هل باتت البعثة الأممية أداة وصاية على السودان؟

هل باتت البعثة الأممية أداة وصاية على السودان؟


05/04/2022

يبدو أنّ أيام المبعوث الأممي في السودان، فولكر بيرتس، باتت معدودة، بعد تهديد صريح من رئيس مجلس السيادة، عبد الفتاح البرهان، بطرده من البلاد، إذا ما استمر في تجاوز مهام تفويضه.

وبمتابعة بيان فولكر أمام مجلس الأمن حول الوضع في السودان يتضح سرّ الغضب لدى السلطة السودانية، فالرجل يتحدث وكأنّه وصي على الدولة السودانية، وكأنّ طرحه السياسي ومطالباته هي السبيل الوحيد للخروج من الأزمة في البلاد.

اقرأ أيضاً: السودان يرد على بيان البعثة الأممية ويتخذ هذه الإجراءات

ولكن هل حلّ فولكر المنسوخ من رؤية الأمم المتحدة أو بالأحرى المجموعة الغربية المؤثرة في أروقة مقرات المنظمة في نيويورك وجنيف فعال؟
ليست الإجابة عسيرة، وتكفي نظرة سريعة لأداء بعثات الأمم المتحدة في العديد من مناطق الصراع لاكتشاف أنّ الأمم المتحدة لديها تاريخ حافل من الإخفاق في معالجة الأزمات الدولية.

هل يطرد السودان فولكر؟

وفي خطابه أثناء الاحتفال بتخريج دفعات جديدة من الكلية الحربية، دعا الفريق أول عبد الفتاح البرهان، رئيس البعثة الدولية "يونيتامس" فولكر بيرتس، أن يكفّ عن التمادي في تجاوز تفويض البعثة الأممية. وحذّر من أنّ "تدخُّل فولكر السَّافر في الشأن السوداني سيؤدي إلى طرده من البلاد".

يبدو أنّ أيام المبعوث الأممي في السودان، فولكر بيرتس، باتت معدودة

وجاءت التصريحات بعد عدة أيام على إحاطة ممثل الأمين العام، فولكر بيرتس، أمام مجلس الأمن بشأن آخر المستجدات في السودان، بما في ذلك مبادرة الأمم المتحدة لتيسير الحوار بقيادة سودانية.

شهد السودان منذ الثورة خلافات ثقافية كبيرة بسبب محاولات حكومة حمدوك تمرير تشريعات تتعلق بهوية المجتمع، وقضايا اجتماعية أخرى، دون اعتبارٍ لغياب جسم تشريعي يعبّر عن الأغلبية

وأثارت الإحاطة غضباً شعبياً ورسمياً في السودان، بعد تحذيرات بيرتس من أنّ "تطلعات السودانيين؛ نساءً ورجالاً، إلى مستقبل ديمقراطي مزدهر بقيادة مدنية معرضة للخطر. وما لم يتم تصحيح المسار الحالي، ستتجه البلاد نحو انهيار اقتصادي وأمني ومعاناة إنسانية كبيرة".

وزاد الغضب الرسمي من لهجة الخطاب التي تبدو فوقيةً، وتنحاز لصالح طرفٍ على حساب الآخر، كما أنّها تكشف عدم إدراك للحالة السودانية في مجملها، والتي لا تقتصر على محاولات الأمم المتحدة إعادة بقايا قوى إعلان الحرية والتغيير (قحت) - المجلس المركزي إلى السلطة، بعد أن أطاح بهم المكوّن العسكري في الإجراءات التصحيحية (انقلاب 25 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي).

اقرأ أيضاً: تقرير: السودان على شفا أزمة غذاء لهذه الأسباب

ورداً على بيان ممثل الأمين العام، قال القائم بالأعمال بالإنابة ببعثة السودان الدائمة لدى الأمم المتحدة، عمار محمد محمود: "تضمّن التقرير العديد من المعلومات المغلوطة أو المبالغ فيها، لا سيما في الجزء الخاص برصد مزاعم انتهاكات حقوق الإنسان والعنف الجنسي". واتّهم السفير محمود البعثة الأممية بـ "تضخيم أحداث بعينها وتصويرها على غير حقيقتها".

السفير عمار محمد محمود

وفي السياق ذاته، أعلنت الخارجية السودانية إعادة تشكيل كلٍّ من اللجنة العليا للتعامل مع الأمم المتحدة واللجنة التنفيذية للتنسيق مع بعثة يونيتامس. وذلك بهدف: "لفت البعثة إلى الجوانب الأخرى الأساسية في تفويضها، مثل دعم اتفاق جوبا للسلام، ودعم تنفيذ البروتوكولات الملحقة بالاتفاق، مثل بروتوكولات النازحين واللاجئين والترتيبات الأمنية والأراضي والحواكير، ودعم تطبيق بروتوكول تطوير قطاع الرحّل والرعاة، وحشد الموارد اللازمة للتحضير للانتخابات، بدلاً من تركيز جُلّ نشاط يونيتامس في الجانب السياسي فقط".

ومن اللافت أنّ الإحاطة الأممية لم تشر إلى اكتساب الاحتجاجات طابع العنف، وحمل القوى الأمنية وحدها المسؤولية، وكذلك لم تنفذ إلى الأسس الاجتماعية للأزمة، وانحصرت في الجانب السياسي النخبوي.

التدخلات الأجنبية

وإذا كان الموقف السابق يعبّر عن السلطة السودانية وقطاع عريض من الشعب، فهناك موقفٌ آخر يحبذ دوراً أكبر للبعثة، وهؤلاء منهم المستفيدون من البعثة بشكلٍ مباشر، وهم الطبقة السياسية التي أُخرجت من السلطة، ولا تملك أية أوراق ضغط أو شعبية للتفاوض مع العسكريين، وكذلك معسكر المحتجين في الشوارع، الذين يتبنون معادلةً صفرية، تتجاوز حتى ما يعرضه المبعوث الأممي عليهم.

اللواء الركن أمين إسماعيل مجذوب لـ "حفريات": المسار الذي تسلكه البعثة يتحوّل إلى فرض حلٍّ من الخارج، دون استشارة السودانيين، وهذه الفوقية في التعامل تكشف وجود أهدافٍ للبعثة

ويقول الباحث والمحاضر بمركز البحوث والدراسات الأفريقية بجامعة أفريقيا العالمية في السودان، حسين الطيب: "كان فضّ اعتصام القيادة العامة بالخرطوم وإعلان المجلس العسكري إيقاف التفاوض مع المدنيين، ومطالبة الشارع السوداني بالحكم المدني، الثغرة التي نفذ من خلالها التدخل الإقليمي والدولي في الشأن السوداني".

وأفاد لـ"حفريات": "منذ الإطاحة بنظام الإنقاذ يعيش السودان ثلاث أزمات؛ الشرعية السياسية في الفترة الانتقالية ونزاع العسكر وقوى قحت،  وأزمة محور السلام، والذي حُلَّ باتفاقية جوبا للسلام، والثالثة الأزمة الاقتصادية".

اقرأ أيضاً: حيلة إخوانية جديدة لاختراق المجتمع السوداني.. ما القصة؟

وعقب الإطاحة بحكومة حمدوك الثانية، دخلت البعثة الأممية على خط الأزمة لإيجاد توافق بين العسكريين والمدنيين، وأخفقت في ذلك نتيجة لسقف المطالب المرتفع من المدنيين، وظهور قوى مدنية أخرى أثقل وزناً وأكبر شعبيةً، فضلاً عن رفض العسكريين لقوى قحت - المجلس المركزي.

الطيب: عملت البعثة على استخدام حكومة حمدوك لتمرير أجندة خارجية

ومن جانبه، قال خبير إدارة الأزمات والتفاوض، اللواء المهندس الركن الدكتور أمين إسماعيل مجذوب: " الأزمة السياسية الحالية بعد 25 أكتوبر أصبحت أزمة سياسية أمنية، باعتبار أنّ القوات المسلحة هي الذي تولت السلطة الكاملة؛ تشريعية وتنفيذية". وتابع: "دور البعثة كان ينحصر بمسألة تغليب وجهات النظر، ثم دخلت الآن إلى مرحلة إدارة حوار بين الفرقاء، وتقديم تقارير إلى مجلس الأمن، ومحاولة الوصول إلى ورقة مقترحة كحل للأزمة يوافق عليها الجميع".

وذكر لـ "حفريات": "في تقديري أنّها خرجت عن التفويض الممنوح لها، من المساعدة إلى فرض حلولٍ، وهذا ليس من التفويض".

الاستقواء بالبعثة

وتعمل بعثات الأمم المتحدة بمبدأ المحاصصة، فيما يتعلق بحصة للنساء والشباب ومنظمات المجتمع المدني والأحزاب السياسية، دون اعتبارٍ لغياب مبدأ الديمقراطية في هذه القسمة التي يحاول المبعوث الأممي فرضها على السودان.

وبحسب خبير إدارة الأزمات والتفاوض: "تستغلّ قوى قحت التي تشرذمت البعثة لإيصال صوتها إلى مجلس الأمن الدولي، وتستقوي بها في صراعها مع العسكريين".

اقرأ أيضاً: هكذا رد السودان على بدء توليد الكهرباء من سد النهضة

وطالبت أصوات وقوى سياسية عديدة بالذهاب مباشرةً إلى الانتخابات، لحسم أزمة الشرعية عبر أصوات الشعب السوداني، لكن تتخوف أحزاب تفتقد إلى الشعبية من هذا الخيار، وتعمل على خلق فترة انتقالية طويلة لاستغلالها في بناء قواعد شعبية عبر السلطة. وهو أمرٌ كان العسكريون منتبهين له، واستغلوه في استنهاض الكتل الاجتماعية والطرق الصوفية للعودة إلى دورهم في الحياة السياسية.

