أحمد عبد الحكيم
خلال الأسابيع الأربعة الأخيرة، كثفت السلطات الأمنية المصرية من تحركاتها ضد ما قالت إنها "محاولات إخوانية لزعزعة الاستقرار واستهداف مؤسسات الدولة فضلاً عن التآمر على أنظمة حليفة"، وذلك عبر مسارين، قضائي وأمني لاستهداف أنشطة تنظيم الإخوان في الداخل وملاحقتها خارجياً، وفق مصادر تحدثت لـ"اندبندنت عربية".
وقالت هذه المصادر إن الخيوط توالت منذ أواخر أغسطس (آب) الماضي، في أعقاب القبض على محمود عزت، القيادي في الجماعة ومرشدها العام بالإنابة منذ 20 أغسطس 2013، على إثر ما كشفته التحقيقات معه.
وبدأت التحركات المصرية في النصف الأول من نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، بنشر الجريدة الرسمية قراراً من محكمة جنايات حلوان (شرق القاهرة) بتمديد إدراج 161 متهماً على قوائم الإرهاب مدة ثلاث سنوات، بينهم أبناء قيادات تنتمي للإخوان التي تصنفها السلطات "تنظيماً إرهابياً"، وذلك قبل نحو أسبوعين من موافقة محكمة جنايات القاهرة على إدراج قادة من الجماعة و28 آخرين موالين لها، في قوائم الكيانات الإرهابية لمدة خمس سنوات، بعد أن كشفت التحقيقات أن الأسماء المدرجة "ارتكبت جرائم تمسّ الأمن القومي، وقامت بتمويل شراء الأسلحة وتدريب عناصر الجماعة وإعدادهم للقيام بعمليات إرهابية، وتنفيذ عمليات عنف وتفجيرات واغتيالات، وتخريب منشآت عامة وخاصة".
وسرعان ما أعلنت أجهزة الأمن المصرية، في الأسبوع الأول من الشهر الحالي، القبض على اثنين من أقطاب رجال الأعمال والمشتبه بصلاتهما بجماعة الإخوان، وهما مالك سلسلة المجمعات التجارية الشهيرة "التوحيد والنور"، سيد السويركي، ورئيس مجلس إدارة شركة "جهينة" للصناعات الغذائية، صفوان ثابت، إضافة إلى وزير القوى العاملة الأسبق في حكومة الرئيس الراحل محمد مرسي المنتمي لجماعة الإخوان، خالد الأزهري. إذ وجهت لهم النيابة تهم التمويل والانضمام إلى جماعة إرهابية، فضلاً عن التحريض على العنف، وارتكاب مخالفات مالية والتورط في دعم الإرهاب على مدى الأعوام الماضية، إضافة إلى قضايا تتعلق بالدعوة إلى تعطيل أحكام الدستور والقوانين، ومنع مؤسسات الدولة والسلطات العامة من ممارسة أعمالها. وكشفت المصادر لاحقاً أن "جهات التحقيق تمكنت من الوصول إلى مخططات إخوانية يقودها التنظيم العالمي بقيادة المرشد الجديد إبراهيم منير تستهدف دولاً خليجية بالتعاون مع أنقرة وطهران".
الخليج في قلب "المؤامرة" الإخوانية
وفق مصادر أمنية مصرية، فإن "التحقيقات المكثفة وتتبع نشاط التنظيم دولياً أديا إلى معرفة مساعي التنظيم بتشكيل خلايا من عناصر شديدة الخطورة في عدد من الدول الخليجية لاستهداف أمنها واستقرارها، وذلك بالتعاون والتنسيق مع النظامين الإيراني والتركي".
وقال أحد المصادر، إن أغلب المعلومات التى تم جمعها جاءت في أعقاب التحقيقات المكثفة مع محمود عزت، الذي كانت تلاحقه السلطات على مدار سبع سنوات، وبدأت أولى جلسات محاكمته رسمياً الخميس الماضي أمام المحكمة بسجن طرة (شرق القاهرة)، على أن تستكمل في 4 يناير (كانون الثاني) المقبل، مشيراً إلى أن القاهرة تشاركت تلك المعلومات مع الدول الخليجية الحليفة لها.
وقال المصدر، "رصدت الأجهزة الأمنية اتصالات متزايدة وأنشطة مشبوهة في الآونة الأخيرة بين عناصر من التنظيم بالحرس الثوري الإيراني في محاولة لإعادة إحياء التعاون والدعم بينهما بعد أن شهدا تضييقاً خلال السنوات الماضية".
وذكر مصدر آخر، أن من بين ما توصلت إليه الأجهزة المعنية في مصر، معلومات متعلقة بشبكات التمويل الدولية وطرق نقلها وآلية التواصل مع كوادر الجماعة الشبابية عبر قيادات مقيمة في تركيا وعدد من الدول الأوروبية، وذلك بعد العثور على مراسلات بين عزت وعدد من القيادات الإخوانية حول العالم، موضحاً أن أكثر من جهة أمنية مصرية تتشارك في هذه الجهود.
وأواخر أغسطس الماضي، تمكنت الأجهزة الأمنية المصرية من القبض على عزت، بعد سبع سنوات من ملاحقته، في إحدى الشقق السكنية بمنطقة التجمع الخامس بالقاهرة الجديدة (شرق)، وقال بيان وزارة الداخلية حينها، إن قوات الأمن عثرت أثناء عملية التفتيش على "العديد من أجهزة الحاسب الآلي والهواتف المحمولة التي تحتوي على البرامج المشفرة لتأمين اتصالاته وإدارته لقيادات وأعضاء التنظيم داخل وخارج البلاد، فضلاً عن بعض الأوراق التنظيمية التي تتضمن مخططات التنظيم التخريبية".
لماذا عين الإخوان على "الخليج"؟
فيما رفضت قيادات من جماعة الإخوان خارج مصر، الرد على أسئلة "اندبندنت عربية"، ومن بينهم إبراهيم منير المرشد العام الجديد للتنظيم، يقول مراقبون ومعنيون بشؤون الحركات الإسلامية، إن "استهداف استقرار وأمن دول الخليج باستثناء قطر، إحدى الأهداف الاستراتيجية لتنظيم الإخوان المسلمين، في محاولة للثأر من دعم تلك الدول للإطاحة بحكمهم في مصر في يونيو (حزيران) ويوليو (تموز) 2013".
وقال أحمد بان، الباحث المختص في شؤون الحركات الإسلامية، "منذ نشأة الجماعة في عشرينيات القرن الماضي، ودول الخليج لم تغب عن تفكيرها، لا سيما بعد أن تمكنت من التموضع داخلها في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، مستغلة الشقاق بين نظام الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، والدول الخليجية في ذلك الوقت".
وذكر بان "لعبت الجماعة على التناقضات بين القاهرة ودول الخليج، وتمكنت من تكثيف حضورها تحت رايات رسمية أو غير رسمية كالجمعيات والمؤسسات الأهلية والخيرية والتعليمية، بل تمكنت من الحضور بصورة مكثفة في دول بعينها". وتابع "الأمر اختلف بعد الإطاحة بنظام الجماعة من مصر عام 2013، إذ بات المحرك الرئيسي للتنظيم الدولي تجاه الخليج حالة الثأر والاستهداف، رداً على الدور الذي لعبته السعودية والإمارات في إقصائهم عن حكم مصر".
وبحسب بان "من بين المحاولات الثأرية التي سعى لها التنظيم ضد الخليج، دعم جماعة الحوثيين في اليمن لاستهداف السعودية، إذ رصدت الأجهزة الأمنية اجتماعات واتصالات مكثفة بين قيادات الإخوان والحرس الثوري الإيراني والاستخبارات التركية، للتحرك في هذا الاتجاه"، متفقاً مع المعلومات بشأن إصرار التنظيم على استهداف الدول الخليجية وتشكيل خلايا من عناصر شديدة الخطورة، كإحدى نتائج التحقيقات مع عزت، قائلاً إنها "ربما ستكشف المزيد خلال الأيام المقبلة". وأكد أن "الروح الثأرية والتآمرية على الدولة الوطنية هي أحد الأهداف الرئيسية للجماعة".
من جانبه، يقول أحمد سلطان، الباحث في شؤون الحركات الإسلامية، إن لتنظيم الإخوان "مشروعاً قديماً يسعى إلى تغيير أنظمة الحكم في دول الخليج، وتأسيس نظام حكم إخواني فيها"، مضيفاً أن قيادة هذا المشروع كانت لدى إخوان مصر باعتبارهم رأس الشبكة التشغيلية للجماعة.
وأشار سلطان إلى أن تنظيم الإخوان اعتبر أن ما سُمي بالربيع العربي فرصة مؤاتية له لزعزعة الاستقرار في دول الخليج بعد السيطرة على الحكم في مصر، وهو ما تنبهت له عدة دول خليجية حينها، لكن إجهاض مخطط الجماعة في مصر أثر في مشروعها العالمي للانتشار والسيطرة وكشف كثيراً من شبكاتها في تلك المنطقة، وهو ما اضطرها لتجميد أنشطة بعضها ونقل عناصر وقيادات فاعلة إلى دول الملاذات الآمنة كتركيا وقطر وغيرهما.
وأوضح الباحث في الحركات الإسلامية أن "الجماعة لجأت لتأسيس شبكات لوجيستية في دول خليجية لتقوم بمهمة دعم الحراك المسلح للإخوان وتمويل أنشطتها"، مردفاً أن بعض هذه الشبكات انكشف في فترات متفرقة كخلية أبو بكر الفيومي، المتهم بمحاولة اغتيال النائب العام المصري المساعد، والذي كان يقيم في إحدى الدول الخليجية قبل أن يقوم جهاز أمن الدولة فيها بالقبض عليه وترحيله بناءً على طلب مصري.
وتابع "دول الخليج تشكل مرتكزاً محورياً في مشروع الإخوان العالمي، وإحدى ساحات الصراع في المشروع التركي الذي يتبناه الرئيس رجب طيب أردوغان، الساعي إلى توظيف الجماعة في السياق الإقليمي لتحقيق مصالح خاصة به، وضرب التآزر الخليجي الرافض لأطماعه التوسعية".
وبحسب دراسة سابقة لمعهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، تعتبر التحديات الأمنية التي تمثلها المنظمات والخلايا الإخوانية التي تعمل في الدول الخليجية بعيدة من أن توضع في إطار واحد. إذ إن لهذه الجماعات ركائز مختلفة في النظام السياسي بكل بلد، وتحشد مستويات وصوراً مختلفة من الدعم المقدم من المواطنين الذين يتبعونها، داعية إلى ضرورة متابعتها عبر نهج متدرج.
عن "اندبندنت عربية"