"الإخوان" في جيبوتي: مستقبل غامض لتنظيم هرب قادته إلى تركيا (3-3)

"الإخوان" في جيبوتي: مستقبل غامض لتنظيم هرب قادته إلى تركيا (3-3)

"الإخوان" في جيبوتي: مستقبل غامض لتنظيم هرب قادته إلى تركيا (3-3)


14/09/2023

تناول الجزء الثاني، من هذه الدراسة، نشأة الحركة الإسلامية في جيبوتي، والمرتكزات الفكرية للحركة الإسلامية هناك، فضلاً عن علاقة إسلاميي جيبوتي بنظرائهم في الصومال. وجرى رصد تزامن دخول إخوان الصومال (حركة الإصلاح) إلى جيبوتي، بعد سنة واحدة من نيل جيبوتي استقلالها من الاستعمار الفرنسي؛ إذ كان إخوان جيبوتي في تلك الفترة يصارعون لإثبات وجودهم في وجه التيار الثقافي الفرنسي.
هنا جزء ثالث وأخير.

 

هل من إسلاموية عنيفة في جيبوتي؟
شهدت جيبوتي عام 2014 أحداثاً إرهابية، حين ضرب انتحاريون مطعماً شهيراً يرتاده الغربيون في جيبوتي. ولقي ثلاثة أشخاص حتفهم وأصيب أكثر من عشرة، بينهم مواطنون أوروبيون.
ومع أنه لم يعلن أحد مسؤوليته عن الهجوم الأول من نوعه في جيبوتي. إلا أنّ بعض المراقبين فسروا أنه قد يكون بداية لحملة من قبل الجماعات المرتبطة بتنظيم القاعدة لفتح جبهة جديدة في القارة.

انحصر اتجاه تنظيم الإخوان في جيبوتي في تقديم الأنشطة الخيرية، حيث يقبع العديد من قيادات التنظيم في السجون

وتنفذ الولايات المتحدة من قاعدتها في جيبوتي الغارات الجوية بطائرات بدون طيار وغيرها من العمليات العسكرية ضد الإسلاميين في اليمن وأفريقيا. وبذلك فإنّ جيبوتي تشكل تهديداً كبيراً للمنظمات المرتبطة بتنظيم القاعدة. وأدى الهجوم إلى إثارة قلق الجنود الأمريكيين الذين يتمتعون بالحرية في داخل جيبوتي.
فعلى عكس الدول المجاورة، يتمشى الأفراد الأمريكيون والغربيون في الشوارع في جيبوتي دون خوف من التعرض للقتل. وفي عطلة نهاية الأسبوع، يذهبون إلى المطاعم والنوادي المصممة لتلبية احتياجات الأجانب الأغنياء.
استأجر الكثير من أفراد الجيش منازل في مدينة جيبوتي من أجل صديقاتهم، حيث يقضين أوقات فراغهن.
لا توفر جيبوتي قاعدة للولايات المتحدة فقط لمحاربة الحركات الإسلاموية الجهادية، لكن قواتها جزء من مهمة الاتحاد الأفريقي الذي تقاتل لهزيمة حركة الشباب الصومالية. لكن بسبب التواجد العسكري الأجنبي المكثف فمن المستبعد أن تصبح جيبوتي جبهة قتال أخرى بين تحالف "الحرب على الإرهاب" بقيادة الولايات المتحدة والمنظمات الإسلامية المرتبطة بتنظيم القاعدة.

 

 

الحركة الإٍسلامية والنظام الحاكم في جيبوتي
مرت علاقة الحـركة الإسـلامية بالسلطـة بمنعطفات متعددة صعـوداً وهبـوطاً، بيد أنّ عام 2013، شكل مرحلـة فاصلـة في مسيـرة الحـركة وعلاقاتها بالسلطـة الحاكمـة، حيث قررت دخـول المعتـرك السياسـي والانضمام إلى صفـوف المعارضـة لتغييـر معادلـة التوازنات السياسيـة القائمـة في البـلاد، وهو ما أثار حفيظـة الحكـومة وكان لـه تبعات وعواقب كبيـرة على الحـركة وقياداتها.
وواجه نظام الرئيس إسماعيل عمر غيلة، الذي يتولى السلطة في جيبوتي منذ عام 1999، أخطر تهديد له منذ عقد من الزمان في الانتخابات التشريعية التي جرت في عام 2013 حين قررت فيه أحزاب المعارضة توحيد صفوفها، والانضواء تحت حزب "الاتحاد من أجل السلامة الوطنية (USN)".

اقرأ أيضاً: الإخوان المسلمون في جيبوتي: الأمن الداخلي يراقب عن كثب (1-3)
ويشغل حزب الرئيس الحاكم(UMP)  جميع المقاعد الـ 65 في البرلمان وهو مصمم على الحفاظ على قبضته القوية. ورفضت منذ عام 2003 المشاركة في الانتخابات، بدعوى غياب شروط تتكفل بإجراء انتخابات حرة ونزيهة.
تم إعادة انتخاب غيلة - الرئيس الثاني فقط منذ الاستقلال عن فرنسا عام 1977 - لولاية ثالثة مدتها خمسة أعوام في نيسان (أبريل) 2011 بعد تعديل الدستور للسماح له بمهمة أخرى في منصبه.
وقد فاز في الانتخابات، التي قاطعتها أحزاب المعارضة، بأكثر من 80 في المائة من الأصوات، ووعد بأنها ستكون ولايته الأخيرة. لكنه فاز بولاية ثالثة مدتها خمسة أعوام في نيسان (أبريل) 2011 بعد تعديل الدستور للسماح له بفترة انتخابية أخرى.

اقرأ أيضاً: "الإخوان" في جيبوتي: حينما تمت دعوة شعب مسلم إلى الإسلام؟! (2-3)
طالما أنه جزء من منظومة "الحرب ضد الإرهاب"، يبدو أنّ الغرب لا يتردد في تقديم دعم عسكري ومالي لرئيس جيبوتي، وهذا الدعم، بحسب مراقبين، هو جزئياً ما يضمن له الاستمرار في السلطة. لقد ورث الرئيس الحالي إسماعيل غيلة منصب القيادة في عام 1999 من عمه وأول رئيس للبلاد حسن جوليد أبتيدون، الذي حكم البلاد منذ استقلالها عن فرنسا في عام 1977.
وتم حبس جلّ قيادات المعارضة في انتخابات 2013، بمن فيها قيادات الحركة الإٍسلامية في سجن جابود، وهو السجن الأكبر في البلاد، دون محاكمة عادلة. ومن بينهم أشهر قادة الحركة الإسلامية في جيبوتي وهو الشيخ عبدالرحمن بشير.
ويتعرض الإخوان المسلمون في جيبوتي منذ انخراطهم في العمل السياسي لهجمـات سياسيـة وأمنيـة شـرسة من قبل النظـام بهدف إضعافهم وتفكيكهم، وهو ما يطـرح تساؤلات حقيقيـة حول مستقبل الحـركة الإسـلامية ومآلاتها ومدى قدرتها على الصمـود أمام استهداف النظام الحاكم لهم.

 

 

تأثيرات الربيع العربي واستجابة النظام
امتدت تأثيرات الربيع العربي إلى القرن الأفريقي، فقد شهدت جيبوتي في 18 شباط (فبراير) 2011 احتجاجات واسعة ضد النظام الحاكم هناك، والتي تطالب بتنحي الرئيس إسماعيل غيله الذي حكم البلاد طوال العقدين الماضيين، وفتح المجال للحريات السياسية وإجراء انتخابات نزيهة.

بعد إعلان الإخوان الدخول في تحالف مع المعارضة شنّت الحكومة الجيبوتية حرباً ضروساً ضدهم واستهدفت جل قياداتهم

عقب تلك الاحتجاجات، اتخذت جماعة الإخوان دور المعارضة، فتحالفوا مع الأحزاب المعارضة وشكّلوا "التجمع الوطني"، الذي سمح لهم بدخول البرلمان بنسبة كبيرة؛ ما أثار حفيظة الحكومة، وترتب عليه اتخاذ قرارات بالتضييق على نشاط الحركة الإسلامية بالداخل، وتعقب للقيادات وتحركاتهم ومصادر التمويل.
وقامت الحكومة الجيبوتية بإغلاق جمعيات خيرية عديدة تابعة للحركة الإسلامية الجيبوتية، منها جمعية البر الخيرية، وجمعية أمل للتنمية البشرية، ومؤسسة "ترن" التجارية.
وحسب إحصائيات منظمات حقوقية، اعتقلت حكومة جيبوتي أكثر من 50 معارضاً من أحزاب مختلفة في مدة قياسية، إذ يواجهون تهمة القيام بأنشطة سياسية غير مشروعة، فضلاً عن حل حزبين معارضين.
وفي دلالة على مستوى الغليان السياسي الذي تعيشه جيبوتي مؤخراً، نتيجة تواصل التضييق على الأحزاب المعارضة، ومنعها من مزاولة نشاطها السياسي، أعلن رئيس حزب التحالف الجمهوري من أجل التنمية ARD، ديلتا تيراب، إضرابه عن الطعام، احتجاجاً على احتجاز حكومة الرئيس جيله لترخيص حزبه "دون أي سند قانوني".

اقرأ أيضاً: القرضاوي: الفتوى الإخوانية..هل هي في خدمة المصالح القطرية؟
وتقول منظمات حقوقية جيبوتية، إنّ وضع حقوق الإنسان في عهد الرئيس إسماعيل جيله "يشهد تدهوراً لا مثيل له"، ويتزايد الضغط على السياسيين، لإجبارهم على التخلي عن مواقفهم الرافضة لسياسات الحزب الحاكم. وتسبب ذلك في إعلان الأحزاب المعارضة الرئيسية، مقاطعة الانتخابات الرئاسية والتشريعية الأخيرة التي جرت في عام 2017.

 

تركيا والحركة الإٍسلامية في جيبوتي
منذ إطاحة الرئيس الإخواني المصري الأسبق محمد مرسي، في تموز (يوليو) 2013، سعت تركيا إلى توفير ملاذ آمن لأعضاء الحركة. وبات اليوم العشرات من شخصيات الإخوان الذين يعيشون في تركيا من أقوى الشخصيات المؤثرة في الجماعة. ويعيش قادة الإخوان وأقاربهم حياة مريحة تحت حماية إدارة أردوغان. ينطبق هذا الوضع على إخوان جيبوتي، فقد فرّ معظمهم إلى تركيا، ونقلوا عائلاتهم إلى هناك، ويمارسون أدوراً سياسية لخدمة أجندة الحكومة التركية في المنطقة.

اقرأ أيضاً: "إخوان" جيبوتي.. الدخول من أبواب الخير الخلفية
ولم تكتفِ تركيا باستضافة المعارضة الإخوان الجيوبتيين، بل كذلك أنشأت وكالة "تيكا" لاختراق الدولة الصغيرة، عبر بوابة المساعدات الإنسانية والغذائية، لإحكام قبضته على ثرواتها الطبيعية الهائلة، وعلى رأسها النفط والنحاس والذهب، بعد أن نجحت في اختراق مكتب دائرة الهجرة والجنسية، في كانون الثاني (يناير) من العام 2017، بزعم تجهيزه بالمعدات والأجهزة الإلكترونية.
وتحاول أنقرة اختراق مؤسسات جيبوتي الحيوية عبر مؤسسته "تيكا"، ووضع رجال الأعمال الأتراك أيديهم على مقدراتها وثرواتها الطبيعية، وكذلك الصومال التي نجحت حكومة العدالة والتنمية في إنشاء قاعدة عسكرية تركية بها، والسيطرة على جميع المجالات الاقتصادية والخدمية تقريباً.

اقرأ أيضاً: جيبوتي على خطى وخطيئة إيران
لم يخف الأتراك أطماعهم في القارة السمراء؛ إذ قال سردار جام، رئيس وكالة "تيكا" في تصريحات له في تموز (يوليو) 2018، على هامش زيارة أردوغان إلى دولة جنوب أفريقيا، إنّ الوكالة لديها 62 مكتباً في 59 دولة حول العالم، منها 25 مكتباً في أفريقيا، مضيفاً: "هي قارة غنية إلى درجة أنّها قادرة على أن تغذي العالم كله".

 

مستقبل الحركة الإسلامية في جيبوتي
تشهد الحركة منذ عام 2013 تراجعاً ملحوظاً على الساحة السياسية والمجتمعية على حد سواء، فبعد إعلانهم الدخول في تحالف مع المعارضة شنّت الحكومة الجيبوتية حرباً ضروساً ضدهم واستهدفت جل القيادات الإخوانية، مما أجبرهم على الفرار إلى خارج البلاد.
ويعتبر الشيخ عبد الرحمن بشير، من الوجوه الإخوانية الجيبوتية البارزة، الذين استهدفهم النظام، وكان بشير قاضياً في المحكمة العليا الجيبوتية، قبل أن ينخرط في العمل السياسي في عام 2013، ومن ثم وضعته الحكومة في السجن، قبل أن يفر إلى تركيا ومن ثم إلى كندا.

اقرأ أيضاً: خطاب المظلومية لدى الإخوان المسلمين..محمد قطب نموذجاً
للشيخ بشير في منفاه متابعة مستمرة للأوضاع في جيبوتي، حيث يطلّ على متابعيه على صحفته في الفيسبوك التي يتابعها عشرات الآلاف لمعارضة النظام الحاكم في جيبوتي.
ولا يعتبر الشيخ بشير عضواً، وحسب، في الحركة الإسلامية الجيبوتية، بل هو من منظري الحركة وصانعي خطابها، ويقول في حوار مع مركز مقديشو للدراسات، نشر بتاريخ 16 كانون الأول (ديسمبر) 2016 معلقاً الأوضاع في جيبوتي: "الحقيقة السياسية المعروفة في جيبـوتي هي أنّ النظام السياسي يعرف أمراً واحداً في الاتفاقيات السياسية كلها، وهو أن يتنازل الخصم من جميع حقوقه السياسية، ويستغل باعتباره نظام أمن في الغالب براءة السياسيين، والغريب في الأمر أنّ السياسة لا تعرف البراءة واللغـة العاطفية والفكر التراحمي، ولهذا فرجل السياسة يفرق بين حسن النية، وفهم قواعد اللعبة ."

اقرأ أيضاً: اتفاقيات تجمع تونس بقطر وتركيا برعاية النهضة الإخوانية.. ما أهدافها؟
ويوصي الشيخ بشير في حواره التوجه إلى الأدوات الناعمة، ويقول: "في نظري، أنّ النظام الحاكم يملك جل الأدوات الصلبة والناعمة، بينما المعارضة تملك الكثير من الأدوات الناعمة، ولكن الواقع السياسي يقول: لا مستقبل لـلقوة الصلبة في أفريقيا، ذلك لأنّ المجتمع في تركيبته قبلي، ولهذا يكون من الذكاء السياسي أن يحاول كل طرف التنازل عن كبريائه السياسي، وأن يتقن كل طرف فن التنازل، وهذا لا يأتي سياسياً بدون مقابل، فإنّ الطرف الذي يرى أنه الأقوى لا يحسن التنازل، ولكن الطرف الذي يرى كذلك أنه علي الصواب، يجب أن لا يتنازل عن  مبادئه بسهولة، فهذا النوع من التدافع يؤدي غالباً إلى التنازلات المتبادلة، وهذا ما صنعه النظام الإيراني مع القوى الكبرى، وهو أيضاً مقبول في التدافع السياسي الداخلي".

اقرأ أيضاً: كيف تتواطأ حركة النهضة الإخوانية مع مشروع أردوغان في ليبيا؟
في الأعوام الأخيرة، انحصر اتجاه تنظيم الإخوان في دولة جيبوتي في تقديم الأنشطة الخيرية، ويقبع العديد من القيادات في السجون، وبعضهم فارّ إلى الخارج. وهو ما يجعل خيارات الحركة محدودة ومقتصرة على العمل الخيري والنشاط الدعوي في الفضاء الإلكتروني، وهو ما يثير بدوره جملة من التساؤلات المتشابكة حول مستقبل التنظيم.

الصفحة الرئيسية