أعادت السياسة الإعلامية لقطر تجاه بلدان خليجية مُقاطعة لها، مسار المصالحة مع تلك البلدان إلى مربّع الشكوك والأسئلة، بعد أن بدا خلال الفترة القريبة الماضية أنّ الأزمة الناتجة عن السياسات القطرية الموصوفة بدعم التشدّد وتهديد الاستقرار الإقليمي سلكت طريقها إلى الحلّ بناء على وساطة كويتية اكتسبت زخما استثنائيا بانضمام كل من سلطنة عمان وإدارة الرئيس الأميركي المنتهية ولايته دونالد ترامب إليها.
وبينما كان ينتظر أن تهدئ قطر من خطابها الإعلامي تجاه دول الخليج وأيضا مصر التي عبّرت جميعها عن مواقف إيجابية من المصالحة التي تتزعمها السعودية، حافظت قناة الجزيرة القطرية على خطابها المعهود إزاء تلك الدول، وتحديدا دولة الإمارات العربية المتّحدة، والقائمة على كيل الاتهامات لها في عدّة ملفات لاسيما الملف اليمني.
وبالنظر إلى ما يعلمه الجميع من ارتباط للقناة المذكورة بالسياسة القطرية وتعبيرها الأمين عن توجهاتها العامّة وخطوطها العريضة، فقد قُرئ تمادي القناة في الإساءة للإمارات باعتباره موقفا قطريا سلبيا من المصالحة.
ويتساءل مراقبون إن كانت الدوحة ذات المصلحة الكبرى في الخروج من أزمتها والتخلّص من مقاطعة جيرانها لها، بصدد الخضوع لضغوط من قبل حليفتها الكبيرة تركيا ذات المصلحة السياسية والمادية المباشرة في عزل قطر عن محيطها المباشر والانفراد بها، تحقيقا لغايات مالية واقتصادية تحقّق الكثير منها بالفعل عبر مساعدات مالية قطرية سخية تلقّتها أنقرة في أوج أزمتها الاقتصادية الحادّة، أو عبر مشاريع تعاون متنوعة تتيح لتركيا الوصول إلى الثروة المالية الكبيرة المتأتية لقطر من الغاز الطبيعي.
واتّهمت أبوظبي الثلاثاء منصات إعلامية قطرية بالعمل على تقويض الحلول لأزمة قطر المستمرة منذ نحو ثلاث سنوات ونصف السنة، وذلك قبل نحو أسبوعين من قمة خليجية مرتقبة في الرياض تنعقد بعد مؤشرات متزايدة على حلحلة الخلاف.
ولم يحدّد وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش هذه المنصات، لكن تصريحاته جاءت غداة بث شبكة الجزيرة ما سمته شريطا استقصائيا “يظهر” تعرض عدد من هواتف صحافيي الشبكة لاختراق من قبل جهات إقليمية، وذلك بعد شريط مماثل يتّهم الإمارات بتقويض جهود الاستقرار في اليمن باتباعها سياسات خاصة بها هناك، وفق ادعاءات القناة.
وكتب قرقاش في تغريدة عبر تويتر “الأجواء السياسية والاجتماعية في الخليج العربي تتطلع إلى إنهاء أزمة قطر وتبحث عن الوسيلة الأمثل لضمان التزام الدوحة بأي اتفاق يحمل في ثناياه الخير للمنطقة. أما المنصات الإعلامية القطرية فتبدو مصممة على تقويض أي اتفاق”. وأضاف “ظاهرة غريبة وصعبة التفسير”.
وقطعت السعودية والإمارات والبحرين ومصر علاقاتها مع قطر في يونيو 2017 ومنعتها من استخدام مجالها الجوي بسبب تمويل الدوحة لحركات إسلامية متطرفة، واتباعها سياسات مهدّدة للأمن الإقليمي.
وكانت قطر والسعودية وسلطنة عمان والكويت أكدت أوائل الشهر الجاري تسجيل تقدم لحل الأزمة الدبلوماسية في منطقة الخليج، وذلك بعد جهود وساطة قادتها الكويت، ودخلت أخيرا على خطّها إدارة الرئيس الأميركي المنتهية ولايته دونالد ترامب. وتقول مصادر مطلعة على جهود المصالحة إنّ الدول المقاطعة لقطر بقيادة الرياض أبدت استعدادها لتخفيف مطالبها من قطر تسهيلا للمصالحة معها.
وأشار مصدر مقرّب من الحكومة السعودية لوكالة فرانس برس إلى أن المملكة مستعدة لتقديم تنازلات عبر فتح مجالها الجوي أمام الطائرات القطرية في حال توقّفت الدوحة عن تمويل معارضيها السياسيين وكبحت جماح وسائل الإعلام التابعة لها.
وستنعقد القمة السنوية لدول مجلس التعاون الخليجي في السعودية في 5 يناير المقبل. وسيكون المؤشر الحقيقي مستوى التمثيل القطري، إذ سيشكل حضور أمير قطر مؤشرا على حدوث انفراج في الأزمة. ومع ذلك يقرأ مراقبون في تغطيات قناة الجزيرة مؤشّرات سلبية قبل انطلاق القمّة.
ورغم أنّ محاولة إنهاء الأزمة القطرية بدت هذه المرّة على درجة غير مسبوقة من الجدية، وهو ما تجسّد على الأقل من خلال التصريحات السياسية المتفائلة والمرنة، غير أنّ غياب التفاصيل العملية ظلّ يثير التساؤلات والشكوك بأن عوائق لا تزال قائمة وبأن هناك خلافات مستعصية عن الحلّ، الأمر الذي يجعل الحل الشامل أمرا بعيد المنال.
وكان وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، قال في وقت سابق إن حلفاء بلاده على الخط نفسه في ما يتعلّق بحل الأزمة الخليجية، متوقعا التوصل قريبا إلى اتفاق نهائي بشأنها.
كذلك أعربت الإمارات ومصر في وقت لاحق عن دعمهما للجهود الرامية إلى حل الخلاف مع قطر. ولكنّ مصادر تقول إن البلدين قد يكونان أقلّ مرونة من السعودية في ما يتعلّق بتخفيف الاشتراطات على قطر.
وقال مصدر آخر في الخليج مقرب من ملف المفاوضات إنّ العملية التي تقودها المملكة حاليا قد تؤدي إلى نوع من السلام ولكنها لن تقوم بحل كل القضايا الأساسية. ونقل دبلوماسيون في الدوحة عن مسؤول قطري كبير قوله إن الاتفاق النهائي “تم الاتفاق عليه مبدئيا لكنه محدود النطاق”.
ويرى كريستيان أولريشسن من معهد بيكر للسياسة العامة بجامعة رايس الأميركية، أنّ “الأمر سيستغرق وقتا طويلا وجهودا مستمرة من كافة الأطراف لإعادة بناء العلاقات”، مؤكّدا على أنّ “أي اتفاق سيكون بداية لعملية أطول للمصالحة بدلا من نقطة نهاية أو عودة إلى الوضع القائم السابق قبل عام 2017”.
وعن القمة الخليجية المرتقبة تقول مصادر خليجية إنّها ستكون اختبارا مباشرا من قبل القيادة السعودية لجدية قطر في السير في طريق المصالحة دون مواربة وازدواجية في المواقف.
وتؤكّد ذات المصادر أن قرار عقد القمة في السعودية جاء ضمن اتفاق جماعي من دول المقاطعة على أن تذهب القيادة القطرية إلى الرياض باعتبارها المركز الوحيد للحل وتعيد الالتزام بما التزمت به في السابق في اتفاق الرياض الأول سنة 2013، والثاني سنة 2014، على أن يكون الاتفاق الثالث في 2021 نهائيا ولا يترك أيّ هامش للهروب من المسؤولية.
عن "العرب" اللندنية