هل ستتنازل إيران عن العراق بسهولة؟

العراق وإيران

هل ستتنازل إيران عن العراق بسهولة؟


25/07/2018

رغم إصرار كثير من العراقيين على تأكيد أنّ الانتفاضة العراقية التي تشهدها المدن والمحافظات العراقية ليست ضدّ إيران، إنما هي فقط من أجل "إسقاط الفساد"، إلا أنّ إيران حاضرة وبقوة في هذه المظاهرات، لدرجة أنّ بعض مظاهرات محافظات الجنوب في "ميسان والعمارة"، أعادت رفع شعارات ضدّ إيران، لم تتوقف عن الطرح في مظاهرات تجري في بغداد منذ أعوام، تحت عنوان "إيران برا برا"، بالتزامن مع تداول نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي لمواد إعلامية تثبت تورط عناصر من الحرس الثوري الإيراني في "قمع" المظاهرات.

المظاهرات العراقية في مناطق ذات أغلبية شيعية مما يعطي رسالة واضحة بأنّها ضدّ قيادات أنتجتها إيران

إصرار العراقيين على أنّ مظاهراتهم ليست ضدّ إيران، مرتبطة بإدراك عراقي عميق بأنّ رفع شعارات مباشرة ضدّ إيران خلالها، سيعجل التدخل الإيراني لإجهاضها، بشكل مباشر من خلال الحرس الثوري الإيراني، أو من خلال أدوات إيران في العراق، خاصة الحشد الشعبي العراقي، الذي تدخّل فعلاً، وبذات الأساليب الإيرانية، في قمع الانتفاضة الإيرانية في طهران والمدن الإيرانية الأخرى، كما أنّ كون المظاهرات العراقية في مناطق ذات أغلبية شيعية، وضدّ رموز الحكم الشيعي منذ عام 2003، يعطي رسالة واضحة بأنّ المظاهرات ضدّ قيادات أنتجتها إيران، باسم الأحزاب الإسلامية الشيعية، لذا كان الهجوم على مقراتها وإحراقها رسالة واضحة للقيادات العراقية ولإيران.

اقرأ أيضاً: ما الذي يجري في العراق؟

رغم قلة التصريحات الصادرة عن القيادات الإيرانية حول مظاهرات العراق، إلا أنّ ردود أفعال الحكومة العراقية والأحزاب الموالية لإيران، وقعت في تناقض حادّ، يعكس حجم الارتباك في التعامل مع المظاهرات؛ ففي الوقت الذي أيّدت فيه قيادات تلك الأحزاب مظاهرات العراقيين، واعتبرتها حقاً مشروعاً مرتبطاً بازدياد منسوب الفساد، ونقص الخدمات العامة الأساسية، ركزت جهودها لتوجيه اتهامات لأمريكا وحلفائها بالوقوف وراء المظاهرات، وأنّ المتظاهرين عملاء لأمريكا، ويستهدفون إسقاط الثورة الإسلامية، وكانت تكراراً لتعامل القيادة الإيرانية مع مظاهرات الشعوب الإيرانية في طهران وغيرها من المدن والمحافظات الإيرانية، وبالمضامين والشعارات نفسها: "نقص الخدمات والفساد"، وبهذا تكون القيادات العراقية بنت روايتها ومقارباتها ورسائلها الإعلامية حول المظاهرات والتعامل بعنف معها على الطريقة الإيرانية ذاتها.

تناقض ردود أفعال الحكومة العراقية والأحزاب الموالية لإيران يعكس حجم الارتباك في التعامل مع المظاهرات

إنّ خيارات إيران واسعة في قمع المظاهرات العراقية، لكنّ آخر تلك الخيارات سيكون التورط المباشر بقمعها، خاصة أنّها قد لا تحتاج لهذا التدخل في ظلّ وجود الحشد الشعبي، وقوى عراقية "مؤتمنة" بالنسبة إلى إيران، بأنها تعمل لمصلحة النظام الإيراني، لا لمصلحة العراق.

المخاوف لدى العراقيين من التدخل الإيراني لإجهاض الانتفاضة العراقية، تتركز باتجاهين، الأول: احتمالات تنفيذ عمليات إرهابية نوعية في أوساط العراقيين، تنسب إلى القاعدة وداعش، ويتم إصدار بيانات "حقيقية" عن داعش والقاعدة في ظلّ العلاقة التنسيقية بين الحرس الثوري الإيراني وداعش، على غرار العمليات التي استهدفت مقامات الرموز الشيعية  في سامراء، خلال الاحتلال الأمريكي للعراق؛ فمثل هذه العمليات ستؤكد مجدداً أنّ العراق ما يزال تحت خطر داعش، وتكرار مقولات أنّ المهمة الأولى للعراقيين مكافحة الإرهاب، لا معالجة قضايا الفساد.

اقرأ أيضاً: هل ستتحول الاحتجاجات العراقية ضدّ إيران إلى مواجهات عسكرية؟

أما الخوف الثاني؛ فيتعلق باحتمالات تنفيذ عمليات اغتيال ضدّ الرموز الحزبية التي تتخذ من الوجود والسيطرة "الاحتلال" الإيراني للعراق موقفاً مناهضاً؛ حيث يتم خلط الأوراق، وحرف الأنظار عن المظاهرات ومطالب المتظاهرين، ولا يستبعد أن يكون المرجع الديني "مقتدى الصدر" المتهم الأول في قائمة المناهضين لـ "الاحتلال" الإيراني للعراق، على رأس قائمة الشخصيات المستهدفة، خاصة أنّ لإيران تاريخاً حافلاً في تنفيذ اغتيالات ضدّ الرموز الشيعية في العراق، مرتبطة بصراع، ليس فقط على الولاءات، إنما على أسس قومية تستهدف الشخصيات الشيعية العربية التي تطالب بأن تعود مرجعية الشيعية إلى العرب في النجف، وليس في قم.

لا يُتوقع تنازل إيران عن العراق بسهولة بل ستخوض معارك ضدّ أيّة ثورة على حساب العراقيين وبدمائهم

القيادة الإيرانية تدرك أنّ انتفاضة العراقيين ضدّ الرموز الإيرانية في العراق، أنّها تستهدف الوجود الإيراني في العراق، وتتزامن مع خطط أمريكية جادة لاستهداف النظام الإيراني وأذرعه، في العراق وسوريا ولبنان، كما تدرك أهمية العراق، باعتباره البوابة التي ستنفذ من خلالها للتحايل على العقوبات المشددة التي أقرتها أمريكا من جهة، ولكون العراق يشكل جوهر المشروع الإيراني في المنطقة وساحته الأولى، والأهم، من جهة أخرى، وربما كان في إفشال تشكيل حكومة عراقية حتى اللحظة، ما يعطي دليلاً على الدور الإيراني في العراق، في ظلّ المحددات التي وضعها قاسم سليماني "قائد فيلق القدس"، بأن تكون الحكومة الجديدة شيعية، بالتعاون مع بعض الأكراد والسنّة، من هنا لا يتوقع أن تتنازل إيران عن العراق بسهولة، وستخوض معارك ضارية ضدّ أيّة "ثورة" للعراقيين، مهما كانت عناوينها، وعلى حساب العراقيين وبدمائهم.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية