إرهاصات التمحور... ما تداعيات الأزمة الراهنة على مستقبل الإخوان؟

إرهاصات التمحور... ما تداعيات الأزمة الراهنة على مستقبل الإخوان؟


25/11/2021

تتجاوز الأزمة الراهنة الممتدة داخل جماعة الإخوان، منذ عام 2012، حدود الصراع بين قطبين تاريخيين حول القيادة المركزية، وما تعنيه من نفوذ وتحكّم في مصادر التمويل، وإدارة لتوجهات الأفرع في العالم كله، وهو صراع كاد يتلاشى بعد تدخل أطراف نافذة داخل الجماعة لحسم الصراع، حسبما تؤكد مصادر عدة، لكنّ الأزمة برمّتها ستظلّ قائمة، وترسم عدة سيناريوهات لمستقبل التنظيم. 

اقرأ أيضاً: هل يتبرأ الإخوان من سيد قطب؟ تسريب صوتي يعكس حالة الانقسام في الجماعة

ووفق معلومات من داخل التنظيم، هدأت عاصفة الصراع بين جبهتي القائم بأعمال المرشد، المعزول بقرار ممّا يُسمّى مجلس شورى الجماعة إبراهيم منير، المقيم بلندن، والأمين العام المعزول محمود حسين المقيم في تركيا ومجموعته، بعد تدخل قيادات بارزة من التنظيم الدولي، في مقدمتهم يوسف القرضاوي ورجل الأعمال يوسف ندا، بتوفيق محاصصة بين الطرفين نجحت إلى حدٍّ ما في تهدئة الصراع مؤقتاً. 

وتشير المعلومات التي حصلت عليها "حفريات" من مصادر مطلعة إلى الصراع باعتباره أمراً ثانوياً داخل التنظيم، بينما تواجه أزمة الهيكل التاريخي المنهار تقريباً، فضلاً عن استراتيجية إعادة التمحور ورأب الصدع بين القواعد التنظيمية واستعادة الثقة، أموراً أكثر خطورة وحساسية تتطلب حسماً عاجلاً من جانب القيادة الحالية في التنظيم. 

 

الصراع خلّف أزمة عدم ثقة بين القيادة المركزية والقواعد، ممّا يعني فقدان الجماعة ميزتها التاريخية في السيطرة الحديدية المركزية على زمام الأمور 

وتقول المصادر: إنّ الصراع زاد عقدة جديدة للأزمة؛ لأنّه خلّف أزمة عدم ثقة بين القيادة المركزية والقواعد، ممّا يعني فقدان الجماعة ميزتها التاريخية في السيطرة الحديدية المركزية على زمام الأمور وتحريك القواعد وفق الأهداف التي تضعها القيادة، مشيراً إلى أنّ وقائع الفساد المالي والأخلاقي التي ارتبطت بالصراع الأخير أفقدت القيادة التاريخية ثقلها الدعوي والشرعي داخلياً. 

اقرأ أيضاً: مشروع "الإخوان" في أمريكا!

ووفق المعلومات، تسببت الأزمات المتعاقبة للتنظيم، منذ السقوط المدوّي في مصر عام 2013، في تشويه الهيكل التنظيمي من قمّته، ممثلة في مكتب الإرشاد ومجلس الشورى العام، فضلاً عن الروابط الإقليمية والدولية، وكذلك المكاتب التنفيذية في مصر، وباتت جميعها مسؤولة عن الفشل الذي لحق بالجماعة، سواء داخل تجربة الحكم أو خارجها، فضلاً عن النبذ المجتمعي الذي زاد إلى حدٍّ غير مسبوق بعد استخدام الإخوان للعنف من أجل العودة إلى المشهد السياسي جبراً في عدد من البلدان العربية، في مقدمتها مصر. 

ويرجح المراقبون أن تجبر الأزمة الراهنة التنظيم على تغيير إيديولوجيته بشكل كامل، والتنصل من أفكاره القديمة، وكذلك قياداته ومساحات سيطرته الجغرافية داخل المنطقة العربية، من أجل الحفاظ على ما تبقى من هيكله.

ويربط المراقبون الصراع الحالي بين قيادات الإخوان والأزمات الكبرى التي تطوّق الجماعة عقب سقوط آخر أذرعها في تونس، وتضييق الخناق على نشاطها في عدة دول عربية وأوروبية، بما ينذر بتفتت التنظيم نهائياً، وتلاشي ما تبقى من هيكله التنظيمي.

اقرأ أيضاً: الإخوان ومشاهد الانقسام: أين ذهبت الربانية؟

ويرى الباحث المصري المختص في الإسلام السياسي عمرو فاروق أنّ الأزمة الحقيقية داخل الإخوان تتعلق برغبة قطاع كبير، يمثله إبراهيم منير والمجموعة التابعة له، في "غسل سمعة الجماعة" من الإرهاب والعنف، وإعادتها إلى المشهد السياسي في البلدان العربية بأدوات جديدة، لتجاوز النبذ المجتمعي والكراهية المتصاعدة ضدها، بسبب الكشف عن نهج استخدام العنف والاعتماد على العمل المسلح خلال الأعوام الماضية. 

الباحث المصري المختص في الإسلام السياسي عمرو فاروق: الخلافات الداخلية ستظل مشتعلة

وفي تصريح لـ"حفريات" يقول فاروق: إنّ ما يحدث داخل التنظيم هو أزمة مرحلية ضمن مخطط متكامل لتحويل الجماعة إلى "تيار بدلاً من تنظيم، مشيراً إلى احتمالية وجود مرشد خفي للإخوان داخل مصر، يعمل على إعادة الأمور تدريجياً، وهو ممدوح الحسيني، وهو من مجموعة الـ (65)، من قيادات الرعيل الأول، ويبقى له دعم وقبول لدى قيادات التنظيم الدولي للإخوان.

 

الباحث المصري عمرو فاروق  لـ"حفريات" يقول فاروق: إنّ ما يحدث داخل التنظيم هو أزمة مرحلية ضمن مخطط متكامل لتحويل الجماعة إلى تيار بدلاً من تنظيم

ويقول الباحث المصري: "إنّ الخلافات الداخلية ستظل مشتعلة، لكنّ إبراهيم منير تحركاته استباقية، وهو مدعوم من الاستخبارات البريطانية، وقد أحكم قبضته على المشهد التنظيمي، ويحاول محمود حسين بالمقابل تجييش بعض القيادات ضد إبراهيم منير، في ظلّ احتمالات بتفاقم الأزمة خلال الأيام المقبلة بعد قرارات منير الأخيرة".

اقرأ أيضاً: التيار الإخواني جنوب الصحراء الأفريقية: التديّن الصوفي بالمرصاد

وحول أهمّ الأزمات التي تواجه المرشد الحالي، يقول فاروق: "إنه لا يلقى قبولاً لدى القواعد التنظيمية التي ترغب في تولي شخصية دعوية قيادة الجماعة، في ظلّ ارتباك فكري وتفكّك تنظيمي غير مسبوق تعيشه الجماعة، وأيضاً بسبب تصريحاته المنفتحة التي تتصادم مع ثوابت الجماعة، ومنها قبول الحرّيات الجنسية التي صرّح بها منير كنوع من مغازلة الغرب، لكنها تصادمت مع ثوابت التنظيم".  

 

 تبدو السيناريوهات المستقبلية أمام التنظيم محدودة، ولن تخرج عن فكرة إعادة التمحور، واستخدام أدوات جديدة للتأثير والتجنيد والكشف عن إيديولوجيا جديدة غير تلك الملوثة بالإرهاب والعنف والتطرف

وتعاني الجماعة بشكل كبير منذ آذار (مارس) الماضي بسبب الإجراءات التركية التي استهدفت التضييق عليها، ووقف البث لبعض القنوات والإعلاميين المحسوبين عليها، بالتزامن مع المناقشات التي أجرتها أنقرة مع القاهرة من أجل المصالحة.

وتعاني الأفرع المعزولة عن الحكم، نتيجة الغضب الشعبي في عدة دول عربية، من تراجع حاد في شعبيتها وفقدان لمراكزها في السلطة، ولعلّ أبرزها فرعا تونس والمغرب، وبالتزامن مع الانهيار في آخر معاقل السيطرة في المنطقة العربية، تُصعّد الدول الأوروبية من إجراءات مواجهة الإخوان منذ العام الماضي، في إطار  الاستراتيجية الأوروبية الشاملة لمكافحة الإرهاب والتطرّف، التي أقرّها الاتحاد الأوروبي نهاية عام 2020. 

اقرأ أيضاً: الشتات الجديد: تركيا تطرد الإخوان.. إلى أين المفر؟

وبالنظر إلى المعطيات السابقة، تبدو السيناريوهات المستقبلية أمام التنظيم محدودة، ولن تخرج عن فكرة إعادة التمحور، واستخدام أدوات جديدة للتأثير والتجنيد والكشف عن إيديولوجيا جديدة غير تلك الملوثة بالإرهاب والعنف والتطرف، لكن يبقى الرهان الحقيقي على مدى قدرة المجتمعات العربية على مجابهة تلك الأفكار وإسقاطها، كالمشروع الإخواني الكبير الذي سقط خلال الأعوام الماضية.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية