هل غيّرت جائحة كورونا طبيعة الإرهاب في أوروبا؟

هل غيّرت جائحة كورونا طبيعة الإرهاب في أوروبا؟


06/08/2020

ترجمة: محمد الدخاخني

"لقد أصبحت أوروبا الآن بؤرة الجائحة"، أعلن تيدروس أدهانوم غيبريسوس في آذار (مارس)، كان تحذير رئيس منظمة الصحة العالمية حازماً، لكن لم يأتِ ردّ فعل كافة دول القارة على وجه السرعة، وبعض البلدان لم تكن قد دخلت بعد في حالة الإغلاق.

لكنّ صوتاً غير متوقع اتّفق مع تيدروس: حذّرت جريدة "النبأ"، التابعة لداعش، أنصارها من أن تطأ أقدامهم "أرض الجائحة"، قد يبدو ذلك خبراً جيداً، لكن يعيش بالفعل كثيرون من أنصار داعش، وأولئك الذين تحرّكهم أيديولوجية جهادية واسعة في القارة، وذلك يعني أنّ وتيرة المكائد في أوروبا ظلت ثابتة نسبياً، حتى خلال الجائحة.

الواقع أنّ الأفراد المردكلين الذين تحركهم أيديولوجيا إسلاموية واسعة لم يظهروا أيّة علامة على التراجع أو الارتداع من جراء فيروس كورونا

أحدث مثال على ذلك وقع في المملكة المتحدة، بتاريخ 20 حزيران (يونيو)؛ فخيري سعد الله، الذي وصل من ليبيا بصفة طالب لجوء، عام 2012، استهدف مدنيين كانوا يسترخون في إحدى حدائق ريدينغ، في مقاطعة بيركشاير، وقد لقي ثلاثة أشخاص مصرعهم، وأصيب ثلاثة آخرون، قبل أن يكبح سعد الله، ضابطُ شرطة كان قريباً من مكان الحادث، ووصفت شرطة التيمز فالي هجوم سعد الله بـ "الحادث الإرهابي"، وكان كافة الضحايا من المثليين، مما يشير إلى وجود عنصر محتمل من رهاب المثلية.

وعقب الهجوم؛ علقت وزيرة الداخلية البريطانية، بريتي باتيل، قائلة إنّه "من الواضح أنّ التهديد الذي يشكّله الإرهابيون المنفردون في تزايد"، وأكّد تقرير جديد صادر عن "يوروبول"؛ أنّ "التهديد الأكبر ينبع من الإرهابيين المنفردين، أو الخلايا الصغيرة التي تمارس العنف بمفردها دون توجيه من منظمات أكبر".

والواقع أنّ الأفراد المردكلين الذين تحركهم أيديولوجيا إسلاموية واسعة لم يظهروا أيّة علامة على التراجع أو الارتداع من جراء فيروس كورونا، إضافة إلى سعد الله، حيكت ستّ مكائد إضافية، على الأقل، استهدفت أوروبا منذ أن أعلنت منظمة الصحة العالمية تفشي "كوفيد-19" على أنّه جائحة، في 11 آذار (مارس).

اقرأ أيضاً: عمران خان وأردوغان: الرقص مع الإرهاب

لم تكن الأولى في الواقع لمهاجم منفرد، وإنما لخلية طاجيكية مكونة من خمسة رجال، اتخذوا من ألمانيا مقراً لهم، وقد زعم أنّهم جميعاً أعضاء في داعش، وأنّهم تلقوا تعليمات من مخططين إرهابيين في سوريا وأفغانستان، وحصلت الخلية على أسلحة نارية، واستكشفت قواعد عسكرية أمريكية في ألمانيا، باعتبارها أهدافاً محتملة، إلى جانب استهداف شخص، لم يذكر اسمه، عدّته الخلية منتقداً للإسلام، قبل أن تحبط السلطات خططهم المشتبه بها.

كانت هذه أكثر مكيدة طموحة في أوروبا تتعطل في عصر فيروس كورونا حتى الآن، والمكائد الأخرى كانت أبسط، وبعضها، مثل مكيدة سعد الله، ثبت أنّه من الصعب إيقافها.

