أيهما يختار العراق.. دولة الفساد المطلق أم الديمقراطية؟

أيهما يختار العراق.. دولة الفساد المطلق أم الديمقراطية؟


29/07/2018

أسقطت الاضطرابات واسعة النطاق في جنوب العراق، وما صاحبها من احتجاجات على النقص الحاد في المياه والكهرباء، الكثير من أقنعة الدولة العراقية "الديمقراطية"، لا سيما حين استخدمت أجهزة تلك الدولة الأمنية العنف المنفرط مع المحتجين المحبطين من سوء الخدمات وقلّة فرص العمل.

الغضبُ الشعبي وإشعالُ النار في مكاتب الأحزاب السياسية، وأبرزها حزب الدعوة الحاكم منذ العام 2005، ومهاجمة البنية التحتية الحكومية في بعض المناطق، عمّق حالَ عدم اليقين بشأن البلاد، ومستقبلها السياسي الهشّ.

من الأقنعة الديمقراطية التي سقطت مؤخراً في العراق قيام الحكومة بقطع الإنترنت عن كثير من أنحاء البلاد

ومن الأقنعة "الديمقراطية" التي سقطت مؤخراً في العراق، قيام الحكومة بقطع الإنترنت عن كثير من أنحاء البلاد، في محاولة واضحة لكبح جماح قوة الاحتجاجات ووقف زخمها في التعبير الصريح، عبر منعها من بث التظاهرات والقسوة التي مارستها قوات الأمن ضدها، فضلاً عن الرصاص الحي الذي أطلقه أفراد المليشيات الحزبية على المتظاهرين.

وثمة قناع آخر سقط عن الدولة العراقية "الديمقراطية"، فتمثيلُ المواطنين، وبخاصة في المناطق الشيعية (حيث مركز الاحتجاجات)، لا علاقة له بأوامر وزارة الدفاع لقوات الأمن في أن تظل بحالة تأهب قصوى، ولا علاقة له ببث مئات العناصر من أجهزة الأمن السرية والاستخبارات بين المتظاهرين، ومن ثم إشهار السلاح والقبض على النشطاء من المحتجين، في استعارة لطريقة "الحرس الثوري" الإيراني في قمع احتجاجات 2009 بطهران، وهو ما سجّلته كاميرات وكالات الأنباء العالمية خلالَ واحدةٍ من أسوأ أعمال العنف شهدتها مدينة النجف، مركز المرجعية الدينية الشيعية الداعم القوي للنظام الحاكم.

اقرأ أيضاً: أزمة طهران - واشنطن: أين تتجه بوصلة العراق؟

هنا يسقط قناعٌ آخر من أقنعة الدولة العراقية الحاكمة، فلا ديمقراطية مع دور شبه كلي للدين، لا في السياسة وحسب؛ بل في مؤسسات تلك الدولة وأجهزتها. فدور المرجعية الدينية المتعاظم يبدو تجسيداً لتراجع دور الدولة؛ فالأخيرة لا يمكنها حيال رعاية المرجعية لأحزاب الحكومة وقوى الشيعة المتنفذة؛ سياسياً وعسكرياً، مساءلة الإمبراطورية المالية الضخمة للمرجعية ومدى مطابقتها القانون، فضلاً عن تدخل قياداتها في ترشيح شخصيات معينة لكبريات الوظائف والمناصب في الدولة.

لا ديمقراطية مع دور شبه كلي للدين ليس في السياسة وحسب بل في مؤسسات الدولة وأجهزتها

هذه هي مناطق العراق الشيعية التي ساهمت بالهيكل البشري لمعظم القوات المشاركة في القتال ضد تنظيم داعش، وحيث أضفت النخب السياسية التي سيطرت على نظام ما بعد العام 2003 شرعيتها الحاكمة من خلال القول إنّها تمثل هذه الشريحة الواسعة المهمشة سابقاً وباتت تدافع عنها، ومع ذلك، وفي الانتخابات الأخيرة، سجلت هذه المحافظات أقل نسبة مشاركة في التصويت. هذا الانفصال السياسي صار أكثر وضوحاً حين هاجم المتظاهرون مكاتب الميليشيات الأكثر قوة، والتي عادة ما تعرّض المواطنين العراقيين العاديين للترهيب والابتزاز، فيما كانت هناك تقارير عن إطلاق مسلحين من الميليشيا النار على المتظاهرين، كما لفتت إلى تلك المفارقة (تمثيل الشيعة/قتلهم)، صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية.

اقرأ أيضاً: هل ستتنازل إيران عن العراق بسهولة؟

لقد ساءت ظروف البلاد هذا العام بسبب الجفاف الشديد، الذي قلل من توافر المياه، وقرار إيران بقطع الكهرباء التي تصدّرها إلى العراق بسبب نزاع حول الدفعات المالية. وهنا يسقط قناع آخر من أقنعة الدولة العراقية التي ناصرت "الجارة العزيزة" في السر والعلن، فلا ديمقراطية مع التضحية بالمصالح الوطنية للدولة والمجتمع، ولا ديمقراطية في دولة يتم اختيار حكومتها وأجهزتها المؤثرة من قبل جنرال إيراني متهم دولياً بالإرهاب، كقاسم سليماني.

اقرأ أيضاً: فرانكشتاين يتجوّل في بغداد مرة أخرى

وبدت المظاهرات الأخيرة ذات نكهة سياسية ومعادية لإيران. والمتظاهرون حوّلوا الكثير من غضبهم ضد الأحزاب الشيعية التي هيمنت على السياسة العراقية منذ الإطاحة بصدام حسين في العام 2003، وكذلك ضد إيران، التي تحالفت بشكل وثيق مع المؤسسة السياسية الشيعية. وعمّقت العلاقة بين العديد من النخب الشيعية مع إيران استياءً شعبياً واسعاً "لدينا ما يكفي من هذه الأحزاب التي تضع المصالح الإيرانية قبل مصالحنا"، هذا ما قاله عبد الرحمن محمد، 36 عاماً، الذي شارك في الاحتجاجات في البصرة، وفق ما نقلت "واشنطن بوست"، مؤكداً "ما يحدث الآن هو انفجارٌ بعد سنوات من الضغط. نريد حقوقنا وليس لدينا ما نخسره لأنهم أخذوا كل شيء ".

لا ديمقراطية في دولة يتم اختيار حكومتها وأجهزتها المؤثرة من قبل جنرال إيراني متهم دولياً بالإرهاب

وفي شريط فيديو يظهر الهجوم على مقر حزب الدعوة في النجف، سمع صوتُ متظاهرٍ يشير بازدراء إلى الحزب الذي هيمن على السياسة العراقية منذ العام 2005 ووصفه باسم "حزب الدعوة الإيراني". وفي فيديو آخر، يمكن سماع المتظاهرين يرددون "احرقوا مقرات الأحزاب الإيرانية".

يلوم العراقيون حكومتهم، بما في ذلك العبادي شخصياً والعديد من السياسيين الشيعة الآخرين، بسبب عدم توفير فرص العمل، وتهتك البنية التحتية وعدم تحسين الاقتصاد، فيما تنتشر أمثلة الفساد الواسع على جميع المستويات الحكومية، أكانت تتعلق بالمحلية منها أم المركزية في بغداد، فيما يقول عراقيون كثر "لقد امتصوا دمنا منذ عام 2003. انظروا إليهم الآن: إنهم أغنى الناس".

اقرأ أيضاً: هل ستتحول الاحتجاجات العراقية ضدّ إيران إلى مواجهات عسكرية؟

لا ضوء في آخر النفق العراقي، فلا يمكن لدولة الأقنعة الكثيرة أن تتواصل على أنّها ديمقراطية، فإما نهج ينسجم مع الأخيرة، أو دولة الفساد التام التي تأمل بحماية قوة الدولة إلإيرانية وأجهزتها العسكرية والأمنية.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية