كيف تتحرك الميليشيات المسلحة في طرابلس؟ وأيّ دور للإخوان؟

كيف تتحرك الميليشيات المسلحة في طرابلس؟ وأيّ دور للإخوان؟

كيف تتحرك الميليشيات المسلحة في طرابلس؟ وأيّ دور للإخوان؟


22/05/2025

تشهد العاصمة الليبية طرابلس منذ أعوام تصاعداً خطيراً في نفوذ الميليشيات المسلحة التي باتت تشكل عقبة رئيسية أمام بناء مؤسسات الدولة وتحقيق الاستقرار السياسي والأمني. يتشابك هذا المشهد المعقد مع أدوار مشبوهة لجماعة الإخوان المسلمين والجماعة الليبية المقاتلة، اللتين تستفيدان من استمرار الفوضى وتحكمان فعليًا قبضتهما على مفاصل الدولة عبر تحالفات معقدة مع بعض الميليشيات، وتواطؤ سياسي من حكومة عبد الحميد الدبيبة. 

يعمّق هذا التحالف من حالة الانقسام في البلاد ويهدد بإجهاض أيّ فرصة لإجراء انتخابات حرة أو إعادة توحيد المؤسسات. وفي ظل هذا الواقع يبرز تساؤل مُلح: كيف تتحرك الميليشيات في طرابلس؟ وما الدور الحقيقي لجماعة الإخوان في تعقيد المشهد؟

مؤسسات الدولة في قبضة الميليشيات

في هذا السياق، يبرز دور هذه الجماعات في اختطاف القرار السيادي الليبي والتحكم في موارد الدولة، وهو ما يرفضه قطاع واسع من الليبيين، بحسب ما يؤكده الكاتب الصحفي المصري والباحث المتخصص في الشؤون العربية أحمد جمعة، الذي يرصد تحركات الميليشيات ودور الإخوان في تعقيد المشهد الليبي.

الصحفي المصري والباحث المتخصص في الشؤون العربية: أحمد جمعة

يقول جمعة في حديث لـ (حفريات): "أصبحت مؤسسات الدولة الليبية في طرابلس رهينة لتحالفات مسلحة، لا تخضع لأيّ سلطة مركزية، بل توجهها وتتحكم فيها قوى الأمر الواقع، مؤكداً أنّ هذه الميليشيات تعمل بشكل منهجي على "بسط سيطرتها الكاملة على مؤسسات الدولة واستمرار نهب المال العام وتوجيهه نحو دعم المسلحين التابعين لها"، بما يخدم مشروعاً طويل الأمد للهيمنة على مقدرات ليبيا.

ويشير جمعة إلى أنّ هذه السيطرة لا تتوقف عند المؤسسات الأمنية أو العسكرية، بل تمتد إلى الوزارات والإدارات المدنية، إذ يتم استخدام الاعتمادات المالية المخصصة لتلك المؤسسات في تمويل عمليات التجنيد ودفع رواتب عناصر الميليشيات. هذا التوظيف المالي المشبوه يُعدّ جزءاً من خطة متكاملة تهدف لترسيخ سلطة الميليشيات والإبقاء على البلاد في حالة شلل مؤسسي دائم.

الصراع على ثروات ليبيا: النفط في قلب المعركة

النفط الليبي، باعتباره المورد الأهم للاقتصاد الوطني، يمثل جوهر الصراع بين الفصائل المسلحة في العاصمة. ويوضح أحمد جمعة أنّ "الصراع بين الميليشيات المسلحة في طرابلس أساسه الصراع على واردات بيع الثروة النفطية الليبية وتوجيه الأموال لتجنيد المزيد من المرتزقة والمقاتلين الأجانب"، وهو ما يكشف عن تحول الثروة الوطنية إلى وقود لمعركة السلطة والنفوذ.

أحمد جمعة: "أصبحت مؤسسات الدولة الليبية في طرابلس رهينة لتحالفات مسلحة، لا تخضع لأيّ سلطة مركزية، بل توجهها وتتحكم فيها قوى الأمر الواقع، هذه الميليشيات تعمل بشكل منهجي على بسط سيطرتها الكاملة على مؤسسات الدولة واستمرار نهب المال العام وتوجيهه نحو دعم المسلحين التابعين لها، بما يخدم مشروعاً طويل الأمد للهيمنة على مقدرات ليبيا".

ولا يقتصر الأمر على الداخل الليبي فقط، بل إنّ هذه الأموال تستخدم في استقطاب مقاتلين أجانب من دول مختلفة، في سياق تنافسي بين التشكيلات المسلحة لفرض هيمنتها على المناطق الحيوية ومرافق الدولة السيادية. وتعكس هذه الظاهرة حجم التشظي الذي تعاني منه الدولة الليبية، حيث بات النفط يُباع من دون رقابة مركزية، ويُستخدم عائدُه لتمويل الصراعات بدلاً من إعادة الإعمار أو تحسين حياة المواطنين.

جماعة الإخوان وتحالفات الغرب الليبي

تلعب جماعة الإخوان المسلمين دوراً محورياً في خريطة التشكيلات المسلحة بطرابلس، ليس فقط عبر نفوذها السياسي، بل من خلال تحالفاتها مع قوى مسلحة تنشط في مدن مثل صبراتة ومصراتة والزاوية. ويوضح أحمد جمعة أنّ الجماعة تعمل على "التحالف مع ميليشيات مسلحة في طرابلس لتقاسم مناطق النفوذ والمعسكرات الأمنية بين المسلحين الليبيين"، في مشروع أوسع لإعادة تموضع الجماعة بعد انكسارها في الشرق.

ويقول جمعة: إنّ هذه التحالفات تُدار بالتنسيق مع قوى خارجية لها مصالح مباشرة في ليبيا، لا سيّما في قطاع الطاقة، حيث تعمل على حماية مصالحها من خلال دعم أطراف عسكرية محلية. وقد سبق أن أدانت أطراف رسمية، مثل مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، هذا التدخل الخارجي، إلا أنّ استمرار الانقسام السياسي أضعف قدرة هذه المؤسسات على التصدي للمشروع الإخواني المسلح.

تلعب جماعة الإخوان المسلمين دوراً محورياً في خريطة التشكيلات المسلحة بطرابلس

معركة شرق ليبيا: هزيمة الإخوان وانتقال المعركة إلى طرابلس

يشير أحمد جمعة إلى أنّ الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر نجح سابقاً في "القضاء على مشروع جماعة الإخوان والجماعات المتطرفة في مدينة بنغازي"، وهو ما دفع بقايا هذه الجماعات إلى الانسحاب باتجاه الغرب الليبي، خصوصاً العاصمة طرابلس، حيث وجدت هناك بيئة خصبة لإعادة التموضع.

واعتبر جمعة أنّ العناصر الفارة من الشرق تتخذ من طرابلس "نقطة انطلاق لتشويه صورة المؤسسات العسكرية والأمنية في البلاد"، عبر حملات إعلامية ونفسية منظمة تهدف إلى ضرب الروح المعنوية للجيش وتشويه سمعته داخلياً وخارجياً. هذا السلوك يعكس استراتيجية الإخوان الرامية لإضعاف المؤسسات الوطنية وإسقاطها من الداخل، تمهيداً للعودة إلى المشهد السياسي عبر باب الفوضى.

قرارات حاسمة مطلوبة لإنقاذ الدولة

لا يمكن فصل الحلول المقترحة لإنقاذ ليبيا من قبضة الميليشيات عن التوصيات التي يطرحها الباحثون والخبراء، ومنهم أحمد جمعة الذي يرى أنّ البلاد تحتاج إلى "اتخاذ عدد من القرارات الحاسمة لترسيخ حكم مؤسسات الدولة". ويعدد جمعة عدداً من هذه الإجراءات التي من شأنها قلب موازين القوى لصالح الدولة الوطنية:

ـ حل التشكيلات المسلحة التي تعمل خارج الشرعية، وتجفيف منابع تمويلها.

ـ إخراج المرتزقة والمقاتلين الأجانب تطبيقاً لقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة.

ـ فرض رقابة على مصرف ليبيا المركزي لمنع تسرب الأموال إلى الجماعات المسلحة.

ـ النقل المؤقت للعاصمة إلى مدينة أكثر استقراراً في الشرق الليبي إلى حين استعادة السيطرة على طرابلس.

ـ وقف التدخلات الخارجية خصوصاً من الدول المتورطة في دعم الجماعات المسلحة لأسباب اقتصادية.

ـ توحيد المؤسستين الأمنية والعسكرية عبر تنفيذ تفاهمات القاهرة برعاية أممية.

ـ تفعيل دور لجنة (5+5) العسكرية المشتركة لتعزيز سلطة الدولة وتقليص نفوذ الميليشيات.

ـ الإسراع في إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية بما يعيد الثقة في المسار الديمقراطي.

الصراع بين الميليشيات المسلحة في طرابلس أساسه الصراع على واردات بيع الثروة النفطية الليبية وتوجيه الأموال لتجنيد المزيد من المرتزقة والمقاتلين الأجانب، ممّا يكشف عن تحول الثروة الوطنية إلى وقود لمعركة السلطة والنفوذ.

إنّ ما يجري في طرابلس ليس صراعاً على النفوذ المحلي فقط، بل هو معركة على مستقبل ليبيا بأكملها. فقد تحولت العاصمة إلى مركز لسلطة الميليشيات والمصالح الأجنبية، في وقت تتراجع فيه هيبة الدولة ويُقصى فيه المواطن من أبسط حقوقه في الأمن والاستقرار. ومع استمرار تحالف الإخوان والميليشيات، وغياب توافق وطني حاسم، فإنّ فرص الخروج من الأزمة تظل مرهونة بإرادة حقيقية لتفكيك منظومة السلاح الموازي، واستعادة الدولة من قبضة من يسعون لتحويلها إلى مزرعة خاصة تخدم مشاريعهم الضيقة. وفي ظل هذه المعطيات يصبح الصراع في طرابلس ليس فقط معركة على العاصمة، بل معركة على الدولة الليبية نفسها.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

الصفحة الرئيسية