اقرأ أيضاً: تونس في مواجهة الإرهاب... هل تنفذ النهضة تهديداتها؟

لنأخذ حالة عبد الله أحمد-عثمان، الذي قام بعملية طعن في رومان-سور-إيزير، في جنوب شرق فرنسا، في نيسان (أبريل)، وأدى الهجوم إلى مقتل شخصين وإصابة خمسة آخرين، ومنذ ذلك الحين؛ اتهم في فرنسا بالقتل المرتبط بمشروع إرهابي. وكان أحمد-عثمان قد ذكر للمحققين أنّ تقييد حركته في شقته الصغيرة بسبب الإغلاق الناجم عن الجائحة في فرنسا، كان عاملاً مفاقماً لقراره القيام بذلك، لقد أكره أحمد-عثمان نفسه على التعامل مع العزلة، وتشير الكتابات التي ضبطت في منزله إلى أنّه لم يعد بإمكانه "العيش في أرض الكفار".

في الشهر نفسه؛ أصاب رجل، عرف في وسائل الإعلام الفرنسية بأنه "يوسف ت"، ضابطَي شرطة في ضاحية كولومبي الباريسية، بعد أن هاجمهما بسيارة، وقبل القيام بذلك، كان "يوسف ت" قد تعهّد بالولاء لأبي وليد الصحراوي، أمير داعش في الصحراء الكبرى.

وبعد أيام، أعلنت السلطات الدنماركية؛ أنّه "ليس هناك شكّ في أنّ أجهزة المخابرات المحلية قد منعت إرهابياً منفرداً، اعتقل حديثاً، ويحمل "دافعاً إسلاموياً متشدداً"، من تنفيذ هجوم.

اقرأ أيضاً: وزير الدفاع التركي يتفقد جنوده والميليشيات الإرهابية في ليبيا

ظهر التهديد التالي في برشلونة؛ حيث أدّت عملية أمنية مشتركة بين الولايات المتحدة والمغرب وإسبانيا إلى اعتقال مغربي مرتبط بتنظيم داعش، يشتبه في أنّه كان يخطط لهجوم، ثم، وقبل وقت قصير من عملية سعد الله، اتهم صبي يبلغ من العمر 14 عاماً بالتخطيط لهجوم إسلاموي في المملكة المتحدة.

اتّسمت هذه المكائد ببساطتها، وبأنّ أولئك الذين خططوا لها رغبوا في تنفيذ الهجوم بمفردهم، وذلك منطقي، ومن المعروف جيداً أنّ مثل هذه الهجمات تتطلب القليل من التخطيط ومن الصعب للغاية إحباطها، كذلك كانت هذه هي الوسيلة الرئيسة للهجوم في الأعوام الخمسة الماضية؛ حاول محيي الدين مير قطع رأس رجل ذاهب إلى عمله في محطة مترو أنفاق في لندن، فقام مهدي محمود بطعن مدنيين وضابط شرطة في مانشستر، وطعن عثمان خان شخصين حتى الموت، وجرح ثلاثة آخرين على جسر لندن، قبل أن يوقفه مدنيون كانوا على مقربة من مكان الحادث، ثم أطلقوا النار عليه ليقُتل على يد الشرطة؛ وطعن سودش أمان مدنيين في لندن قبل إطلاق النار عليه وقتله على يد الشرطة.

اقرأ أيضاً: فورين بوليسي: إيران تدعم "الشباب" الإرهابية بالصومال

بعبارة أخرى؛ يبدو من غير المرجح أنّ جائحة "كوفيد-19" قد غيّرت طبيعة الإرهاب في أوروبا، ومع ذلك، فإنّها تتيح الفرصة لتسريع اتجاهات كانت موجودة بالفعل.

على سبيل المثال؛ يحذّر تقرير حديث صادر عن لجنة مكافحة الإرهاب التابعة لمجلس الأمن بالأمم المتحدة، من أنّ "العدد المتزايد للشباب المنخرطين في استخدام الإنترنت غير الخاضع للرقابة، خاصة على منصات الألعاب، يتيح للجماعات الإرهابية فرصة عرض أفكارها على أعداد أكبر من الناس".

هناك عواقب سلبية أخرى محتملة للجائحة، وقد حذّر منسّق مكافحة الإرهاب في الاتحاد الأوروبي، جيل دي كيرشوف، من الكيفية التي يمكن بها للمتطرفين، من كافة المشارب، استغلال الوضع لتحقيق غاياتهم الخاصة، فعلى سبيل المثال؛ قد يلوم اليمين المتطرف المهاجرين أو الأقليات العرقية على انتشار الفيروس، وكانت هناك تقارير بالفعل عن زيادة في حوادث الكراهية ضدّ القادمين من شرق آسيا، أو قد يتشتّت انتباه الحكومات عن القضايا الأمنية، وهو ما قد يسمح للإرهابيين بإعادة تجميع أنفسهم، وقدّر تقرير الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب؛ أنّ "بعض الدول الأعضاء قد أعلن بالفعل إعادة تخصيص الموارد، بما في ذلك الانسحاب (أو الانسحاب المخطط) من القوات المسلحة الأجنبية المشاركة في عمليات ضدّ داعش والقاعدة، ونقل القوات المسلحة لدعم جهود الإغاثة المحلية من الجائحة".

ومن جانبه، وكما أوردت تقارير؛ فإنّ تنظيم داعش أعرب عن أمله في أنّه مع تركيز الدول الغربية على الجائحة، فإنّها سوف تتوقف الآن عن "التدخل" في القضايا المتعلقة بالمسلمين.

تنظيم داعش أعرب عن أمله في أنّه مع تركيز الدول الغربية على الجائحة، فإنّها سوف تتوقف الآن عن "التدخل" في القضايا المتعلقة بالمسلمين

ومع ذلك، من المحتمل جداً أيضاً، أن يستمر الإرهاب في أوروبا عموماً، بشكله الحالي؛ سوف تحدث فورات من ناحية اليسار المتطرف واليمين المتطرف والعديد من الأيديولوجيات الهامشية الأخرى، لكنّ التهديد الأساسي للحياة سوف يستمرّ من ناحية الإسلامويين، الذين يستهدفون أوروبا الآن ببعض التصميم وبعض النجاح، لمدة ربع قرن، لقد فعلوا ذلك بنجاح كبير إلى درجة أنّ الأوروبيين قد حذّروا من أنّ الإرهاب هو ببساطة "الوضع الطبيعي الجديد" الذي يتعيّن عليهم تعلّم العيش معه.

وبالطبع، قيل الشيء نفسه عن فيروس كورونا، لذلك، مع ظهور حالات تفشي جديدة لفيروس كورونا، واستمرار المخاوف من موجة ثانية، ومع استمرار مشكلة الإرهاب، من المرجَّح أن يطلب من الأوروبيين التصالح مع شبح هذين الوضعَين الطبيعيين الجديدين اللذين يتعايشان بشكل قاتم.

اقرأ أيضاً: ملفات التطرف والإرهاب

وذلك حمل ثقيل على أوروبا التي هزتها، في الأعوام الأخيرة، أزمة منطقة اليورو، وتدفّق أعداد كبيرة من طالبي اللجوء والمهاجرين لأسباب اقتصادية، وسلسلة من النجاحات الانتخابية للأحزاب السياسية المغالية في القومية أو الشعبوية، إضافة إلى الكارثة الاقتصادية التي سوف تعقب الإغلاق، والتي يعتقد على نطاق واسع أنّها وشيكة، والتوترات التي حصلت بسبب مقتل جورج فلويد في الولايات المتحدة، فإنّه ليس هناك ما يضمن أنّ أوروبا مستعدة لمواجهة التحدي.

مصدر الترجمة عن الإنجليزية:

روبن سيمكوس، "الفورين بوليسي"، 2 تموز (يوليو) 2020

https://foreignpolicy.com/2020/07/02/terrorism-after-the-pandemic/



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية