
يعوّل أكثر من مليون ونصف المليون نازح في جنوب قطاع غزة على ميناء غزة العائم الجديد، الذي أنشأته إدارة بايدن لتسهيل إدخال المساعدات الإنسانية إلى السكان المحاصرين لإنهاء المجاعة التي يعاني منها النازحون في مختلف مناطق جنوب قطاع غزة، الذين يحرمون من وصول المساعدات الغذائية إليهم منذ بدء العملية البرية في مدينة رفح، وفرض الاحتلال المزيد من القيود الصارمة على إدخال المساعدات.
وقال البنتاغون: إنّ الميناء العائم المؤقت قبالة سواحل مدينة غزة بدأ بإدخال المساعدات الإنسانية للنازحين، في ظل استمرار إغلاق الجانب الإسرائيلي المعابر البرية مع غزة وتوقف إدخال المساعدات للجهات الحكومية والمؤسسات الدولية بالتحديد الـ (أونروا)، وهذا ما أثر على الأوضاع المعيشية للمواطنين والخوف يزداد من تكرار المجاعة التي فعلتها إسرائيل بالسكان في مدينة غزة وشمالها. وعن آلية عمل الميناء أوضح البنتاغون أنّه سيتم نقل المساعدات من ميناء لارنكا في جزيرة قبرص التي تبعد عن سواحل غزة (370) كيلو متراً، وستتولى شركة خاصة التعامل مع نقل المساعدات بحماية من قوات أمريكية، وستتولى سفن متوسطة الحجم نقل البضائع من البواخر إلى شاطئ البحر، ومن هناك تنقل عبر شاحنات تابعة لمنظمات إغاثية، التي ستتولى توزيع الغذاء على المواطنين.
ومنذ إعلان الإدارة الأمريكية عن إنشاء ميناء مؤقت قبالة سواحل مدينة غزة مخصص لإدخال المساعدات الإغاثية، بعد إصرار الاحتلال الإسرائيلي على منع إدخال المساعدات من المعابر البرية مع غزة، يأمل المواطنون أن تحلّ الإغاثة البحرية معاناتهم المتفاقمة، وذلك مع استمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة وصعوبة توفير الطعام، بعد أن لجأ المواطنون مؤخراً إلى خيارات سيئة، ومنها إعداد الطحين من أعلاف الحيوانات والطيور كحل وحيد أمامهم.
ومنذ بداية الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة مطلع تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، تشن إسرائيل حصاراً خانقاً على المدنيين في قطاع غزة، وقد استخدمت سلاح التجويع ضد السكان العزّل بعد إغلاق كافة المعابر مع القطاع، ومنع تدفق إدخال المساعدات الغذائية إلى السكان، وهو ما أدى إلى فقدان عدد من المواطنين حياتهم، نتيجة سوء التغذية وصعوبة الحصول على الطعام.
وبالرغم من أنّ الممر يأتي في وقت حساس جداً ويحتاج فيه سكان قطاع غزة إلى المساعدات الغذائية من أجل استمرار بقائهم على قيد الحياة، إلا أنّ السلطة الفلسطينية ترى أنّ الممر البحري هو بمثابة تكريس الفصل بين الضفة الغربية وقطاع غزة بعد منع مرور المساعدات براً، وترى أيضاً أنّ هدف هذا المشروع تهجير الشعب الفلسطيني، أمّا حركة حماس، فقد رحبت بهذا المشروع انطلاقاً من أنّه خطوة تأتي في إطار التخفيف من حدة الجوع التي يعاني منها النازحون في ظل استمرار إغلاق المعابر، وبصرف النظر من وجهة نظر الشعب في قطاع غزة، سواء اتفقت الأحزاب السياسية على فكرة الممر البحري أم اختلفت، والذين يعتبرون أنّ الخطوة على الرغم من أنّها جاءت في وقت متأخر، إلا أنّها تحقق استقرار الوضع الإنساني وإنقاذ حياة السكان الذين يتضورون جوعاً من نقص الغذاء والدواء والشراب منذ أشهر.
في أحاديث منفصلة مع (حفريات)؛ اعتبر نازحون أنّ إدخال المساعدات خطوة إيجابية في ظل منع الاحتلال إدخال المساعدات من خلال المعابر البرية، وإن قام بإدخال بعضها، فإنّه يقوم بقصفها أو قتل من يحصلون عليها، ولكن مع الحديث عن تولي جهات دولية مهمة إدخال المساعدات، فإنّ الأمر سيكون أفضل بكثير، خاصة أنّ الوضع الذي يمر به النازحون قد وصل إلى مستويات خطيرة جداً.
المواطن محمود أبو شرخ يأمل أن "يتحسن الوضع الإنساني في قطاع غزة مع الترتيبات الجديدة والمتعلقة بإنشاء ميناء بحري مخصص لتوفير المساعدات الإغاثية للمنكوبين داخل غزة، والذي من شأنّه العمل على تدفق كميات كبيرة من المساعدات الإغاثية التي تخفف من حدة المجاعة التي تعصف بالسكان في القطاع، وقد تعمّد الاحتلال خلق أزمات إنسانية داخل غزة من أجل تحقيق مكاسب سياسية على حساب المدنيين العزّل".
ويشير في حديثه لـ (حفريات) إلى أنّه "يتخوف من عدم وصول المساعدات بشكل يلبي احتياجات كافة النازحين، وأن تعم الفوضى خلال عملية التوزيع، وهذا ما يحدث حالياً عندما تدخل المساعدات إلى القطاع براً ويتم السطو عليها، أو حتى من خلال عمليات الإنزال الجوي التي شهدها قطاع غزة خلال الأيام الماضية، لكنّها للأسف غير مجدية، ولا يمكن بهذه الطريقة وصول المساعدات إلى مستحقيها، بعد أن سقطت غالبيتها داخل مياه البحر والبعض الآخر سقط في مناطق بعيدة عن السكان".
أمّا المواطن خليل أبو قص، فقد عبّر "عن بالغ استيائه من الوضع الكارثي الذي وصل إليه سكان القطاع، من جراء سياسة التجويع التي تفرضها إسرائيل ضد المدنيين العزّل خاصة في جنوب قطاع غزة، حيث اكتظاظ النازحين بأعداد هائلة مع بدء دخول الاحتلال الإسرائيلي مدينة رفح، وعجز المجتمع الدولي والعربي في الضغط على إسرائيل من أجل منع العملية البرية".
ولفت في حديثه لـ (حفريات) إلى أنّ "فكرة إنشاء الرصيف البحري على الرغم من الحديث عن تداعيات خطيرة على مستقبل غزة، من خلال ما يتم تداوله بأنّه سيكون وجهة لتهجير السكان وسيطرة الدول الغربية على حقول الغاز القريبة من ساحل غزة، إلا أنّ السكان ينتظرون بفارغ الصبر إقامة الممر، والعمل على إدخال المساعدات بعد حالة المجاعة التي وصل إليها السكان لأول مرة في تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وفقدان العديد من المواطنين حياتهم نتيجة الجوع".
في سياق ذلك دعا الحقوقي صلاح عبد العاطي المجتمع الدولي إلى "ضرورة التدخل العاجل لإنقاذ حياة السكان في قطاع غزة من الموت جوعاً، خاصة مع فرض الاحتلال الإسرائيلي المزيد من القيود على المدنيين بإغلاق كافة المعابر، ووقف تدفق إدخال المساعدات منذ أسابيع، وبالتالي توقف عمل المنظمات الدولية الإغاثية التي تقدم الخدمات لمئات الآلاف من النازحين".
وأشار في حديثه لـ (حفريات) إلى أنّ "الواقع الإنساني داخل قطاع غزة كارثي للغاية؛ نتيجة ما يحصل من مجاعة حادة ومؤلمة من جراء استمرار الاحتلال في سياسة تجويع السكان العزّل، خاصة مع حشر الاحتلال الإسرائيلي أكثر من مليون نازح في منطقة إنسانية ضيقة جنوب ووسط قطاع غزة، بعد تهجيرهم من مدينة رفح على إثر العملية البرية التي بدأها الجيش قبل أيام قليلة".
وأشاد الحقوقي "بخطوة إقامة الميناء لإغاثة المنكوبين في قطاع غزة وتضافر الجهود العربية والدولية في إنشاء الميناء، داعياً إلى ضرورة ضمان انتظام تدفق المساعدات من خلال المنظمات الدولية الإغاثية، مع العمل على فتح المعابر البرية أيضاً مع قطاع غزة، بما يضمن الوصول العادل للمساعدات لكافة المحتاجين، والعمل أيضاً على وقف العدوان وعدم إطالة أمده".
يشار إلى أنّ أول سفينة محملة بـ (200) طن من المساعدات الإغاثية قد انطلقت بشكل تجريبي قبل شهرين من ميناء لارنكا القبرصي، ورست على شاطئ بحر مدينة غزة، وقامت بتنزيل حمولة من الطعام والشراب للسكان في شمال القطاع، في خطوة للتخفيف من حدة المجاعة التي يعانيها السكان، والعمل على تدفق المزيد من السفن مع اكتمال إنشاء الميناء المؤقت.