اقرأ أيضاً: السودان.. المبادرة الأممية إلى أين؟

وكانت البعثة قد حصلت على تفويضها الأخير من خلال اتفاق مع الحكومة السابقة برئاسة عبد الله حمدوك، وهو الأمر الذي له مغزى بحسب الأكاديمي حسين الطيب: "هي بعثة فنية لدعم عملية الانتقال من خلال الخبراء والإجراءات الفنية مثل؛ التعداد السكاني، ومراجعة القوانين، وتسجيل الأحزاب السياسية، وإعادة هيكلة الاقتصاد والأجهزة الأمنية وصولاً إلى الإشراف على الانتخابات في نهاية الفترة الانتقالية، وكلّ هذه الاختصاصات تعدّ من صميم أركان السيادة الوطنية".

هدد البرهان بطرد المبعوث الأممي

واتّهم الأكاديمي السوداني حكومة حمدوك السابقة بـ "التواطؤ مع البعثة، وفرض قوانين مخالفة لقيم المجتمع دون وجود جسم تشريعي منتخب، مما أدّى إلى ارتفاع أصوات المناوئين لحكومة حمدوك وحدوث انشقاقات وسط المجتمع".

وشهد السودان منذ الثورة خلافات ثقافية كبيرة بسبب محاولات حكومة حمدوك تمرير تشريعات تتعلق بهوية المجتمع، وقضايا اجتماعية أخرى، دون اعتبارٍ لغياب جسم تشريعي يعبّر عن الأغلبية.

الوصاية الغربية

وليس بعيداً عن دور البعثة المصالح الغربية التي كانت قوى قحت تعمل على حمايتها، بينما يتخذ العسكريون موقفاً آخر قد لا يتوافق مع المطالب الغربية، خصوصاً في العلاقات مع روسيا وإنشاء القاعدة الروسية على البحر الأحمر، وغير ذلك من القضايا.

اقرأ أيضاً: البرهان يُقدم مبادرة لحل الأزمة في السودان... ما تفاصيلها؟

وحذّر خبير إدارة الأزمات، اللواء مجذوب، من استغلال البعثة الانسداد السياسي لاكتساب نفوذ أكبر داخل السودان: "المسار الذي تسلكه البعثة يتحوّل إلى فرض حلٍّ من الخارج، دون استشارة السودانيين، وهذه الفوقية في التعامل تكشف وجود أهدافٍ للبعثة تحت الطاولة".

تعمل بعثات الأمم المتحدة بمبدأ المحاصصة، فيما يتعلق بحصة للنساء والشباب ومنظمات المجتمع المدني والأحزاب السياسية، دون اعتبارٍ لغياب مبدأ الديمقراطية.

وحول أداء البعثة، قال الطيب: "كان من المفترض تقديم منح دولية لدعم جهود البعثة في إطار تفويضها، لكن كانت الوعود مجرد حديث إعلامي".

وأضاف: "عملت البعثة على استخدام حكومة حمدوك لتمرير أجندة خارجية تعمل على تفكيك بنية المجتمع السوداني وإفراغه من أيّة قيمة اجتماعية".

أما في إطار حماية الانتقال، فيقول الطيب: "دعمت البعثة حكومة قحت، وهي حكومة انتقالية غير منتخبة، وتجاوزت المكونات الأخرى للشعب السوداني، ممثلة في تطلعات الإدارات الأهلية والقوى المجتمعية المناوئة لقحت، وهي الأكثرية".

اللواء مجذوب: تستغل قوى قحت البعثة لإيصال صوتها إلى مجلس الأمن

وشدّد على أنّه "لولا دعم الإعلام الخارجي والمجتمع الدولي لما وصلت قحت إلى رأس السلطة بعد الثورة". وعن بقية مهام البعثة، قال: "فيما يخص تحقيق التنمية في مناطق النزاعات وتقليل حدة الفقر، وتمويل عملية الدمج لقوات الحركات المسلحة في الجيش أخفقت البعثة تماماً، وذلك لغياب التمويل وغير ذلك".

واستنكر الباحث والمحاضر بمركز البحوث والدراسات الأفريقية مطالبة البعثة بضرورة إعادة هيكلة الجيش السوداني، وقال: "بنظرة عابرة لتجارب الأمم المتحدة في دعم الانتقال، أياً كان، في اليمن والعراق وأفغانستان، نجدها تجارب فاشلة".

وفي 4 حزيران (يونيو) لعام 2020؛ تبنى مجلس الأمن الدولي، بالإجماع، قرارين بشأن الحالة في السودان، وبموجب القرار الأول رقم (2524) قرر المجلس إنشاء بعثة جديدة للمساعدة في الفترة الانتقالية في البلاد، وهي بعثة "يونيتامس" التي تعمل تحت الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية