الجفاف آخر حلقة في مسلسل البؤس السوري

الجفاف آخر حلقة في مسلسل البؤس السوري


06/09/2022

تواجه العائلات الفقيرة في شمال شرق سوريا التي اجتاحتها الحرب عقدا من الزمان بؤسا جديدا ومعضلة بسبب المياه. ويقول الخبراء إن الماء الصالح للشرب أصبح مكلفا لدرجة أن المجتمعات تضطر إلى توفير الإمدادات النظيفة النادرة لكبار السن والشباب، مما يترك معظم الناس أمام الاختيار بين شرب المياه القذرة والمخاطرة بالمرض أو الانقطاع عنه ومواجهة خطر الموت.

وأجبرت أنظمة المياه المتهالكة التي دمرتها الصراعات منذ فترة طويلة على الاعتماد على المياه المنقولة بالشاحنات التي توفرها الشركات الخاصة أو وكالات الإغاثة، لكن الارتفاع الحاد في أسعار السلع الأساسية الناجم عن الغزو الروسي لأوكرانيا عقّد الوضع.

ولم يعد العديد من سكان مدن شرق سوريا وبلداتها قادرين على تحمل تكاليف المياه النظيفة، بينما حذرت المنظمات الإنسانية من أنها قد تضطر إلى قطع الإمدادات عن أولئك الذين يعيشون في مخيمات اللاجئين مع ارتفاع التكاليف اللوجستية وتداعيات الاقتصاد السوري.

وقال محمد محمود، وهو مدير مشروع المياه والمناخ في معهد الشرق الأوسط “إنه خيار مروع للناس. إما أنهم يشربون هذه المياه غير المعالجة، أو التي لا تتم معالجتها وفقا للمعايير المناسبة، أو لا يشربونها… وربما يموتون”.

وفي استطلاع أجري في يونيو نشرته مبادرة ريتش الإنسانية، قال 45 في المئة من حوالي 4600 مشارك معظمهم في شمال شرق سوريا إن تكلفة نقل المياه بالصهاريج تمثل تحديا ويعني أنهم اضطروا إلى التخلي عن الضروريات الأخرى والاستحمام والتنظيف بشكل أقل.

ووجدت منظمة ريتش أن 99 في المئة من الأسر في مدينة الحسكة، نقطة محورية في الحرب، لا تملك ما يكفي من المياه.

ومن بينهم هدى، مدرسة اللغة الإنجليزية البالغة من العمر 33 عاما، لكنها تعتبر نفسها محظوظة نسبيا. وتحصل على معظم مياهها من بئر مواجه لمنزلها، لكنه يجف خلال الصيف ويتعين على أسرتها الاعتماد على المياه المنقولة بالشاحنات لتلبية احتياجاتها.

وقالت هدى “إن المياه غير نظيفة في الغالب لكنها الحل الوحيد المتاح لدينا في الوقت الحالي. نحن نخاطر بالحصول على الماء من الصهاريج، لكن علينا أن نأكل ونطبخ”.

وأدت ندرة مصادر المياه النظيفة والعنف المستمر والمناخ الصحراوي في المنطقة إلى نقص المياه في المجتمعات المحلية بينما أدى انهيار الليرة السورية إلى ارتفاع أسعار السلع وتزايد المصاعب.

وقال محللون ونشطاء محليون إن نهر الفرات، المصدر الرئيسي للمياه في المنطقة، آخذ في الجفاف، بينما أدى بناء السدود في تركيا إلى خفض إمدادات المياه الواردة. وتعدّ أنظمة البنية التحتية فاشلة، وتجاهلتها الحكومة المركزية لفترة طويلة، وأصبحت مهترئة بعد سنوات من الحرب والجفاف.

وتزود محطة مياه علوك الواقعة بالقرب من الحدود السورية - التركية حوالي مليون شخص في المنطقة بالمياه ولكنها كانت تعمل بنصف طاقتها 84 في المئة من الوقت بين أغسطس 2021 ومارس 2022، وفقا لريتش.

ووفق مصادر في المنطقة فإن محطة المياه أصبحت عالقة في صراع بين الفصائل المدعومة من تركيا وقوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة.

وقال ناشط في المنطقة طلب عدم الكشف عن هويته خوفا من الانتقام “نواجه انقطاع المياه عندما يتقاتلون”.

وعندما تجف الأنابيب، يلجأ السكان إلى نقل المياه بالشاحنات. وقال الناشط إن الأسرة متوسطة الحجم التي تعتمد على المياه المنقولة بالشاحنات قد تنفق كل شهر ما يصل إلى 150 دولارا على الصرف الصحي والتنظيف، وما يقرب من 100 دولار على مياه الشرب. وإذا كانت الأسرة تعتمد على المياه المعبأة، فسيتعين عليها إنفاق حوالي 320 دولارا في الشهر، مضيفا أن “الوضع مأساوي وهناك عطش حقيقي”.

وقال صندوق الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسف” إنه بينما توفر وكالات الإغاثة المياه مجانا للاجئين والنازحين داخليا وبعض الأحياء، فإنها تتضرر أيضا من ارتفاع أسعار الوقود والكهرباء والمواد الكيميائية لمعالجة المياه.

وأشار كريس كورمنسي، وهو مستشار المياه وتغير المناخ في اليونيسف، إلى أن السعر تضاعف في سوريا.

وأضاف “ارتفعت التكاليف في جميع المجالات وعلى العائلات اتخاذ القرارات. يستخدم الناس كميات أقل من المياه. لذلك، فإن النظافة ستكون أقل وستنتشر الأمراض التي تنقلها المياه”.

وقال مصدر من منظمة إغاثة تعمل في مخيمات اللاجئين المنتشرة في شمال شرق سوريا إن ارتفاع أسعار الوقود يعني تقليل كمية المياه التي يوفرونها لكل شخص لضمان الوصول إلى المزيد من المجتمعات بشكل عام.

ومع ذلك، لا يوجد ما يكفي من التمويل أو القدرة أو الإرادة لمعالجة المشكلة بالحلول المستدامة، كما قال العامل في المجال الإنساني الذي لم يُصرح له بالتحدث إلى وسائل الإعلام.

وتسببت أزمة المياه في زيادة الأمراض مثل الإسهال وسوء التغذية والأمراض الجلدية في المنطقة، وفقا لمنظمة الصحة العالمية.

وأكدت منظمة الصحة العالمية إبلاغ مسؤولي الحسكة في أكتوبر من العام الماضي عن أكثر من ألفي حالة إصابة بداء الليشمانيات، وهو مرض طفيلي يسبب آفات جلدية، وهو ما يشكّل ارتفاعا إلى 121 حالة في أكتوبر 2020.

ولم تتواصل سلطات الحسكة على الفور للرد على أسئلة حول الوضع المائي في المدينة.

وفي الآن نفسه، يعتمد معظم الناس في الرقة، وهي مدينة تقع على ضفاف الفرات، على النهر في الحصول على مياه الشرب والغسيل على الرغم من علمهم التام بعدم صلاحيته لأي من الغرضين، بحسب ما قال الباحث المقيم في المدينة عمار الأحمد.

وذكر الباحث المستقل أن “المياه النظيفة ليست أولوية بقدر الإيجارات والأدوية والغذاء”.

وتعد أنظمة الترشيح لتنظيف المياه الملوثة قبل وصولها إلى المستهلكين باهظة الثمن بالنسبة إلى الكثيرين ممن يعيشون في المدينة.

وقال عبدالله، وهو صاحب محل سباكة محلي، ولم يكشف عن اسمه الأخير خوفا من الانتقام، إن أسعارها تتراوح بين 30 دولارا و200 دولار وتتطلب حوالي 7 دولارات للصيانة كل موسم، وهو أمر صعب بالنسبة إلى الكثيرين في المدينة المنكوبة بالحرب. وأكد أن البعض يجوع لادخار ما يكفي لشراء مصفاة للمياه.

وأشار إلى أن السائل المتدفق من صنابير المدينة أصبح أحمر اللون. وتضاعف سعر المياه المفلترة في العام الماضي. وأضاف أن العائلات تستهلك المياه المعبأة كما لو كانت دواء لا تشربها إلا عند المرض وبناء على نصيحة الطبيب.

وقال الباحث عمار الأحمد إن سكان المدينة الأكثر ثراء هم من يستخدمون المياه الصحية.

عن "العرب" اللندنية



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية