على عكس الصومال، التي تعدّ معقلًا لتنظيم الإخوان في القرن الإفريقي، ومركزاً من مراكز الشتات واستقبال الهاربين منهم، شهد الوجود التاريخي للتنظيم في جيبوتي تراجعاً ملحوظاً، العام 2018؛ بسبب دعم الطرق الصوفية، وتأثيرات الأزمة القطرية مع دول المقاطعة الأربعة.
اقرأ أيضاً: "الإخوان" في ألمانيا... توسعات مقلقة
رغم عدم إرسال حسن البنا وفوداً دعوية إلى جيبوتي، إلا أنّ الوجود الإخواني في هذا البلد يعود إلى فترة مبكرة جداً من ظهور التنظيم الأم؛ حيث تعرّف عدد من الشباب الجيبوتيّ أثناء دراستهم في مصر إلى دعوة الإخوان، وأعجبوا بها، خاصة بعد زيارتهم فرع الجماعة بالقاهرة، وبعد رجوعهم إلى بلدهم أعلنوا إنشاء شعبة للإخوان المسلمين، ليتم بذلك تدشين فرع الجماعة في 1932.
تحت ستار الخدمات
عاد هذا الحضور "المنسي" مؤخراً إلى الواجهة بعد أن لجأ التنظيم إلى الخدمات الاجتماعية للتوغل والتمدد بجيبوتي مستغلًا تدهور الأوضاع الاقتصادية داخل الدولة، وذلك بمساعدة قطر وتركيا، اللتين تقومان بأنشطة داعمة لتنظيم الإخوان بجيبوتي، مثل: بناء المساجد التي تستخدم في نشر الدعوة الإخوانية، وحفر آبار المياه، فضلًا عن المؤسسات التعليمية، مثل: معهد جيبوتي للغات، والعلوم الإدارية، ومدارس تعليم اللغة العربية.
اقرأ أيضاً: الإخوان المسلمون في مصر.. فتش عن الإنكليز
وتعدّ مؤسسة الرحمة العالمية، وجمعية البرّ الخيرية، وترن التجارية، وأمل للتنمية البشرية، ووكالة "تيكا" التركية، المختصة بالأنشطة الإغاثية، أبرز المؤسسات التي تخدم التنظيم تحت ستار العمل الأهلي والخدمي والإنساني بجيبوتي.
"دينامو" الجماعة بجيبوتي
يعدّ عبد الغني القرشي، المدير الإقليمي لمؤسسة الرحمة العالمية، التي يوجد مقرّها الرئيس بالكويت، هو أبرز الوجوه الإخوانية العاملة بجيبوتي.
يتمتع القرشي بشخصية نافذة، مكّنته من استقبال الساسة بجيبوتي في مكتبه، كما كانت علاقاته القطرية متميزة للغاية؛ حيث يعدّ حلقة الوصل لكلّ المشروعات القطرية بالدولة الجيبوتية.
عاد الحضور الإخواني "المنسي" مؤخراً إلى الواجهة بعد أن لجأ التنظيم إلى الخدمات الاجتماعية للتوغل والتمدد بجيبوتي
العام 2017؛ استقبل سفير قطر بجيبوتي القرشي، وفي تموز (يوليو) 2018، كان في السودان؛ حيث التقى الزبير أحمد الحسن، الأمين العام للحركة الإسلامية السودانية، لاحتواء الخلاف بين البشير وقيادات الجماعة المصريين.
في 26 كانون الثاني (يناير) 2016؛ كرّمت "الرحمة العالمية"، التابعة لجمعية الإصلاح الاجتماعي، رئيس مجلس النواب في جيبوتي، محمد علي حمد، وذلك على هامش وضع حجر الأساس لقرية "السراة"، بحجة جهوده في خدمة العمل الإنساني، وتذليل الصعوبات أمام المشاكل التي تواجه العاملين في العمل الإنساني بصفة عامة، و"الرحمة العالمية"، على وجه الخصوص، وكان ذلك بحضور القرشي ورئيس مكتب شرق إفريقيا، عبد العزيز الكندري.
اقرأ أيضاً: إخوان حول خامنئي: هل هي علاقات أعمق من السياسة؟
في هذا الصدد؛ قامت أيضاً الجمعية الإخوانية عبر مكتبها الإقليمي في جيبوتي، بتنفيذ العديد من المشروعات، للتوغّل عبر العمل الاجتماعي، من بينها مشروعات بناء 7 قرى نموذجية، تمّ تشييدها في عدد من المناطق الداخلية، منها: دِخل، وعرتا، وتجورا، تضم وحدات سكنية نموذجية مكتملة التأثيث، ودار للأيتام، ومدرسة متعددة المراحل تؤوي 400 طفل، من بينهم نحو 200 يتيم، من المرجح أن يصبح جلّهم فيما بعد تابعين للجماعة، وقد تمّ بناء هذه القرى بتمويل مالي من رجال أعمال قطريين، بلغ 300 مليون فرنك جيبوتي، ورعى مناسبة افتتاح القرى رئيس الجمهورية، إسماعيل عمر جيله، بحضور مسؤولي الجمعية.
اقرأ أيضاً: من كان أول وزير داخلية سعودي يكشف حقيقة جماعة "الإخوان"؟
في العام 2018؛ دشّنت المؤسسة نفسها، التي يقودها القرشي، مشروع قرية دوحة الخير النموذجية؛ التي تم إنشاؤها في ناحية دميرجوج بإقليم عرتا، برعاية وزير الإسكان والتعمير والبيئة وتهيئة الأراضي الجيبوتي، موسى محمد أحمد، وشارك في الافتتاح وفد من مبادرة رحماء قطر، التي تقوم بتمويل المشروع بالتعاون مع مؤسسة قطر الخيرية، إضافة إلى القرشي بوصفه المدير الإقليمي للجنة إفريقيا للإغاثة، وممثل الرحمة العالمية، الجهة المنفذة للمشروع.
قيادات الجماعة بجيبوتي
بعض قيادات الجماعة درسوا في الأزهر الشريف، وبعضهم عاش بالمملكة العربية السعودية، ومن أبرزهم: محمود راجية، مدير شركة ترن للتجارة، وعبدو سخية، المسؤول المالي للجماعة بجيبوتي، والذي زار أنقرة نهاية العام 2018، ويوسف شدة، القيادي بتجمع الإصلاح، وسعادة أحمد، قيادي بحزب الحركة.
اقرأ أيضاً: حزب الإصلاح الإخواني في اليمن و"القاعدة"... اللّعب بالنار
كما كان من أبرز الداعمين للجماعة: عبد الرحمن سليمان بشير، مؤسس ومشارك في العديد من الجمعيات الإسلامية، من بينها جمعية "البر"، وهي أكبر وأنشط جمعية في "جيبوتي"، وجمعية "الأمل" الخيرية، ومن مؤسسيها الشيخ حامد عبده سلطان، وزير الأوقاف الجيبوتي حالياً، وجمعية "الأقصى"، التي تأسست أثناء الحرب على غزة.
كذلك الشيخ حسن داهيي أحمد، والشيخ مصطفي حاجي هارون، والشيخ عبد الله علي جيللي، وعبد الله نوح وعيس، وهو من الآباء المؤسسين للجماعة، والشيخ علي إبراهيم ورسمه، وعبد الرحمن برخد جود، ومحمد عمر أمين العفري.
تعدّ مؤسسة الرحمة العالمية بجيبوتي من أبرز المؤسسات التي تخدم التنظيم تحت ستار العمل الإنساني
يقول الباحث بمركز الأهرام للدراسات، علي بكر، في حديثه لـ "حفريات": "لقد زار وفد من قيادات الحركة، في شباط (فبراير) 2018، إسطنبول، والتقوا وزير الخارجية التركي، وقيادات بالتنظيم الدولي، وعدداً من قيادات حزب العدالة والتنمية"؛ مضيفاً أنّهم "اتفقوا على تبنّي الحركة لسياسة ناعمة مع قطر مقابل عودة القوات القطرية للفصل مع إريتريا (كانت انسحبت بعد دعم الرئيس لمقاطعة الدول الأربع للدوحة)، ودعم إنشاء قاعدة عسكرية تركية بالصومال، وتشكيل أذرع سرية عسكرية، وتبديل القيادات واختيار قيادات شباب للجماعة"، وأشار بكر إلى أنّه في العام الماضي؛ منحت جامعة يلدريم بيازيد، في العاصمة التركية أنقرة، شهادة الدكتوراه الفخرية للرئيس الجيبوتي، إسماعيل عمر جيله، وحضر حفل منح الرئيس الجيبوتي شهادة الدكتوراه الفخرية، عدد كبير من الدبلوماسيين والأكاديميين.
الدوحة.. الحاضرة بالخلفية
في 19 كانون الثاني (يناير) 2016؛ افتتحت منظمة "قطر الخيرية" مكتباً لها في جمهورية جيبوتي، بحضور العديد من الشخصيات الرسمية، وممثلي المنظمات الدولية والأمم المتحدة والمنظمات الوطنية، وذلك في إطار سياسة قطر الخيرية، الرامية إلى الإشراف مباشرة على متابعة مشاريعها الإنشائية والتنموية والإغاثية، في الدول التي تتدخل بها، حضر الافتتاح زهرة يوسف قياد، وزيرة التضامن الوطني، والأستاذ آدم شيخ حسن، المستشار الدبلوماسي لرئيس الجمهورية، والأستاذ محمد دعالة، مسؤول الشؤون العربية والإسلامية بوزارة الخارجية، والأستاذ ناصر بن خميس المنصوري، القائم بأعمال السفارة القطرية في جيبوتي، وبحضور فيصل الفهيدة، المدير التنفيذي لإدارة العمليات بقطر الخيرية، وبمشاركة العديد من الشخصيات الرسمية، وممثلي المنظمات الدولية والأمم المتحدة والمنظمات الوطنية، وافتتح المكتب يوسف بن أحمد الكواري، الرئيس التنفيذي لقطر الخيرية.
ويعود التواجد القطري في جيبوتي إلى العام 2011؛ حين لعبت الدوحة دور الوسيط بين جيبوتي وإريتريا لإنهاء نزاع مسلح بينهما على المناطق الحدودية، والذي نشرت قطر بموجبه 450 جندياً على المناطق الفاصلة بين الدولتين؛ لمنع تكرار الاشتباكات، إلا أنّ قيام قطر بسحب قواتها من المنطقة الحدودية بين البلدين، قد جدّد الخلافات بين الجانبين.
في كانون الثاني 2016 افتتحت منظمة "قطر الخيرية" مكتباً لها في جيبوتي
وحول هذا الموضوع، يقول د. أبو الفضبل أفسناوي، مساعد رئيس تحرير مجلة "السياسة الدولية"، لـ"حفريات": إنّ "هذه الخطوة جاءت من قبل قطر بهدف معاقبة جيبوتي؛ بسبب انضمامها للدول العربية الأربع (السعودية والإمارات والبحرين ومصر) المقاطعة لقطر".
والغريب أنّه رغم الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمرّ بها السودان فثمة حضور له بالتعاون مع قطر وتركيا من أجل دعم التنظيم عن طريق العمل الاجتماعي، فقد افتتح الرئيس السوداني عمر البشير العام الماضي مستشفى عسكرياً، وحضر الافتتاح، ، نائب نائبه بكري حسن صالح، وهو مستشفى متطور جداً، ويشتمل على كلّ التخصصات الطبية تقريباً، بما فيها؛ الطوارئ، والعناية المركزة، وغرف العمليات، ويقع في أكبر شوارع العاصمة، وهو بسعة 120 سريراً، وبلغت تكلفته عشرين مليون دولار، ونفذته شركة "شواهق" الهندسية، التي أكدت تقارير تبعيتها لجهاز استخبارات السودان، بعد بيعها في صفقة مريبة!
إخوان جيبوتي والمستقبل
إنّ أوّل تواجد إخواني خارجي تاريخياً كان بجيبوتي، وتأمل الجماعة الحفاظ عليه، كما تستغل تركيا وقطر للتنظيم من أجل النفوذ في هذه المنطقة الحيوية من القارة السمراء، وهو ما يصب في طموحات تنظيم الإخوان بتعميق وجوده في هذه الدولة؛ من أجل موطن قوة جديد في القرن الإفريقي، إلى جانب الصومال، لكنّ قيام الحكومة بدورها الاجتماعي قد يقلل من فرص هذا التوغّل من باب المساعدات الإنسانية، بالتعاون مع الوكالات الإغاثية العربية والدولية لتقييد محاولات التنظيم لتحقيق أغراض سياسية، فضلاً عن تشديد الرقابة المالية على الأموال القادمة من الخارج، من أجل تجفيف مصادر تمويل الجماعة تحت مسميات إنسانية.