زخرت دولة الإمارات بحركةٍ ثقافيةٍ نشطة، وإنتاج ثقافي وفكري وإبداعي متنوع على المستويات كافة، فقد أَثرت عشرات المبادرات والبرامج الثقافية، والمنصات المعرفية، والمعارض الفنية المشهد الإبداعي في الدولة، ما أهّلها لتحتل المركز الـ (5) عالمياً في مؤشر استقطاب هذه الفئة وفقاً لتقرير مؤشر تنافسية المواهب العالمي الصادر عن معهد "إنسياد".
منارة المفكرين والمبدعين
وأقرّت الإمارات مجموعة من السياسات، وأطلقت حزمة من المبادرات الرامية إلى دعم الأدب والثقافة والإبداع من خلال منظومة جديدة تواكب العصر، مدعومة ببنية تحتية ثقافية عالمية المستوى، توفر الإمكانات والموارد اللازمة لنقل تجارب المبدعين إلى العالمية.
ولعبت 5 عوامل رئيسية، وفق ما أوردت وكالة الأنباء الرسمية (وام)، الدور الأبرز في تعزيز اختيار المواهب للإمارات التي وجدوا فيها مختلف أوجه الدعم لنمو ونجاح مشاريعهم الفكرية الإبداعية وسط اهتمام وحفاوة رسمية ومجتمعية.
1- جودة الحياة والتسامح: وتشكل جودة الحياة التي تشمل مستوى قطاع التعليم وتعدد الخيارات التي يوفرها، إضافة إلى جودة الخدمات الصحية، والبنى التحتية، والخيارات الترفيهية وغيرها، العامل الأبرز في تعزيز جاذبية الإمارات، فيما ينظر إلى القيم المرتبطة بالتسامح وتقبل الآخر كعامل شديد الأهمية بالنسبة إلى العديد من المبدعين والمفكرين والمشاهير.
2- حراك مستدام: ونجحت الإمارات في ملء أجندتها السنوية بقائمة طويلة من الفعاليات والأحداث والمؤتمرات والمعارض المعنية بمختلف أوجه الإبداع الفكري والأدبي والعلمي، والتي باتت من خلالها الإمارات مقراً شبه دائم لأبرز وأهم الكتاب والأدباء والفنانين العالميين.
وتضم قائمة أبرز الفعاليات والأحداث السنوية، القمة الثقافية - أبوظبي، ومعارض الكتب، والمهرجانات السينمائية والفنية، والفعاليات الثقافية العالمية التي تستقطب فنانين ومبدعين من جميع أنحاء العالم مثل بينالي الشارقة وفن أبوظبي وفن دبي.
إضافة إلى ذلك فقد عملت الإمارات خلال العقود الماضية على التحول إلى مركز إشعاع فكري عبر قائمة من المتاحف والمكتبات والصروح الفكرية التي حولتها إلى جسر حضاري يعرض الثقافة والهوية المحلية من جهة، فيما تستعرض عدة صروح ثقافية حضارات عالمية كمتحف اللوفر في أبوظبي ومتحف المستقبل في دبي، ومكتبة بيت الحكمة في الشارقة.
نجحت الإمارات في ملء أجندتها السنوية بقائمة طويلة من الفعاليات والأحداث والمؤتمرات والمعارض المعنية بمختلف أوجه الإبداع الفكري والأدبي والعلمي
3- خيارات الإقامة: وأسهم إطلاق الإمارات لنظام الإقامة الذهبية في تعزيز ريادتها كأحد أبرز الوجهات المفضلة للإقامة حيث يتيح النظام لفئات المستثمرين، ورواد الأعمال، والنوابغ من المواهب والعلماء والمتخصصين، وأوائل الطلبة والخريجين، ورواد العمل الإنساني، وخط الدفاع الأول، إقامة طويلة الأمد دون الحاجة لضامن أو مستضيف؛ وشكلت مزايا الإقامة الذهبية عاملاً مهماً زاد من جاذبية وريادة الإمارات وقدرتها على تصدر الوجهات المفضلة للإقامة في المنطقة.
4- حماية الحقوق: واتخذت الإمارات، مؤخراً، مجموعة من الخطوات والإجراءات التي ساهمت في تعزيز جاذبيتها للمفكرين والمبدعين من حول العالم، وفي مقدمتها إصدار المرسوم بقانون اتحادي رقم 38 لعام 2021 في شأن حقوق المؤلف والحقوق المجاورة الذي عزز من آليات الحماية للمصنفات الفكرية والنتاج الإبداعي في مختلف المجالات.
ويضمن المرسوم حماية ودعم الاقتصاد الإبداعي في الدولة وفق أحدث الممارسات الدولية، وتحفيز الاستثمار في الصناعات الإبداعية والإنتاج الفكري والفني والإبداعي، وضمان بيئة وطنية خالية من التعدي على حقوق التأليف والتصنيف بمختلف أشكالها، بما في ذلك المصنفات الفكرية في قطاعات الاقتصاد الجديد والعالم الرقمي، مثل البرمجة والتطبيقات الذكية، فضلاً عن القطاعات الإبداعية الأخرى في الآداب والعلوم والفنون المختلفة.
ووضع المرسوم أطراً قانونية متكاملة تحمي حقوق المؤلف وتمكن في الوقت نفسه الجهات المعنية من الاستفادة من النتاج الفكري والإبداعي، وتعود بالفائدة على الأفراد والمجتمع والاقتصاد وبيئة الأعمال، وتعزز مكانة الدولة كوجهة للإبداع والابتكار والمبدعين والمواهب من مختلف أنحاء العالم وفي كافة المجالات.
إستراتيجية متكاملة
بدورها تعزز الإستراتيجية الوطنية للصناعات الثقافية والإبداعية التي أطلقتها الإمارات في كانون الأول (ديسمبر) الماضي من حضور ومكانة الدولة كوجهة عالمية تستقطب الخبرات والمواهب الإبداعية، وتمكنها من إنتاج محتوى إبداعي في بيئة داعمة ومتميزة، تضمن الاستدامة والكفاءة والجودة.
وتعزز الإستراتيجية، التي تُعد الأولى من نوعها في المنطقة العربية مكانة الدولة على خريطة الإبداع الثقافي العالمي ومؤشرات التنافسية العالمية، وتُبرز دور الإمارات المحوري في تمكين وإلهام الكفاءات البشرية المبدعة، وتساهم في أن تكون الإمارات الوجهة الجاذبة للمبدعين في المجال الثقافي والإبداعي من مختلف أنحاء العالم، كما تمكن من توفير البيئة المناسبة للمواهب والمبدعين لتأسيس وتطوير مشاريعهم المبتكرة في الإمارات.
وتستهدف الإستراتيجية في الأعوام العشرة المقبلة النهوض بالصناعات الثقافية والإبداعية وزيادة حجمها وإمكانياتها لتكون ضمن أهم 10 صناعات اقتصادية بالدولة، وزيادة نسبة مساهمة قطاع الصناعات الثقافية والإبداعية لتصل إلى 5% من إجمالي الناتج المحلي، ورفع متوسط دخل العاملين في هذا القطاع، ورفع متوسط إنفاق الأسر على السلع والخدمات الثقافية والإبداعية، إلى جانب مضاعفة عدد المنشآت العاملة في تلك الصناعات، وعدد الوظائف التي توفّرها.
وحددت الإستراتيجية 40 مبادرة، توزع على ثلاثة محاور رئيسة، هي: محور الموهوبين والمبدعين، ومحور المهنيين وبيئة الأعمال، وممكنات بيئة الأعمال، بواقع 16 مبادرة في محور الموهوبين والمبدعين، و10 مبادرات في محور المهنيين وبيئة الأعمال، و14 مبادرة في محور تمكين بيئة الأعمال.
الثقافة في الإمارات إلى آفاق عالمية
وشهد قطاع الثقافة والفنون في دولة الإمارات العربية المتحدة، خلال حكم الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رحمه الله، قفزات واسعة استطاعت أن تصل بالثقافة والتراث والفن الإماراتي إلى آفاق عالمية، مستندة إلى قواعد متينة أسّسها الوالد الشيخ زايد، رحمه الله، لتستكمل المبادرات العديدة التي شكلت عماد الحراك الثقافي والفني في مرحلة التأسيس والبناء.
ونجحت دولة الإمارات منذ عام 2010، في تسجيل 12 عنصراً باعتبارها تراثاً ثقافياً إنسانياً يخص البشرية، كذلك تم تسجيل منطقة العين في إمارة أبوظبي ضمن مواقع التراث العالمي، وهي تضم ست واحات ومواقع أثرية.
تعزز الإستراتيجية الوطنية للصناعات الثقافية والإبداعية التي أطلقتها الإمارات في كانون الأول الماضي من حضور ومكانة الدولة كوجهة عالمية تستقطب الخبرات والمواهب الإبداعية
وفي عام 2020، أعلنت الإمارات اجتياز 12 موقعاً الاشتراطات الخاصة بإدراجها في القائمة التمهيدية لمواقع التراث العالمي التابعة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو).
كذلك شهد القطاع الأثري تواصل أعمال التنقيبات والكشف عن العديد من الاكتشافات الأثرية في الدولة في مواقع مختلفة، والتي تظهر تاريخ الحضارات القديمة في الإمارات.
فيما شهدت معارض الكتب ازدهاراً كبيراً انعكس على تطور صناعة النشر في الدولة، وتكريس قدرة الإمارات على النهوض بصناعة النشر التقليدي والرقمي في المنطقة العربية.
وأطلقت الإمارات العديد من الجوائز بهدف دعم الإبداع والمبدعين في مجالات الثقافة والفنون، من أبرزها جائزة الإمارات التقديرية للعلوم والفنون والآداب، وجائزة الشيخ زايد للكتاب، التي تُعد الأعلى قيمة في العالم، إلى جانب العديد من الجوائز التي تقدمها مختلف إمارات الدولة.
وشهد عهد الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رحمه الله، تطوراً بارزاً في المشهد الفني، من خلال إطلاق مهرجانات للسينما، وفعاليات فنية، ومبادرات لدعم صناعة الأفلام.
ولعل أبرز ما يميز إنجازات مرحلة التمكين التي قادها الشيخ خليفة، هو تجاوزها محيطها المحلي لتنطلق وتسهم بقوة في الحراك الثقافي والفني على المستوى الإقليمي والعالمي عبر العديد من المشروعات الكبرى والشراكات مع جهات عالمية.
وقامت الإمارات في الذكرى الـ 3 لتدمير جامع النوري الكبير ومئذنة الحدباء في مدينة الموصل بالعراق بعد استهدافه من قبل تنظيم "داعش" الإرهابي، بإطلاق مبادرة ترميم وتجديد هذه المعالم الأثرية والتاريخية.
دور دولة الإمارات في الحفاظ على التراث الديني لا يتوقف على الثقافة الإسلامية فقط، بل وحتى الثقافة الدينية الأخرى، وهذا يتضح حين أولت الدولة اهتمامها ودعمها الكامل لإعادة ترميم كنيسة الساعة في شمال العراق، وكنيسة الطاهرة التي تبلغ من العمر 800 عام التي تم تفجيرها.
شهدت معارض الكتب ازدهاراً كبيراً انعكس على تطور صناعة النشر في الدولة، وتكريس قدرة الإمارات على النهوض بصناعة النشر التقليدي والرقمي في المنطقة العربية
وأنجزت دولة الإمارات ترميماً مشرقاً في الجمهورية الفرنسية، وبالتحديد في عاصمتها باريس بتجديدها المسرح الإمبراطوري في قصر "فونتينبلو" كبادرة راقية ومساهمة سامية لإعادة هذا المعلم إلى نشاطه الثقافي بعد إغلاق تجاوز القرن.
وعبرت فرنسا عن امتنانها بإطلاق اسم الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، على المسرح الذي يضمه هذا المعلم الثقافي العريق.
ومن جهة أخرى، بادرت دولة الإمارات من خلال مؤسسة دبي للمستقبل، بالتعاون مع منظمة اليونسكو وجامعة هارفارد وجامعة أوكسفورد، بالكشف عن نسخة جديدة من تدمر السورية التي دمرت على يد تنظيم "داعش" الإرهابي، من خلال صورة ثلاثية الأبعاد من قوس النصر الضخم، وإعادة بناء البوابة القوسية لمعبد بعل في "تايمز سكوير" في مدينة نيويورك، مقابل مبنى البلدية في ظل شراكة إستراتيجية مع معهد الآثار الرقمية ليتخذ المشروع جوهراً عالمياً مشتركاً.