من يتصفح موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، ستظهر له صفحة إذاعة "المنسق"، وهي إذاعة "إسرائيلية" تبث برامجها عبر منصات الإعلام الاجتماعي، والتي تعد أحدث وسائل حكومة الكيان الصهيوني في المناطق الفلسطينية المحتلة؛ حيث تبث الأغاني العربية القديمة، وتذيع برامج تتطرق لمشاكل الفلسطينيين وتسعى لحلّها وعلاجها عبر الأثير.
حبيب: إذاعة المنسق نافذة استخباراتية جديدة لتجمع من خلالها دولة الاحتلال أكبر قدر من المعلومات عن الفلسطينيين
وتعد إذاعة "المنسق" آخر الابتكارات لجهاز "الشاباك الإسرائيلي"، التي تخترق معظم البيوت الفلسطينية في القدس والضفة الغربية وحتى قطاع غزة، عبر تردد واضح وسهل، وبإمكان أي فلسطيني أن يضعه حتى يبدأ بسماع وصلات من الأكاذيب والافتراءات الإسرائيلية التي تحرض على المقاومة أولاً، وتدعو للتعايش بسلام حسب مقاس الاحتلال الخاص.
ولإحكام سيطرتها بالكامل، تتيح إذاعة "المنسّق" إمكانية الاتصال المجاني، لاستقبال مكالمات فلسطينيّة محلية من الضفة الغربية وغزة، لإيجاد حلول لمشاكلهم المتعلقة باستخراج تصريح سفر للخارج، والبحث عن عمل، وتوهمهم بأنّه سيتم إيجاد حلول للمشاكل مع الوزارات الإسرائيليّة، ما يسهم في زيادة متابعة هذه الإذاعة بين الفلسطينيّين.
اقرأ أيضاً: أسير فلسطيني على حافة الموت في سجون الاحتلال الصهيوني
يتولى حالياً إدارة "منسق"، كميل أبو ركن (58 عاماً)، وهو عربي من قرية عسفيا الواقعة شمال الخط الأخضر، تم اختياره لإدارة الإذاعة "تكريساً للدعاية الصهيونية أمام العرب المعجبين بصفحة المنسق الفيسبوكية، والقائلة إنّ دولة الاحتلال لا تميز بين عربي ويهودي. بل هي عادلة لكل مواطنيها"!
تعدد وسائل الدعاية
إنّ إذاعة وصفحة المنسق ليست الوحيدة التي تستهدف الفلسطينيين؛ بل تعج مواقع التواصل الاجتماعي بصفحات إسرائيلية أخرى تخاطب الجمهور الفلسطيني باللغة العربية.
وفي هذا السياق، يقول رئيس الكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة، سلامة معروف، في حديثه لـ "حفريات": "يحاول الاحتلال بشكل أو بآخر أن يعدد من وسائل الدعاية التي يسعى من خلالها للتأثير على الرأي العام الفلسطيني، وإيصال رسائل مباشرة لهم، لذلك أنشأ العديد من الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي، كما تعتبر الإذاعة محاولة جديدة تستهدف فئات عمرية معينة".
اقرأ أيضاً: جيش الاحتلال يكشف عدد الغارات التي شنّها على غزة في 2018
ويضيف "هناك تفاعل مع الصفحات التي ينشئها الاحتلال ولكنه تفاعل سلبي، بمعنى أنّ التعليقات تتضمن شتم المنسق والناطق باسم الجيش، وتكذيب اللروايات التي يتحدث بها، وعلى كل حال فإنّ التفاعل مع هذه الصفحات بأي طريقة يكون مدخلاً يستفيد منه الاحتلال".
ويردف معروف "نعمل على مواجهة الوسائل الجديدة التي يتبعها الاحتلال من خلال تحديث الصفحات غير المعلنة وغير المعروفة لدى الناس أنّها تابعة للاحتلال الإسرائيلي، ونحاول تحذير الفلسطينيين من التعاطي معها بأي شكل من الأشكال، وكان لدينا العديد من حملات التوعية في هذا الجانب والتأكيد على أنّ أيّ تفاعل حتى لو كان سلبياً، فهو يعد نجاحاً للاحتلال بالوصول للجمهور الفلسطيني".
تفاعل ضعيف
ويشير سلامة إلى أنّه على الرغم من أنّ الإذاعة "شكل مستحدث" للتواصل مع الفلسطينيين، ولكن حجم التفاعل والتعاطي معها، حتى اللحظة، "ليس كبيراً خاصة في قطاع غزة".
من جهته، يقول الصحفي الفلسطيني، زهير دولة، مدير مكتب جريدة "الإمارات اليوم" في الأراضي الفلسطينية لـ "حفريات": "إنّ دولة الاحتلال الصهيوني نجحت طوال الأعوام الماضية فيما يسمى بالدعاية المضادة، لإظهار صورة مشرقة لها، مخفية وراءها جرائمها الطويلة، فالمتحدث باسم جيش الدفاع الإسرائيلي أفخاي أدرعي ناشط على مواقع التواصل وينشر دوماً فيديوهات يظهر فيها أنّ دولة الاحتلال صاحبة اليد الحانية، وأنّ الفلسطينيين هم الإرهابيون"!
اقرأ أيضاً: لماذا عزز جيش الاحتلال قواته على الحدود اللبنانية؟
ويضيف دولة أنّ "المواقع الإلكترونية وصفحات التواصل الاجتماعي مليئة بالدعاية المضادة الإسرائيلية، وأبرزها صفحة إذاعة المنسق، والتي تنشر أخباراً وصوراً تعكس فيها الحقائق، ففي موسم الأعياد والحج، مثلاً، تنشر صوراً بأنّ الجيش والشرطة الإسرائيلية تقف إلى جانب الفلسطينيين، وتقدم لهم تسهيلات عديدة للسفر عبر الحواجز والمعابر، وتحاول إيجاد مبررات لإجراءات الجنود بحق المواطنين في الضفة الغربية والقدس"!
الوصول للفلسطينيين
ويشير دولة إلى محاولة إذاعة المنسق الوصول لأكبر عدد من الفلسطينيين في كل مكان، وسعيها لإقناعهم بالفكرة التي تنشرها، وذلك من خلال قيامها ببث الأغاني المحببة لهم مثل؛ فيروز وأم كلثوم وصباح فخري...، بالإضافة إلى تقديم برامج اجتماعية تزعم بأنها تدافع عن المواطنين الفلسطينيين.
يؤكد هاني حبيب أنّ الإعلام والدعاية المضادة سلاح الكيان الصهيوني الثاني في حربه المفتوحة ضد الفلسطينيين
ويلفت إلى أنّ هذه الإذاعة ومن خلال برامجها الاجتماعية، تتيح إمكانية الاتصال المجاني للمتصلين، مدعية أنّها تساعدهم في حل مشاكلهم المختلفة، التي تناقشها عبر الموضوعات التي تبثها.
ويحذر دولة من خطورة إعلام الاحتلال، داعياً إلى ضرورة إيجاد وسائل إعلام فلسطينية، تجابه إذاعة المنسق وكافة الوسائل العبرية، من خلال تقديم برامج توعوية، تصل إلى الفلسطينيين في كل مكان داخل المنازل والمقاهي، للتحذير من مغبة التأثر بالدعاية الصهيونية، والتركيز على نشر كافة الإجراءات والممارسات العنصرية التي يتعرض لها الفلسطينيون، لدحض الرواية الصهيونية.
استغلال
أمّا الكاتب الفلسطيني المختص في الشؤون العبرية، هاني حبيب، فيقول "إنّ الإعلام والدعاية المضادة، سلاح دولة الكيان الصهيوني الثاني في حربها المفتوحة ضد الفلسطينيين، الأمر الذي يجعلها ناجحة في إيصال رسالتها وتحقيق أهدافها بعيداً عن استخدام العنف".
اقرأ أيضاً: الاحتلال الإسرائيلي يقمع من جديد مسيرة العودة
ويتابع حبيب حديثه لـ "حفريات": "إنّ دولة الاحتلال تظهر نفسها من خلال وسائل إعلامها الموجهة باللغة العربية بأنّها تحافظ على أرواح الفلسطينيين، من خلال فتح المستشفيات الإسرائيلية لعلاجهم، وتبث فيديوهات وصوراً تعكس مدى اهتمامها بتقديم تسهيلات داخل المكاتب الحكومية، والمتنقلين عبر الحواجز، أما ما يجري على الأرض فتخفي جرائمها من خلال إظهار حجم الضرر الذي يصيب المستوطنات وجنودها أثناء تنفيذ الفلسطينيين عمليات فدائية".
تغلغل
ويوضح حبيب أنّ إذاعة "المنسق" هي "نافذة استخباراتية جديدة، لتجمع من خلالها دولة الاحتلال الصهيوني أكبر قدر من المعلومات عن الفلسطينيين".
ويشير إلى أنّ القائمين على الإذاعة استغلوا المآسي الإنسانية للفلسطينيين والأوضاع الراهنة المتردية التي يمرون بها، للتأثير عليهم من خلال المواد الإعلامية التي تبثها، من أجل التغلغل أكثر داخل كل منزل فلسطيني، قائلاً: "توهم الفلسطيني بأنه يتمكن من السفر عبر المعابر التي تسيطر عليها دولة الاحتلال، فتقدم له عرضاً بشكل غير مباشر للتعاون معها مستغلة حاجته الماسة".
اقرأ أيضاً: الاحتلال الصهيوني يهاجم ريال مدريد بسبب عهد التميمي
وفي سياق متصل، يرى أستاذ علم النفس في جامعة الأقصى بغزة، د. درداح الشاعر، أنّه في حال عدم وجود إعلام مضاد للإعلام الصهيوني الموجه، لا سيما إذاعة المنسق، فإنها ستؤثر على الفلسطينيين بشكل كبير، خاصة أنها تلبي رغباتهم وتقدم حلولاً للمشاكل اليومية التي يعانون منها.
ويتحدث الشاعر في حديثه لـ "حفريات"عن الخطر الذي تشكله "المنسق"، كون الإذاعة من أكثر وسائل الإعلام انتشاراً لأنّها لا تحتاج إلى القراءة والكتابة، إذ يقول "من السهل أن تصل هذه الإذاعة إلى كافة الفلسطينيين واستقطابهم من خلال البرامج المتنوعة والأخبار الكاذبة والمفبركة، التي تؤثر على العقول وتساهم في نشر الفتنة والبلبلة بين الفلسطينيين بكل سهولة".
ويتابع "من الضروري توعية المواطنين الفلسطينيين بمخاطر هذه الإذاعة وعدم التعاطي والتجاوب معها والاستماع إليها أو الاتصال على الأرقام المجانية، من خلال حملات التوعية وكشف خطة الاحتلال الإسرائيلي التي تسعى إلى غسل عقول الفلسطينيين، وتغيير أفكارهم باستخدام وسائل الإعلام القريبة من المواطن الفلسطيني".