
تمرّ العلاقة بين الجماعة والدولة الأردنية بلحظة مفصلية وفارقة، وذلك عقب أن أعلنت دائرة المخابرات العامة الأردنية، الثلاثاء الماضي، إحباط مخططات خلية لتصنيع الصواريخ تضم (16) عنصرًا، كانت تهدف إلى المساس بالأمن الوطني وإثارة الفوضى والتخريب المادي، بينهم أعضاء على صلة بالجماعة.
وأعلنت الحكومة الأردنية عبر المتحدث الرسمي لها محمد المومني أنّ الخلية "ارتبطت بـ (4) قضايا رئيسية وفق مهام منفصلة؛ شملت تصنيع صواريخ قصيرة المدى يصل مداها بين (3- 5) كم، وحيازة مواد متفجرة وأسلحة أوتوماتيكية، وإخفاء صاروخ مُجهز للاستخدام، ومشروعاً لتصنيع طائرات مسيّرة، بالإضافة إلى تجنيد وتدريب عناصر داخل المملكة وإخضاعها للتدريب بالخارج".
وقد لوحظ عقب الإعلان أنّه تم بث اعترافات موسعّة لعدد من أعضاء الخلية في وقت لاحق، أكد فيها بعضهم انتماءهم التنظيمي لـ "شعب إخوانية" في الجماعة، وعليه، أصدرت جماعة الإخوان بيانًا، نقلته CNN، قالت فيه إنّ ما تم الإعلان عنه هي "أعمال فردية على خلفية دعم المقاومة لا علم لجماعة الإخوان بها ولا تمتّ لها بصلة".
من هم المتورطون؟
ينقسم الإخوان في الأردن وفق الكاتب المختص (ناهض حتر) إلى (4) تيارات رئيسية؛ الأول هو الأصولي القطبي، الذي يتميز بأنّ له عداءً للنظام الملكي، وهو يؤمن بالمغالبة لا بالمشاركة، ويرفض الملكية الدستورية، وكعادة القطبيين له مزاج انعزالي ومتأثر بالسلفية الجهادية، ويعمل وفق خطة ممنهجة تؤمن بالأممية الإسلامية، ومن أبرز رموزه همام سعيد، محمد أبو فارس، علي العتوم.
القسم الثاني هو ما يطلق عليه التيار الملكي، الذين يؤمنون بحاجتهم لنظام ملكي في ظلّ أنظمة جمهورية محيطة بالأردن، وهم مؤمنون بوجوب تحييد الأردن عن الصراع، وأنّ النظام شرعي لأنّه يرجع في أصوله إلى آل البيت، لذا فهم يرفضون الملكية الدستورية، ويريدون الحفاظ على المكتسبات الإخوانية للجماعة، التي حصلوا عليها في ظل هذا النظام، ومن أبرز رموزهم عبد المجيد ذنيبات، وعبد الحميد القضاة.
القسم الثالث من جماعة الإخوان الأردنية هم الحمساويون، وهم يقتربون من النظام بقدر قرب الأخير من حركة حماس، فهم يؤمنون بشرعية حماس وبقائها والربط بين النظام الملكي ومصالحها داخل الأردن، ويتفقون مع القسم الملكي بعدم إيمانهم بالملكية الدستورية، وأبرز رموزهم مراد العضايلة، عبد المجيد الخوالدة، سعود أبو محفوظ، جميل أبو بكر، زكي بن إرشيد، وخلال الفترة الأخيرة سيطر هذا القسم العريض على الحزب والجماعة معاً.
القسم الأخير هو الإصلاحي، وأتباعه وسط بين الأصوليين والحمساويين، وهم يخافون من التوطين، وتأخير الإصلاح، ويرون أردنية شرق الأردن، وأبرز رموزه هو سالم الفلاحات.
يحلو لكثيرين وضع خارطة أخرى لإخوان الأردن، وأنّهم ينقسمون إلى الصقور والإصلاحيين والوسط، ويرون أنّه خلال الأعوام الأخيرة تعمل الجماعة في سرّية ووفق بيئة تنظيمية مغلقة تعتمد على التعبئة الفكرية والحركية، والجناح الأقرب إلى قيادات "حماس" هو (تيار الوسط) الذي تمكّن من السيطرة على معظم المناصب القيادية في الجماعة، وهو التيار نفسه الذي قامت مجموعات منه بالتجمهر، وتمويل خلايا مسلحة.
على هذا، فقد تراجع تيار الصقور لصالح تيار الوسط، الذين يمثلهم الشيخ مراد العضايلة، ومحمد عبد الرحمن خليفة، وفي آخر انتخابات حصلوا على (13) مقعداً وتيار الصقور على (7)، وشهد واقع الجماعة الداخلي أزمة حقيقية، متمثلة بكيفية علاقاتها مع الدولة، بسبب الصراع على مِلْكية الجماعة، والعلاقة مع التنظيم الدولي، وكذلك العلاقة مع حماس، التي تمثل لبّ الموضوع الحالي، وعبّرت عنه وثيقة الفكر السياسي التي أطلقتها الجماعة، والتي عبروا فيها عن حتمية الصراع مع إسرائيل.
مستقبل العلاقة مع النظام الأردني
كعادة الجماعة فهي تقحم نفسها في كل المجالات (اتحادات طلبة ـ نقابات ـ انتخابات بلدية - انتخابات برلمانية ـ العمل الاجتماعي والخيري ـ التواصل مع الجيران والأقارب والزملاء في الدراسة أو العمل)، ولذا فقد استغلت الأزمة الإنسانية في غزة، والوضع كله برمته، ورفعت شعارات الطوفان، وحاولت تثوير الجماهير، التي تلعب بعواطفها دائمًا القضية الفلسطينية، واستفادت من هذه الورقة، وهي التضامن مع الشعب الفلسطيني، ورأت أنّه يمكن الاستفادة بأقصى حد من هذه القضية.
ونظرًا لأنّ الجماعة ليست كتلة واحدة في الأردن، فإنّ الجماعة الحمساوية أطلقت وثيقة الفكر السياسي وأعلنت عن حتمية الصراع، وأرسلت بعض قواعدها إلى لبنان للحصول على تدريبات عسكرية هي غير الجماعة المشاركة في الانتخابات التي يترأسها وائل السقا، والتي يمثلها سياسيًا حزب جبهة العمل الإسلامي، وهم أيضًا غير جمعية الإخوان التي تحوز على شرعية قانونية، بعد أن قررت مجموعة من قيادات الجماعة على خلفية الربيع العربي، والقطيعة التي جرت مع القصر الملكي، التقدم بطلب إلى رئاسة الوزراء لتصويب أوضاع الجماعة وتكييفها وفق القانون المنظم لعمل الهيئات والجمعيات التطوعي، برئاسة عبد المجيد الذنيبات، الرئيس السابق للجماعة، في الأثناء التي جرى فيها العديد من المشاورات حول مبادرة إخوانية من أجل جمع الصفوف تنص على تشكيل مكتب تنفيذي توافقي للجماعة، ولكنّ ذلك فشل، وأدى إلى انقسام التنظيم كاملًا.
في حديث خاص ينكر الصحافي مصطفى أبو عمشة تخطيط الجماعة لعمل خلايا مسلحة تهدد الأمن الأردني، مؤكدًا أنّ بعض هذه العناصر كان قد تم إلقاء القبض عليها منذ فترة، وأنّه من المرجح أن يكونوا قد قاموا بأعمال فردية.
لكن من المؤكد أنّ الجماعة الأردنية الإخوانية بارعة في الدخول من أكثر من باب إلى الأردنيين، واللعب بأقسامها المختلفة، لذا فمن ينكرون تبعية الخلية لهم، هم بالفعل لم يكونوا على علم بها، لكنّ ذلك لا يعني أنّ هناك من لم يرتب لمثل هذه التدريبات والدعم اللوجستسي ومخططات خلية لتصنيع الصواريخ.
ومن المرجح أن تتسبب الخلايا التي تم القبض عليها، والتي قدمت اعترافات صريحة عن علاقتها بالجماعة، في توتر العلاقة بين النظام والإخوان، لكن أيّ إخوان منهم، وبوضوح فإنّ الدولة تعرف خارطة الجماعة التفصيلية، وهي تقدم جناحًا على آخر حسب الظروف المحيطة بها، حيث مثلت جماعة الإخوان تاريخيًا لبنة أساسية في السياسة الداخلية التي يستفيد منها الأردن، حتى في ظل مناوشات أمنية من الجانبين.
ويمتلك الأردن فلسفة لإدارة شؤونه وعلاقته مع الجماعة، فهي تستطيع بنجاح تقديم الجماعة القانونية على الحمساوية، ثم تعيد إرجاع الأمور إلى نصابها حال تفاعل الملف الفلسطيني، وما بين الشرعية القانونية والسياسية يكون مقدار عمل الجماعة في الداخل وشكل العلاقة بين الإخوان والدولة، وهو ما مثله العديد من الإجراءات المجابهة لأنشطتها وتوقيف العديد من أفرادها وبعض قياداتها، لذا فستظل هذه العلاقة تتحرك ما بين التطويع والاحتواء والحظر والإقصاء رغم القبض على خلية الصواريخ.