مختارات حفريات
حبذا لو تعود القيادة القطرية الى رشدها!!
عندما اندلعت "ثورات الربيع العربي" أوكلت الإدارة الأمريكية بقيادة الرئيس الأسبق باراك أوباما شأن دعم وتمويل وإدارة هذه "الثورات" إلى قطر وتركيا باعتبارهما الحاضنان الأساسيان لحركة "الإخوان المسلمين"، ومن منطلق أمريكي يعتبر أن "الإخوان" يمثلون "الإسلام المعتدل"، وله الأولوية في إدارة شؤون العالم الإسلامي.
فكانت الريادة في تونس "لحركة النهضة" الغنوشية ، وفي مصر ل محمد مرسي الأخواني، وفي ليبيا لتحالف من المتشددين، وجاء بعد ذلك دور سوريا حيث عادت قيادات حركة "الإخوان" لتتصدر واجهة "الثورة" .
وكان مقدراً لهذه "الثورات" أن تمتد على مساحة العالم العربي والإسلامي، وأن تُختصر القضية الفلسطينية بإقامة دولة في غزة وأجزاء من صحراء سيناء.
ومع ظهور تيارات اسلامية متشددة مثل "داعش" و"النصرة" لم تجد القيادة القطرية حرجاً من فتح قنوات تواصل مع هذين التنظيمين لاستخدامهما ضمن المخطط المرسوم رغم التباعد العقائدي بينهما وبين "الإخوان". وكان من نتيجة ذلك إن أمسكت الدوحة بيد "الإخوان " وبيد أخرى هذين التنظيمين.
ومن ينفي اليوم أي علاقة لقطر مع هذين التنظيمين عليه أن يتذكر قضية راهبات دير "مار تقلا" الأرثوذكسي في بلدة معلولا بالقلمون شمال دمشق التي مرت بأطوار بدءاً من احتجازهن في كانون الأول (ديسمبر) 2013 من قبل مقاتلين من "جبهة النصرة" مروراً بنقلهن خارج البلدة، ووصولاً إلى الإفراج عنهن مساء الإثنين 10/3/2014 بوساطة قطرية مقابل إطلاق أكثر من 150 سيدة سورية من سجون نظام الرئيس السوري.
وعليه أن يتذكر ايضاً ما أعلنته وزارة الخارجية القطرية من أن الوساطة القطرية "نجحت في إطلاق سراح 16 من الجنود اللبنانيين المختطفين لدى "النصرة" بتاريخ 1/12/2015 مقابل 25 أسيراً بينهم 17 امرأة وأطفالهم".
وعليه أن يتذكر زيارة الرئيس اللبناني ميشال عون إلى الدوحة يوم 11/1/2017؛ حيث طلب عون من الأمير تميم بن حمد آال ثاني، أن تساعد الدوحة بيروت فى معرفة مصير العسكريين اللبنانيين المخطوفين لدى "داعش" والمطرانين بولس اليازجى ويوحنا إبراهيم والصحفى سمير كساب، لافتاً إلى أن أمير قطر وعد بمواصلة الجهود فى هذا المجال، والتوسط لدى "داعش" لإحراز تقدم فى الملف.
اضافة الى ما تقدم هناك عشرات الأمثلة المادية على علاقة قطر بالحركات المتطرفة والتي لا تقبل الدحض، وهذه العلاقة لا زالت مستمرة رغم سقوط المخطط حيث تغيرت الأوضاع في مصر وتونس وليبيا، وتداخلت المصالح الإقليمية والدولية في الأزمة السورية الى حد باتت معقدة جداً وبعيدة عن أي حل على المدى المنظور .
والمؤسف أن القيادة القطرية لم تستوعب المتغيرات التي حصلت وواظبت على لعب دور أكبر من حجمها ومن قدراتها، وأصرت على تبني الكثير من الملفات رغم ما بينها من تناقضات:
- فالدوحة تقيم علاقة مع اسرائيل وتدعم حركة "حماس" .
- تقيم أفضل العلاقات مع طهران وتتصارع معها على الأرض السورية .
- تدعم "الإخوان" في مصر، وتدعو في الوقت نفسه الى التحاور مع الرئيس عبد الفتاح السيسي.
- تعلن انها ضد الحركات التكفيرية وتستقبل على اراضيها "طالبان" .
- تدّعي أنها ملتزمة بقرارات الأمم المتحدة التي تصنف "داعش " و"النصرة" على أنهما تنظيمان إرهابيان، وفي الوقت نفسه تتواصل معهما، إن لم نقل إنها تدعمهما.
- تعتبر نفسها عضواً فاعلاً في مجلس التعاون الخليجي وتتدخل في نفس الوقت بالشؤون الداخلية للمملكة العربية السعودية والبحرين ودولة الإمارات .
- تقف إلى جانب التحالف الإسلامي في اليمن وتدعم في نفس الوقت الحوثيين .
وبالنتيجة أدت ممارسات القيادة القطرية إلى التالي :
- فتحت المجال للتدخل الإيراني بشؤون دول الخليج العربي في وقت تتجه كل الجهود الخليجية من اجل لجم طهران وإقفال الطريق أمام تحقيق أطماعها التوسعية .
- اعادت احياء الأطماع العثمانية وخصصت اراضيها لإقامة قاعدة تركية في وقت تقيم انقرة علاقات سيئة مع السعودية ومصر والعراق وسوريا ودول الأتحاد الأوروبي .
- شرعت أبواب الخليج العربي لتدخلات دولية وأقليمية .
- خلقت نوعاً من العداء بين الدول الشقيقة، ونوع من الخصومة بين شعوب المنطقة رغم جذورها وأصولها الواحدة .
- احدثت شرخاً في هيكليات مجلس التعاون الخليجي وفي جامعة الدول العربية .
- "شرعنة" انشطة الحركات التكفيرية وأعطتها ما يكفي من تبريرات لمواصلة إرهابها .
- انشأت بوقاً اعلامياً (الجزيرة) الذي افلح في نشر الفتن والتفرقة وفبركة الأخبار والتحاليل .
والأنكى من ذلك كله أنها لا زالت مصرة على مواقفها وعلى الأدوار التي تلعبها فيما كان بإمكانها أن تختصر كل ذلك بالعودة إلى لعب دور يتناسب مع حجمها الطبيعي ضمن إطار محيطها وبيئتها واضعة الأولوية لنهضة قطر ونموها ورفاهية شعبها خاصة وأن الله قد حباها بثروات طبيعية هائلة قادرة بواسطتها أن تكون رائدة في مجال الصناعة والتجارة والزراعة بدلاً من ريادتها حالياً في أحداث الخلافات ونشر ثقافة التطرف.
عن مركز الدراسات العربي- الأوروبي