ليبيا بين فوضى الميليشيات وانهيار الدولة: مخاوف حقيقية من عودة الحرب الأهلية

ليبيا بين فوضى الميليشيات وانهيار الدولة: مخاوف حقيقية من عودة الحرب الأهلية

ليبيا بين فوضى الميليشيات وانهيار الدولة: مخاوف حقيقية من عودة الحرب الأهلية


14/05/2025

تتصاعد التحذيرات المحلية والدولية من عودة ليبيا إلى مربع الحرب الأهلية، وسط اشتباكات بين الميليشيات في طرابلس، ما يعكس هشاشة الوضع الأمني والسياسي، وفاقمت القلق الشعبي من انزلاق البلاد نحو المجهول، في ظل غياب سلطة مركزية موحدة.

وقد شهدت العاصمة الليبية طرابلس تصاعدا لافتا في وتيرة الاشتباكات المسلحة، لليلة الثانية على التوالي، بين قوات تابعة لـ"حكومة الوحدة الوطنية" وعناصر من "جهاز الردع لمكافحة الجريمة والإرهاب"، وسط تحذيرات محلية ودولية من تداعيات خطيرة على المدنيين والسلم الاجتماعي.

ودخلت العاصمة الليبية مرحلة من الغموض بعد تصفية الككلي وحلّ جهاز دعم الاستقرار التابع للمجلس الرئاسي والذي كان قد تم تأسيسه في يناير 2021 من قبل رئيس الحكومة السابق فائز السراج وتكليف الككلي برئاسة جهاز الأمن القومي.

وقالت أوساط محلية إن الككلي تم اغتياله داخل معسكر التكبالي بضاحية صلاح الدين في العاصمة طرابلس،  كما تعرض عدد من مرافقيه إلى التصفية في بوابة المعسكر.

رئيس الحكومة السابق: فائز السراج

العاصمة رهينة في يد الجماعات المسلحة 

وفي خضم المعارك، أعلن جهاز الشرطة القضائية أن الاشتباكات بالقرب من سجن الجُديدة أدت إلى حالة من الفوضى والهلع، مؤكدا فرار عدد من السجناء، غالبيتهم من أصحاب الأحكام المشددة.

من جانبها، أعربت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا عن "قلقها العميق" إزاء العنف المتصاعد في الأحياء السكنية المكتظة، مشددة في بيان على موقعها الرسمي على ضرورة الوقف الفوري وغير المشروط لإطلاق النار.

وأوضحت البعثة أن استمرار القتال يعرض حياة المدنيين للخطر ويهدد الاستقرار الهش في العاصمة، مؤكدة استعدادها لتقديم مساعي وساطة لتهدئة الأوضاع ودعم جهود الحوار.

وقد أصدر 13 نائبًا في البرلمان الليبي بيانًا مشتركًا عبّروا فيه عن قلقهم العميق من تفاقم ما وصفوه بـ"العبث الأمني" الذي حوّل العاصمة إلى رهينة في يد الجماعات المسلحة.

النواب حمّلوا الطبقة السياسية المسؤولية عن هذا التدهور، معتبرين أن الأزمة الراهنة هي نتيجة مباشرة لفشل عملية توحيد مؤسسات الدولة وتعطيل تشكيل حكومة موحدة، إلى جانب استمرار الجمود في اختيار المناصب السيادية.

هذا وأكد المحلل السياسي الليبي إدريس احميد في تصريح لإذاعة "موزاييك" التونسية، أن ليبيا تعاني منذ سنوات من عدم استقرار سياسي بسبب غياب الأمن مقابل تواجد تشكيلات مسلحة وبصفة خاصة في المنطقة الغربية .

وأضاف أن هذه التشكيلات لطالما مثلت محور قرارات دولية من أجل إنهاء تواجدها، مشيرا إلى انتشار أكثر من 30 مليون قطعة سلاح خارج الأطر القانونية، ووفق تقديرات أممية ودولية، هناك أكثر من 300 ميليشيا مسلحة خارج إطار الشرعية، فيما يتنافس على الحكم حكومتان، واحدة في الغرب برئاسة عبدالحميد الدبيبة، والثانية في الشرق بقيادة أسامة حماد، وحالت الانقسامات السياسية والأمنية دون إجراء انتخابات وطنية تنهي المراحل الانتقالية التي غرقت فيها الدولة الليبية منذ عام 2011.

وتابع احميد في هذا الإطار: وهذه ليست المرة الأولى التي نشهد فيها حروبا أهلية وهذا ما تعودت عليه ليبيا في ظل الحكومات المتعاقبة.. وما شهدناه بالأمس هو تحول في مسار مهم حيث جد إشكال كبير بين حكومة عبد الحميد الدبيبة وقوة عبد الغني الككلي الذي كان يسيطر على مساحة واسعة من طرابلس ومن مؤسساتها..''

المشهد في حال ضبابية قد تصل إلى الجمود وانحدار الأمور إلى فوضى ومن المرجح أن تنتج منها عودة الاقتتال بين المجموعات المسلحة

وبعد سقوط نظام العقيد معمر القذافي عام 2011 فشل الليبيون في إقامة نظام جديد، وأدى تنافسهم على تركة القذافي إلى انقسام البلاد فعلياً إلى شطرين أساسيين؛ حكومة في الغرب تحظى بدعم تركيا، وأخرى في الشرق تحظى بدعم روسيا، لكن الصورة، في الحقيقة، أكثر تعقيداً من مجرد وجود حكومتين متنافستين. 

فالجيش الليبي الذي سقط مع سقوط النظام، أعيدَ تشكيله إلى حد كبير في شرق البلاد بقيادة المشير خليفة حفتر. لكن الأمور في غرب البلاد تدور بين جماعات مسلحة عدة تعمل تحت مظلة حكومة الوحدة الوطنية بقيادة الدبيبة، لكنها تتنافس فيما بينها، وكل منها يمسك بمنطقة نفوذ، وفقا لمقال تحليلي نشرته صحيفة "الشرق الأوسط".

هل تتجه الأمور إلى الفوضى؟

هذا وعلق الكاتب السياسي المصري علاء فاروق على الوضع الليبي الحالي بالقول إن "ليبيا تشهد الآن حالاً من الاحتقان الشديد، بخاصة على المستوى السياسي بعد الأزمة الأخيرة بين المجلس الرئاسي ومجلس النواب، إثر المراسيم السياسية التي أصدرها رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي والتي تقضي ببطلان بعض القرارات التي اتخذها البرلمان عام 2021"، واصفاً المشهد بالضبابي الذي زادته قتامة انقسامات المؤسسات الموجودة في الساحة الليبية.

وفي ما يتعلق بالحشود المسلحة التي تتوافد على طرابلس، قال فاروق، لـ"اندبندنت عربية"، إن "أي حشد أمني من مدينة مصراتة الواقعة وسط ليبيا والتي تبعد عن العاصمة نحو 200 كيلومتر، تجاه طرابلس عادة ما تتبعه مناوشات واشتباكات يكون عنوانها السيطرة والنفوذ"، متابعاً أن "الأمر الآخر الذي يصب في خانة تدهور الوضع في ليبيا هو الدعوات إلى التظاهر التي خرجت ضد حكومة الدبيبة في كل من طرابلس ومصراتة، وضد الفساد وتجاوزات أخرى عدة تتعارض وسيادة ليبيا".

فاروق: "المشهد الأمني والسياسي الليبي في حال ضبابية قد تصل إلى الجمود وانحدار الأمور إلى فوضى"

ونوه الكاتب السياسي المصري إلى أن "المشهد الأمني والسياسي الليبي في حال ضبابية قد تصل إلى الجمود وانحدار الأمور إلى فوضى، من المرجح أن تنتج منها عودة الاقتتال بين المجموعات المسلحة غرباً وشرقاً، إضافة إلى انهيار الوضع الأمني في المنطقة الجنوبية وبخاصة بعد حرب السودان، والأزمة الأخيرة بين الجزائر ومالي"، مشيراً إلى أنها تطورات تأتي في ظل انشغال المجتمع الدولي بقضايا أخرى مما أبعد ليبيا عن دائرة الاهتمام في هذا التوقيت"، مستدركاً أن "مخرجات اللجنة الاستشارية التي رعتها الأمم المتحدة للدعم في ليبيا قد تنقذ ما يمكن انقاذه في المشهد الليبي الذي يعاني انقساماً سياسياً وأمنياً واقتصادياً منذ سقوط نظام القذافي عام 2012".

السلاح المنتشر أصل الأزمة

ويرى عدد من الخبراء الليبيين أن أصل الأزمة يكمن في استمرار فوضى السلاح وسطوة المليشيات، مقابل ضعف الدولة ومؤسساتها، مع وجود أطراف داخلية وخارجية تستثمر هذا الواقع الهشّ لتحقيق مصالح خاصة.

في السياق، يؤكد الدكتور يوسف الفارسي، أستاذ العلوم السياسية، في حديث لموقع "العين الإخبارية"، أن "مفتاح الحل يكمن في توحيد المؤسسة العسكرية والذهاب إلى انتخابات رئاسية وبرلمانية نزيهة"، مشددا على أن "أي مبادرة لا تمنح القرار للشعب الليبي عبر صناديق الاقتراع، ليست إلا إعادة إنتاج للأزمة بمسميات مختلفة".

ويتفق محللون ليبيون على أن مفتاح الخروج من الأزمة المستعصية في البلاد يبدأ بتفكيك المليشيات المسلحة، وجمع السلاح المنتشر خارج إطار الدولة، وتوحيد المؤسسة العسكرية، بما يضمن الحد الأدنى من الاستقرار الأمني.

وشدد المحللون على أن أي حل لا يمر عبر صناديق الاقتراع، ولا يمنح الشعب الليبي فرصة التعبير عن إرادته بحرية، سيظل مجرد إعادة تدوير للأزمة بشكل أو بآخر، ما يطيل أمد الانقسام ويُبقي البلاد رهينة الصراعات الداخلية والتجاذبات الإقليمية.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية