحاور مع الأطراف التي تعتبر مسار تموز (يوليو) انقلاباً خلال مبادرته الهادفة إلى تجاوز الأزمة الحادة التي تمرّ بها تونس.

سيناريوهات محتملة

وفي ضوء الوضع الراهن، يرجح مركز الإمارات للسياسات حدوث (3) مسارات محتملة مستقبلاً، لطبيعة العلاقة بين سعيد واتحاد الشغل، ولمستقبل الأزمة في تونس؛ وقال المركز:

إنّ السيناريو الأول سيفضي إلى تعمُّق الصراع بين الرئيس والمنظمة النقابية الذي سينتهي بالضرورة إلى تصاعد حركة الاحتجاج النقابي في شكل إضرابات واسعة النطاق، والتي يُمكِن أن تتحول إلى سلسلة من الإضرابات العامة في مختلف القطاعات، وربما تنتهي بحالة إضراب عام شامل.

 هذا السيناريو سيزيد قطعاً من الأزمة الاقتصادية، ويقلل حظوظ البلاد في كسب التمويلات الخارجية، سواءً من خلال القروض أو عبر الاستثمار الخارجي، حيث سيلعب موقف النقابات السلبي دوراً في تدهور الثقة في الاقتصاد المحلي.

من المحتمل أن يواصل الرئيس سعيّد احتفاظه بموقفه دون مشاركة، انطلاقاً من خلفيته السياسية غير القابلة للتسويات

وضمن هذا السيناريو، قد يسعى لطرح طريق ثالثة من خلال المبادرة التي دعا إليها مع المنظمات التونسية الكبرى: عمادة المحامين، ورابطة حقوق الإنسان، في تكرار لسيناريو الحوار الوطني في 2014.

وهذا المسار يمكن أن تدعمه أجزاء من المعارضة العلمانية، فيما سترفضه حركة النهضة، في ضوء رفض الاتحاد العودة إلى الوضع السابق لـ 25 تموز (يوليو) 2021، الذي كانت تسيطر فيه الحركة الإسلامية على السلطة، لكنّ حالة الاستقطاب في هذا السيناريو يمكن أن تكون عنيفةً، سواء من جهة السلطة أو من جهة النقابة، ويمكن أن تقود إلى تحول جذري في موازين القوى في البلاد.

المبادرة لا تضم أحزاباً سياسية

ويتحدث السيناريو الثاني، وفق دراسة مركز الإمارات للسياسات للباحث أحمد نظيف، عن توصُّل الطرفين إلى نقاط التقاء، من خلال قبول الرئيس سعيّد بمبادرة الاتحاد العام للحوار مع بقية المنظمات الوطنية، خاصة أنّ هذه المبادرة لا تضم أحزاباً سياسية، وهي نقطة يمكن أن تكون عنصر جذب للرئيس، الرافض تماماً لمشاركة الأحزاب في السلطة.

وضمن هذا السيناريو سيكون سعيّد أمام فرصة لهدنة اجتماعية بدفع من الاتحاد، ممّا سيزيد من الثقة في الاقتصاد المحلي، ويُشجع المانحين على مساعدة حكومة سعيد. لكنّ الاتحاد في هذا المسار يمكن أن يكون قوة سياسية موازية أو مشاركة للرئيس سعيّد، وهو ما سيكون صعباً على الرئيس قبوله، حيث أظهر منذ 25 تموز (يوليو) 2021 إرادة واضحة لقيادة البلاد بشكل منفرد، لكنّ سعيه لتجاوز الأزمة سيكون ثمنه قطعاً التنازل عن جزء من سلطته.

قد ترفض حركة النهضة سيناريو حوار وطني يقتصر على اتحاد الشغل ونقابة المحامين ورابطة حقوق الإنسان

ويرجح السيناريو الثالث الاستقطاب الشامل؛ إذ يمكن أن يؤدي انسداد الحوار، وتعمُّق الاستقطاب، في ظل تأرجح توازن القوى بين الطرفين؛ قوة الرئيس مدعوماً بمؤسسات الدولة الصلبة، الأمنية والعسكرية والبيروقراطية من جهة، وقوة المنظمة النقابية مدعومةً بقاعدتها الاجتماعية الواسعة، وبطيف أوسع من المجتمع المدني والأحزاب السياسية، من جهةٍ ثانية، إلى تشكّل معادلة صفرية للصراع، تُفضي إلى تدهور عميق للوضعين السياسي والاقتصادي في البلاد. وهذا السيناريو يمكن أن يقود إلى حالة من الفوضى تتجلى في هبات احتجاجية شعبية، وانهيار اقتصادي سماته الرئيسة ندرة في المواد الأساسية، وتدهور قيمة العملة المحلية؛ وهو ما يمكن أن يُعرّض تماسك نظام الرئيس سعيد إلى التحلل في نهاية المطاف.

تعنّت الرئيس وتمسّك اتحاد الشغل

وبحسب التقرير يبدو أنّ المسار الأرجح ـ في ضوء الوضعية الراهنة ـ سيكون خليطاً من السيناريوهات الـ (3) أعلاه؛ إذ من المحتمل أن يواصل الرئيس سعيّد احتفاظه بموقفه دون مشاركة، انطلاقاً من خلفيّته السياسية غير القابلة للتسويات.

كما سيُصر الاتحاد، من ناحيته، على نهجه الرافض لسياسات سعيّد، لا سيّما الاقتصادية منها. وربما تجد البلاد نفسها عالقةً في حالة يسودها توازن للقوى بين الطرفين، والذي قد يُفضي، في المدى المنظور، إمّا إلى قطيعة نهائية بينهما، وإمّا يفتح المجال دفعةً واحدةً أمام تسوية شاملة، تُعيد ترتيب كامل المشهد السياسي في البلاد.

مواضيع ذات صلة:

هل ينجح القضاء التونسي في تجفيف منابع الإخوان؟

- الاتحاد التونسي للشغل في مواجهة حركة النهضة الإخوانية



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية