ما الذي يجري في ليبيا؟

ما الذي يجري في ليبيا؟


22/09/2020

أحمد يوسف أحمد

شهدت الشهور الأخيرة تطورات متلاحقة في الصراع الدائر في ليبيا، بدأت بالتدخل التركي الفج بتهريب السلاح، ونقل المرتزقة والتدخل غير المباشر لصالح ميليشيات الإرهاب، وقد أدى السلوك التركي إلى تغيير في خريطة القتال لصالح تلك الميليشيات، التي بدا أنها على وشك القضاء على مشروع استعادة الدولة الليبية الذي يقوده الجيش الوطني، وعند هذا الحد دخل الثقل العربي في المعادلة اعتباراً من يونيو الماضي، بإعلان القاهرة ثم تحديد الرئيس السيسي خطاً أحمر بين سرت والجفرة لا تتجاوزه ميليشيات الإرهاب، وقد شكك الكثيرون من حماة الإرهاب في جدية هذا التهديد، غير أن الحاصل أن تصعيد تركيا والميليشيات التابعة لها توقف بعده، إلى أن كانت مفاجأة إعلان طرفي القتال الليبيين في 21 أغسطس وقف إطلاق النار ببيانين منفصلين وقواسم مشتركة، وبعدها مباشرة تسارعت التطورات بدءاً بالحراك الجماهيري في طرابلس وعموم الغرب الليبي، تعبيراً عن نفاد الصبر من سوء أداء حكومة السراج، وما كشف عنه هذا الحراك من صراعات داخلها أو بين الميليشيات، ثم شهد الأسبوع الثاني من الشهر الجاري جولتين منفصلتين جغرافياً من الحوار بين طرفي الصراع، أولهما في المغرب والثانية في سويسرا، كما شهد الأسبوع ذاته دخول المتغيرات الإقليمية والدولية في المعادلة، بوصول وفد من المجلس الأعلى للدولة في ليبيا إلى القاهرة، وإجرائه مشاورات مع الجهات المعنية بالملف الليبي، وإجراء مشاورات روسية تركية، صرّح وزير الخارجية التركي بعدها أنها أظهرت تقارباً في وجهات النظر يُمَكّن من الوصول إلى اتفاق، وحرص وزير الخارجية الروسي على أن يؤكد أن موسكو تشاورت مع القاهرة أيضاً، كما تواتر الحديث عن نية برلين عقد مؤتمر في 5 أكتوبر المقبل، وعن احتمال عقد مؤتمر قريب في جنيف سعياً للتسوية الشاملة للصراع، وبلغت التطورات المتلاحقة ذروتها باستقالة السراج بعد أيام قليلة من استقالة حكومة الثني في شرق ليبيا، والذي كان قد واجه بدوره حراكاً جماهيرياً محدوداً يعترض على أداء حكومته. 

وأخيراً وليس آخراً، استؤنف إنتاج النفط وتصديره بقرار من قائد الجيش الوطني الليبي، شريطة عدم استخدام عوائده في تمويل الإرهاب.
وبدا أن كل قطع الشطرنج تتحرك في نفس الوقت، وبرزت معضلة استنتاج ما قد تسفر عنه هذه التحركات.
ويحتاج حل هذه المعضلة أولاً إلى توفر قدر كاف من المعلومات عما جرى، فقد أحيطت التفاصيل بسرية شبه كاملة، ناهيك عن النوايا أي مدى جدية الأطراف المشاركة وصدق نياتها في التوصل إلى حل، أم أنها تقوم بتحركات تكتيكية لتخفيف الضغط عليها، وفي هذا الإطار يتعين الحذر من التوصل إلى استنتاجات سريعة غير مدروسة قد تضيع مكاسب تحققت.
والملاحظة الأساسية في هذا الصدد، أن التقارير تحدثت بصفة عامة عن طابع إيجابي لنتائج هذه المشاورات، فمحادثات المغرب قيل إنها اتفقت على توزيع المناصب السيادية وأمور أخرى، من شأنها تمهيد الطريق لتسوية سياسية أُبقيت في طي الكتمان لقطع الطريق على التدخلات الخارجية لإفسادها، ومحادثات سويسرا قيل إنها اتفقت على فترة انتقالية مدتها 18 شهراً، تبدأ بإعادة تشكيل المجلس الرئاسي وإنشاء حكومة وحدة وطنية تهيئ الظروف لإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية في إطار دستوري يُتفق عليه، ومشاورات القاهرة نُسب لها أنها مثلت اختراقاً في علاقة مصر بالغرب الليبي، والاتصالات الروسية مع كل من تركيا ومصر قيل إنها أدت إلى تقدم نحو التسوية، فيما سيحاول مؤتمر برلين 2 أو اجتماعات جنيف القريبة إكمال عملية التسوية.
وهكذا يبدو وكأن الأمور تسير في اتجاه إيجابي، لكن ثمة محاذير وتساؤلات ينبغي التوقف عندها تحتاج مقالة خاصة.

عن "الاتحاد" الإماراتية

الصفحة الرئيسية