بعد هزيمة الإخوان…هل يكون التصوف هو الملاذ الأخير للشباب المصري؟

بعد هزيمة الإخوان…هل يكون التصوف هو الملاذ الأخير للشباب المصري؟


12/08/2018

ترجمة: محمد الدخاخني


بالرّغم من نشأته في عائلة صوفيّة في قاهرة التّسعينيّات، لم يسمع محمّد سامي كلمة "الصّوفيّة" في البيت. على أنّه قد أدرك، عند مستوى ما، أنّ أقرانه لم ينشأوا جميعاً على الصّلاة في مسجد الحسين أيام الجُمَع أو على قراءة قصيدة البردة للبوصيريّ - وإن لم يدرك بشكل كبير أيضاً أنّ ممارسات أسرته قد دِينت من طرف تيّار إسلاميّ موازٍ.

باعتباره طالباً جامعيّاً إبّان الثّورة المصريّة، كان سامي مدفوعاً إلى البحث عن المعنى الشّخصيّ وسط الاضطّراب السّياسيّ. "لقد عانيت أزمة وجوديّة استمرّت لبعض الوقت؛ لم أرِد أن أحمل بداخلي معتقدات متناقضة. وجاء في ذهني أنّه إذا لم يكن للدّين معنى أعمق، إذا لم يكن حقّاً وإلهيّاً، فقد لا أريده أيضاً"، يحكي سامي للمونيتور، موضّحاً رحلة بحثه عن الجوانب الرّوحيّة والثّقافيّة للإيمان.

الدمنهوري: جيل الألفية أصبح أكثر روحانيّة كردّ فعل على انتشار التّأثيرات السّلفيّة خلال العقود القليلة الماضية

وكان قد لاحظ أنّ العديد من الشّباب إمّا فقدوا عقيدتهم الدّينيّة عندما دخلت جماعة الإخوان المسلمين إلى المجال العام أو اقتربوا من الدّين باحثين عن تفسير، غالباً "صوفيّ"، بديل.

بحلول ذلك الوقت، كان سامي قد اعتنق ووجد مكانه في الدّين بعد عدّة أشهر من القراءة، ومشاهدة مقاطع فيديو على موقع يوتيوب، وحضور دروس دينيّة وتجمّعات مع طرق صوفيّة مختلفة. ويأتي بين أهم العوامل الّتي أثّرت عليه الموسم الأوّل من برنامج علي الجفريّ التّلفزيونيّ، "أيّها المريد"، والّذي تناولت حلقاته القليلة الأخيرة أهميّة اتّباع شيخ ما - والشّيخ هو الزّعيم الرّوحيّ داخل الطّريقة الصّوفيّة. ثمّ بدأ سامي رحلة البحث عن طريقة من شأنها أن تتماشى معه، وفي النّهاية ارتاح إلى الطّريقة العلاويّة، الّتي تتّخذ من اليمن مركزاً لها. "قبل هذا، كان الدّين مجرّد جزء من هوّيّتي، لكنّه أصبح فيما بعد علاقة بين الله ونفسي"، كما يوضّح.

صوفيون مصريون يحتفلون بمولد الإمام الحسين، القاهرة (تصوير: خالد الدسوقي)

صوفيّة في إطار حديث

"بالتّأكيد، ثمّة انتعاشة صوفيّة في مصر، وهذا واضح بشكل خاصّ في الأوساط الحضريّة البرجوازيّة، لا سيّما دوائر الشّباب، من المتعلّمين تعليماً عالياً؛ وإن كنت أعتقد أنّ ذلك يتخطّى الحدود الطّبقيّة والسّياسيّة"، يقول عالم الأنثروبولوجيا والباحث في مركز الدّراسات الشّرقيّة المعاصرة في برلين، صامولي شيلكه. "عندما كنت أقوم بعملي الميدانيّ بين عامي 2002 و2005، شعرت حقّاً أنّني أقوم بدراسة تقليد في حالة تراجع. فالشّباب في ذلك الوقت كانوا قد نشأوا ضمن نوع من الخطاب الدّينيّ يرفض [التّقاليد الصّوفيّة] ويصفها بـ "البدع" [أي "الممارسات الجديدة والّتي تستحقّ الإدانة"]"، يقول للمونيتور. ويشير شيلكه، الّذي درس التّقليد الإسلاميّ "للموالد" [أي المهرجانات الدّينيّة الّتي ترتبط عادة بالصّوفيّة]، إلى أنّ تأثير السّلفيّة والإخوان المسلمين و"الحركات السّياسيّة الّتي تطوّرت في أوائل القرن العشرين" قد توسّع بشكل متزايد منذ السّبعينيّات.

اقرأ أيضاً: حضرة عنايت خان.. ما هو الدين عند الصوفي؟

يقول شيلكه إنّ الانتعاشة الإسلاميّة السّائدة قبل عام 2011 قد أدّت إلى تهميش الصّوفيّين، بالرّغم من أنّه يرى أنّ أعداداً صغيرة من "المثقّفين، اليساريّين سياسيّاً" أصبحت مهتمّة بالصّوفيّة. كما جرى استقطاب شريحة كبيرة أخرى من العدد الأكبر من السّكان إلى ما يسمّيه عالم الدّراسات الإسلاميّة مارك سيدجويك "الصّوفيّة الانتقائيّة"، وهو تفسير أوسع تأثّر بأفكار "العصر الجديد" الّتي يمكن رؤيتها في روايات الكاتبة التّركيّة أليف شافاك أو في الحفلات الّتي يتمّ فيها تحديث الغناء الصّوفيّ عبر مكبّرات الصوت والأدوات الموسيقيّة الحديثة، مثل تلك الّتي يقدّمها أحمد التّوني وأقرانه.

اقرأ أيضاً: هل تحرّرت المرأة في الإسلام الصوفي؟

وفي أعقاب ثورة عام 2011، خاصّة منذ عامي 2013 و 2014، لاحظ شيلكه أنّ "فهماً متنامياً بأنّك يمكن أن تكون ضدّ كلّ من الرّئيس السّابق حسني مبارك وضدّ الإخوان المسلمين" أخذ يبرز، ممّا أفسح المجال أمام "انفتاح تجريبيّ". فأصبح العديد ممّن سبق لهم التّماشي مع الأيديولوجيا السّلفية أكثر انفتاحاً على التّصوف، و"حتّى على مستوى الشّارع، أصبح من الصّعب عبور هذه الانقسامات".

اقرأ أيضاً: الطرق الصوفية في تركيا.. عبادة أم سياسة؟

ومن أولئك الّذين انتقدوه قبل عقد من الزّمن لقيامه بإجراء أبحاث حول الموالد إلى أولئك الّذين كانوا متعاطفين مع جماعة الإخوان المسلمين، أصبح البحث عن المعنى من خلال الصّوفيّة واضحاً بينهم بشكل كبير، كما يقول. ويشرح شيلكه أنّه كان هناك "دعم واع للصّوفيّة من جانب النّظام" و"قد جرى إدماج الكثير من المحتويات الصّوفيّة الآن في المناهج التّعليميّة في الأزهر.… إذ تجد الحكومة المصريّة والطّرق الصّوفيّة عدوّاً مشتركاً "في جماعة الإخوان المسلمين.

ابتعاداً عن الوهّابيّة

سوزان رضوان، وهي معالجة نفسيّة من خلال الفن في منتصف الثّلاثينيّات من عمرها وتقوم باستضافة تجمّعات صوفيّة في شقّة تملكها عائلتها في حي المعادي الرّاقي، تحدّثت إلى المونيتور عن تجربتها الشّخصيّة في "الشّفاء من القلق والماديّة الّلتين خلقتهما الوهّابيّة وخلّدتهما". عندما كانت في العشرينيّات من عمرها، ابتعدت عن وجهات النّظر الدّينيّة الّتي شعرت أنّها متأثّرة بالتّعاليم الوهّابيّة، وتوقّفت عن ارتداء الحجاب الّذي كانت قد التزمت به في سن المراهقة قبل أن تسلك طريق "التّصوّف"، أو الممارسة الصّوفيّة، وها هي الآن مرّة أخرى ترتدي الحجاب.

تجد الحكومة المصريّة والطّرق الصّوفيّة عدوّاً مشتركاً في جماعة الإخوان المسلمين

"إنّ الطّريقة الّتي يعلّم بها الوهابيّون الدّين تميل إلى الانحراف"، تقول. "والصّوفيّة ليست جديدة؛ بل كانت دائماً حجر زاويةٍ في الإسلام. كما أنّ ديننا ليس التّفسير المواعظيّ للغطرسة والخطاب المُسيّس… يعلّمنا التّصوف التّواضعَ، ويقرّبنا إلى الله، ويتعلّق بالجوهر الرّوحيّ والأخلاقيّ الحقيقيّ للإسلام... إنّ الدّين الذي يخلّده الإعلام هو دين موازٍ، يدّعي أنّه الإسلام، ولكنّه ليس كذلك حقّاً". والمكان الّذي تملكه سوزان هو بمثابة زاوية، حيث يقود شيخ ما أنشطة تابعة لفرع أحد الطّرق الصّوفيّة المتمركزة في المغرب، الحامديّة الشّاذليّة، والّتي تتبعها سوزان والعديد من أقرانها.

خلال مساء نموذجيّ يوم الخميس "للغناء" و"الذّكر"، في بيت سوزان، يكون رفاقها من "الفقراء" (وهو ما يعني حرفيّاً "الفقراء"، والمقصود الباحثين عن تحقّق روحيّ أكثر ثراءً) في الغالب من معارفها وعائلتها. وكثير منهم من المهنيّين الشّباب في العشرينيّات والثّلاثينيّات من العمر، وهناك أيضاً طلّاب أصغر سنّاً ومراهقين يرافقهم والديهم أو أشقائهم - هذه المجموعة الأصغر سنّاً تبدو أكثر حرصاً على هذه الممارسة من المرافقين لها - فضلاً عن عدد قليل من أقران أمّها الأكبر سنّاً. يقف المشهد في تناقض صارخ مع ذلك الّذي وصفه شيلكه قبل عقد من الزّمن، عندما كان معظم أولئك الّذين لاحظ وجودهم في التّجمعات الصّوفيّة، خاصّة الموالد، "في سن متقدّمة إلى حدّ بعيد".

اقرأ أيضاً: كيف تخفّت الجماعة خلف قناع الصوفية؟

وبالمثل يلاحظ أحمد الدّمنهوريّ، وهو أستاذ بجامعة الأزهر وشيخ يعظ بأهميّة الممارسات الصّوفيّة باعتبارها جزءاً من الطّقوس الإسلاميّة، أنّ جيل الألفية ربّما أصبح أكثر روحانيّة - بمعنى السّعي إلى التّصوف - كردّ فعل على انتشار التّأثيرات الوهابيّة والسّلفيّة خلال العقود القليلة الماضية.

"إنّهم ببساطة يعودون إلى جوهر الدّين، لأنّهم وجدوا أن الآراء الدّينيّة الّتي يتمّ التّرويج لها لا تملأ الفراغ الموجود في قلوبهم. … والتّصوف ليس شيئاً جديداً على الإسلام؛ فقد كان أبرز علماء المسلمين دائماً من المتصوّفة. وتاريخيّاً، كانت الصّوفيّة تحتلّ مكانة لا يمكن إنكارها إلى أن أصبحت التّعاليم الوهّابيّة أكثر انتشاراً ودانت [ممارسات صوفيّة من قبيل] زيارة مقام سيدنا الحسين وما إلى ذلك باعتبارها ممارسة كُفريّة"، يقول للمونيتور. كما يصف الخطاب الدّينيّ الّذي استمرّ منذ السّبعينيّات بأنّه "فاسِد"، مضيفاً أنّ الاهتمام المتزايد بالصّوفيّة كان واضحاً بشكل خاصّ خلال الأعوام العشرة الماضية.

اقرأ أيضاً: رأس الحسين.. بين أفراح الصوفية وسخط السلفية

"أعتقد أنّ الشّباب اليوم ينخرط في التّصوّف بشكل أكثر وعياً؛ ففي الماضي [قبل سقوط الإمبراطوريّة العثمانيّة، بشكل خاصّ]، ربّما كان الاعتياد على الممارسات الصّوفيّة نابعاً من أنّ ذلك هو القاعدة والتّقليد في ذلك الوقت. لكن اليوم، لا يوجد شاب صوفيّ لم يتعرّض لأفكار لا تعدّ ولا تحصى قبل أن يجد السّلام في التّصوّف فقط"، يقول الدّمنهوريّ.


ياسمين البيه، المونيتور

الصفحة الرئيسية