غضب في قلب الطائفة العلوية ضد الأسد

غضب في قلب الطائفة العلوية ضد الأسد


كاتب ومترجم جزائري
09/08/2020

ترجمة: مدني قصري

يرافق الاحتجاجات المناهضة للأسد في المناطق الدرزية غضب ملموس بشكل متزايد في قلب الطائفة العلوية، التي ينتمي إليها الرئيس السوري.

كان بشار الأسد يأمل في الاحتفال بالذكرى العشرين لوصوله إلى السلطة بطريقة مختلفة تماماً، بعد ثلاثين عاماً من ديكتاتورية والده حافظ؛ فهو إذ يقدّم نفسه بسهولة على أنّه "حامي" الأقليات في وجه الأغلبية السنّية من السكان، في الواقع هو هدف احتجاج غير مسبوق، حتى داخل الأقليات التي تعدّ محايدة، حتى الآن، بل وموالية.

اقرأ أيضاً: كيف تضطهد تركيا طائفة العلويين؟

منذ بداية هذا الشهر؛ تحدّى المتظاهرون في السويداء، جنوب شرق دمشق، النظام، في قلب المنطقة التي يتركز فيها معظم الدروز في البلاد، لكنّ الغضب الأكثر وضوحاً، وبشكل متزايد، هو داخل المجتمع العلوي، الذي تنحدر منه عائلة الأسد، وهو ما يقلق الأسد، أكثر من غيره.

العصيان العلوي

دكتاتورية الأسد، تحت حكم حافظ ثم بشار، كانت حريصة دائماً على خنق أدنى تحدّ داخل الأقلية العلوية، التي تمثل عُشر السكان السوريين، ومع ذلك، كان دعم النظام بعيداً عن أن يكون دعماً غير مشروط، فقد شاركت عدة شخصيات علوية في العملية الثورية، عام 2011، وتمّت ملاحقة المعارضين العلويين، بلا رحمة، تحت مسمّى "الخيانة" المزدوجة، سواء ضدّ النظام أو ضدّ مجتمعهم.

لكنّ التصعيد العسكري وطائفية الصراع، مع صعود الجماعات الإسلامية، ثم الجهاديين، كلّ هذا أقنع معظم العلويين بالتوحّد حول النظام.

منذ بداية هذا الشهر تحدّى المتظاهرون في السويداء، جنوب شرق دمشق، النظام

لقد تمّت تعبئة البعض للتعويض عن الفرار الهائل من الجيش الحكومي، فيما انضم آخرون إلى الميليشيات الموالية للأسد، وهكذا دفعوا ثمناً باهظاً في الحرب الأهلية، تاركين مجتمعاً علوياً محروماً إلى حدّ كبير من شبابه.

رامي مخلوف يتحدّى الأسد

رغم "ثمن الدم" الباهظ الذي دفعه الشعب السوري، فإنّ الغالبية العظمى من العلويين عانت انخفاضاً ملموساً في مستوى المعيشة، فيما راكم المستفيدون المرتبطون برئيس الدولة ثروات فاحشة.

في هذا السياق المزدحم بالفعل؛ تحدّى رامي مخلوف، ابن خال بشار الأسد، ومموّله الكبير لفترة طويلة، الرئيس الأسد ثلاث مرات، بصورة علنية.

المسيحيون الذين لا يملكون قاعدة أرض خاصة بهم، يميلون اليوم أكثر فأكثر إلى الهجرة، ويميل جزء من الروم الأرثوذكس إلى حماية روسيا، التي يمجّدونها كـ "روما الجديدة"

رامي مخلوف، الذي كان في السابق رمزاً للفساد المتفشي، تمّ تجريده جزئياً من ثروته الهائلة؛ فهذا الذي حافظ بسخاء على قاعدته المجتمعية، استطاع أن يقدم نفسه كمتحدث باسم العلويين، الذين يشعرون بأنّهم مهجورون، بل ومقهورون، حتى من قبل النظام، والحال أنّ غطرسة إيران والميليشيات التابعة لها، وعلى رأسها حزب الله اللبناني، قد فاقمت استياء العلويين، الذين يراهم المسلمون الشيعة رديئين في أحسن الأحوال.

لقد ازدهرت الشعارات المناهضة للأسد على جدران اللاذقية وطرطوس، المدينتين اللتين تمتلك فيهما روسيا قواعد جوية وبحرية، ليظهر قلق موسكو من هذا الاحتجاج غير المسبوق.

مظاهرات الدروز

يشكّل المجتمع الدرزي في سوريا ما يزيد قليلاً عن 2٪ من السكان السوريين، لكنّ معظمهم يقيمون في السويداء، وفي منطقة جبل الدروز الإستراتيجية، جنوب العاصمة.

اقرأ أيضاً: العلويون في تركيا: قصة طائفة اضطهدها العثمانيون والجمهوريون والإسلاميون

لقد حاولوا الحفاظ على حيادهم منذ عام 2011، الأمر الذي لم يعفِهم، عام 2018، من الانتهاكات الجهادية الإسلاموية، لكنّ الكارثة الاقتصادية، وعمليات التهريب المتعددة من قبل النظام، في هذه المنطقة الحدودية مع الأردن، أدّت مؤخراً إلى سلسلة من المظاهرات التي تُردّد شعاراتها "الثورة والحرية والعدالة الاجتماعية"، و"الشعب يريد إسقاط النظام".

 تحدّى رامي مخلوف، ابن خال بشار الأسد، ومموّله الكبير لفترة طويلة، الرئيس الأسد ثلاث مرات، بصورة علنية

 إصبعُ الشرف، مع الإصبع الأوسط الممدود، أصبحا علامة حشد وتعبئة، في العاشر من حزيران (يونيو)، ويصادف الذكرى العشرين لوفاة حافظ الأسد، تجرأ المتظاهرون على الغناء بـ "يلعن روحك"، لا شكّ في أنّ مواكب المتظاهرين تسير متناثرة للغاية، بسبب المخاطر الهائلة التي تحدث أثناء أيّ انتقاد علني للأسد، إضافة إلى ذلك، فإنّه مجرد قمع المواكب وإلقاء القبض على النشطاء، نظم النظام تظاهراته المضادة الخاصة؛ حيث تمّت إدانة العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة باعتبارها مصدر كلّ شرور سوريا.

اقرأ أيضاً: العلويون في تركيا.. تاريخ من العزلة

الغضب الدرزي والعصيان العلوي يَرِنّانِ كتحذيرات خطيرة ضدّ الديكتاتورية السورية، بعد أن برّر نظامه الاستبدادي، برفض أيّ تنازل لأغلبية صُنّفت "إسلاموية"، أو حتى "إرهابية"، يشهد نظام الأسد تداعيَ أسسه الراسخة في الأقلية.

لقد تمّت تعبئة البعض للتعويض عن الفرار الهائل من الجيش الحكومي، فيما انضم آخرون إلى الميليشيات الموالية للأسد، وهكذا دفعوا ثمناً باهظاً في الحرب الأهلية

إنّ المسيحيين، الذين لا يملكون قاعدة أرض خاصة بهم، يميلون اليوم أكثر فأكثر إلى الهجرة، ويميل جزء من الروم الأرثوذكس إلى حماية روسيا، التي يمجّدونها كـ "روما الجديدة"، أمّا بالنسبة إلى الأكراد، فإنّهم يسعون جاهدين لفرض جبهة موحدة معارِضة، ضدّ شروط ومطالب الأسد، من أجل الحفاظ على جزء من الحكم الذاتي في الشمال الشرقي، وهي الجبهة التي أصبحت ممكنة في النهاية بفضل الاتفاق المبرم بين الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني وجماعات كردية أخرى في البلاد.

 حتى المجتمع الشيعي الصغير في سوريا لا يُقْسِم الآن إلا بإيران وحزب الله، على خلفية العداء المفتوح بين العلويين والشيعة.

تعود عمليات إعادة البناء الطائفي هذه، مرة أخرى، إلى المعادلة الأساسية للأزمة السورية، حيث ما تزال البلاد بأكملها، أغلبية وأقليات، مجتمعة، رهينة لنظام الأسد.

مصدر الترجمة عن الفرنسية:  lemonde.fr



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية