سيرة يوسف القرضاوي.. بين اتهامات "العنف" ودعاوى "الوسطية"

سيرة يوسف القرضاوي.. بين اتهامات "العنف" ودعاوى "الوسطية"

سيرة يوسف القرضاوي.. بين اتهامات "العنف" ودعاوى "الوسطية"


27/09/2022

برحيل الداعية الإسلامي القطري، المصري الأصل، يوسف القرضاوي، انطوت صفحة رجل دين يعتبره البعض شيخا "وسطيا" فيما يتهمه آخرون بـ"التشدد" و"التحريض على العنف"، علما بأنه من أسس وترأس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، المؤسسة التي وصفت نفسها بأنها رمز للاعتدال والوسطية ومناصرة المظلومين حول العالم.

وتوفي القرضاوي، الاثنين، عن عمر ناهز 96 عاما، بعد حياة حافلة بالمواقف الدينية والسياسة التي لطالما أثارت الجدل بشأن توجهاته الفكرية والسياسية.

والقرضاوي ولد في دلتا النيل بمصر في سبتمبر من عام 1926 وأقام في قطر منذ عام 1977، حيث أسس كلية الشريعة والدراسات الإسلامية في جامعة قطر، وأصبح عميدا للكلية. 

وحصل القرضاوي لاحقا على جنسية الإمارة الخليجية، التي اشتهر فيها بعد أن كان يظهر في برنامج "الشريعة والحياة" على قناة الجزيرة الإخبارية، التي نشر من خلالها آراءه التي أثارت الجدل أحيانا.

وفي نعيه على فيسبوك، وصفه الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، القرضاوي، بأنه "فقيد الأمة وفقيهها ومفتيها. إمام العصر، وقدوة العلماء، ورائد الاجتهاد والتجديد، والجهاد العلمي". 

واعتبر أستاذ العلوم السياسية في جامعة قطر، محمد المسفر، في مقابلة عبر الهاتف مع موقع الحرة أن الداعية الراحل "شيخ الوسطية في النفق الإسلامي، وهو عالم مجرب، وفقيه بالغ، سيترك فراغا لاشك فيه وهو آخر الفقهاء الذين يشار إليه بالبنان في هذه الظروف التي نعيشها".

ويرى المسفر أن القرضاوي وسطي لأنه "ذهب بين مدارس فقهية متعددة وسلك مسلك النبي الشريف بأن خير الأمور الوسط فيما يتعلق بالخلافات بين الأحزاب أو الأطراف الإسلامية المختلفة في العالم".

ويقول الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، الذي أسسه القرضاوي عام 2004، عن نفسه إنه "مؤسسة معتدلة ووسطية وعالمية" و"وجهة علمية شرعية مستقلة لا يمكن اختزالها في حزب أو جماعة أو مذهب أو دولة من الدول".

ويقول عمرو عبد الكريم في مقال عن "وسطية" القرضاوي على الموقع الإلكتروني للأخير: "رفع العلامة القرضاوي لواء الوسطية والاعتدال، إما في الفتوى أو في الدعوة، وكان شعاره: إن الذي أومن به وأدعو إليه وأدافع عنه هو المنهج الوسط للأمة الوسط".

ويشير إلى "انضمام الشيخ منذ مفتتح حياته الطيبة إلى جماعة الإخوان المسلمين، وهي المدرسة الإصلاحية التي اتخذت الوسطية شعارا لها".

وكتب عصام تليمة على موقع القرضاوي أنه "وقف بالمرصاد لكل ظواهر التشدد والتطرف في عالمنا الإسلامي... فعندما أطلت فتنة التكفير برأسها على الشباب المسلم في فترة السبعينيات من القرن الماضي، كتب كتابه: "ظاهرة الغلو في التكفير"، الذي يرفض هذا المنهج، ويبين أنه يخالف منهج الإسلام الذي يقوم على عدم تكفير الناس".

وأضاف: "عندما بدأت ظاهرة اختطاف الطائرات المدنية، والتهديد باحتجاز ركابها رهائن للضغط على بعض الحكومات، رفض هذا السلوك، وبين أنه عمل غير مشروع شرعا... وعندما حدثت مذبحة الأقصر في مصر (الهجوم على سائحين في جنوب مصر عام 1997)، وقف القرضاوي على منبر مسجد عمر بن الخطاب في قطر، يندد بالفعل، ويرفضه، ويبين مخالفته منهج الإسلام، وخطأ من قاموا بذلك".

ويشير الكاتب إلى أنه رفض هجمات سبتمبر عام 2001 و"دعا المسلمين الأميركيين إلى التبرع بالدم للجرحى".

واعتبر الكاتب، في مقاله على موقع القرضاوي، أنه "نموذج ورمز للوسطية والاعتدال، لا يخالف في ذلك إلا بعض الكتاب الذين يلوون أعناق الحقائق، لموقف القرضاوي، من القضايا العادلة التي لا يحبون حديثها عنها، كقضية فلسطين، وقضية الانقلاب العسكري في مصر، والظلم والاستبداد في بلاد عربية".

مواقف "تحريضية"

لكن من ناحية أخرى، يؤخذ على القرضاوي بعض المواقف التي اعتبرت "تحريضية على العنف"، خاصة بعد ظهور انتفاضات "الربيع العربي" وما تلاها من أحداث في عدة دول.

والقرضاوي محسوب على جماعة الإخوان المسلمين المحظورة في مصر، ويعتبره البعض الزعيم الروحي للجماعة، منذ عام 2013، عندما أطاح الجيش الرئيس المنتمي للجماعة، محمد مرسي، في يوليو من ذلك العام.

وكتبت صحيفة واشنطن بوست عن القرضاوي في تقرير سابق أنه "لطالما اعتبر قائدا فكريا للإخوان المسلمين، الذين سيطروا على الحكومة المصرية عبر انتخابات ديمقراطية عام 2012".

وقال ماثيو ليفيت، مسؤول مكافحة الإرهاب السابق في مكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي آي) ووزارة الخزانة، الذي تابع عن كثب الشبكات المالية الإرهابية في الشرق الأوسط: "القرضاوي من أكثر الشخصيات العامة للجناح الراديكالي للإخوان المسلمين".

وقالت رويترز في تقرير سابق إن القرضاوي واحد من أكثر رجال الدين المسلمين السنة نفوذا بفضل حضوره الدائم على القنوات الإعلامية القطرية، ورغم أنه ترك عضوية جماعة الإخوان المسلمين، ظل محتفظا بعلاقات وثيقة معها.

وفي 2015، أكدت محكمة جنايات القاهرة حكم الإعدام بحق مرسي، في القضية المعروفة إعلاميا باسم "اقتحام السجون". وحوكم في القضية 129 متهما بينهم 27 كانوا موقوفين و102 هاربين بينهم أعضاء في حركة "حماس" الفلسطينية وفي "حزب الله" اللبناني. وقضت المحكمة غيابيا بإعدام اكثر من 90 من المتهمين الهاربين بينهم القرضاوي.

وفي العام ذاته، أحالت النيابة العامة المصرية 38 إسلاميا مصريا، بينهم القرضاوي، على محكمة عسكرية، واتهمتهم بإنشاء خلايا مسلحة قتلت ضابط شرطة. وحوكم القرضاوي غيابيا.

وظل القرضاوي في منصب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، حتى عام 2018، وهذه المنظمة، التي مقرها الدوحة، سيطرت عليها بعض الاتجاهات المحافظة في التفسير والتأويل، كما قال الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية، نبيل عبد الفتاح، في تصرحات سابقة لموقع الحرة. وحاولت أن تلعب دورا مهما في أعقاب الانتفاضات السياسية والجماهيرية في ما كان يطلق عليها "الربيع العربي".

وفي ظل "الربيع العربي"، حاول الاتحاد دعم الإخوان المسلمين في المنطقة العربية وخارجها من خلال القرضاوي وغيره من رجال الدين المحافظين داخل هذا الاتحاد، حسب عبد الفتاح.

وقال القرضاوي في تصريح سابق: "نحن مع الشعوب التي تناضل من أجل حريتها. نحن مع سوريا والعراق وفلسطين وتونس وليبيا واليمن وكل من ينادون من أجدل الحرية... أنا اقوى من السيسي ورجاله":

ولم يتوقف القرضاوي بعد إطاحة مرسي في مصر عن التنديد بهذا الإجراء. وأصدر في عام 2013 فتوى بوجوب تأييده، وقال: "أنادي كل الأحزاب والقوى السياسية في مصر،أن يقفوا وقفة رجل واحد، لنصرة الحق، وإعادة الرئيس مرسي إلى مكانه الشرعي، ومداومة نصحه". 

واعتبر القرضاوي أن "من استعان بهم الفريق السيسي لا يمثلون الشعب المصري، بل جزءا قليلا منه".

وعندما كانت مصر تستعد لإجراء انتخابات رئاسية، كان عبد الفتاح السيسي الأوفر حظا فيها، دعا إلى مقاطعة الانتخابات، وقال في بيان "لا تنتخب رجل تلوث من مفرق رأسه إلى أخمص قدميه بدماء الأبرياء من المصريين.. لا يجوز لكم أن تنتخبوا من عصى الله، وخان الأمانة.. واجبكم أن تقولوا له لا. وأن ترفضوا انتخابه".

ووصلت انتقاداته إلى مشيخة الأزهر، وقال في هذا الشأن: "لا تستمعوا إلى أصحاب العمائم المزيفة لأنهم ليسوا علماء للدين، بل هم علماء السلطة، والشرطة".

وفي عام 2017، أعلن القرضاوي دعمه صراحة للرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، عقب منع هولندا دخول وزيرين تركيين لتزكية التعديلات الدستورية التركية التي من شأنها توسيع صلاحيات أردوغان.

وأثار القرضاوي أيضا جدلا كبيرا عندما أفتى بجواز القيام بعمليات انتحارية، بشرط موافقة "الجماعة" وأن "تكون هناك حاجة إلى تفجير شخص نفسه" على أن "تدبر الجماعة كيفية التنفيذ مع تقليل الخسائر قدر الإمكان":

ورفضت السلطات البريطانية منح القرضاوي تأشيرة دخول إلى أراضيها بهدف العلاج، معللة ذلك بكون طلبه  لا يتوافق مع قوانين الهجرة البريطانية. وانتقدت وسائل الإعلام البريطانية حينها القرضاوي بشدة على خلفية تأييده للعمليات الانتحارية الفلسطينية ضد إسرائيل.

وفي عام 2012، قال الرئيس الفرنسي الأسبق، نيكولا ساركوزي، إنه أبلغ قطر بأنه "ليس مرحبا به" في فرنسا حيث كان مقرر أن يقوم بزيارة ل تلبية لدعوة منظمة إسلامية.

ويرى المسفر في تصريحاته لموقع الحرة أن الاتهامات ضد القرضاوي بالتحريض على العنف "تدخل في إطار الحملات الإعلامية لتشويه الرموز الإسلامية.. وعمل مدسوس يقصد به استهداف الرموز الدينية في الوطن العربي".

ويرى أنه "لم يكن عنيفا أو محرضا على العنف"، مشيرا إلى أنه "على سبيل المثال اتخذ موقفا وسطيا بشأن حق القيادات السياسية استدعاء القوى الأجنبية وعندما ينتهي دورها، فعليها أن تنسحب وهو موقف وافق عليها قادة الفكر الديني".

ويشير إلى أن القرضاوي "لم يعاد نظاميا سياسا بعينه ولم يحرض على العنف لكنه أيضا كان مع حركات مواجهة العدو".

ولا يعتبر نبيل عبد الفتاح في المقابلة مع "الحرة" أنه يمثل زعامة روحية لجماعة الإخوان "ولكن أحد الموارد الرمزية المؤيدة لخطوات الجماعة، خاصة بعد وصولها إلى سدة السلطة في أعقاب الانتفاضات الجماهيرية الواسعة في مصر وتونس لعدة اعتبارات".

ويشير إلى أن الأجيال التي صعدت إلى سدة القيادة في مكتب الإرشاد كانت الجزء المهيمن على المقاليد الأساسية للتنظيم وكانوا ينتمون إلى مدرسة رائد فكر جماعة الإخوان، سيد قطب، وبعضهم كانوا تلاميذ له ودخل بعضهم السجون في أعقاب المحاولة الانقلابية في منتصف ستينيات القرن الماضي على الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر.

أما القرضاوي فكانت أفكاره "تتنافى مع توجهات الأبناء الروحيين والفكريين لسيد القطب في الجماعة"، ولكن في الوقت ذاته،"كان العقل البراغماتي الذرائعي لقادة مكتب الإرشاد، ومجلس شورى الجماعة يوظف أفكار القرضاوي بوصفها إحدى أدوات هذه الجماعة في محاولة إعادة صياغة صورتها لدى قطاعات جماهيرية سواء في الغرب أتو العديد من البلدان الإسلامية".

لذلك "الدور الذي لعبه القرضاوي كان "دورا رمزيا ووظيفيا استخدمه بعض قادة الجماعة لتحسين صورتها وتحسين التيار "القطبي" داخل مكتب الإرشاد".

ويقول عبد الفتاح إنه شخصية "براغماتية واستناده إلى سلطة المتغلب السني المشيخي في دولة قطر أثر على أفكاره وكشف عن تناقضاتها، بينما كان يؤيد تأيدا كاملا الأسرة المالكة في قطر ويعمل على شرعنة سياساتها الخارجية".

وكان القرضاوي أيضا "مؤيدا للرئيس التركي أردوغان، خاصة بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة التي تم تقويضها ومحاسبة العناصر التي قامت بها".

"لذلك نحن أمام شخصية براغماتية، كان يبدو حينا ثائرا وحينا مؤيدا ومحافظا في دعمه للأسرة الحاكمة في قطر والنظام التركي، وفي ذات الوقت لعب دورا لتقويض دول في أعقاب انتفاضات الربعي العربي مثل ليبيا"، وفق نبيل عبد الفتاح.

ويضيف خبير شؤون الجماعات الإسلامية أن مواقفه كانت "تفتقر للكثير من الاتساق" في أعقاب هذه الانتفاضات الجماهيرية، عندما "كان يحرض على العنف".

كما "شابت مسيرته الكثير من التناقضات، ولم يكن اجتهاده قائما على أسس رصينة في علم الكلام وأصول الاجتهاد الإسلامي على نمط الأمام محمد عبده وتلاميذه وكان يميل للإمام الأكبر (للأزهر) عبد الحليم محمود، الذي "اتسم بقدر كبير من المحافظة والتشدد" في ظل حكم الرئيس الأسبق، محمد أنور السادات، بحسب عبد الفتاح.

ويقول الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية إن الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الذي كانت تموله بعض البلدان الداعمة للقرضاوي كان "يرمي إلى مواجهة الإسلام الشيعي وقيادته الروحية والأساسية المتمثلة في علي خامنئي، وقبله الخوميني في إيران، وأن يكون هناك شكل آخر لجماعة سنية جامعة في العالم الإسلامي.

ويتابع عبد الفتاح إنه "حاول لعب دور المرشد العام السني للأغلبية السنية في العالم العربي والإسلامي، وكان في هذا الإطار يحاول تحجيم الدور التاريخي للأزهر في العالم السني".

وكانت خطب القرضاوي قد أثارت أيضا توترات بين الدوحة وجيرانها، وكانت أحد أسباب مقاطعة السعودية والإمارات والبحرين ومصر لقطر لعدة سنوات.

ووضعت الدول المقاطعة الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين على قائمة "الإرهاب" لأنه يروج "للإرهاب باستخدامه الخطاب الإسلامي كغطاء لتسهيل نشاطات إرهابية"، ووضعت اسم القرضاوي على قائمة الشخصيات التي تصنفها "إرهابية" وطالبت الدوحة بوقف تمويلهم وتسليمهم إلى بلدانهم الأصلية".

وحذرت هيئة كبار العلماء في السعودية، من خطر الاتحادات التي تصنف نفسها على أنها "علمية، وهي بالأساس قامت على أفكار حزبية، وأغراض سياسية، ولا تمت للعلم والعلماء بصلة". وأشارت إلى أن "الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، ينطلق من أفكار حزبية ضيقة، مقدما مصلحة حركته على مصلحة الإسلام والمسلمين".

وفي 2020، اعتبرت الهيئة السعودية جماعة الإخوان المسلمين "جماعة منحرفة إرهابية"، وهو ما رد عليه الاتحاد باتهام الهيئة بأنها تتبع أجندة سياسية، وقال إن الجماعة "موجودة ومعروفة في كل أنحاء العالم، ولها في بلدكم خاصة، عشرات الآلاف من الأعضاء والمؤيدين، وكان من سياسة حكام بلدكم استقطابهم والاستفادة منهم ومن خبراتهم في شتى المجالات".

وقال عبد الفتاح إن محاولة لعب دور المرشد السني "لم تحقق نجاحا كبيرا لأن الدول العربية والإسلامية قامت بعمليات توطين للسلطات الدينية داخلها التي تلعب أدوارها الوظيفية لدعم أنظمة الحكم الشمولية والسلطوية"، وظل يُنظر إليه على أنه "أحد أدوات السياسة الخارجية القطرية".

وأضاف: "وبالتالي كان لكل دولة قادتها الدينيين ولم تعتمد على المؤسسات الدينية الأخرى، مثل الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ولا المؤسسات النظيرية الأخرى".

عن "الحرة"


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية