كيف تتواطأ حركة النهضة الإخوانية مع مشروع أردوغان في ليبيا؟

كيف تتواطأ حركة النهضة الإخوانية مع مشروع أردوغان في ليبيا؟


28/04/2020

في مساء يوم الجمعة 10 كانون الثاني (يناير) 2020، فشلت حكومة الحبيب الجملي، التي سيطرت عليها حركة النهضة الإخوانية، في الحصول على ثقة البرلمان التونسي، وبعد ساعات من إطاحة تشكيلة الجملي، وعلى إثر الصفعة السياسيّة التي تلقتها النهضة، كان راشد الغنوشي، رئيس الحركة، يعقد اجتماعاً مغلقاً مع الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في تركيا، وهو ما أثار حفيظة المعارضة، وسط تساؤلات عن مغزى الزيارة في هذا التوقيت، وهل قام الغنوشي بها بصفته الحزبية، أم بصفته رئيساً للبرلمان؟ وما الذي دار في هذا الاجتماع السري؟ ولصالح مَنْ تمارس حركة النهضة دورها السياسي؟

اقرأ أيضاً: الإخوان المسلمون: ترويج الشائعات في مصر... وأزمة النهضة في تونس
ولا ينفصل هذا الحدث بدلالاته المتعددة، عن جملة المواقف السياسية التي تبنتها حركة النهضة، منذ تواجدت بشكل علني على الساحة السياسية التونسية، لكن المشهد الليبي يبدو كاشفاً بشكل مكثف للطبيعة الأيديولوجية التي تنتهجها الحركة، وهو ما يتماهى مع السياق العام لمنطلقات المشروع الإخواني في المنطقة والذي تتبناه تركيا.

حكومة الوفاق..عن أيّ شرعية يتحدثون؟
الشرعية في أدبيات الإخوان، كلمة حق يراد بها دوماً تمرير كل أشكال الباطل، ويذكرنا الماضي القريب، بمآلات الإخوان المسلمين في مصر، حين سقطت شرعيتهم بانقلابهم على الدستور والقانون، ومحاولتهم حرق مراحل التمكين، بالهيمنة السريعة على مؤسسات الدولة، وإلقاء السلم الذي صعد بهم إلى السلطة، كي لا يلحق بهم أحد، وليس أدلّ من الخطاب الأخير للرئيس المعزول محمد مرسي، حين أخذ يكرر كلمة الشرعية عشرات المرات، بينما الجموع الثائرة في الميادين تطالب بعزله، وكأنّ الانتخابات أصبحت حصان طروادة الذي يحمل في داخله أعداء الحرية، لتدمير المجال التداولي العام للنظام الديموقراطي.

الهدف الأكبر للغنوشي من خلال تدخله المباشر في الشأن الليبي، هو تأكيد شرعية الوجود السياسي للإخوان المسلمين في ليبيا

وربما تمثل المسألة الليبية حالة خاصة، للكيفية التي تبلور فيها مفهوم الشرعية بشكل منقوص، ودون حيثيات موضوعية، فاتفاق الصخيرات الذي أُبرم بين الفرقاء في العام 2015، تحت رعاية المبعوث الأممي مارتن كوبلر، منح حكومة الوفاق اعترافاً دولياً لتسهيل مهمتها من أجل إنهاء الصراع، والوصول سريعاً إلى توافق حول دستور جديد للبلاد، ومنحها مهلة لمدة عام، يجدد لمرة واحدة، وبالتالي فإنّ الحكومة المؤقتة غير المنتخبة، فقدت شرعية الاعتراف الدولي بها بتقادم المدة، وبرفض البرلمان الليبي المنتخب التمديد لها.
ويمكن القول إنّ ما قامت به حكومة الوفاق من تهميش لدور البرلمان المنتخب، واستدعاء الميليشيات المسلحة برعاية تركية، لفرض حقائق جديدة على الأرض، يعكس الدور الخفي لجماعة الإخوان المسلمين التي تهيمن على الحكومة، من خلال ذراعها السياسي المتمثل في حزب العدالة والبناء، هو ما فجر الوضع العسكري، مع رفض الجيش الليبي المدعوم من البرلمان والقبائل الليبية، لهذه التحركات المشبوهة.

اقرأ أيضاً: النهضة تستثمر سياسياً في جائحة كورونا بتونس
وفي سياق دعمها لحكومة السرّاج، تتشدق حركة النهضة التونسية بدعم الشرعية، لتؤدي دوراً مركزياً في تقديم نوع من الدعم السياسي لها، تحت المظلّة التركية؛ الحليف الأبرز للغنوشي، وهو ما يفصح عن جملة من السياسات المريبة التي تمارسها حركة النهضة إقليمياً.


ويمنح تأمين حضور قوي للإخوان المسلمين في المشهد الليبي، حركة النهضة أريحية في محيطها الجغرافي، بعد قطع الأذرع السياسية للإخوان في المنطقة، بسقوط الحرية والعدالة في مصر، وترنح الأصالة والتنمية في السودان، وتقليم أظافر حركة مجتمع السلم في الجزائر، وتواصل في موريتانيا، وهو ما أدركه الغنوشي إبان مشاركته في مفاوضات دول الجوار لحل الأزمة الليبية منذ العام 2014، في ظل الارتباط الوثيق بين النهضة وقيادات حزب العدالة والبناء، والذي بلور برنامجه السياسي بنصائح مباشرة من الغنوشي لكل من القيادي الإخواني علي الصلابي ورئيس العدالة والبناء محمد صوان، مع الضغط على السراج الذي أصبح مع الوقت أداة طيعة في يد الإخوان المسلمين، وكان أحمد أويحيي رئيس ديوان الرئاسة الجزائرية، عقد اجتماعاً مغلقاً مع علي الصلابي، في كانون الثاني (يناير) 2017، في منزل راشد الغنوشي في تونس، في محاولة للتوسط لإنهاء الصراع.

في مقابلة تليفزيونية وصف وزير الدفاع التونسي عماد الحزقي، القوات الداعمة لحكومة فايز السراج بالمليشيات

ولعل الهدف الأكبر للغنوشي من خلال تدخله المباشر في الشأن الليبي، هو التأكيد على شرعية الوجود السياسي للإخوان المسلمين في ليبيا، من خلال التمسك باعتبار حكومة الوفاق هي الممثل الأوحد للشعب الليبي.
وفي حديثه لـ "حفريات" يؤكد الدكتور عبد اللطيف الحناشي، المؤرخ والمحلل السياسي التونسي، أنّ تحركات النهضة على صعيد الملف الليبي؛ ترتبط بنقطتين أساسيتين: تتمثل الأولى في استنادها للمرجعية الفكرية نفسها التي تؤطر حكومة الوفاق، أما الثانية فهي حجة أو تعلّة الاعتراف الدولي بحكومة السراج.
ويؤكد الحناشي أنّ النخبة السياسية في تونس منقسمة حول الموقف، كما أنّ مواقف رئيس الدولة لا تنم على حياده، بل هو بدوره ملتزم بالقرار الأممي، ثم إنّ سيطرة الوفاق على طرابلس وجوارها، عامل إستراتيجي يدفع باتجاه الانحياز لجماعة الوفاق، كما أنّ موازين القوى السياسية تبدو لصالح النهضة في البرلمان، خاصة مع التقارب بينها وبين قلب تونس، بالإضافة إلى بعض مواقف الدول الكبرى المساندة لحفتر، والتي لها تاثير على الواقع التونسي.

اقرأ أيضاً: المرتزقة هم الأداة الفعالة لتنفيذ أجندة أردوغان في ليبيا
التعالق في المصالح السياسية، يفسر امتعاض الغنوشي من عدم توجيه الدعوة للرئيس التونسي قيس سعيّد للمشاركة في مؤتمر برلين حول ليبيا، في كانون الثاني (يناير) الماضي، وقد ضَمن الغنوشي اتفاق سعيّد معه حول ضرورة دعم شرعية السراج، وهو ما أكده عقب لقاء جمعه بالرئيس وتناول المسألة الليبية، قائلاً: "الرئيس التونسي عبّر خلال هذا اللقاء عن تمسّكه بالشرعية الدولية في ليبيا".

أزمة وزير الدفاع التونسي مع العدالة والبناء الليبي
في مقابلة تليفزيونية على القناة التونسية حنبعل، وصف وزير الدفاع التونسي عماد الحزقي، بنبرة ساخرة، القوات الداعمة لحكومة فايز السراج، من جيش وشرطة وحرس حدود، بالميليشيات المسلحة، وهو ما أثار غضب محمد صوان، رئيس حزب العدالة والبناء الليبي، الذراع السياسي للإخوان، والذي استنكر في أسلوب هجومي تصريحات الحزقي، مؤكداً تحفظه على ما وصفه بالخطاب الاستعلائي الزائف، بزعم أنّ الأخير ساوى بين الحكومة الشرعية وقوات حفتر، وفي اليوم التالي لتصريحات صوان العدائيّة، وبالتحديد في 16 الشهر الجاري، عقد المكتب التنفيذي لحركة النهضة اجتماعاً برئاسة الغنوشي، تطرق إلى الوضع في ليبيا، وفي استجابة سريعة لتصريحات صوان، أكدت حركة النهضة دعمها غير المشروط لفايز السراج وحكومته، ووصفت الجيش الليبي بـ"الميليشيات المتمردة التي تمارس أعمالاً عدائية"، مع إدانتها الكاملة للعمليات العسكرية التي يشنها، وهو ما يكشف الغطاء عن هذا النهج الأيديولوجي الذي يرتبط بحركات مشبوهة في الخارج، وقد دانت النهضة وزير دفاع بلدها، بدلاً من الدفاع عنه إزاء الهجمة الإخوانية عليه.

اقرأ أيضاً: الإخوان غير حريصين على عودة ليبيا الموحدة
ولكن، هل تستيطع حركة النهضة دفع تونس للتورط في الصراع المحتدم الذي تشهده ليبيا؟
في إجابتها عن هذا السؤال، تقول الدكتورة زينب التوجاني، الأستاذة الجامعية والناشطة التونسية، إنّ حركة النهضة تعلن دعمها لحكومة الوفاق الليبية، ومبررها أنّها تحظى بالشرعية الدولية، وهي الحجة التي تجعل الرئاسة التونسية تعلن أيضاً تمسكها بهذه الشرعية، لكنّ انتماءات الحركة الاخوانية الممتدة من تركيا إلى ليبيا جعلت النهضة، لا تتمسك فقط بالشرعية الدولية، بل ربما تحركها المصالح الإخوانية المشتركة، فتُوجه لها في تونس اتهامات دائمة بمحاولة مساعدة الإخوان في ليبيا، وتثبيتهم في الصراع الدائر.


وتنبّه التوجاني، في حديثها لـ"حفريات"، إلى أنّ راشد الغنوشي رئيس البرلمان، ليس له صلاحية ولا نفوذ على قضايا الأمن القومي التونسي، ولذلك فإنّ الجهة الوحيدة المخولة بالنظر في قضايا المعابر والعلاقات والدبلوماسية التونسية، هي الرئاسة التونسية، التي وإن أعلنت أنّها مع الشرعية الدولية، إلا أنّها ليست بكل تأكيد تأتمر بأوامر البرلمان ورئيسه، فالسلطة في تونس موزعة، ولا خوف على الموقف التونسي تجاه القضايا الحساسة، لأنّ الموقف الرسمي لا يكون بيد حركة النهضة وحدها، وهي تدرك خطر المجازفة إن هي تصرفت من وراء القانون، وبغير علم السلطات، لأنّها تعلم علم اليقين أنّ كل العيون تراقبها في تونس، وتراقب حركاتها وسكناتها في دواليب الدولة.
يمكن القول إنه، والرغم من المدى المحدود، الذي يمكن أن تذهب إليه حركة النهضة، في دفع الدولة التونسية نحو التورط في المستنقع اليبي، إلا أنّها ستواصل أدوارها الخفية الداعمة للمشروع التركي، وحلفائه في طرابلس، وهو ما يكشف عن حقيقة قدرة الإخوان على ممارسة السلطة واحترام الدولة الوطنية، في ظل الارتباط الدائم بأجندات خارجية، تفرضها أولويات التنظيم الدولي.

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية