منذ بداية الأزمة السورية عام 2011 وُجهت اتهامات متزايدة لتركيا بدعم جماعات مسلحة مختلفة تعمل داخل الأراضي السورية، بما في ذلك جماعات تم تصنيفها من قبل العديد من الدول والمنظمات الدولية على أنّها إرهابية.
ويمثل هذا الدعم جزءاً من سياسة تركيا الرامية لتحقيق مصالحها الإقليمية، ممّا أسهم في تفاقم الصراع السوري وزيادة معاناة الشعب السوري.
وبعد الأحداث الأخيرة في سوريا، أعادت وسائل إعلام تسليط الضوء على علاقة نظام العدالة والتنمية الحاكم في تركيا مع تنظيم داعش والجماعات الإرهابية الأخرى.
وتحاول تركيا بكل ما أوتيت من إمكانيات خلط الأوراق في سوريا، مستغلة علاقتها السابقة بتنظيم داعش الإرهابي، في سياق العديد من التفاهمات التي يمكن أن تتعلق بالإفراج عن إرهابيين.
وبحسب موقع (نورديك مونيتور)، فقد استأنف رجل دين كردي متطرف، اتُهم في السابق بمساعدة تنظيم (داعش) على إعادة تنظيم خلاياه في تركيا وجورجيا، استأنف نشاطه في الدعوة والترويج للجهاد العنيف، بعد إطلاق سراحه مؤخراً من السجن في تركيا.
مراسلة قناة (بي بي سي) اعترفت خلال مقابلة لها أنّ داعش والمجموعات الإرهابية الأخرى في سوريا تلقت الدعم والتدريب العسكري في تركيا.
عثمان أكين، وهو مواطن تركي من محافظة ديار بكر ذات الأغلبية الكردية، والمعروف باسم عثمان الكردي، تعهد علناً بالبقاء ملتزماً بقضيته في أول خطاب له بعد إطلاق سراحه، والذي تم بثه على قناته عبر (يوتيوب) في 4 تشرين الثاني (نوفمبر) 2024.
وقد أطلقت السلطات التركية سراح رجل الدين من الاحتجاز السابق للمحاكمة في 5 أيار (مايو) 2024، وظل نشاطه هادئاً حتى ظهوره العلني الأخير. وتم القبض عليه في الأصل في العام السابق مع (94) مشتبهاً بهم آخرين في عملية على مستوى البلاد روجت لها الحكومة بوصفها حملة اعتقال كبيرة لشبكات داعش داخل تركيا.
لكنّ هذه الحملة لم تدم طويلاً؛ إذ لم يتم إطلاق سراح أكين فحسب، بل إنّ معظم المشتبه بهم الذين تم اعتقالهم في ذلك الوقت تم إطلاق سراحهم لاحقاً من قبل السلطات التركية.
وبحسب المديرية العامة للأمن (أمنيت)، كان أكين يساعد عميل داعش عامر أوناي، وهو مواطن تركي كردي أيضاً، ويُعرف باسم الملا أنصار الله، على تجنيد المسلحين للجماعة الجهادية. ويبدو أنّ جهود التجنيد هذه تتوافق مع محاولات تنظيم داعش لإعادة هيكلة نفسه في تركيا والمناطق المجاورة.
وقد نقل أوناي، الذي أدت خطبه المتطرفة إلى حظر قناته على موقع (يوتيوب)، بثه إلى (تيليجرام)، حيث ينشر مقاطع فيديو مؤيدة لتنظيم داعش، وتدعو إلى الجهاد المسلح.
ويزعم أوناي أنّه يمثل داعش في تركيا، وقد قام بتجنيد مقاتلين سابقين في التنظيم، ويبحث بنشاط عن متطوعين جدد، ويرتب لتوريد الأسلحة والذخيرة.
ووفق الموقع ذاته، فقد ساهمت الضغوط التي مارستها الدوائر الإسلاموية التي تشن حملة للإفراج عن معتقلي داعش في إطلاق سراح أكين، ممّا سمح له باستئناف نشاطه الدعوي وتنظيم الفعاليات.
وتتمثل المنصة الإعلامية الأساسية لمجموعة أكين في مجلة بعنوان "الأخلاق والسنّة" باللغة التركية. وتنتج المجموعة كتباً ومواد دعائية أخرى تروج للجهاد المسلح. وبينما تتخذ المجموعة من ديار بكر مقراً لها، فإنّها تدير مكاتب إضافية في العديد من المحافظات التركية، بما في ذلك موش، وشرناق، وأضنة، ويالوفا، وأنقرة، وآغري.
وتدير المجموعة أيضاً مسجداً في جورجيا المجاورة حيث تروج لحملتها الجهادية. وقد عبر أوناي، الذي كان يقيم سابقاً في فان، إلى جورجيا بشكل غير قانوني في حزيران (يونيو) 2022 للإشراف على عمليات المجموعة هناك.
وتدير المجموعة قناة نشطة على موقع (يوتيوب) تضم أكثر من (24) ألف مشترك، وقناة على (تيليجرام) تضم أكثر من (1500) متابع. كما تدير عدة حسابات على منصة التواصل الاجتماعي (إكس) "تويتر سابقاً". وتجتذب الفعاليات التي تنظمها مئات المتعاطفين.
في أيار (مايو) 2023 أطلقت المجموعة حملة للإفراج عن نساء داعش المحتجزات في سجن الرصافة ببغداد. ويضم هذا السجن مئات النساء المتطرفات، بما في ذلك مواطنات أجنبيات من روسيا وتركيا وأذربيجان وأوكرانيا وفرنسا وألمانيا والولايات المتحدة.
كما تعمل المجموعة على تسهيل العمليات اللوجستية لداعش في سوريا، من خلال توفير الغذاء وغيره من الضروريات للمناطق في شمال سوريا، حيث ما تزال خلايا داعش السرية نشطة. كما تجمع الأموال في تركيا وتمول شراء وتأجير العقارات في العديد من المحافظات لاستيعاب العدد المتزايد من أتباعها، وخاصة بين الجالية الكردية.
حصلت هيئة تحرير الشام على دعم مباشر وغير مباشر من تركيا، وقد تعاملت معها أنقرة كأداة لتحقيق نفوذها في إدلب والمناطق الشمالية، بالإضافة إلى داعش.
ولم تتخذ الحكومة الإسلامية بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان أيّ إجراءات ملموسة ضد المجموعة، بل اختارت بدلاً من ذلك تنفيذ تدابير بسيطة للتضييق على أنشطتها. ويبدو أنّ هذا التساهل ناتج عن سياسة "الباب الدوار" غير المعلنة التي تنتهجها الحكومة، والتي سمحت منذ فترة طويلة لمختلف الجماعات الإسلاموية المتشددة بالعمل بحرية داخل نظام العدالة والتنمية في تركيا، الأمر الذي أدى إلى تعزيز بيئة متساهلة مع التطرف مع عواقب ضئيلة أو معدومة.
وفي سياق متصل بعلاقة تركيا بتنظيمات مسلحة منها داعش، اعترفت مراسلة قناة (بي بي سي) خلال مقابلة لها أنّ داعش والمجموعات الإرهابية الأخرى في سوريا تلقت الدعم والتدريب العسكري في تركيا.
وقالت الصحفية نفيسة كوهنورد في مقابلة لها: "هذه الجماعات الإرهابية تلقت تدريباً عسكرياً على يد تركيا."
هذا، وسبق أن أفادت عدة تقارير أنّ تحرك المجموعات الإرهابية الأخير في شمال سوريا تمَّ بتنسيق تركي بهدف زعزعة الأمن في المنطقة.
وفي الاطار ذاته أظهرت وثائق مسربة وتقارير استخباراتية تورط تركيا في إرسال شحنات أسلحة إلى بعض الجماعات المسلحة في سوريا، إمّا بشكل مباشر، وإمّا عبر وسطاء، إلى جانب السماح للآلاف من المقاتلين الأجانب بالعبور عبر حدودها للقتال في صفوف تنظيمات إرهابية مثل داعش وهيئة تحرير الشام.
وكانت تركيا محوراً لعمليات تهريب النفط من المناطق التي سيطر عليها تنظيم داعش، ممّا وفر للتنظيم مصدر دخل استُخدم في تمويل عملياته الإرهابية، بالإضافة إلى توفير أراضيها كملاذ آمن لبعض قادة الجماعات المسلحة وشبكاتهم الداعمة، ممّا أتاح لهم إدارة عملياتهم من الداخل التركي.
ووفق تقرير لموقع (المعلومة)، فقد حصلت هيئة تحرير الشام على دعم مباشر وغير مباشر من تركيا، حيث تعاملت معها أنقرة كأداة لتحقيق نفوذها في إدلب والمناطق الشمالية، بالإضافة إلى داعش.
وحول الموضوع قال القيادي في دولة القانون حيدر اللامي في حديث لـ (المعلومة): إنّ "قضية عودة الإرهاب في هذه المرحلة هي قضية مدروسة، فقد تزامنت مع نهاية الحرب في جنوب لبنان، وكذلك مع قرب انتهاء الحرب في غزة".
وأشار إلى أنّ "هذه القضية تحتاج إلى مواجهة شاملة ومدروسة من خلال حصرها ودراستها بشكل جدي وممنهج، من أجل وقف حركة الإرهاب، وعدم السماح بتدفق المزيد من العناصر الإرهابية وأذرعهم إلى المنطقة".
وتسعى أنقرة إلى فرض نفوذها في سوريا من خلال دعم جماعات مسلحة تعمل كأذرع لتحقيق مصالحها الاستراتيجية عن طريق إطالة أمد الصراع السوري، ممّا يُعقد جهود الحل السياسي المدعومة دولياً، وفق اللامي.
وأدى دعم الجماعات المسلحة من قبل تركيا إلى استمرار حالة الفوضى، وتصاعد العنف في سوريا، وزيادة معاناة المدنيين، من خلال استمرار القتال والنزوح الجماعي للسكان، ممّا أثر سلباً على استقرار المنطقة ككل.
وتعرضت تركيا لانتقادات واسعة من المجتمع الدولي، بما في ذلك حلفاؤها في الناتو، بسبب دورها المثير للجدل في دعم جماعات متطرفة.
وتمثل سياسة تركيا في دعم المجاميع الإرهابية في سوريا تحدياً كبيراً للجهود الدولية الرامية لتحقيق الاستقرار في المنطقة، ومع استمرار هذه السياسات يبقى الشعب السوري هو الضحية، حيث يعاني من استمرار النزاع وغياب الحلول المستدامة.