
في معقل الطائفة العلوية التي تنتمي إليها عائلة الأسد في غرب سوريا، احتفل السوريون من الطائفة العلوية بسقوط النظام، لكنّهم يخشون في الوقت الراهن من التهميش أو حتى التعرض لعمليات انتقام لارتباط طائفتهم بعائلة الأسد، مع تولي المعارضة السلطة.
ورغم أنّ السلطات الجديدة حاولت إرسال تطمينات للأقليات الدينية، لكنّ العلويين يخشون من أن تكون طائفتهم، التي حكمت سوريا لعقود، عرضة لعمليات انتقام.
ويشير محللون لصحيفة (العرب) اللندنية إلى أنّ هذه الوعود تم الوفاء بها إلى حد كبير حتى الآن. ومع ذلك، ما تزال المخاوف قائمة من أنّه بمجرد أن يعزز المتمردون سيطرتهم على البلاد، قد ينقلبون ضد المجتمع العلوي بسبب علاقاته بالنظام السابق، الذي اعتمد منذ عام 1970 بشكل كبير على العلويين، الذين شغلوا العديد من المناصب العسكرية والاستخباراتية رفيعة المستوى، لكن ليس جميعهم، حيث يعاني الآلاف منهم من حالة الفقر والعوز.
وحول الموضوع قالت صحيفة (التايمز) البريطانية: رغم أنّ أوضاع العلويين في سوريا الأسد متميزة، كما كان المتعارف عليه بشكل عام، إلا أنّهم من بين أفقر المجتمعات في سوريا.
وعلق طبيب أسنان علوي للصحيفة قائلاً: إنّ الأمر أشبه بـ "جيش من العبيد"، حيث يعيش كثيرون منهم على اعتقاد أنّه "إذا تركنا (الأسد)، فسوف نموت".
وقال نائب رئيس الأبحاث في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، ومقرها واشنطن، ديفيد أديسنيك: إنّ هيئة تحرير الشام تدرك أهمية عرض صورة الاعتدال.
وأضاف أديسنيك في تصريح صحفي لـ (فرانس برس) أنّ السؤال الرئيسي هو ما إذا كانت هيئة تحرير الشام تعتبر هوية الأسد كعلوي سبباً لوحشيته الشديدة. إذا لم يكن الأمر كذلك، فلا يوجد سبب يذكر لإلقاء اللوم على المجتمع العلوي والانتقام."
وأشار أديسنيك إلى أنّ "هيئة تحرير الشام قد تجد صعوبة في الثقة بالمجتمع العلوي أو القادة العلويين الأفراد، لكنّ تهميشهم قد يكون كافياً لمعالجة مثل هذه المخاوف، بدلاً من اللجوء إلى العنف."
من جهتها قالت طالبة جامعية تنتمي إلى الطائفة العلوية من مدينة اللاذقية الساحلية لوكالة (فرانس برس): "كثيرون مثلي من الطائفة العلوية التي تعتبر أقلية أصبحوا قلقين، لأنّ من حررونا ليسوا مجموعة واحدة، بل هناك عدة فصائل، والبعض منها له تاريخ أسود."
وفي حين يتشارك أصدقاء الطالبة من السُّنّة رسائل عن الوحدة على مواقع التواصل، إلا أنّ ما يقلقها هو التعليقات الكثيرة التي تتسم بالكراهية.
وأضافت الطالبة التي فضّلت عدم كشف اسمها: أرى تعليقات على (إنستغرام أو فيسبوك) بأنّ "الدور قادم إليكم وسوف نقتلكم"، وتشعر شقيقتها وزوج شقيقتها بخوف شديد لدرجة أنّهما قررا مغادرة البلاد.
عشرات الآلاف من الشيعة، الكثير منهم من العلويين، فروا من سوريا إلى لبنان الأسبوع الماضي، مخافة اضطهادهم من الحكام الجدد لسوريا.
وبعيداً عن حالة القلق والريبة التي تنتابهم، انتشر بيان موقّع من رجال دين ومشايخ علويين في منطقة القرداحة - مسقط رأس الأسد في شمال محافظة اللاذقية - يعربون فيه عن تأييدهم "للنهج الجديد وللجيش الوطني، والتعاون مع الهيئة والجيش الوطني الحر لبناء سورية الجديدة".
ودعا البيان "المواطنين في المنطقة إلى عدم حمل السلاح وتسليمه، وإزالة جميع التماثيل والصور في الأماكن العامة". وجاء هذا البيان بعد لقاء مجموعة من مشايخ الطائفة العلوية في القرداحة مع ممثلي عن هيئة تحرير الشام، وفق ما أوردت شبكة (بي بي سي).
وفي الإطار ذاته، ذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان أنّه وثّق عدة انتهاكات ارتكبها مقاتلو الفصائل المسلحة في المنطقة الساحلية التي يقطن فيها العلويون منذ سقوط بشار الأسد، بما في ذلك ضد مدنيين.
بدورها أوصت منظمة (هيومن رايتس ووتش) حكّام سوريا الجدد بنشر وحدات أمنية عند الضرورة لحماية الأقليات الدينية والإثنية التي يُنظر إليها على أنّها مؤيدة للحكومة السابقة أو يُشتبه في أنّها كذلك.
ودعت المنظمة في بيان نشرته عبر موقعها الإلكتروني إلى إشراك جميع قطاعات المجتمع السوري بشكل فاعل في تشكيل مستقبل البلاد، بما يشمل الأقليات والأطراف السياسية من خلفيات متنوعة.
ووفق شبكة (الحرة)، فقد بات أبناء الأقليات السورية مثل العلويين والأرمن والأكراد والشيعة والإسماعيليين والدروز والمسيحيين في حالة خوف من العيش في ظل حكم إسلامي لم تتحدد معالمه بعد، والبعض، مثل الطائفة العلوية التي ينتمي إليها بشار الأسد، يخشون من الانتقام، لهذا خرج العديد منهم من سوريا، بعضهم إلى لبنان المجاورة، وبعضهم الآخر إلى دول أوروبية.
وكان مسؤول أمني لبناني كبير قد قال لـ (رويترز): إنّ عشرات الآلاف من الشيعة، الكثير منهم من العلويين، فروا من سوريا إلى لبنان الأسبوع الماضي، مخافة اضطهادهم من الحكام الجدد لسوريا.
ورصدت (سي إن إن) حالة من الزحام المروري من السيارات والشاحنات المحملة بالناس وأمتعتهم عند المعبر، بينما عرض سائقو سيارات الأجرة على المشاة توصيلهم، وكان بعضهم يطلب مبالغ باهظة لنقلهم إلى بيروت أو دمشق.
وتشير تقديرات أمريكية رسمية إلى أنّ 74% من سكان سوريا مسلمون سُنّة، بما في ذلك العرب والأكراد والشركس والشيشان والتركمان. وتشكل الجماعات المسلمة الأخرى، بما في ذلك العلويون والإسماعيليون والشيعة، 13% من السكان، ويشكل الدروز 3%.
وتقدر الحكومة الأمريكية أنّ 10% من السكان مسيحيون قبل الحرب، إلا أنّ منظمة "أبواب مفتوحة في الولايات المتحدة" تقدّر أنّ ما يقرب من (579) ألفاً فقط ما زالوا موجودين، أي 2.8% من السكان.
وقد تمكّنت فصائل معارضة تقودها "هيئة تحرير الشام" من السيطرة على دمشق في 8 كانون الأول (ديسمبر) الجاري، ممّا أنهى حكم الرئيس بشار الأسد، الذي كان يقدّم نفسه كحامي الأقليات في بلد غالبيته من المسلمين السُّنّة.