
أصدر معهد الاقتصاد والسلام الدولي النسخة الثانية عشرة من مُؤشر الإرهاب العالمي لعام 2025، وهو تقرير سنوي يُنشر باللغة الإنجليزية منذ عام 2012، ويعتمد على قاعدة البيانات Dragonfly Terrorism Tracker وعدد من المصادر الأخرى.
يُقدّم المُؤشّر، بحسب قراءة أعدتها الباحثة بالمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، منى قشطة، مُلخصاً شاملاً للاتجاهات والأنماط العالمية الرئيسية للظاهرة الإرهابية، ويُحلل مجموعة من الأبعاد المهمة المرتبطة بها، مثل الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تساهم في انتشار الإرهاب، وطبيعتها الديناميكية التي تتغير مع مرور الوقت.
كما يستعرض الدوافع الجيوسياسية والأهداف الإيديولوجية التي تحرك الجماعات الإرهابية، إلى جانب الاستراتيجيات التي يعتمدها الإرهابيون في تنفيذ هجماتهم.
ملامح النشاط الإرهابي خلال عام 2024
سجّل المُؤشر أبرز الملامح العامة التي اتّسم بها النشاط الإرهابي خلال عام 2024، وتباين التأثيرات والتداعيات المرتبطة بهذا النشاط من منطقة إلى أخرى، وذلك على النحو التالي:
اتساع جغرافية النشاط الإرهابي
شهد عام 2024 انخفاضاً في مُعدّل الهجمات الإرهابية بنسبة 3% إلى (3492) هجوماً، والوفيات الناجمة عنها بنسبة 13% إلى (7555) حالة وفاة، غير أنّ جغرافية النشاط الإرهابي باتت أكثر انتشاراً مقارنةً بعام 2023؛ فقد ارتفع عدد الدول التي شهدت هجمات إرهابية من (58) إلى (66) دولة. وفي حين تحسّن وضع النشاط الإرهابي في (34) دولة خلال 2024، تدهور في (45) دولة أخرى، وهو أعلى رقم يرصده المؤشر منذ عام 2018.
وارتفع كذلك بشكل كبير عدد الوفيات الناجمة عن الهجمات التي نفذتها الجماعات الإرهابية الأربع الأكثر فتكاً في العالم (داعش، وجماعة نصرة الإسلام والمسلمين، وحركة طالبان الباكستانية، وحركة الشباب الصومالية) بنسبة 11% ليصل إلى (4204) حالة وفاة، وكذا اتّسع نطاق نشاطها في البلدان النشطة بها.
تزايد التهديدات الإرهابية في الغرب
زاد معدل الهجمات الإرهابية في الغرب لأول مرة منذ عام 2017؛ وتمّ تسجيل (52) هجوماً في عام 2024، ارتفاعاً من (32) هجوماً خلال عام 2023. وفيما نُفذت معظم هذه الهجمات من جماعات مجهولة، يُشير تحليل الجهات المستهدفة منها إلى أنّ 31% من الهجمات الإرهابية التي تشهدها الدول الغربية العام الماضي كانت بدافع معاداة إسرائيل.
وقد شهدت (6) دول، ممثلة في السويد وأستراليا وفنلندا وهولندا والدنمارك وسويسرا، هجمات إرهابية خلال 2024 رغم أنّها لم تسجل أيّ هجمات خلال الأعوام الـ (5) السابقة، ممّا يعزز من فرضية اتساع جغرافية النشاط الإرهابي.
تفاقم الخطر الإرهابي في الساحل الأفريقي
كانت منطقة أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى الأكثر دموية للعام الثامن على التوالي. وتتركز غالبية التأثيرات المُرتبطة بالنشاط الإرهابي في منطقة الساحل الأفريقي، فقد شهدت ما يزيد على 19% من إجمالي الهجمات، وسجلت أكثر من نصف إجمالي الوفيات الناجمة عن الأنشطة الإرهابية على مستوى العالم.
بالإضافة إلى ذلك تقع (5) من الدول الـ (10) الأكثر تأثراً بالإرهاب خلال عام 2024 في هذه المنطقة، وهو ما يعكس حالة انعدام الأمن المستمرة التي يعيشها الساحل الأفريقي، لا سيّما في دول مثل بوركينا فاسو ومالي والنيجر، بسبب أنشطة الجماعات الإرهابية، وفي مقدمتها تنظيم داعش وجماعة نصرة الإسلام والمسلمين التابعة لتنظيم القاعدة.
الجماعات الإرهابية الأكثر فتكاً
ذكر المؤشر عقبتين رئيسيتين تواجهان عملية تحديد الجماعات الإرهابية الأكثر نشاطاً، والمسؤولة عن أكبر عدد من الوفيات؛ الأولى تتمثل في امتلاك العديد من الجماعات الإرهابية أفرعاً إقليمية مختلفة تعمل في شراكة أو جزئياً تحت القيادة نفسها. والثانية تتعلق بعدم تبنّي بعض الجماعات الإرهابية -في كثير من الأحيان- المسؤولية عن الهجمات، ممّا يجعل تحديد الجماعة المُنفذة لها أمراً صعباً، لا سيّما في مناطق وبؤر الصراع النشطة.
عقبتان رئيسيتان تواجهان عملية تحديد الجماعات الإرهابية الأكثر نشاطاً والمسؤولة عن أكبر عدد من الوفيات؛ الأولى تتمثل في امتلاك العديد من الجماعات الإرهابية أفرعاً إقليمية مختلفة تعمل في شراكة أو جزئياً تحت القيادة نفسها. والثانية تتعلق بعدم تبنّي بعض الجماعات الإرهابية المسؤولية عن الهجمات.
وفي الغالب تبقى تلك الهجمات التي تتسبب في سقوط أعداد كبيرة من الضحايا في بيئات النزاع، وكذلك الهجمات التي تسببت في عدد قليل جداً من الوفيات، تبقى مجهولة المصدر، ولا تعلن أيّ جماعة ضلوعها في تنفيذها، ويُمكن تفسير ذلك في ضوء عدم رغبة بعض الجماعات الإرهابية في تبنّي أعمال عنف بسيطة يُمكن اعتبارها فاشلة، أو هجمات ذات تأثيرات عالية الشدة قد يترتب عليها ردود أفعال عنيفة من الحكومة والسكان المحليين، ممّا يعيق جهود تجنيدهم لعناصر جديدة، ويتسبب في زيادة جهود مكافحة التمرد ضدهم.
وكانت الجماعات الإرهابية الـ (4) المسؤولة عن أكبر عدد من الوفيات خلال عام 2024، بحسب المُؤشر، هي تنظيم داعش، وجماعة نصرة الإسلام والمسلمين (JNIM)، وحركة طالبان باكستان (TTP)، وحركة الشباب المجاهدين بالصومال، وكانت هذه الجماعات مسؤولة عن (4204) حالة وفاة، وهو ما يمثل 80% من الوفيات المنسوبة إلى جماعة إرهابية معينة، مُقارنةً بمسؤوليتها عن أقلّ من 40% فقط من إجمالي الوفيات الناجمة عن الإرهاب خلال عام 2014، وهو ما يُسلط الضوء على التحولات العالمية الكبيرة في النشاط الإرهابي على مدى العقد الماضي. وفيما يلي قائمة التنظيمات الأكثر فتكاً خلال عام 2024:
تنظيم داعش
ظلّ تنظيم داعش الجماعة الإرهابية الأكثر فتكاً في العالم، وبلغ العدد الإجمالي لهجمات التنظيم (559) هجوماً خلال عام 2024، ارتفاعاً من (525) خلال 2023، وذلك رغم انخفاض الوفيات المنسوبة إلى التنظيم والأفرع التابعة له بنسبة 10%.
ووفقاً للمؤشر مثلت الهجمات التي أعلن تنظيم داعش مسؤوليته عنها نحو 16% من إجمالي الهجمات التي وقعت على مستوى العالم خلال العام الماضي.
ويرجح المُؤشر أن يكون العدد الفعلي لتلك الهجمات أكبر بكثير من الرقم المُعلن عنه؛ لأنّ نسبة كبيرة من الهجمات المنسوبة إلى جهة مجهولة وقعت في مناطق تنشط بها أفرع التنظيم المُختلفة.
وقد وقعت هجمات تنظيم داعش خلال عام 2024 في مناطق آسيا والمحيط الهادئ، وأوروبا، والشرق الأوسط، وشمال أفريقيا، وأفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وروسيا وأوراسيا، وجنوب آسيا.
وكانت سوريا الدولة الأكثر تضرراً من هجمات تنظيم داعش للعام الثاني على التوالي، فقد سجلت (369) هجوماً عام 2024، بزيادة قدرها 50% تقريباً عن (250) هجوماً عام 2023. كما شهدت أكبر عدد من الوفيات الناجمة عن هجمات التنظيم للعام الثالث على التوالي، حيث سجلت (708) حالة وفاة العام الماضي، وهو أعلى بمقدار الثلث، من (534) حالة وفاة خلال عام 2023.
ووفقاً للمؤشر، أحدثت الإطاحة بنظام بشار الأسد بقيادة هيئة تحرير الشام فراغاً استغله تنظيم داعش في تعزيز نشاطه على الجغرافيا السورية بعد أعوام من انخفاضه.
جماعة نصرة الإسلام والمسلمين
كانت الجماعة ثاني أكثر الجماعات الإرهابية فتكاً في عام 2024، ونُسب إليها (1454) حالة وفاة ناجمة عن (146) هجوماً. ويُرجح المؤشر أن يكون التأثير الفعلي للجماعة أكبر بكثير، نظراً للعدد الكبير من الهجمات التي لم يعلن أحد مسؤوليته عنها في المنطقة التي تنشط فيها. وقد وصلت الوفيات الناجمة عن هجمات الجماعة إلى أعلى مستوياتها منذ ظهورها في عام 2017، فقد زادت الوفيات بنسبة 46% عن عام 2023، وزاد عدد هجماتها بأكثر من الرُبع، وارتفع معدل فتك تلك الهجمات إلى أعلى مستوياته، بمتوسط (10) أشخاص لكل هجوم خلال العام الماضي.
حركة طالبان باكستان
كانت الحركة ثالث أكثر الجماعات الإرهابية فتكاً في عام 2024، وكانت مسؤولة عن (558) حالة وفاة ناجمة عن (482) هجوماً. وقد شهد نشاط الجماعة انتعاشاً كبيراً بعد فترة من الخفوت العملياتي بين عامي 2017 و2021؛ إذ تضاعفت هجماتها بأكثر من الضعف خلال عام 2024، بجانب زيادة بنسبة 90% في عدد الوفيات الناجمة عن ممارساتها، وهو أعلى مستوى تصل إليه الحركة منذ عام 2011.