الإخوان المسلمون في جيبوتي: الأمن الداخلي يراقب عن كثب (1-3)

الإخوان المسلمون في جيبوتي: الأمن الداخلي يراقب عن كثب (1-3)

الإخوان المسلمون في جيبوتي: الأمن الداخلي يراقب عن كثب (1-3)


12/09/2023

أصبح الإسلام السياسي جزءاً لا يتجزأ من المشهد السياسي في القرن الأفريقي منذ التسعينيات في القرن الماضي، وأصبح مؤثراً في المنطقة بوصول حزب المؤتمر الوطني في سدّة الحكم في السودان عام 1989، كما أنّ الدور المتزايد للحركات الإٍسلاموية في الواقع الصومالي بعد سقوط الدولة في مطلع التسعينيات شكّلت فرصة مواتية لتوسع الإسلاميين في القرن الأفريقي.
وعلى عكس حالات السودان وتطورات الحركات الإٍسلامية في الصومال اللتين حظيتا ببعض الاهتمام، وتزايد الاهتمام مؤخراً بالحركات الدينية في إثيوبيا، فإنه لم يتم إجراء أي دراسات معمقة حول دور الإسلاميين في جيبوتي وإريتريا.
وتسعى هذا الدراسة، التي تنشرها "حفريات" على 3 حلقات، إلى تفحص حالة دور الإسلاميين في جيبوتي؛ ذلك البلد الصغير الواقع في القرن الأفريقي، والذي يعد من أكثر الدول صغراً في المساحة الجغرافية وأكثرها فسيفساءً من حيث التعددية العرقية والثقافية في الوقت نفسه. فضلاً على أنه يتميّز بموقع جغرافي مهم، وهو ما جعله يحتضن الوجود العسكري الأجنبي في المنطقة (خصوصاً الفرنسي والأمريكي).

حصلت جيبوتي على استقلالها من فرنسا في عام 1977
كانت جيبوتي، التي كانت تُعرف سابقاً باسم "إقليم عفار وعيسى الفرنسي"، قد حصلت على استقلالها من فرنسا في عام 1977. وعلى الرغم من أنّ تاريخ جيبوتي القصير لا يخلو من التوترات العشائرية المعتادة في جميع المناطق الصومالية، إلا أنّ البلاد تعدّ مستقرة أمنياً. وهنالك مجموعتان إثنيتان رئيسيتان في البلاد: العيسى: وهي مجموعة عرقية صومالية تشكل 60 في المائة من السكان، والعفار: وهي مجموعة غير صومالية تشكل 35 في المائة من السكان. ويبلغ عدد سكان جيبوتي حوالي 900000 نسمة، مما حال تاريخياً دون ظهور حركات دينية متشددة، إلا أنّ الدولة مرت في عدة صراعات إثنية عديدة، لكنها كانت محدودة.

اقرأ أيضاً: "إخوان" جيبوتي.. الدخول من أبواب الخير الخلفية
ورغم ذلك؛ فإنه من المثير للاهتمام، أنّ جيبوتي سجلت حضوراً مبكراً لولادة الحركة الإسلامية، فقد بدأت علاقة الإخـوان بجيبـوتي في زمن بعيد، حيث أنشأ الإخوان أول شعبـة لهم خارج مصر في جيبـوتي، وجاء تأسيـس الشعبـة استجابـة لرغبة بعض الشبـاب الجيبوتيين بذلك في عام 1933، وانتدبت هيئـة مكتب الإرشـاد العام للإخوان الشيـخ عبد الله حسيـن اليماني ليكون صلـة بين فرع جيبوتي ومكتب المرشد.
وعلى الرغـم من أنّ الاتجاه التصاعدي في منحـى انتشار فكـر الإخـوان جيبـوتي بدأ مع تأسيس الشعبـة في مطلع الثلاثينيات من القرن الماضـي، إلا أنّ نطاق عمـل الحـركة الإسـلامية (شعبـة الإخوان) وانتشارها في البـلاد، ظل يتسم بالمحدودية والضعف لجملة أسباب مختلفة، ترجع بعضها إلى الوجود القوي للصوفية في البلاد، وطبيعة التدين المحلي المتسمّ بالبساطة وتداخل الأعراف المحلية بالدين الإسلامي، مما جعل انتشار الحركة الإسلامية ضعيفاً وغير مؤثر رغم حضورها التاريخي القديم.

اقرأ أيضاً: محمود حسين ومراجعات الإخوان السرية.. هل حقاً تعالج الجماعة عيوبها؟!
فكيف نشأت الحركة الإسلامية في جيبوتي، وما طبيعة حضورها الراهن، كما سيناريوهات دور الإخوان المسلمين المستقبلي، في ظل المتغيرات السياسية التي عرفتها البلاد بعد أحداث 2011 في المنطقة.

 

 

أولاً: الإخوان المسلمون في أفريقيا
تنظر جماعة الإخوان المسلمين إلى الدول الإسلامية في أفريقيا ككل، باعتبارها مساحة لإمكانية التمدد والانتشار لتوسيع مشروعها الرامي بـ "تمكين الإسلام"، وتطبيق الشريعة، وإقامة الحكم الإسلامي، ومن هذا الباب سارعت الجماعة منذ نشأتها إلى التمدد في جميع أنحاء القارة الأفريقية، حيث شرع مؤسس الإخوان حسن البنّا بإرسال برقيات للدول الإسلامية الأفريقية يعرض عليهم فيها مشروعه.

اقرأ أيضاً: كيف تبدو جماعة الإخوان المسلمين في أفريقيا منذ 2013؟
وكانت قد نشرت صحيفة "المصري اليوم" في تاريخ 25 كانون الأول (ديسمبر) من عام 2016 مجموعة من الوثائق الخاصة بجماعة الإخوان المسلمين إبان فترة حكمها لمصر، وجاء ضمن الوثائق تقارير خاصة بخطط الجماعة للتوغل في القارة الأفريقية، شملت التقارير الخطوات اللازمة لتطوير المكاتب في عدد من الدول الأفريقية، علاوة على الأنظمة الأساسية في فرع الجماعة بكل من السودان والجزائر.
وبحسب تقرير معنون بـ "أداء مكتب أفريقيا لعام 1433هـ/2012" طرق تطوير المكاتب والمناطق، فقد سعى مكتب الإرشاد إلى إيجاد دور فاعل لمصر في أفريقيا، وإعادة النظر في هيكل المكتب الموجود، وإضافة قسم يضطلع بتفعيل هذا الدور.

موقع جيبوتي وقربها من شبه الجزيرة العربية، ودورها كمركز تجاري إقليمي جذب إليها عيون الحركات الإسلاموية في المنطقة

وقالت الوثائق إنّ الهيكل الإداري للمكاتب الأفريقية ينقسم إلى أربعة أقسام رئيسية هي: التربية، الأخوات، نشر الدعوة والطلاب، وطالب التقرير بإضافة القسم السياسي والإعلامي إلى الأقسام الأربعة الماضية، تجاوباً مع التغييرات التي حدثت في مصر بعد الثورة، واقترح التقرير تكوين أمانات للمكاتب الأفريقية، وترتيب لقاءات لتلك القيادات مع مجلس شورى الجماعة، وإعادة ترتيب جداول الأعمال على كل المستويات، واتخاذ القرارات التنفيذية لتسيير العمل، في ضوء ما يتخذه المكتب ومجلس الشورى من قرارات.
وكشفت هذه الوثائق، التي وجدت في بيت القيادي الإخواني والنائب الأول لمرشد الجماعة خيرت الشاطر، الاهتمام المتزايد للإخوان في التمدد في أفريقيا، وبحسب الوثائق؛ فقد اهتمّ الإخوان بالطلبة الوافدين من أفريقيا لتلقي العلم في مصر، إذ قاموا باستئجار ثلاث شقق لإقامة أنشطة لهؤلاء الطلاب، واحدة لطلبة نيجيريا، والأخريان لبقية الطلاب، يشرف على كل شقة ثلاثة "مربين". وقالت الوثائق إنّ العمل التربوي مع الطلاب الدارسين في مصر والسودان له أثر ملموس على عمل الجماعة في أفريقيا، حيث سيدعم ذلك السلوك إعداد الإخوان في القارة الأفريقية بطلاب تم مساعدتهم في مصر. وقال التقرير إنّ الأخوات يعملن في ملف الوافدات من القارة الأفريقية، بنفس النهج وذات الأسلوب، وطلب التقرير من مكتب الإرشاد مزيداً من المربين للتعامل مع الطلبة الوافدين.

 

 

وتتعدد الوسائل التي تتبعها الجماعة للتمدد في أفريقيا، فتذكر الوثائق المشارة إليها، أنه في عام 1991، أرسلت جماعة الإخوان المسلمين قافلة دينية تضم سبعة عناصر يقودها شخص يدعى "الأخ الشامي". بقيت القافلة في جيبوتي ثلاثة أسابيع. بعد ذلك، تم إرسال اثنين من المعلمين الإخوانيين إلى هناك، وفي السنوات التالية، زاد عدد المعلمين إلى 25 فرداً تمكنوا من تجنيد 500 من "الإخوة الجدد" في جيبوتي. كما ساعد المعلمون جماعة الإخوان المسلمين على دخول الصومال في عام 1993. وأرسل الإخوان المسلمون مجموعات من المعلمين الذين تلقوا تدريباً جيداً ولهم خبرات سابقة في اليمن، وبدأوا بالعمل مع الطلاب القادمين من دولة جزر القمر والذين يدرسون في مصر والسودان. وأسسوا مجموعة خيرية تسمى "جمعية الإرشاد الاجتماعي" التي كانت نشطة في جزر القمر.

 

 

اقرأ أيضاً: الإخوان من الداخل.. ما دور النظام الخاص في توجهات الجماعة؟
واستمرت محاولة خلايا الإخوان المسلمين في العمل في تجنيد أعضاء جدد، حتى باتت تشكل كتلة سياسية فعالة في جزر القمر، حيث أصبح لديها حزب سياسي في جزر القمر، وحقيبتين وزاريتين في مجلس الوزراء واثنين من بين عشرين عضواً منتخباً في مجلس البرلمان.
كذلك، أشارت الوثائق إلى أنّ المجموعة تمكنت من تجنيد 10000 مؤيد في الصومال و500 شخص في جيبوتي وقرابة 5000 شخص في نيجيريا، وتجدر الإشارة إلى أنّ أحمد نصر الدين، الشريك التجاري السابق لزعيم الإخوان المسلمين يوسف ندا، يسيطر على إمبراطورية تجارية في نيجيريا ويسيّر ابنه عملياته اليومية.
ورغم أنّ من الصعب الحكم على صحة هذه الوثيقة بالنظر إلى العلاقة المتوترة بين الحكومة المصرية وحركة الإخوان المسلمين، إلا أنّ الأنشطة التي تصفها الوثائق تتسق مع "طريقة العمل" المعروفة للإخوان المسلمين.

 

 

الإسلاميون وموقع جيبوتي
مع أن ظهور الإسلاموية بأشكالها كافة في القرن الأفريقي تعود إلى النصف الثاني من القرن العشرين، إلا أنّ ظهورها في جيبوتي يرجع إلى ثلاثينيات القرن الماضي، ويتم تمثيل الإسلاموية في القرن الأفريقي في بعض الحالات بمجموعات وحركات لها أسماؤها المعروفة وهيكلها التنظيمي وبرامجها الصريحة، بينما في حالات أخرى تظهر كحركات غير منظمة ولها فقط طابع أيديولوجي مشترك من قبل عدد من الأفراد، ولهذا يتسم فهم هذه الحركات بالتعقيد، بسبب السيولة الأيديولوجية والخطابات الداخلية المتضاربة والتفضيلات الفردية، مما يخلق وضعاً تظهر فيه الحركات وتتلاشى، أو تندمج مع آخرين، وقد تلجأ إلى تغيير أسمائها أو تبنّي خطابات أيديولوجية مختلفة.

النظام في جيبوتي يعارض بشدة الأصولية الإسلامية ويستخدم سياسة تتمثل في مزيج من السيطرة على الحركات الدينية واستيعابها

ويمكن القول إنّ موقع جيبوتي؛ وقربها من شبه الجزيرة العربية، ودورها كمركز تجاري إقليمي، وكذلك الحدود التي يسهل اختراقها إلى الصومال المجاورة، جذب عيون الحركات الإسلاموية في المنطقة بمختلف توجهاتها. ومن الأمثلة على ذلك كيف كانت تتم توجيه الأموال لحركة التمرد الإسلامية الصومالية المعروفة بـ "الاتحاد الإسلامي (IAIA) " عبر جيبوتي من قبل مواطن سعودي يشغل ممثلاً لمنظمة الإغاثة الإسلامية الدولية التي تتخذ من السعودية مقراً لها.
وتتمتع جيبوتي بالاستقرار في منطقة مضطربة، على الرغم من أنّ بعض المراقبين يحذرون من أنّ الأحداث السياسية الأخيرة قد تهدد هذا الاستقرار. ويعود الكثير من هذا إلى الوجود العسكري الفرنسي القوي وإلى القاعدة العسكرية الأمريكية التي تستضيفها البلاد.

اقرأ أيضاً: الإخوان غير حريصين على عودة ليبيا الموحدة
وبسبب الحرب الطويلة في الصومال ودور الإسلاميين فيه يدرك النظام الجيبوتي جيداً خطورة أنشطة الحركة الإسلاموية بالنسبة إلى استقراره، لذلك فإنّ جهاز المخابرات الجيبوتي يراقب باستمرار التطورات في مختلف أنحاء الصومال، وهي مهمة يجري تنسيقها مع القوات الأجنبية التي تقودها الولايات المتحدة. كما شرع النظام في جيبوتي في الوقت نفسه في اتباع إستراتيجية تسعى لحل الأزمة السياسية في الصومال، حيث تنخرط جيبوتي بشكل مستمر في القضايا الصومالية، وتلعب دوراً نشطاً في التوسط لاتفاقات للسلام، وقد توصلت إلى حل بين الاتحاد الإسلامي وبين الحكومة الاتحادية الانتقالية في نهاية عام 2008، وهذه الخطوة كانت اللبنة الأساسية لنظام الدولة الحالي في الصومال.
وبالنسبة إلى وجود الإسلاميين في الداخل الجيبوتي، فإنّ سياسة النظام تتمثل في مزيج من السيطرة على الحركات الدينية واستيعابها، حيث تقدم وزارة الشؤون الدينية والأوقاف الدعم للمساجد وتدفع رواتب الأئمة. كما أنّ النظام من ناحية أخرى يعارض بشدة ما يعتبره الأصولية الإسلامية، ويراقب الجهاز الأمن الداخلي (المتسم بالقمع الأمني) عن كثب تحركات الجماعات والأفراد الموصوفة بـ "التطرف".
يتبع حلقة ثانية.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية